كيف تقرأ ملتقى الشعر أولاً كفعالية ثقافية بشكل عام وثانياً من خلال الأسماء الشعرية التي يستضيفها؟
هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها منطقة الخليج العربي وأنا سعيد جداً باستضافة بيت الشعر لي في الشارقة خاصة إن هذا الملتقى الشعري لا يعج بذلك العدد الهائل من المشاركين بحيث لا يبقى للفرد متسع من الوقت لأكثر من دقيقتين يتمكن خلالهما من الحديث عن تجربته الشعرية، فأنا يائس من تلك المهرجانات والملتقيات التي تجمع مئات الشعراء والنقاد وبالتالي هي لا تخدم لا الشعر ولا الفكر أما في هذا الملتقى فإن الشاعر يتمكن من الاستماع إلى شهادات الشعراء لأن الشعراء عادة يلقون الشعر ومن يسمون أنفسهم بالنقاد يتكفلون بالكلام عن الشعر وكأن الشعر هو وحي خالص وكأن النقد هو المعرفة والعلم في حين أن الشعر هو علم الحقيقة كما تقول العرب قديماً وأرجو أن تنشر أعمال هذا الملتقى في كتاب خاص حتى يستفيد منه الجمهور.
إلى أي حد برأيك يمكن للشاعر أن يستفيد فعلاً من الشهادة التي يقدمها زميله الشاعر حول تجربته الإبداعية؟
بالنسبة للشهادات التي يقدمها الشعراء حول تجاربهم الشعرية فهي مهمة جداً وكل يستفيد منها بطريقته، بالنسبة لي فأنا حريص دائماً في هكذا ملتقيات على الاستماع جيداً إليها وذلك لأرصد العلاقة بين التجربة الحياتية للشاعر وتجربته الشعرية وأتمنى أن يكون هناك اتفاق بين التجربتين فقد أصبحنا نعرف أن هناك شعراء يكتبون شيئاً ويعيشون شيئاً آخر، إن هذا التشظي وهذا العصاب هو شيء خطير فعلاً، نحن أمة تحتاج أن تكون صادقة في القول وليس مجرد إيهام الناس وإقناعهم بنظريات غريبة.
كان لك تجربة رائدة من نوعها حين أسست أول بيت شعر عربي في تونس، من أين جاءت الفكرة وكيف تمت صياغتها؟
نعم لقد أسست أول بيت شعر عند العرب في العام 1993 ولم يكن أحد في ذلك الحين قد نفذ الفكرة في أي بلد عربي لتنتشر بعد ذلك في المغرب العربي وفلسطين والإمارات وغيرها من الدول، أما عن جذور الفكرة فقد كنت قد ذهبت في أواخر السبعينات إلى باريس فوجدت سوقاً للشعر في إحدى الساحات العامة وقلت لنفسي هذه السوق تذكرني بتقاليد العرب الشعرية في سوق عكاظ وغيرها ثم أن بيت الشعر من الناحية التقنية هو الصدر والعجز وهو أيضاً الخيمة حين تقسم على اثنين، من هنا سمى الخليل بن أحمد الفراهيدي البيت والأوتاد والقوافي على مسميات الخيمة وأجزائها ولذلك كان حرياً بنا نحن العرب أن نؤسس بيوتاً للشعر في العصر الحديث. من ناحية أخرى، كان النشاط الشعري دائماً مهمة تقوم بها وزارة الثقافية ويستولي عليه النقاد والدارسون والجامعيون وكأن الشعر يحتاج إلى من يرعاه وليس نشاطاً مستقلاً بذاته ولأني اعتقد دائماً أن على الشعراء ألا يوكلوا تلك المهام لأناس آخرين وإنما أن يأخذوا أمرهم على عاتقهم فقد قررت تأسيس أول بيت للشعر في تونس.
كيف تمت بلورة هذا المشروع في ظل غياب تجارب مماثلة يمكن الاستفادة منها؟
كانت الضرورة الأولى والأساسية هي إيجاد مقر ل”بيت الشعر” بعد ذلك توفير مكتبة للشعر العربي والإنسان فيه ثم حددنا المهام والنشاطات التي يجب القيام بها كتنظيم ورشات للترجمة والعمل على تشكيلة مكتبة سمعية بصرية والبحث عن شعراء جيدين في المدن والقرى وإقامة المهرجانات والملتقيات يعني هو مشروع طموح يمكن من خلاله إضفاء لمسة شعرية على أي نشاط إنساني وهذا أمر مهم ورغم أني اختلفت مع القائمين على البيت بعد ذلك حول طريقة تسيير هذه المؤسسة وغادرتها بعد أربع سنوات إلا أنني سعيد جداً لأن الفكرة وجدت طريقها إلى أنحاء شتى من عالمنا العربي.
لاحظنا منذ اليوم الأول للملتقى إن السجالات الشعرية عادت كما هو شأنها دائماً إلى الاختلاف حول قصيدة النثر وهجاء كتابها، هل هو مجرد جدل أم أن هناك تضاداً حقيقياً بين عقليتين؟
- في رأيي يمكن أن يكتب الإنسان قصيدة نثر ويكون كلاسيكياً في بنيته العقلية ولكن أشك أن يكتب شعراً عمودياً ويكون حديثاً في تفكيره باستثناء نزار قباني وبعض الشعراء المتمكنين، المهم هو زاوية النظر والرؤية والثقافة التي يصدر عنها الشعر، من ناحية أخرى إذا لم يكن الإنسان حديثاً في أداء حياته اليومية فكيف سيكون حديثاً في القصيدة، أنا أعتقد أن هناك تزاوجاً وعلاقة بين ما نفعله في الحياة وما نكتبه، إن الكتابة هي نوع من التفاعل مع ما حولنا وبشكل عام يمكن القول إن إيقاع الحياة العربية ليس حديثاً بكل المقاييس.