لو سألني أحد عن الدوافع العميقة التي جعلتني رسامة تجريدية، سأجيب إنها الأسباب نفسها التي تدفع شاعراً إلى هجر قصيدة التفعلية والاتجاه الى قصيدة النثر.
أجد في التجريد حرية أوسع وأصعب في الوقت نفسه، ولأني أجد أن التشخيصية تمثل نوعا قديما من الرؤية للعالم، كما أن الانضباط فيها شكلاني الى درجة كبيرة. في أحيان كثيرة يخامرني إحساس، بأني كنتُ طفلة مختلفة عن الأطفال الآخرين، وهو ما اكتشفته لاحقاً، فقد كنت أعامل بشكل مختلف عن أقراني في المدرسة وفي البيت، وما زلت أشعر أني مختلفة. ما زلت أحتفظ برسوم طفولتي عندما كنت في المرحلة الابتدائية، وعندما أعود إليها أتعجب كيف رسمتها في تلك السن المبكرة. لعل في تلك الرسومات دلالة صغيرة أو كبيرة لما سأكون عليه لاحقا. لقد رسمت وجوه رجال ونساء. لم تكن تلك الوجوه تجريدية طبعا. كانت مرسومة بأسلوب منضبط وأكاد أقول بشيء من المبالغة، إنها كانت مرسومة بأسلوب 'أكاديمي' تقريباً.
منعطفات الطفولة
في وقت مبكر، بل في ذلك الوقت عرفت سعدي يوسف وفاضل العزاوي. عندما جاء العزاوي إلى عمان بعد 20 سنة سأل عني أول ما سأل، فهو الذي اكتشفني وكتب عني عندما كان عمري 12 عاماً لا غير. كنت أدرس في العراق بسبب عدم وجود مدرسة في عمان. كتب عني في مجلة 'ألف باء' الأسبوعية التي كان مديرا لتحريرها يوم ذاك. ما زلت أحتفظ بذلك العدد. أما القاصة سالمة صالح زوجة العزاوي فقد قامت بإجراء لقاء معي في بغداد للمجلة نفسها. كانت أجوبتي على أسئلتها ناضجة. الغريب أني كنت أتكلم عن الحرية والعبودية من حينها. كنت أرسم وجوها، ولو سألني أحد لماذا كنت أرسم تلم الوجوه لقلت له إن الوجه هو العالم، هو ملخص للعالم. أفكاري لم تتغير.
اليوم أتساءل هل كنت ميالة الى الألوان أم إلى الأشكال البشرية؟ وأجيب بأنني كنت ميالة لكليهما، وهذا ما ساعدني لاحقاً، لأنه منحني أساساً متيناً. لم يكن هناك في رسومي المبكرة هاجس لوني بالضرورة. لم تكن أيضا نزعة عفوية. كنت أبني اللوحة بناءً متينا. لم تكن أعمالا تشبه أعمال من كان بسني. الفارق الأول أنني كنت متمكنه جداً من أدواتي. اليوم لا أستطيع أن أرسم بالطريقة نفسها بالطبع، ولا بالبراعة ذاتها. اليوم اختلف الوضع.
نحن من عائله تهتم بالعلم والقراءة، وقد درسنا في جامعات خارج عمان لاحقاً. كان في عمان مدرسة واحدة هي السعيدية (خاصة بالذكور). جاءت لعائلتي فرصة أن ندرس المرحلة الابتدائية في العراق، ثم الجامعية في بيروت. كانت السعيدية تقع وسط مسقط.. لم يكن توجد في عمان قبل سنوات السبعينيات مدارس. كان كل شيء صعباً. كانت عمان مسوّرة بسور. أرسلنا الأهل للتعلم في العراق لأنه البلد الذي كان في وقتها يضمن لنا إمكانية التعلم أكثر من أي مكان آخر. أضف لذلك أن اللهجة هناك كانت قريبة من اللهجة المسقطية.
لا بد أن بيئة مسقط وجغرافيتها والطبيعة فيها، تركت اثراً مهماً وذكريات بَصَرِيّة عندي، لأنني بنت عمان، ونحن نعرف أن البلد والمكان يتركان تأثيراً أكيداً على المرء. أتحدث عن تاثير البحر والبيوت خاصة. لم يكن هناك لون آخر غير الأبيض مسموحا به لبيوت عمان . هذا اللون سيمتد إلى هاجسي المستمر بالنظافة. انا مسكونة بالنظافة إلى درجة الوسوسة. طابع البيت العماني القديم يروق لي. لقد ظل اللون الأبيض في ذاكرتي البصرية، حتى أن عينيّ صارتا تتعبان من الألوان الأخرى، في الغالب لاشعورياً وفي العقل الباطن.البيت بالنسبة لي أبيض، ملابسي أيضاً كلها تقريبا بيضاء.
في صغري لم أكن في الحقيقة أدقق بالتفاصيل. كنت أنظر إلى الاشياء العامة والكبيرة بدرجة واحدة من الاهتمام. التدقيق في التفاصيل يتعبني. أتردد اليوم أحيانا على مرسم للاطفال، وأتعلم منهم لأنهم الأكثر قدرة على التعبير عن أنفسهم بصدق. هذا الصدق أهم عنصر في كل عمل إبداعي. نحن نفقد العفوية مع التكرار والزمن.
لا تسبّب لي استعادة الطفولة الآن أية ذكريات سيئة. فأنا من عائله كبيرة العدد، تتكون من أربعة أولاد، توفي الكبير منهم، ثلاث بنات، أنا الاصغر من بينهم. عائلتي متدينة جداً ومتصوفة. عندما كنا صغاراً كنا نصلي مع بعض في المنزل والويل لمن كان يتخلى عن الفرض. وكان الصيام من الأمور الأساسية في البيت. كنا نتلقى تربية دينية صارمة لم نفلت منها قليلاً إلا في لبنان فيما بعد. ما زالت الصلاة مهمة لأولادي اليوم.
بسبب ظروف عمان كانت العائلة تعيش متنقلة بين مسقط والعراق. وكانت تشتغل بالتجارة. عندما أصبت في مرحلة الطفولة المبكرة بمرض في العظام ابتدأت علاقتي لأول مرة بالرسم. استلمت ذات مرة هدية هي عبارة عن علبة ألوان ودفتر رسم. لا أعرف من أهداها لي بالضبط لكنه كان أحد أفراد العائلة من دون شك. أتذكر هذه الفتره جيداً كأنها من الأمس القريب. كنت أُعامل معاملة خاصة حتى على مستوى المدرسة. تجربة الألم هي تجربة وجودية كبيرة يعرفها فقط من مر بها بشكل من الأشكال.
لا تأتي الأشياء في الفن بسهولة. إنها نتيجة التجارب الحقيقة العميقة في الحياة. تجربة الألم القديمة تلك كانت تسبب لي أكبر مشكلة في متابعة الدروس، في العراق أولاً ولاحقاً عولجت في بيروت. .
كانت هناك جالية عمانية كبيرة تسكن العراق على شكل مجموعات بقيت تحافظ على تقاليدها العمانية. سكنا في بغداد لكن كانت لدينا بيوت في النجف وكربلاء. عائلتنا قطنت محلة العيواضية في بغداد. هناك أتذكر حديقة بيتنا، كنا نسميها البستان. جل ما نأكل من الفواكه والخضراوات كان يأتي من هذا البستان.أتذكر اشجار البرثقال، وشجرة النبق التي كان إخواني يتسلقونها دائماً. كما أني لا أنسى شجرة التوت الاسود التي تمتد عبر الأسوارمن ثالث جار حتى بيتنا. اتذكر جذع هذه الشجرة كأنه شيء خرافي. كانت تسكنها الأفاعي، وكنا أنا وإخوتي وأولاد الجيران نلعب تحتها. ونتندر بقصص الأفاعي والثعابين. اليوم إذا كنت أخاف من أمر فأكثر ما تخيفني الافعى. ربما بسبب تلك التجربة الطفولية.
كانت مدرستنا قريبة من البيت واسمها 'المدرسة النموذجية'، وكنت أذهب اليها مشياً على الأقدام مع اثنين من إخواني. كانت مختلطة. يبدأ الدوام صباحاً وينتهي الساعة الرابعة عصراً. كانت تجربة الاختلاط شيئا عادياً، وقد تربيت على هذه الشاكلة. كان أهلي منفتحين على العالم، بل حتى المحيطون بنا من الأصدقاء والجيران كانوا من المتنورين. عندما أسمع اليوم بعض الأفكار الظلامية العجيبة عن المرأة والحجاب وما إلى ذلك من السجالات التي لا جدوى منها والتي لم أتعود عليها في تربيتي الأولى، أرى أن الوعي الاجتماعي في سبعينيات القرن الماضي كان ضاربا في التنوير والانفتاح. في المناخ الثقافي الحالي أشعر وكأني قادمة من عالم آخر. أشعر بغربه فظيعة كأنني غير قادرة بعد على الانسجام مع أحد، بحيث أنني اليوم لا أزور ولا أزار إلا ضمن خيارات محددة صارمة. دعوتُ مرةً إلى منزلي مجموعة من الشاعرات والفنانات والمثقفات العمانيات وحاولت أن أقيم صداقات معهنّ، فلم أقدر بسبب هيمنة مناخ منغلق وأفكار مسبقة، ففضّلتُ عزلتي. لا استطيع أن أرى بنات جلدتي مُختطّات بالسواد من أعلاهن وحتى أخماص أقدامهنّ. لقد اختنقت يومها وكانت هيئتي غريبة بينهنّ، ولم انسجم معهنّ في نهاية المطاف. لذا غالبا ما أدعو اصدقاء لي من خارج عمان، كان آخرهم الشاعر سعدي يوسف.
وفي العودة إلى الطفولة أذكر أننا كنا نقضي في المدرسة أكثر الوقت. أذكر الساحة الكبيرة فيها ودروس الموسيقى ودرس التاريخ. بعض الاحيان يأخذوننا إلى الأماكن التاريخية مثل آثار بابل والمدرسة المستنصرية، العباسية، التي لعلها أقدم جامعة في التاريخ. كانت المدرسة تقع بين الأعظمية وباب المعظم. أتذكر باب النصر قرب الحلة أي باب مدينة بابل العتيق، باب عشتارالذي رأيت نسخته الأصلية في متحف الفن الإسلامي في برلين. بعد سنوات لاحقة رأيتُ مثل هذه الآثار الرافدينية في متحف المتروبوليتان في نيويورك. كانت تجربة العيش في بغداد مفصلا مهما في حياتي. ذات مرة زارني صديق وقال لي: لو انك لم تقطني العراق لما أصبحتِ فنانة، وكان كلامه صحيحاً.
الآن ما الذي يبقى في ذاكرتي من ذلك كله؟. حديقة بيتنا والمدرسة والآثار ثم الإخوة. لم يكن إخوتي يقربون مني. كانوا يخافون لأني كنت مدللة، خاصةَ لأني كنت الأصغر سناً من بين الجميع في البيت. القيلولة كانت من الطقوس المهمة يومها في الصيف. لكن إخوتي كانوا يتقافزون كالشياطين في عز الظهيرة لأنهم كانوا يرغبون في اللعب في الحديقة بدل النوم. كنت ألاحقهم وكانوا يطردونني.
وصلت الصف الثامن، أي المرحلة المتوسطة كما يُقال في العراق.
بعد أن كبرت قليلاً بدأتُ أحب القراءة. وعلى الفور شرعتُ بالاطلاع على جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار مثلاً، بل وكولن ولسن الذي كان مشهوراً أيضاً في تلك الفترة. صرتُ متمردة وأتحدث بكلام أكبر من امكانية من هو بمثل سني. الشيء الكثير مما كنت أقرأه لم أكن أفهمه تماماً وبدقة. بعد أن كبرت أكثر من ذلك بدأتُ أفهم بطريقة أفضل. كانت تلك الكتب موجودة في البيت، ولا أعرف لمن كانت تعود. بعد ذلك صرتُ متمردة على كل شيْ رغم أنني كنت منذ البدء امرأة محافظة بمعنى ما وتقليدية في بعض الاشياء. لعل البعض يجد في كوني متمردة وتقليدية في آن واحد نوعا من المفارقة. منذ وقت جد مبكر لم أكن أحب التبرج وكنت ارتدي ثياباً محتشمة. وفي هذا السياق أذكر أن أصدقائي الذين أجالسهم لاحقاً، خاصة من العرب، كثيرا ما كانو يقولون لي بأنهم ينسون أنني امرأة تقليدية، لأن حواراتنا كانت تنطلق من الفكر أولاً.
العودة الى مسقط
أمضيت الثانوية والمتوسطة في مسقط.. في تلك الفترة لم أتأثر بأحد من أساتذتي لكنني كنت منذ وقت مبكر أحب رسوم الراحل شاكر حسن آل سعيد وأفكاره حول التدين واحترمها. ولاحقا بعض أعمال الفنان السوري الراحل فاتح المدرس وأفكاره كذلك. لوحاتي الأولى فيها كثير من شاكر آل سعيد. بعدئد إلتقيتُ بهما وانعقدت بيننا علاقه روحية كبيرة. كان المدرس يحب ويقدر شغلي، ودعاني الى سوريه حيث أقمت معرضاً في دمشق عام 1992. كان هذا اول معرض لي خارج عمان بعد الشارقة. وقد استغرب البعض حضور فنانة عمانية ترسم لوحات تجريدية. كانت الفكرة السائدة أن العمانية منقبة وترسم الجِّمال. في سورية زرت الفنانين في بيوتهم، مثلا نذير إسماعيل ونزيه نبعة ونصير شورة. ما زلت أتذكر سلّم بيت نزيه نبعة. منذ بعض الوقت سألت صديقة سورية فيما إذا كان نزيه يسكن في المكان نفسه. أخبرتني انه لا يزال هناك لكنه صار يتوقف ليستريح عندما يصعد ذلك السلم. مشهور سلم نذير هذا، فمن يصعده وهو مصاب بمرض في القلب يتعرض لمشاكل جمة لوعورته. أذكر كذلك زوجته المصريه الشلبية من بين ذكريات جميله في سورية. ثم أنني أنهيتُ المرحلة الثانوية في مسقط بعد بيروت. كنت في مدرسة مسقط الثانوية. لكن روائح الأضرحة والأماكن التي زرتُها أو عشتُها ما زالت في أنفي حتى اللحظة. ويحدث أن تختلط الروائح عندي بالألوان. لكل رائحة لون. أنا استعمل على الدوام ألوان الطبيعة في أعمالي وهذا الأمر معروف عني جيداً. ألوان أجلبها معي من السفر، خاصة من الهند. استعمل أحيانا أخرى لون القهوة للتدرّجات البنيّة. أحيانا الشاي والأعشاب المجففة، وكلها للبُنيّات. كما أني أصنع بنفسي عجينة الورق الذي اشتغل عليه. عندما اسافر أجلبه من تلك الأماكن الآسيوية التي يباع بها الورق: كوريا، الصين. يغير نوع الورق وتلك الألوان ملمس العمل.
اعتقد بأنني خليط من عدة حضارات وتجارب وملل وعقائد ومذاهب. وهذا ما تكلم عنه روبرتو تشلي واهتم به.
عندما عدت من العراق إلى مسقط عام 1972م لم تكن المدينة مثلما هي عليه الآن، فقد شهدت تغيرات من حيتها تعيرات معمارية وإنسانية وثقافية.
في ذلك العام، بداية السبعينيات، كانت توجد مدرسه واحدة فقط للبنات. وكان هناك شارع واحد. كنا نتنقل في سيارات 'الجيب' لأن الطرق جبال وعرة. كما كانت توجد في مسقط إذعة واحدة هي عبارة عن غرف قليلة مبنية بالخشب. الشخص نفسه كان يقوم بعدة أدوار ووظائف، فهو ذاته من يقوم بتحرير الاخبار ويقوم بدور المذيع. لم يكن يوجد تلفزيون بطبيعة الحال. عندما تأسس التلفزيون بعد ذلك اشتغلت به بصفتي مذيعة ومهندسة ديكور.
لكن أكثر ما أتذكره نساء مسقط.. كنَّ يلبسن الثياب الملوّنة بألوان حارة بهيجة، المنقوشة بالورود والزهور. كان منظرهنّ زاهياً كأنهنّ فراشات ملوّنة. بل أستطيع القول أنهنّ كنّ يتمتعن بحرية في ارتداء الملابس. كانت ملابسهن العمانية هذه تميزهنّ بشكل لافت. ملابس جميلة أصلا، منها كان يسمى ماكسي ولحاف. واللحاف هو الذي يوضع على الرأس. كان القماش الذي يصنع منه اللحاف خفيفا. كنا نتبين الشعر من خلال اللحاف، وليس كما هو الحال اليوم.
كانت أكثر بيوت مسقط مبنية بالطين والحجارة. كانت بسيطة وصلصالية، ولم تصل الكهرباء حتى سنة 1970م. كانت الحياة في غاية الصعوبة جدا وذات إيقاع ممل. كان الأكل غير صحي أيضاً لأنه كان يأتي من خارج البلاد. كان مجمدا ماعدا السمك الذي يأتي من البحر فورا وكان رخيص الثمن وطازجا، خاصة وأن عائلة مثل عائلتي كانت تسكن أمام البحر مباشرة. في العراق كان بيتنا أمام نهر دجلة أيضاً، وكانت حديقته تُسقى من النهر الواقع خلف المنزل تماماً. اليوم أسكن فوق جبل في مسقط، في منطقة مرتفعة. ليس البحر أمامي اليوم لكنه لا يبعد سوى خمس دقائق في السيارة. في أكثر من مناسبة تحدثت عن السور في مسقط المحفور في ذاكرتي.
الذهاب الى بيروت
ذهابي إلى لبنان يستحق وقفة كذلك. إذ عندما عدت إلى العاصمة العمانية لم يكن يوجد صف ثامن، الأمر الذي دعا عائلتي إلى إرسالي إلى بيروت عن طريق اليونسيف ضمن برنامج دراسي خاص. كنا بنتين وبضعة شباب.
سكنا في بيت من بيوت الطالبات، كان هناك مشرف مسؤول عنا. كنا لا نحبه. كان ثقيل دم. أينما توجهنا كنا نراه أمامنا كالجني الذي يود كتم أنفاسنا. لكننا لم نكن نعيره اهتماما يُذكر. كنا نتحايل بكل الطرق لكي نفلت منه.
في زيارتي الاخيرة لبيروت عاودت زيارة المكان،. عملياً لم أجد شيئا قد تغير سوى التفاصيل الصغيرة. التغير الكبير حسب مشاهدتي وقع خلف الحمرا على جهة الجامعة الامريكية بينما بقيت منطقة الجامعة مثلما هي. أتذكر شارع الحمرا ومقهى الهورس شو والستراند وسينما الستراند والمكتبة التي تنزل لها عبر سلم. عندما زرت ذلك كله بعد عشرين عاما بمناسبة معرض لي في الهورس شو، كانت الشوارع والارصفة مخربة وصور الخميني والسيد حسن نصر الله تملأ الشوارع. لكن الوضع في زيارتي الأخيرة كأن أفضل قليلا لجهة حضور القليل من الصور والملصقات على الأقل. لقد قابلت هناك في تلك الفترة بعض الذين اعرفهم وهو أمر سآتي عليه لاحقا.
في بيروت كانوا يعطوننا برنامجا مكثفا خاصاً للعمانيين حصرياُ، وكان يشمل كل أمر يخطر على البال: برامج كشفية ورحلات ودروس في الطبخ وموسيقى ورقص الدبكة وجميع أنواع الترفيه، وكذلك زيارات إلى مدارس الأيتام والمعوقين. كانوا يسمون مدارس الأيتام الأم البديلة: نأخذ مجموعة من الأولاد ونكون مثل أم لهم. كان منظر الأولاد يثير الألم وكانوا فرحين بزيارتنا لهم. كانوا ينتظروننا بفارغ الصبر كل اسبوع وقد ارتدوا أحسن ملابسهم وكنا نقدّم لهم الهدايا. كانو يسكنون 'الجبل' بين أشجار الصنوبر والكرز. كان مشهدا بديعاً حيث رائحة الأعشاب البرية التي كنا نقطفها عند العودة من أطراف الطريق وسط الأحراش. أثناء ذلك كان السائق يضع طوال الرحلة أغاني فيروز ووديع الصافي وصباح ولم يكن الراديو ليصمت لحظة واحدة.
عند عودتنا أثناء الإجازة إلى مسقط كانت العودة كابوساً حقيقياً. كان الأمر صارماً فقد كان أهلونا ما ان ينتهي المؤسم الدراسي حتى يعلنوا عن ضرورة عودتنا من الغد إلى مسقط، لا جدال. كان قانونا صارماً.
طُلب منا في بيروت مرة عام 1975 أن نحضر مناسبة ما. فيها التقيت الشاعر البحريني قاسم حداد وكان قد خرج للتو من السجن، وكان يتحدث عن تجربته في السجن. وكان ضعيف العود. لكنني لا أحب السياسة وكان كل اهتمامي أيام بيروت منصبا على الفن والكتب والشعر. في تلك الفتره لم نكن نرتوي من السينما. كانت دور السينما في بيروت تتسابق في عرض أحدث الأفلام. كنتُ في فترة المراهقة وكانت أغاني زمان وأيام الديسكو جميلة بل قد أقول إن كل شيء كان أجمل. كنا في فترة 'الزمن الجميل'.
قضيت سنتين في بيروت، وكان عمري 15 عاماً. عندما انفجرت الحرب هربنا إلى مسقط من جديد. الدراسة في بيروت لم تُحسب لنا على أي حال.
من مسقط إلى القاهرة
بعد بيروت ذهبتُ إلى القاهرة مع مجموعة من الطلبة للدراسة في مجال التلفزيون. كنت مع شابتين وبضعة شباب. أحد المبتعثين معنا صار وزيرا للإعلام وآخر وزيراً للتربية. جل الذين كانوا معي صاروا سفراء ووزراء في الحقيقة.
سكنا هناك في مصر الجديدة، ومنها انتقلنا الى الدقي. وكانت هناك دورة دراسية مكثفة خاصة بنا فقط. من جهتي فضلتُ دراسة الديكور لأنه كان يستجيب لهواجسي من بعيد. عند عودتي الى عمان اشغلتُ في التلفزيون مذيعة ومصمّمة ديكور. لم يكن الحجاب يومها موجوداً. كان هناك سنة 1975 ثلاث مذيعات عمانيات وكلهن بدون غطاء الرأس. ولم نكن نعرف 'العباءة'.
رواق عمان
بعد العمل في التلفزيون أكملت دراستي في مادة القانون وعملت بعدها في وزارة الخدمة المدنية العمانية باحثة قانونية. أما لماذا درست القانون؟ فلم يكن الأمر خياراً محضاً، فقد طُرحتْ علينا ثلاثة خيارات اخترت القانون من بينها. وانجبت في ذلك الوقت بنتا وولدا. بقيت أعمل في الوزارة حتى تركتها لكي أفتتح لي غاليري للفن التشكيلي في أبهاء أحد الفنادق في مسقط.
كان ذلك أول غاليري في عمان، وحمل اسم 'رواق عمان'. عرضت فيه اعمال أهم الفنانين العرب مثل فاتح المدرس وشاكرحسن واسماعيل فتاح الترك والمغربية شعيبية. كان الاقدام على تلك الخطوة مغامرة جريئة، فما من احد في البلد قد سمع بأسماء اولئك الفنانين، لكنني فوجئت بإقبال الزوار على الغاليري من نزلاء الفندق حيث كان يقيم ضيوف البلد من جميع الدول من غير العمانيين. كنت أفاجأ بالضيوف المنحدرين من جميع المستويات: شخصيات معروفة سياسياً وفنياً وادبياً. ما ازال احتفظ بدفتر كان الزوار يسجلون فيه انطباعاتهم عن الأعمال المعروضة. لقد اصيبوا بالدهشة. لم يدر بخلد البعض منهم أن أعرض لشاكر حسن مثلاً. ذات مرة زارتني سيدة كويتية وفوجئت بأعمال الفنانين المرموقين التي عرضتها. كان الغاليري بالنسبة لها كنزا تشكيلياً، ولأنها امرأة ثرية وقد اشترت مني مجموعة كبيرة من الأعمال المهمة. اليوم أجدني نادمة قليلاً لأني بعت بعض تلك الأعمال خاصة لوحات شاكر حسن آل سعيد.
كانت فترة الغاليري أهم فترة من فترات حياتي على المستوى الشخصي. فقد التقيت بناس من كل الأجناس، بعضهم كان شغوفا بعملي التشكيلي، أذكر اليابانيين والألمان بشكل خاص. كانت فرصة بعت فيها الكثير من أعمالي التي لا أعرف الآن أين استقر بها المطاف في العالم. كنت أحصل على تقدير رفيع وإعجاب عال من أولئك الزوار المشترين، وكنت بالنسبة لهم أمراً كبيراً وعظيماً، كانت تجربة مثيرة. كان بعضهم يرسل لي رسائل شكر ويصور لوحاتي المعلقة على جدران بيته معتزا بها أشد الاعتزاز. وكان ذلك يسعدني ويرفع من معنوياتي. من جانب اخر كنت كثيرة الحيرة من البعض، حتى لا أقول الكثير، من الاصدقاء الذين يكرهون نجاح الآخر.
كان زبائني من السفارات الفرنسية والجالية الالمانية. كانوا في الغالب من الأجانب. كل أسبوع كنتُ أغير اللوحات، ففي كل يوم خميس تأتي مجموعة من الفرنسيين والامريكان الموجودين في البلد. صارت زيارة الخميس بالنسبة لهم جزءا مهما من برنامجهم.
وهذه كانت مسؤولية كبيرة، فكيف نحافظ على حب هؤلاء للغاليري حديث العهد في مدينة مثل مسقط؟ لقد كان هذا الغاليري أروع شيء انبثق في حياتي. كنت أبدا الدوام من العاشرة صباحا ولا انتهي حتى العاشرة مساء. كان يشكل حياتي كلها.وهناك كنت التقي أصدقائي، وهم من أرقى المثقفين. كل الشخصيات التي تخطر على البال التقيت بها هناك، وكان البعض يستغرب أنني من عمان. قيل لي يومها أنني والغاليري انما نشكل الواجهة الحضارية لعمان.
مرة زارني شخص أجنبي في الخمسين من عمره تقريبا مع زوجته، بهندام بسيط ويلبس الجينز. دخل وفورا اهتم باللوحات، وذكر لي بأنه يعرف جيدا الفنانين المعروضة رسومهم يومها، وهم نوري الراوي ورافع الناصري وعلي طالب وغيرهم من الفنانين العراقيين. عندما سألته عن اسمه، فوجئت بأنه 'كولبنكيان'
روى لي أن عائلته قد أنشأت متحف الفن الحديث في بغداد وهو من قام بإرسال أولئك الفنانين في بعثات خارجية لدراسة الرسم. روى لي الكثير من تلك القصص. كان يزور الغاليري أيضا بشكل منتظم الشيخ حسن من قطر، وهو من قام بإنشاء أكثر من مجموعة تحولت إلى متاحف في الدوحة. أذكره دمث الأخلاق، متواضعا. كان يحلو له الجلوس في الغاليري، أو يدعونا إلى جناح الفندق الذي يقيم فيه. ويشتري في كل مرة أعمالا من الغاليري. كان ضياء العزاوي يجيء أيضاً مع الشيخ حسن طيب الذكر.
للأسف أُغلق هذا الغاليري، بسبب إشكالات ادارية، حيث رغبت ادارة الفندق الذي كان تابعاً لوزارة السياحة في توسعة مكتب مكرس لخدمات الكومبيوتر فأضافوا الغاليري لذلك المكتب. وهكذا بكل بساطة انتهت واحدة من اهم تجارب العرض الفني في منطقة الخليج.
التفرغ للعمل الفني
لكن إغلاق الغاليري دفعني بشكل جذري لأن أكرّس ذاتي للعمل الفني. صرت أرسم وأسافر كثيرا. ما زلت أحلم بالطبع أن يكون لي غاليري فقد أحببت ذلك العمل الحيوي. وقد تعرفت عن طريقه على الكثير من الفنانين والمثقفين العرب. واكتشفت أن بعضهم لا علاقه له لا من بعيد ولا من قريب بالمجال الفني وعمقه الحقيقي. آخرون لا يستطيعون التفريق بين التجريد والسوريالية. شاعر مشهور قال لي أنت سوريالية، ناقدة مشهورة ذكرت أن في أعمالي تفجرات لونية في حين أن تلك الاعمال كانت في غاية الاقتصاد اللوني.
كانت علاقة بعض المثقفين العرب بالمرأة مشوبة بالكثير الذي يمكن أن يُنقد. أحدهم كان يحتقرها بصراحة. لم أكن أشعر وسطهم بأنني امرأة بالمعنى التقليدي. كنت بالأحرى صديقة أو أختاً. فلم أكن ذات غواية. كنت قد اتخذت قراري بأن أقف بمسافة من الآخرين ولا أشترك بأيّ من المسرحيات الهزلية. كان من المقرف أن ترى البعض منهم ثملاً والآخر يقوم بشتيمة صاحبه. كان الرجال يخافون مني لأني كنت صارمة في تلك الأمور. يسمونني أخت الرجال...
بعضهم في الندوة الباريسية لم يكن يعرف أين تقع عمان. ومن الطرائف أنني عندما أخبرت سفير عمان في باريس منير مكي أن بعض هؤلاء الناس لا يعرفون أين تقع عمان، قال بأسلوب بين الجد والهزل، بأننا من دون مشاكل لذا لا يعرفوننا. هناك التقيت بالكثير من النساء مثل نوال السعداوي التي أحترمها كثيراً، وأحلام مستغانمي قبل شهرتها. كانت معنا أيضا ميسون صقر القاسمي التي كانت تعمل وقتها مسؤولة في المجمع الثقافي في أبو ظبي، كما الفلسطينية ليانة بدر. بهذه المناسبة أتذكر فوزية أبو خالد التي كانت صديقتي في بيروت عام 1973. وايتيل عدنان وسيمون صديقتها. كانت تلك هي المرة الأولى التي ألتقي فيها بإيتيل، لكننا عرضنا سوية في واشنطن. بحوزتي اليوم فيلم قصير عنا. وحسب ما أتذكر فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي كانت تُصوَّر في شريط. قد أنشره قريباً، وفيه نتكلم عن الاشياء المشتركة بيننا كالنظافة، أما سيمون فتشرح في الفيلم تفاصيل يومها، وقد أعجبتني حياتها: ليس من مسؤوليات ولا أولاد وتسافر كثيرا مثل الطيور المهاجرة. شقتها هادئة وجميلة، وهي في غاية الجمال، وقد التقيتها في معهد العالم العربي في ندوة إبداع المرأة عام 1994. اليوم استغرب من رؤية النساء المطالبات بالحرية وهنّ يرتدين النقاب او الخمار. أية حرية تكمن خلف ذلك. لا أفهم.
السفر بوصفه تجربة جمالية
زرتُ الكثير من متاحف الفن في العالم والغاليريهات الكبرى واطلعت على كثير من التجارب الفنية الحديثة، وقفت مذهولة، أمام الأعمال الأساسية العظيمة في تاريخ الفن العالمي. تيت غاليري اللندني، المتروبوليتان في نيويورك واللوفر والمتحف البريطاني، متاحف الفن في سويسرا، في برشلونة، متحف بيكاسو، النمسا، امستردام، النروج، السويد ، الدنمارك، فنلندا، ثم سان بطرسبرغ وموسكو. استمتعت كثيرا في روسيا حيث رأيت العجب العجاب في متاحفها الوطنية كالمجوهرات التي هي تجسيد لشغل جمالي وحرفي رفيع. كما زرت اليابان وكوريا وماليزيا وهونغ كونغ والصين وبانكوك وسنغافورة وشنغهاي والفلبين.
من لندن الى نيويورك انتقلت في الباخرة كوين ماري وكان الأمر بديعاً حيث سبعة أيام كاملة وسط المحيط، بعدها ذهبت إلى فانكوفر في كندا ثم سان فرانسيسكو ولوس أنجلس وهوليوود ولاس فيغاس ثم انتقلت إلى أقصى مكان في الاسكا ورأيت الثلج. في موسم ذوبانه أول مرة اخذت فيها الباخرة كانت من برشلونة. ثم انطلقت إلى باريس فإيطاليا ثم جزر كابري وروما فاليونان ثم كرواتيا. ومن لندن انطلقت إلى الدول الإسكندنافية كلها لأصل إلى موسكو. أما رحلتي الثالثة فكانت من لندن إلى أمريكا. رحلة أخرى انطلقت بها من تركيا إلى إيران فالهند وباكستان.
في بعض بلدان جنوب شرق آسيا تلاحظ أن الكثير من الأشياء مقلدة بشكل مفضوح. اليوم عندما أرى عملاً فنياً أعرف إذا كان مقلداً أم لم يكن. صَوَّرتُ جميع البلدان والأماكن التي زرتها. كل الصور الفوتوغرافية في أدراج مكتبتي. وهي ثروة فوتوغرافية ثمينة يمكن أن يخرج منها كتاب ضخم.
زرت أيضا جميع مسارح العالم وأجملها.
عند العودة من تلك الرحلات قد يصاب المرء بفقدان التوازن الثقافي جراء ما رآه وبالأخص حين يلجأ إلى المقارنة. كنت أتساءل أين نحن من هذا العالم، ومن هذه الانجازات العظيمة في كل ميدان معرفي ومعماري ومديني، خاصة التشكيلي. عندما نتطلع إلى الفنانين في منطقتنا لا نعرف كيف دخلوا منطقة الفن، ففي الوقت الذي نعرف أن البعض منهم لا علاقة له به تسوّق لهم بعض الغاليريهات التي لا تعرف هي بدورها الكثير عن الفن. النتيجة أنهم يصدقون بأنهم فنانون بالفعل، ثم يقع تصنيفهم في إطار وضعية اجتماعية محددة ليبدأوا باقتراح أسعار مرتفعة لأعمالهم. هنا يضيع الفنان الحقيقي. أعرف من نصحني صغيرةً، قائلاً لا تجالسي أنصاف الموهوبين أو أنصاف الفنانين والمثقفين. استوعبتُ النصيحة وما أزال أتذكرها.
عبر تربيتي لأولادي، فتحت الباب لهم أن يجربوا الحياة، وحرصت على ان يتعلموا في الخارج ويعيشوا تجاربهم الفردية. ففي نظري يكون الحداثيّ حداثيا في جميع شؤون حياته، في تفكيره وعيشه ولباسه وفي بيته، لأن تلك المظاهر المتنوعة مرتبطة بشكل وثيق مع بعضها.
سفراتي الى جنوب شرقي آسيا تمثل عالماً آخر. إن علاقة شعوب تلك المنطقة بالحداثة وما بعد الحداثة واهتمامها العميق بالفن ومتاحفها وكتب الفن والترجمه شيء مهول. إن طوابير البشر على المتاحف والغاليريهات والإقبال على إبداع واقتناء التحف تجعل من الظاهرة الفنية هناك أمراً حياتيا ووجوديا. إنها شعوب تحب الفن بشكل عميق كما لو أن علاقتها متأصلة فيه، فهو يشكل جزءا من نسيج حياتهما. إنهم يبرعون كذلك في إنتاج الأعمال اليدوية. إننا نشعر أن طبيعة البشر هناك تقوم على التفتح والانفتاح على الحياة وتقبل الجديد. هذا القبول بكل مستحدث ظاهرة تقع من دون وجود التابوهات التي تكبل طاقة الإنسان الخلاقة. لاحظت في نفس الوقت أن كثيرا من الشباب متمسكون بمعتقداتهم الدينية والروحية ويمارسونها في أماكنها المنتشرة بوفرة في بلدان شرق آسيا.
هناك علاقة آسرة نشأت بيني وبين العالم النباتيّ ايضاً. عندي في حديقة المنزل حالياً شجرة ليمون زرعتها بيدي، وكذلك شجرة تين وشجرة 'ببايه' وأشجار ليمون حلو وموز. اهتم بالزهور أقل من اهتمامي بالأشجار.
الحديقه مهمة للغاية بالنسبة لي. أمضي اكثر وقتي في هذه المساحة الخضراء. حديقة صغيرة يقع مشغلي خلفها، في قمة الجبل حيث أطل على فضاء مفتوح شاسع. لا أستطيع العمل في أماكن مغلقة، يشعرني الأمر بالاختناق. جل عملي يتم خارج المشغل، لا أرسم داخله سوى عندما يسخن الجو في الصيف فاضطر للدخول فيه.
لا أعمل على لوحة واحدة بل على سلسلة من اللوحات، وعلى عدة مراحل: مرحلة أولى وثانية وثالثه وهكذا. أرسم وأمحو على عدة طبقات حيث هناك الكثير من الكشط. ويمكن أن أترك اللوحة لأعود إليها لاحقاً. أعرف أن اللوحة قد اكتملت عبر الخبرة، وليس من خلال الحدس. خبرة تكونت بعد كل هذه السنوات من العمل التشكيلي. أنا حرفية ليس بالمعنى الحرفي للكلمة بل بمعنى أنني أعرف ماذا أعمل. في العمل التشكيلي تكون التقنية اشبه بشيطان الشعر بالنسبة للشعراء. كلما نتقدم بالعمر نفقد هذا الحدس، وطوبى لمن يحافظ عليه. لو أني محوت خطا من هنا أو أضفت خطا هناك فإنني إما أضيف للعمل توازنه او أني أُفْقِده. إنها مسألة في منتهى الدقة. ليس هناك من فوضى بل قوانين نلتزم بها ويحاسبنا عليها الناقد القابع في أعماقنا، خاصة وفق الطريقة التي اشتغل بها الناقد في داخلك قوي وقاس، وعليه أن يكون صارما فذلك يجري لمصلحة العمل.
القدس العربي
2011-11-14