منذ بلوغها الثالثة عشرة وهي لم تتوقف عن الكتابة ولم تتوقف عن البحث، هي الشاعرة السويسرية سيلفيا دوبوي التي استضافها مؤخرا المجلس الاعلى للثقافة في مصر بالتعاون مع المؤسسة الثقافية السويسرية بروهلفيسيا في اطار النشاطات الثقافية واللقاءات الشعرية الدورية التي تستهدف محاولة التعرف على التيارات الجديدة في الشعر الغربي .
وتعد سلفيا دوبوي واحدة من اهم الادباء الرومانديين الناطقين باللغة الفرنسية في سويسرا ولدت في مدينة جنيف من اب فرنسي سويسري الجنسية وحصلت عام 1974م على درجة الليسانس في الفن الكلاسيكي وكانت تدرس الدراما في نفس الوقت وفي عام 1979 حصلت على ليسانس آخر في الادب الفرنسي وعلم الآثار اليونانية القديمة وعملت به في جامعة جنيف 1980م ومنذ عام 1981 وهي تدرس الادب الفرنسي في كلية Calvin بجنيف ولها عدة مؤلفات في الشعر والمسرح اضافة الى العديد من المقالات الادبية منها انطباعات عن الشعر الصوفي العربي والغربي، ومن اهم اعماله الشاعرية من مكان لآخر و حفر الليل و وجوه التائهين و اناشيد موجزة اما اعمالها غير الشاعرية فمنها كتاب مشاغل السفر ومسرحيتان هما السقوط الثاني و التعيسة .
وقد حازت سيلفيا دوبوي عام 1986م على جائزة Ramuz وهي من الجوائز الادبية الهامة كما حصلت عام 1997م على جائزة الياسمينة الفضية للشعر الفرنكفوني وقد ترجمت كتبها الى عدة لغات كما صدرت الطبعة العربية لاعمالها الشعرية الكاملة عن مؤسسة جسور للنشر والتوزيع بجنيف ترجمة احمد الدوسري.
وفي ندوتها بالمجلس الاعلى للثقافة في القاهرة القت سيلفيا دوبوي محاضرة عن اهم ما يميز تجربتها الشعرية.
تقول دوبوي: يتيح لي الشعر التأمل انطلاقا من المركز الذي هو ابحار في الذات ومحاولة للتركيز على جوهر التجربة الحميمة.
وتخلص سيلفيا دوبوي الى ضرورة ان نميز تماما بين الممارسة الشعرية وهي عملية بحث عن شكل وجماليات خاصة عن اي طابع لاهوتي يردنا الى حقيقة موحاة، فليس على الشاعر ولا في استطاعته ان ينشد اية حقيقة خارج نطاق ذاتيته الخاصة، فما يقدمه هو خيال حقيقي يرد كل قارئ الى ذاته، الى سريرته، الى ذاكرته وحياته، كل قصيدة تتطلب ان يعيد القارئ خلقها من جديد عند قراءتها فهي لا تردنا الى معنى بعينه وانما الى مستويات دلالية عديدة يدركها كل قارئ ويمنحها معناها بطريقته.
واليوم حينما نعود الى تراث او موروث ما تقول سيلفيا فهذا يعني ان لدينا مخزونا ما في مخيلتنا سواء كان دينيا او صوفيا او فلسفيا او خلافه وكل ما نفعله هو اننا نعيد خلق هذه المادة الشعرية الموجودة بالفعل ونمنحها شكلا ومعنى جديدا، هذا الاجراء حتى التطلع الى العالمية وهذا فيما ارى مطمح كل كتابة شعرية لا يمكن له ان يطمح الى تقديم اية حقيقة مطلقة ولا اي يقين فالقصيدة كما يقول رينيه شار :
هي الحب الذي تصنعه الرغبة والذي يظل رغبة يجب ان تبقى على هذا العطش وان تجعله تساؤلا دائما بداخلنا ان نتمسك به وبغياب الاجابة، نتمسك بهذا الصمت الذي يشكل القصيدة.
كما يشكل الموت والحياة، نتمسك بهذا اللغز الذي تحتويه القصيدة كما تحتوي الثمرة بذرتها.
وتعتقد الشاعرة السويسرية ان الكتابة الشعرية مثلها مثل اية كتابة تجلي شيئا ما، الذات بالطبع ومساحة اللاوعي بها، كما تجلي العالم والتجربة الجماعية، كل هذا يمر من خلال تشكيل للغة، لان ما تكشف عنه الكتابة الشعرية في الواقع هو اللغز الانساني ورغباته، لهذا تبينت دوبوي مبكرا جدا ان القصيدة الصوفية بجوهرها وكثافتها وتركيزها وطريقتها في احتواء المتناقضات دون ان تفض اشتباكها ومن خلال التجربة الداخلية التي تقود اليها القارئ فيسلم نفسه اليها ويترك القصيدة تحترقه، كل هذا جعلها تعتبر شكل القصيدة الصوفية نموذجا للشكل الجمالي الذي ارادته لشعرها، لقد تأثرت كثيرا مثلها مثل العديد من الشعراء المعاصرين بالشكل الموجز لل Haiku سواء كانت صينية او يابانية والتي تحاول من خلال ابيات ثلاثة التعبير عن لحظة تنوير في مواجهة الحقيقية.
وتعود الشاعرة السويسرية لمسألة التأمل انطلاقا من المركز فتقول: نقطة انطلاقي في مشواري الشعري هي خبرة الاشياء الحميمة التي احملها بداخلي وبالتالي فان رحلة بحثي عن المعنى تبدأ بنهاية ما ، بعد عام 1945م وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية وهيروشيما وما حدث للعالم من دمار صرح الفيلسوف ادورنو ان الشعر اصبح مستحيلا وان فكرة وجود ثقافة بعد اشويتز هي مجرد عبث او خديعة.
ان وطأة ميراث القرن العشرين رهيبة على الضمير الغربي الذي اراد ان يكون انسانيا وهذا يجعلنا نعيد النظر بصورة جذرية في النزعة الى صبغ الواقع بصبغة روحانية والتي كان يعتبرها بودلير الوظيفة الرئيسية للشعر وكما قال من بعده مالرميه ان الشعر هو المهمة الروحانية الوحيدة.
فاذا قلنا ردا على ادورنو انه مازال للشعر معنى وانه مازال ضروريا فليس لهذا سوى معنى واحد هو انه لابد من استخدام الشعر كأداة تناقش من خلالها مسألة النقص، نناقش فيها الالم والهوة الداخلية وتعطشنا الجامح للحب ولابد كذلك ان نسعى للتحول نحو ضياء مازال ممكنا.
جريدة (الجزيرة) السعودية