" 1 "
مثلما تتفتح زهرة النرجس , وتطل محدقةً في ذاتها بافتتان وذهول على صفحة غدير من الماء البارد العذب تفتح وعيي على الشعر ككائن جمالي ومعرفي وفني وإنساني , في وقت مبكر جداً من عمري الذي مضى منه , وانقضى ثلاثة واربعون عاماً منذ ولدت بصنعاء , حتى الساعة , وذلك في حرب السبعين يوماً سنة 1967 , وقت كان والدي اللواء المتقاعد حالياً حسين بن علي الكبسي يرابط بقسم شرطة جمال جميل . والدي الضابط الثائر المثقف البسيط الذي كان قد قرر منذ شارك في اندلاع الثورة على الإستبداد في 26 سبتمبر 1962 أن لا يقول شيئاً مهماً وخطيراً عن نفسه امتيازاً كثائر ومناضل , ربما لإنشغاله في مرحلة مابعد الثورة بالحفاظ على الثورة رفقة جنوده على ظهور الجبال , وبطون الأودية دون أن يغمط حق واحد من زملائه الثوار من خريجي الكلية الحربية والطيران والبوليس (الشرطة ) في دعاوى البطولة والمفارقات , الإنتصار والفتوحات , فما يزال التاريخ , تاريخ الثورة , لم يكتب بعد. ولإنشغاله بتوفير لقمة العيش لأولاده متنقلاً مابين المحافظات .. , والى أن استقر به الحال من حيث بدأ بصنعاء , صنعاء القديمة , بحارة الشهيدين تحديداً , وما أدراك ما حارة الشهيدين ؟
أتذكر أن والدتي " أمة الله بنت السيد العلامة يحى حمود دومان "- مواليد قرية حدة - أول من أخبرني بقصة مقتل الشهيدين قثم و عبدالرحمن إبني عبيدالله بن العباس بن عبد المطلب ( والي الإمام علي عليه السلام على اليمن ) كأول طفلين , إن كان للطفولة معنىً في ثقافتنا العربية القديمة والمعاصرة ,يذبحان بسيف الإستبداد .
قتلهما بسر بن ارطاه ( والي معاوية بن أبي سفيان , على اليمن ).
كانت والدتي بالنسبة لي كطفل في حارة الشهيدين لم يتجاوز الخامسة بعد , مركز الكون و مصدر الحقيقة ,على الرغم من أميتها فهي لاتقرأ ولا تكتب , لفقدها والدها الذي لم تره ,على الصغر. كان عالماً وشاعراً , وكان يقول , كما قيل , كلاماً عن زوال الدول بالثورات,وغرق صنعاء بإتساعها حتى تصير لها الجبال أسواراً ,وحكم الأحمر , وعصر الظهور ..,إلى آخر مايمكن أن يقوله عالم شاب جُنَّ وتجاوز الزمان بالرؤيا , فرأى ما رأى , وعند عودته لم يسعفه البيان عن الإفصاح فسكت عن الكلام المباح .
أتذكر أن والدتي كانت كثيراً ماتحدثني عن " صياد " , و " مخفيق " , و " البده " , و" الشعرة " التي طاردت خالها الحاج علي الغراسي من مكان عمله بطاحون حميس بمنطقةحدة حتى بيته ,وأتذكر أنني كنت أنشدُّ كأقوى ما يكون عليه الإنشداد الى سردها , وأن مفاصلي كانت تتسمر عن الحركة , وتلتصق بطني بالأرض إلى الصباح , وأنني كنت أشعر بالتعاطف ,في كل مرة تحكي لي والدتي عن " عج بن عنق " كأطول مخلوق ابتلى الله الأرضَ به حتى صارت له الشمس فرناً , والبحر حوضاً , والحوت سفوداً , كنت أشعر بالتعاطف مع هذا المسكين الذي لم يتسع له بيت , والذي إن سقط متعثراً بجبل لن يقوم إلا بعد لأي , وأنني لا أتمنى أن أكون مثله , حيث لا أم , ولا أب له , ولا أخوة وأصدقاء .
وأتذكر أنني كثيراً ما كنت أتأمل صومعة جامع الشهيدين , وأستحضر الأذان والتسبيح بصوت " الصفي محبوب " , و " الحورش " حتى الإستغراق . سألت والدي مرات أثناء ماكنا على سطوح البيت لإطعام الحمام , فقد كان والدي مولعاً بتربية الحمام , ومازال مولعاً بها الى اليوم , سألته عما يعنيه المؤذن ب " الله أكبر " , ما معنى الله أكبر ؟ أكبر من الصومعة , من جبل نقم , من الغيم , أكبر من كل كبير وحسب .
كان وقتها " الحورش " يجلجل محلقاً وصاعداً بالأذان : " حي على خير العمل , حي على خير العمل ".
أتذكر أنني كنت أستطيع وقتئذ التمييز بين صوت " الحورش " , و" الصفي محبوب " , وأنني كنت طفلاً حالماً , وأميل الى التدين منذ علاقتي المبكرة بالصلاة , وأنني كنت أستأنس بوجود الشهيدين قثم و عبدالرحمن بالمسجد , وأنني كنت أتفهم إشفاق والدتي على الفقراء والمساكين في الحارة بما فيهم " أمي مريم " العجوز المقعدة المنسية , التي كثيراً ما أخافني الظلام , والحركة المريبة للفئران والعناكب , ورائحة الرطوبة والوحل عند مدخل سمسرتها الملاصقة للجامع حتى ماتت .لم تكن والدتي تمتلك أكثر من الخبز والدموع والدعاء .كان خسوف القمر إيذاناً بالقيامة لدى والدتي القلقة , ولدى سكان الحارة البسطاء الأبرياء الأنقياء بشتى أطيافهم وانتماءاتهم الأسرية , ومهنهم المتعددة ,ولدى الصفي محبوب الذي سيعمل بصوته المهيب على حشر الناس ليلاً بالدعاء والبكاء والتضرع , والصلاة , والذي لم يكتف بالصلاة حتى انطلق بهم في تظاهرة جماهيرية غالبة لها أول وليس لها آخر عبر هتافه المشهور : " ياالله جليها بحق محمد ساويها "حتى زوال الخطر .
تعرفتُ في طفولتي على القمل والبراغيث , ورأيت جيوشاً من البق تزحف في ظلام غرف البيوت , وتألمت من تشقق العوارض الجلدية للقدمين : قدميّ , ولبست الثياب المرقعة كغيري من أطفال حارة الشهيدين , بل حارات صنعاء القديمة , بل اليمن كلها .
وتمنيت , وبكيت لكي أحصل على دراجة هوائية فلم أحصل عليها . عرفت طفولة مليئة بالفرح وموشومة بالحرمان , حافلة بأهازيج التمسيات في رمضان , والتسقا , و المدرهات ,و الجنائز , والزفاف , والحج , والتقطت كل الأصوات الجميلة من المآذن , والقراء ’قراء القرآن ,والصادرة من شبابيك البيوت , وعند نزع الماء من الآبار , وقرأت كل العيون الإنسانية والكتابات , والنقوش والزخارف الجيرية الصنعانية البديعة على البيوت , وفي المساجد , والوجوه , والقصور القديمة , وأخرجني حبي الأول الى الشعر , أو أن هذا الأخير كان قد قادني الى الحب الذي ما يزال يتسعر في صدري كلما يممت جهة صنعاء , جهة حارة الشهيدين التي مازلت مابين وقت وآخر , أمرُّ عليها هائماً في حواريها ولسان حالي قول الشاعر العربي القديم : أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدارا وذا الجدارا وما حب الديار شغلن قلبي ولكن حب من سكن الديارا.
" 2 "
ليس في طفولتي شيء مهم أود أن أتذكره هنا , سوى أنني كنت طفلاً عادياً جداً لا تدل ملامحه أو طباعه أو سلوكه على النبوغ . أتذكر أنني كنت هادئاً كالجدول ,وأنني كنت كلما سقطت الأمطار على بيتنا بحارة الشهيدين من صنعاء القديمة أشارك والدتي وإخوتي الصغار النزول الى الطابق الأوسط منه والخوف من أن يقع البيت علينا في أي لحظة , وأنني كنت أسعد بتوقف المطر مثل والدتي وبمضي الحياة في بيتنا من جديد , الحياة بمعناها الفرح . أتذكر أنني كنت أردد غيباً القاعدة البغدادية في الكتاب( المعلامة ) , وأنني كنت أتلو جزء عم منه بالفليحي آية أية حتى الحفظ , وأنني كنت قد استفدت من مواظبتي على التعلم لدى القاضي عبدالله الخروش بجامع معاذ , ولقد كان لخط المرحوم الخروش على السبورة أثر في تذوقي للشعر , فقد كانت الشواهد المكتوبة رقعة ونسخاً شعرية , وكان لحديث الصخرة ضمن الأربعين حديثاً النووية وقعه على مخيلتي . أتذكر أنني لم أكن جاداً في تعاملي مع طابور الصباح بالمدرسة , وأن للقاضي المرحوم علي صالح الزبيدي الفضل الكبير في تعلمي حفظاً الشعر ,والتجويد .أول الأبيات الشعرية التي أملاها علينا بمدرسة ابن الأمير بالصف الرابع من التعليم الأساس, وتذوقتها , هي : ( قنعت بالقوت من زماني / وصنت نفسي عن الهوان . خوفاً من الناس أن يقولوا / فضل فلان على فلان . ومن رآني بعين نقص / رأيته مثلما رآني . ومن رآني بعين تم / رأيته كامل المعاني ). أتذكر أن تعاملي مع الشعر على نحو قصدي كان مع وصولي المرحلة الأعدادية , وأنني كنت قد أصبحت شاعراً كما ينبغي أن يكون الشاعر الناشئ مع إنتقالي الى المرحلة الثانوية في 1985 , وكنت قبلها قد قرأت كل ما يتعلق بحياة الرسول (ص) وأهل بيته , والنقاش الذي دار في السقيفة ويدور الى اليوم . قرأت كل الأدبيات , وكل الأسانيد الزيدية فيما يتعلق بالحديث الشريف , مثل : الأسانيد اليحيوية , وأمالي احمد بن عيسى بن زيد , وأمالي " أبو طالب ".
وأنني كنت شغوفاً برسائل العدل والتوحيد ,وبسيرالأئمة : زيد , ويحى بن الحسين وغيرهما. وبمنطق فقهاء الزيدية في شرح الأزهار في تخيير القارئ بين أن يأخذ برأيهم أو غيرهم , فكلهم من رسول الله ملتمس . وبالعقائد , وكيف منعوا على المسلم التقليد في الأصول .
كنت شغوفاً بفكرة المهدوية في الثقافة الزيدية , وكان لعبقريات العقاد , و " علي وبنوه " لطه حسين , و" غادة كربلاء " لجورجي زيدان , و " علي صوت العدالة الإنسانية " لجورج جرداق وغيرهم , كان لها صدى في نفسي . أتذكر أنني بكيت مع العقاد , ومع جورجي زيدان من أجل الحسين (ع) .وأن هذه الكتب عن أهل البيت قد قادتني بلا نهاية إلى كتب لها علاقة بالحرية , وأن ذلك الدم الذي كان قد سال من جسد الإمام علي , والحسين , وزيد بن علي , ويحى بن زيد كان حبري في كتابة أهم أشعاري عن المقاومة والنضالات , والثورات , والحريات .وأن هذا الخط هو الوقود الذي لا ينضب لي للتجاوز , والإجتهاد خروجاً على السائد , والتقليد , والقواعد من خلال قواعد جديدة.
قرأت في اليمن الشابي من خلال " إرادة الحياة " , و " النبي المجهول " , و " صلوات في هيكل الحب " , و " سأعيش رغم الداء والأعداء .." , قرأت مذكراته , وأغلب ما كتبه نثراً , من رسائل , ومحاضرات , " الخيال الشعري عند العرب" , هي محاضرته الوحيدة .وقبل أن أنتقل الى مرحلة من القراءة في الشعر لاحقة , كنت قد تأثرت به , وكتبت تحت هذا التأثير عدداً كبيراً من القصائد الرومانسية , وكان بالنسبة لي مثلاً أعلى في الشعر أقدمه على المتنبي , وأبي تمام , وشوقي , وغيرهم من الشعراء القدامى والمعاصرين .ثم إني قرأت جبران , وأبي ماضي .
وعلى صعيد النقد فكل ماكتب عن معارك العقاد , وما كتبه احمدبن محمد الشامي في الشعر اليمني المعاصر , والرافعي في " وحي القلم " , وطه حسين من خلال " حافظ و شوقي " , وغير ذلك مما دار في صالون مي زيادة , وما قيل في المهجر ( ميخائيل نعيمة وغيره ) , وما سمي بقصيدة النثر, والشعر الحر عند نازك الملائكة , وظروف وملابسات ودعاوى شعراء اليمن منذ الأربعينات حتى الإمتداد.
وفي المغرب تعرفت الى الشعر المعاصر عبر بدر شاكر السياب والبياتي , وأدونيس , ومحمود درويش عبر المحاضرات التي كان يلقيها الدكتور محمد بنيس , والدكتور احمد الطريسي أعراب خلال سنوات الإجازة بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس .
وتعرفت خلال هذه الرحلة المعرفية من قراءة الشعر على أساليب وإيقاعات شتى في الشعر , وعلى فواصل وحلقات من التنظيرات فيما يتعلق بمفهوم الشعر , وكيف أن الشاعر الكبير لا يكون كذلك كبيراً إلا بتقديمه مفهوماً جديداً في الشعر . ذلك ما حصل مع شوقي , ومطران , والشابي , ونازك على اعتبار أن الشعر لديها , وعند هذه المرحلة ظاهرة عروضية . وأما أدونيس فما أكثر تنظيراته للشعر فيما له علاقة بقصيدة النثر أولاً , وبالكتابة الجديدة في " مواقف " فيما بعد , وما بعد البعد .
ومع ذلك فسيظل الشعر من حيث الماهية عصي على التعريف .
أفهم أن الشعر هوالكلام الموزون المقفى الذي يدل على معنى , أي أنه عروض إن لم يكن شيئاً آخر. وأن الشعر أبعد من الشعر . بمعنى أنه معرفة منذ المعلقات (أن صح أنها قديمة) , وأنه إختلاف بمعنى القطيعة لدى ميشيل فوكو ,أو بمعنى نقض العادة على حد تعبير الجرجاني .لقد أفصحت عن كل هذه المعاني في كتابي " تجربة القصيدة لدى الشاعر عبدالعزيز المقالح " وهوإطروحة جامعية . فيه تقدمت بمقترح نقدي تصنيفي جديد ,هو خلاصة تأملاتي كباحث , وناقد , وشاعر , في الشعر كتجربة , من واقع قراءاتي لأغلب التجارب الشعرية الناجزة قديماً وحديثاً .لم يكتب له الشهرة إلى اليوم , ذلك لأنني لم أجد منبراً ثقافياً يفسح لي المجال للتبشير به , وإن كنت أشير إليه في سياق أحاديثي عن الشعر والشعر الكبير.
" 3 "
عرفت الحب منذ كنت طفلاً في حارة الشهيدين , وتحطم قلبي على أبوابه ومفارق الطرق , طرقه , مرات ومرات . عرفت السفر حتى أصابني رهاب السفر , وكتبت العشرات من الرسائل لأصدقائي في العالم معبراً فيهن عن مودتي , وتجاربي , وأحوالي والتفاصيل اليومية ,والشعر , وعبرت بشفافية في غير مكان عن العقيدة , عقيدتي في أن الله واحد لاشريك له , وأنه عدل , وأن الإنسان مخير , وأن القرآن الكريم مخلوق , وهو كتابه , وآية من آياته , وأن الله لايرى في الدنيا والآخرة , وأنني رضيت به رباً وبالإسلام ديناً , وبمحمد (ص) نبياً ,وبعلي (ع ) وأهل بيته أولياء , وأن الموت حق والحياة حق , والجنة والنار ويوم الحساب حق , إلخ إلخ.
وتفهمت التعددية في المذاهب ,فكلهم من رسول الله ملتمس , وأن في الأرض متسع للجميع . قلت بالتسامح ,ودعوت إلى التعايش , تعايش الأديان والإثنيات والعرقيات . قلت بالثقافة المفتوحة والمجتمعات المفتوحة على حد كارل بوبر , وبالحريات الشخصية , وبأن الدين المعاملة , وقد أعجبني في هذا السياق الرأي الذي يقول بأن التعامل السوي بين الناس يقوم مقام التوحيد . تحققت من كروية الأرض , ومركزية الشمس , ونسبية الزمان , وأن المقصود في القرآن بالسماوات السبع والأراض السبع هو القارات وما فوقهن في إطار الغلاف الجوي ,ومازال أرسطو يثير إعجابي بمنهجه العقلاني , وفكرته ,وما أكثر أفكاره , بأن سر الدجاجة مودع بالبيضة , وشجرة البلوط في بذرتها .
أقيم الواقع من حولي , واقع الشعوب والحكومات والدول , إنطلاقاً من القوانين : السببية , والنسبية , والإحتمالات .., والنظريات : القطيعة الإبستمولوجية , أو البرادجم , وغيرهما , في مجالات أخرى كالبنيوية والتفكيكية , وعلاقة الثقافات والحضارات الإنسانية ببعضها بعضاً في التحديث والتفاهم , وانتقال الأفكارعبر التأثير والتأثر ,أو التناص ,وأميل الى المنهج الأمريكي المفتوح في هذا الإطار .
قرأت القاعدة البغدادية ,ومتون الفقه الزيدي , وكتاب الأمير ,وكليلة ودمنة , والقرآن الكريم , وأشعار القدماء والمحدثين , وكتب الملاحدة , وكتاب الحياة ( التوراة والإنجيل ), ونهج البلاغة , والترجمات والنقوش , والكتابات الطينية , والآلآف من المعلومات في المستطرفات والسفن وكتب التاريخ والأساطير , وشاهدت العشرات من البرامج الوثائقية وأشتات المعلومات , ومع ذلك وغير ذلك مما لم يذكر هنا , مازلت جاهلاً ,وينبغي علي المواصلة , مواصلة القراءة والتجربة مادام ذلك يحقق لي المتعة والإستنارة و إذْ بغير ذلك لا يمكن لي أن أكون مختلفاً بحيث لا أجتر , ولا أقلد , وصاحب إنجازات بحيث أضيف على نحو الكيف الى ما هو موجود كمعلقات أو أهرامات , أو نصوص تعلو ولا يعلى عليها , أو صياغات نهائية ,أو رسوم , أو نظريات وفلسفات مازال لها طعم البروق , وروائح المطر في واقع نسبي على الدوام , وأن الإبداع نشاط بشري فذ.
علمتني الحياة , وأقصد بالحياة التجربة الشخصية ,والكتب السماوية , وأقوال الحكماء أن أكون متجدداً , وأن أكون فطناً يقظاً , وأن البكور فيه السرور , وأن الأفكار قبل الأشياء والمادة ثالثاً لكي تتحقق الإنجازات , وأن هناك أصول وفروع , وهناك تصاميم ورسومات قبل البناء ,وأن من يمتلك المصطلح ( العلم ) يمتلك العالم , وأن الذي يريد أن يتقدم الناس يقدمهم بتأخره , أي بنكران ذاته .
وأن الإتقان شرط للإجادة والإمتياز, وفي العمل دون انتظار الشكر يتحقق الشكر , ولو بعد حين .
" 3 "
في المغرب
1987 – 2004
لا أجيد اللغات إلا العربية , ولا أفكر إلا بها ( وأدعي أنني أتكلم الإنجليزية وشيئاً من الفرنسية ) . وأصرح أنه لم تتح لي فرصة لتعلم أي لغة عالمية على الرغم من مكوثي بالمغرب لأكثر من خمس عشرة سنة غير متواصلة , فقد شغلتني مشاكلي الشخصية العائلية باليمن , وشغلني أن أحقق ذاتي كشاعر كبير ,وشغلتني مشاكل , مثل : الطلاق , والزواج مجدداً , والنزاعات في المحاكم , وردود أفعال المثقفين إزاء مقالاتي النقدية ,وشغلني القات , والذهاب والمجيء في المغرب مابين الأمن الوطني للحصول على الإقامة والسفارة اليمنية بموظفيها الأغبياء الذين لا يحسنون سوى تقديم كل الأذى للطلبة . شغلتني المحاضرات في الكلية , والبحث عن سكن مناسب , وشغلني المطر وتقلبات المناخ , والبرد ,والإفلاس , وتأخر المنحة,وروتين البنك العربي بالرباط .
في مرحلة الماجستير سكنت في الحي الجامعي الدولي حيث الطلبة من كل العالم ينامون , ويستيقظون , يطبخون ويستحمون , يلعبون ويستذكرون , يصلون ويمرحون . كان السكن ذا ضوابط صارمة من قبل إدارته , وكان صورة مصغرة للمجتمع المفتوح , والثقافة المفتوحة إلا أن الملل سرعان ما يستبد بنا حتى أنطلق متجهاً إلى وسط المدينة , وكان داعياً لكتابة القصة لا الشعر. كتبت عدداً من القصص القصيرة , وكتبت إزاء ذلك قصيدة واحدة , أتذكر أنها " العالم من ثقب الباب " . راسلت أصدقائي , كتبت العشرات من الرسائل , وبضعة من البحوت المقررة علينا في شهادة إستكمال الدروس , وقرأت المزيد من الملل والغبار على الكتب , كتب مكتبة الكلية . كانت الحياة التي عشتها بالمغرب هي مادة شعري المستقبلي , ومن مشاهداتي , ومعاناتي , وتأملاتي كتبت ما كتبت , وما سأكتبه من شعر في المستقبل .
علمتني الحياة في المغرب التسامح والتعايش , وعلمتني الجامعات فيها المنهجية واحترام القواعد , والبناء عليها ,والحداثة , وكان للأستاذ الدكتور الشاعر محمد بنيس أكبر الأثر في تكويني العلمي والمنهجي , فقد كانت لأفكاره فعل البروق في الغيم , والريح في الشجر , والضوء في الظلام .أدعي أنني أستفدت من مجالستي لرشدي فكار , وإنصاتي له خارج الدرس الأكاديمي على صعيد الأفكار فيما يتعلق بالمنهج ,والتدافع , والتفوق . ومن الدكتورإدريس بلمليح الذي كان معجباً بقصيدتي : " تنويعات صنعانية , وخصوصاً عندما أصل الى قولي منها : المدينة سور ٌ وباب ُ المدينةِ يفضي الى القالب .. " فيعلق منتشياً : " الله , الله " , والذي كان يطمئنني كصديق على مستقبلي الشعري , وأنه سيساعدني على طباعة ديواني الشعري , الذي لم يطبع إلا باليمن في 1997 , بعد أن نقوم بحذف قصيدتي: "يا منصور أمت أمت " , و " المهدي المنتظر " لعدم تعلق القارئ المغربي بهما , إذ لا علاقة له بمثل فكرتيهما , مادام الديوان سيطبع بالمغرب . ومن الدكتور الطريسي تعلمت شيئاً عن نازك الملائكة , وأن الحداثة ليست التغيير في عنصر واحد , أو إثنين في الشكل الخارجي للقصيدة , وتذوقت " أنشودة المطر " للسياب , وعائشة البياتي , والفرق بين المحلل والناقد . ومن الدكتورعبد الجليل ناظم البلاغة الحديثة , الى آخر ما تعلمته أثناء وجودي بكلية الآداب بما تعنيه من مكتبات , ومحاضرات , وزملاء سابقين علي ولاحقين لي , أمثال : صديقي وزميلي الدكتور يوسف أبودقة , و الشاعرة وفاء العمراني , والباحثة رجاء الطالبي التي كثيراً ما تحدثنا عن بحثينا في: تجربة الموت عند جبران , وعند عبدالعزيز المقالح .ومن صديقي المرحوم عوني بلعاوي ( من فلسطين ) إكتشفت الماركسية , والقضية الفلسطينية عن قرب , وكيف يعيش الفلسطيني بعيداً عن خبز أمه , وتين قريته , ويتنقل في العالم بعدد من الهويات والأسماء الحركية , وجوازات السفر .تعلمت منه السخرية من الظروف والصروف ,والعيش 10 درجات تحت الصفر من الإفلاس والغنى , الإنتصار والهزيمة , إلى آخر المتضادات , والمفارقات اليومية . تعلمت من عبدالوهاب البياتي الذي كنت قد إلتقيته في مدريد أن الشعر هو اللحظة المركزة , وأن الذي يقول بنجاعة العادات السيئة , مثل : الكحول , والحشيش وغيرهما واهم , فكم من عمل أدبي وجد وسط هذه العادات كان مجرد كلام ليل سيمحوه النهار .
قرأت في مرحلة الدراسات العليا بالمغرب , والتي بدأت مع نهاية 1994 حتى 2004 المئات من الكتب والصحف , والمخطوطات الشعرية والأدبية , وآطلعت على عشرات الدواوين الشعرية للشعراء الأفذاذ والناشئين على السواء , وكتبت نقداً , وخواطر , وملاحظات , وأفكارا ,وقصص قصيرة , ومعلومات . مابين 1994 و 2004 كتبت أكثر من ست مجموعات شعرية , لكل واحدة منها قصة .
فإذا كان ديوان " تنويعات صنعانية ", 1997 , قد عنى لي الكثير باعتباره أول ديوان شعري أصدره بصورة رسمية , وفيه عدد من القصائد البديعة و الأثيرة الى نفسي , مثل : " تنويعات صنعانية ", و " العالم من ثقب الباب " , و " ترنيمة الشمس ", و " سمر " , و" المهدي المنتظر " , و " لماذا أموت مرتين ؟ " , ,فإن " ماء المدينة , 1998 " كأول ديوان شعري لشاعر يمني معاصر مكرس للمكان / صنعاء , تنويع على ما بدأته في تنويعات صنعانية وتفريع له ,ولقد ساعدني في ذلك قراءاتي لجماليات المكان لغاستون باشلار , وتوسع فهمي للشعر .
أما " مقاليد القبيلة , 1998 " ,وهو عبارة عن نصوص معرفية للقبيلة / المكان , فكان نتاج إندلاع الحرب القبلية في خولان الطيال بين " الكبس " , و " نهد " . وإذا كانت الحرب مناسبة لذلك فإن عوامل أخرى كانت حافزاً لإنجاز المقاليد , عوامل لها علاقة بالنفس والجسد معاً , مثل الشعور بعدم الأمان , والإستهداف في وضح من وجود الدولة , إضافة ً الى معاناتي الشخصية في الزيجات الفاشلة , والخشية من تأخري في إنجاز بحث الدكتوراة , الخشية من الفشل , التردد مابين الذهاب الى المغرب والمكوث في صنعاء . غير ذلك , غير وضعيتي القلقة المتوترة , أقول بأن قراءتي لسورة الأحقاف في القرآن الكريم بإسلوبها المختلف , في لحظة تركيز عالية كانت سبباً في اهتدائي لإيقاع مقاليد القبيلة .بدأ الإيقاع هكذا :
( تخولن ْ )
إنَّ القصيدة َ خولان ُ سبعا ً شدادا
و قبل القصيدة ِ خولان ُ عرش ٌ على الماء ِ
خولان ُ تهويمة ُ الطين ِ
والعاديات ُ البنادق ُ والريح ُ والليل ُ
والموريات ُ الزوامل ُ
خولان ُ هذا الهوى السمح ُ تحت بروق ِ
الفتوحات ِ
هذا الهوى السمح ُ
من شجن ِ ( الكبس ِ)
والجامحات ِ ( الجنابي َ)
والعرف ُ مأزرُها والعقيقُ الكروم ُ
(تخولن ْ)
إن َّ الجبالَ مرايا
ومن سَنَن ٍ في آحتمال ( الطيال ِ)
السؤالُ هوى ً والغواية ُ
راحلة ُ الشعر ِ
من لوزة ٍ
في شروعيْ الخرافة َ
و ( البالة َ) البرع َ الرقص َ
قات َ الرؤى والصياصيْ
العيون ْ
( تخولن ْ)
وجهي َ في الليل ِ مرَّ هنا
والذين أتوا من هناك َ ولم يألفوه ُ
أتوا من هنا – والقصيدة ُ خولان ُ –
صلصلة ً وزنادا
( تخولن ْ)
فالشعر ُ مائدة ُ الله ِ
خولان ُ دانية ٌ كالقطوف ِ
فإن ْ جعت َ أشهرت َ خولان َ
مَن ْ جاع َ لابُد َّ يوما ً سيمضي إليها
وإن ْ خفت َ أشهرت َ خولان َ
مَن ْ خاف َ لابد َّ يمضي إليها
وتنزغه ُ رغبة ٌ في القتال ِ
وتوقده ُ حاجة ٌ في الموائد ِ
والجند ِ والخيل ِ ,
والقاصرات ِ الحصون ْ
( تخولن ْ)
إن َّ أمامك َ موتين ِ
موت َ البلاد ِ
وقد سامها مَنْ أتوا بغتة ً من شروخ ِ القبيلة ِ
موت َ القصيدة ِ
في فسحة ٍ من سيوف القبيلة ِ
ويلاه ُ
مِن ْ هاهنا يبدأ ُ الموت ُ
مَن ْ للعكاوات غيرك يا سمح
مَن ْ للهوى
غيرُ وجد العوالي (َ آل الرويشان) ِ
قعشتها( الكبس ُ)
و( الغادر ) النصل ُ
(هيَّالُ ) عرَّافُها
والمساعيرُ( آل حليقة)
أسيافها الحُمرُ :
" شعلانُ "
و " القاضيْ " , و " الصوفيْ " , و " القيريْ "
و " الطلوع ُ " ,
" الحميديْ ",
" الفقيهُ " , و " زاهرُ " ,
" متاشُ " ,
و " النوفه ْ " , " أعوجْ سبرْ "
, و " دويد ُ " , " الشريف ُ "
, و " صمصام ُ " , و " السالمي ْ " . .
والقصيدة ُ
خولان ُ
مما تعد ّ ُ السماء ُ
( اليمانيتين ِ) على الأرض ِ
أعلى وأدنى مداها السماء ُ
و (قروى ) النماء ُ
و ( الأعروش ُ) منها الدماء ُ
و (سهمان ُ) ماء ُ
و (ظبيان ُ) حبيتها و ( سحام ُ) الإباء ُ
وخولان ُ
(شداد ُ ) أوتادِها
والرواسي ْ ( بني جبر ِ )
( بهلول ُ ) نخوتها
و(حشيش ُ) الكرام ُ
وخولان ُ
زاملنا والمحازق ُ والكعك ُ
خولان ُ
( حقتنا) في ليالي الطُّوى
شجرُ العرف ِ
منهى التفاعيل ِ والقبيله ْ
(تخولن ْ)
أيُّ نشيد ٍ
سيهديك َ إن ْ ضللتك َ المرايا النشيدا؟
و أي ُّ نشيد ٍستقرأه ُ إن ْ ترامى الطيال ُ شرودا؟ " .
إستمر هذا الإيقاع الجديد , إيقاعها يأخذني بعيداً في سحره لأيام , فمررت على كثير من المقولات من أفواه الرجال , ووالمعلومات والأمثال .مررت كما تمر السحاب الثقال على الجبال والأودية تستجليها , وتأخذ منها دون أن تمطرها , وعندما كاد الديوان أن يكتمل , بل إنه كان قد اكتمل , دفعت به الى المطبعة وأنا قلق عليه من أن يتسرب أو يفقد , أو يضيع .إستقبال الزملاء والأصدقاء له , أمثال : خالد الرويشان الذي كا ن معجباً بفكرته وصوره , والدكتور عبد العزيز المقالح كان متعجباً من القبيلة كموضوع للشعر, ومحمد عبدالسلام منصور , واحمد العواضي , ومحيي الدين المحطوري ,وعبدالله البردوني الذي قال بعد سماع عدد من قصائده : إنه الذروة في الشعر , وعشرات الرسائل المعجبة من الخارج والتي تشير إليه على نحو لافت كحداثة في زمن خلا من كل حداثة .
وإذا كان " مقاليد القبيلة " قد جاء من فلاة التوتر والقلق بمعناه المعرفي الإبداعي فإن ديوان " البلاد التي كانت الشمس تفاحها 1999 " قد أشرق وأنا في حالة من الكآبة يأساً وإحباطاً . لقد أصبت بالإكتئاب : من القاضي , من البحث , من الإفلاس ,من بيروقراطية جامعة صنعاء , من أصدقائي , من القات , من السياسة , من وضع اليمن الذي ينهار يوماً بعد يوم , وقد تنبأت فيه بما سيصير إليه حال اليمن في المستقبل القريب .
وأدعي أن استماعي إلى الموسيقى الغربية الهادئة والحزينة كان عاملاً في سحبي الى منطقتها , وأن واحداً من الألحان كان قد ألقى في قلبي إيقاع " البلاد التي كانت الشمس تفاحها " برمته . علاوةً على تأثير مشاهدتي ل فيلم "قلب شجاع " لميل جيبسون .
توالت القصائد في ديوان " البلاد التي كانت الشمس تفاحها " إذن , واحدة تلو الأخرى كما الوحي . مساعدة الصديق الصحفي سمير اليوسفي رئيس تحرير " الثقافية " الصادرة من تعز , واحتفائه بنشر القصيدة الأولى بشكل بارز كان له الأثر الكبير في ميلاد الثانية , والثالثة حتى الاكتمال .أدعي أن ديوان البلاد قصيدة واحدة وإن تنوع وتوزع الى عدد من القصائد المطولة , وأن ظل يلازمني لأيام وأيام , وأنني بعد إنجازه قد ألزمني المرض بضعف الأعصاب الفراش لأيام , وأنني كنت لا أتمتع بالفرحة خلال أشهر من ذلك , وأنني كنت ألوذ بالمغرب سفراً من حر الشعر , وما بعد الشعر ورمضائه بعد كل إصدار.
القصيدة الأولى من " كتاب الحسين " 2001 , كانت تمريناً بعد بكائيات " البلاد التي كانت الشمس تفاحها " على " كتاب الحسين " من حيث الفكرة التي تخيلتها قبل إنجازها , فكانت كما هي عليه الآن في " كتاب الحسين " . أردت في كتاب الحسين أن أقول شيئاً عن الشرق العربي , حيث نعاني من الزعماء الطغاة , والإستبداد والقمع , والتخلف , والخرافات ,والأساطير, والإرهاب .أردت الحديث قليلاً عن الحرية , وأن أقول شيئاً مختلفاً عن مفهومي المتسع بالأحرار في العالم , وفي كل الثقافات , أمثال : جيفارا , والخميني , ومحمود درويش , وحسن نصر الله وغيرهم , حيثما سالت الدماء من أجل الإنسانية .
أفهم أن خطاب المقاومة هو خطاب المبادر , خطاب التحريض بتوجيه الضربة إستباقياً للعدو قبل أن يوجهها العدو . حزب الله علمنا درساً في الحرية . لقد كتبت " ماء المدينة " , و " مقاليد القبيلة " , و " البلاد التي كانت الشمس تفاحها " , و " كتاب الحسين " في أوقات متقاربة , متوالية و متتابعة ,فبمجرد ماانتهي من طباعة الديوان الأول حتى أشرع في كتابة الثاني .
كتاب مالك الأشتر
نجحت كشاعر لأنني أولاً لا أخاف من الإجتهاد بحكم عقيدتي الزيدية , وأقول بالخروج على الظالمين , والروتين , والسلفية , والمسلمات , والقناعات الكسولة , والترهات , والإخباريات , وما صادم العقل من خرافات وأساطير والرؤى الناقصة للبشر .لا أخاف من (البوليسي) , ولا أجامل في المعرفة . آمنت أن الأمور نسبية على الدوام , أقول ذلك في الإطار البشري . لا أحمل الحقد , ولا أحسد , ومن طباعي النسيان , نسيان الإساءات ,إساءات الآخرين لي . نسيان أغلب الأشعار التي كنت قد حفظتها ثانياً . مادة شعري ثالثاً , الحياة التي أعيشها كل يوم كإنسان : أجوع وأشبع , أشفى وأمرض , أبخل وأجود ,أهتم ولا أبالي ,أحزن وأفرح , أنام وأستيقظ , أضعف وأقوى , أجرح كالخنجر وأبلسم كالرقية , يوم لي ويوم علي .مادة شعري أيضا, أسفاري وعلاقاتي , ومطالعاتي , واستماعي الى الآخرين من باب الحكمة ضالة المؤمن .إنصاتي إلى نفسي , وتأملي أشعاري بالدرس والتحقيق والتنقيح .
ثقتي بنفسي وبموهبتي وبرسالتي في الحياة رابعاً . الرغبة في أن أكون شاعراً كبيراً , والتحدي إزاء ذلك ما يجعلني أخيراً شاعراً وصاحب مشروع شعري , أراهن على أنه كبير ومهم .
ولولا ضيق الوقت بسبب مشاغل الحياة في اليمن والإستغراق في معالجتها أولاً بأول , ويوماً إثر يوم لكنت قد انتهيت من مشروعي الشعري باكتماله كصياغة نهائية .ديواني الشعري " كتاب مالك الأشتر " حلقة من حلقات مشروعي الشعري , وهو تنويع على " كتاب الحسين " , واستطرادٌ له على صعيد الدلالة , والإيقاعات , وطلباً حثيثاً للإختلاف في التعبير عن الموضوعات .بدأ في 2004 وآستمر باستمرار تمرد الحوثيين في جبال مران , وتحرك الجنوب نحو الإنفصال حتى 2010 . مادته الأحداث الدراماتيكية في اليمن , ألتقطها كموضوعات , أتأملها وقد صارت لغة , أرسمها مضامين ومعان , أداعب فيه الجملة الشعرية حتى الإكتمال .
إن ديوان " كتاب الأشتر " مفتوح على التجارب الإستثنائية , على الثقافات . يستقرأ الواقع والتاريخ والآخرين . في " كتاب الأشتر" تتجلى فكرة " الناصر " من خلال مالك الأشتر . وفيه أحيي عدداً مهماً من أصحاب الإمام علي ( ع ) . فيه إدانة للشر , والطغيان , والخونة , والإستبداد .فيه ملامسة جديدة لجدار الموت بالمفهوم الديني , وما تعمل على تنويعه وتأكيده التجربة الإنسانية منذ الكتابات الطينية والهيروغليفية , والمقولات الفلسفية . فيه معالجة كما يدور من حول الشاعر كواقع قلق , هو الواقع اليمني المعاصر الحي الطازج بكل حيثياته وملابساته . فيه إدانة للحرب والإستبداد .فيه دعوات للحريات عبر الثورات . فيه الكثير من التحريض والمقاومة. وفيه صياغات جديدة لمعان إنسانية كالصداقة والحب بإسلوب مختلف . إسلوب ليس له نظير في الثقافة العربية القديمة والمعاصرة .إسلوب عميق وأصيل , ويدل بقوة على إيقاع شخصي لشاعر يتوسع بالإمتياز دائماً.
أقول ختاماً لهذا العنصر ,إن الشعر العظيم بحاجة الى وقود التجارب الشخصية المتراكمة والساحقة حتى يحصل الإمتلاء واليأس من كل شيء الإ الشعر, ثم إنه بحاجة كمرحلة أخرى الى حافز بسيط لكي يتدفق كالمعجزة . يبدأ الشعر أول ما يبدأ إيقاعاً يتملك الجسد كله ثم يكسى الإيقاع بالكلمات . إنني على يقين أن ثمة قصائد كنت قد كتبتها بقلبي , وثمة بعقلي ,وأنها جميعاً على حدود التساوي فيما يتعلق بالتأثير على القارئ , وعلى مستوى القوة في الصمود أمام الزمن , الصمود لسنوات وسنوات , بل للأبد بفعل ما فيها من روح الشاعر . وإن الشعر لا يتلألأ إلا في لحظة عالية من التوتر والصفاء . لحظة شبيهة بتلك اللحظة المشرقة التي يستشعرها الإنسان , أي إنسان , حين يخلص من مناجاة الله بالدعاء , أن قد أستجيب له .
بيت الشعر اليمني
أسستُ بيت الشعر في 2006 , وإن كنت قد بشرت به قبل ذلك بكثير , أي منذ 2003 , وبجهودي الذاتية صار ما صار لبيت الشعر من حضور يمني وعربي وعالمي . وأدعي أنني مفكره ,ومدبره , وواضع إستراتيجيته الثقافية بما تعنيه من برامج ورموز , وشعارات ,و بيانات , وصياغات , وإصدارات ( مجلة دمون , وغيرها ) ,كمشروع ثقافي إبداعي نخبوي بامتياز.
لقد وقف معي عدد من الشعراء والأدباء والمثقفين اليمنيين , ومازالوا يقفون معي , في مقدمتهم : القاضي علي محسن الأكوع رئيس جمعية المنشدين , وعادل شيبان رئيس تحرير مجلة دمون سابقاً , وعلي جاحز رئيس تحرير موقع بيت الشعر على الإنترنت , وغيرهم من الذين كانوا قد آمنوا بالفكرة , وآستمروا إلى اليوم , يؤدون عملهم كما ينبغي . أشير إليهم لأهميتهم في نجاح هذا المشروع الطلائعي .إنهم إلى اليوم يقاسمونني المرارة في سبيل تقدم القصيدة اليمنية , تقدم الثقافة , تقدم الإنسان اليمني بصفة عامة .
لا يعنيني ما يقوله الآخرون عنا , ويعنيني بلوغ الأهداف من تأسيس هذا البيت بتحقيقها , وقد تعنيني النتائج .أدعي أننا حققنا نتائج جيدة , ووسعنا في المشهد , وفي مفهوم الثقافة والإبداع .
أثرنا الكثير من الأسئلة , الكثير من الأفكار , الكثير من الإنجازات . وإزاء ذلك حاربنا الكثير ممن ينتمون إلى المشهد الثقافي : شعراء , وصحفيون في الصحف الرسمية والمعارضة لايستحقون الذكر هنا , وساندنا بالمقابل شعراء وصحفيون يستحقون الذكر هنا, أمثال : احمد الأغبري , ونجلاء حسن عثمان , وحسن شرف الدين , و سمير اليوسفي وعبدالرحمن بجاش ومحمد السيد .في هذا السياق أشير إلى أهمية ما ابداه الشعراء من تعاون الذين تشرف بيت الشعر بعقد دورات لهم , وهم : حسن الشرفي وعبدالكريم الرازحي , وابراهيم الحضراني وفاطمة العشبي و محمد الشرفي و محمد عبدالسلام منصور واحمد العواضي وعباس الديلمي ومطهر الإرياني وشهاب غانم .وأهمية من كرمناهم من مثقفي اليمن , وهم يعدون بالمئات , ومن كل الشرائح والمجالات والتخصصات .وأهمية استضافة مؤسسة الإبداع لنا في غير وقت , وأهمية دعم خالد الرويشان وزير الثقافة السابق لبيت الشعر في البداية , وأهمية تواصل دعم الدكتور المفلحي وزير الثقافة الحالي , وأهمية ما قدمه لنا رجل الأعمال عبدالمجيد السعدي وتوفيق الخامري , وفيصل سعيد فارع على وجه الدعم من خلال الإعلانات لتغطية جزء من نفقات طباعة مجلة : " دمون " .كما أشير إلى أهمية ما حققناه في رحلتنا إلى دبي بمناسبة دبي عاصمة للشعر العالمي في 2008 , والجنادرية في 2009 .وأهمية اللقائين الثقافيين بتلفزيون دبي مع بروين حبيب , وقناة الحرة مع جوزيف عيسى في التعريف ببيت الشعر وبرئيس بيت الشعر كشاعر وناقد.
إن إنطلاقي في بيت الشعر من شعار : " من أجل نص شعري مختلف " , وآختياري للوعل – رمز الثقافة اليمنية القديمة – رمزاً لبيت الشعر , و إصدار " دمون : بما تشير إليه وتعنيه كمكان رمزي للشعر , ولأول شاعر عربي هو آمرؤ القيس . علاوةً على نظام الدورات , ضمن خطة تقديم الداخل للخارج , تقديم الخصوصية باعتبار اليمن هامشاً لا مركزاً سيعمل على أن تكون اليمن مركزاً ثقافياً ,كهدف أكبر .وما الذي يمنع ؟ وقد تحقق في اليمن بعض شروط المركز ,مثل : حرية التعبير .
لقد وضعت ميثاق شرف الشاعر المختلف . لإيماني بالشعر المختلف , وبأهمية الشاعر المختلف , والنص المختلف ,في أن تكون اليمن مركزاً ثقافياً .وأردت أن أكون واحداً من الشعراء المختلفين . إذن المسألة ليست مجرد أفكار , ومؤسسة , بل بالنسبة لي ممارسة ووجود في أن أكون شاعراً مختلفاً , في النص الشعري , نصي , كإيقاع شخصي ,له الحق في أن يكون فريداً , ويصبح نموذجاً ضمن ديوان الشعر العربي .
بشأن الثورة
ولدت ثائراً , فأبي واحد من قادة ثورة 26 سبتمبر 1962 , وأحمل عقائدياً فكرة الثورة معي في دمي , فأنا زيدي المذهب , وأقول بالخروج على الظلم , على الإستبداد بأشكاله ,وسماته , ومسمياته . وكان أن تعرفت على الرئيس ابراهيم الحمدي وقت كنت في سن السادسة أوالسابعة ,وهتفت له ذات مرة في حضور الناس لإفتتاح منتزه ومسبح حدة حيث كنت مع والدتي , فوالدتي من حده. هتفت له : " عشت يا ابراهيم , عشت يا ابراهيم " , فآستوى ومن معه إلى الخلف , وقال على وجه الإعجاب بلهجة صنعانية: " كصبحتو – كيف أصبحتم ".ثم تقدمت منه ,فتحسس رأسي, وربت على كتفي . مات الحمدي بعدها بأشهر قتلاً , وحزنت عليه كما حزن كل اليمنيين . فقد قتل غدراً كما قتل من قبله قادة وزعماء كانوا بالنسبة لشعوبهم مخلصين ومهديين , فقدسوهم , ووضعوهم في القلب من سويداء العيون حيث لامجال لطعنة غادرة , ولاسبيل لبروتس , ولاابن ملجم وأبي لؤلؤة لينال بخنجرجبان روح الأمة المتمثل في أمثال الحمدي , زعيم الأمة اليمنية عبر العصور.لقد أحبه الناس , وكرهوا قاتليه , وهاهم يعيدون إليه الإعتبار بعد مضي أكثر من 33 سنة على رحيله المفاجئ شهيداً من خلال ماسمي بجمعة الحمدي في 2011 من تاريخ الثورة الحق , ثورة الشعب اليمني على نظام علي عبدالله صالح المستبد .علي عبدالله صالح الذي خذل الشعب اليمني بعد أن وضع ثقته فيه , ومكنه من كل شيء حتى صار فرعوناً يحيي ويميت بالقتل , ويمنح ويمنع بتحوزه للمال العام , ويرفع ويضع من يريد من أقاربه وأنسبائه وحاشيته , ومن يرى فيه فساد اليمن واليمنيين , فقد مكن أقاربه من كل شيء , وسعى ليرث الجمهورية من بعد ولده احمد عن طريق زبانيته المستحوذين على مؤسسات الدولة التشريعية بتعديل مواد الدستور , وتهيأة الأجواء عن طريق الترغيب والترهيب , علاوة على برنامجه لتحقيق ذلك عبر شن حروب ستة على أهل صعدة حشد فيها ما حشد من الناس والتهم والفتاوى والخطابات , وعن طريق تجاهل شكاوى الجنوبيين بخلط الأوراق بحجة حربه للقاعدة ,والتدليس . أثرى حاشيته ووزراءه بالمال والعقار ثراء فاحشاً حتى عد من لم يثري في عهده من المسؤلين غبياً , وحتى ضاق الناس وتسعرت أحوالهم بالفقر من الغلاء , وبالفساد في القضاء, والتعليم , والصحة ,والثقافة ,فتغيرت أخلاق الناس ,وابتذلت الوظائف والمناصب , وسقطت هيبة الدولة لإنعدام الثقة ومماطلة النظام في حلحلة العقد والمشكلات المتراكمة في الجنوب والشمال والوسط من اليمن .حاول النظام اللعب بكل الأوراق السياسية ونجح إلى حين كالإنفصال ,والرجعيين المتآمرين على سبتمبر , ثم أن النظام كان قد حاول اللعب بالورقة الدينية فشجع السلفيين على الإخوان ,واتهم الإخوان بالقاعدة ,ودفع بالجميع على الحوثيين ,فكان ماكان من حروب صعدة ,بقتل حسين الحوثي الذي سينجح بموته في الإعلان الأول لنهاية نظام علي عبدالله صالح .وحتى يخرج الشعب اليمني إلى ساحات التغيير في 2011 بفعل رياح التغيير التي هبت من تونس في أواخر 2010بسقوط نظام بن علي وهروبه إلى السعودية ,يكون الحراكيون في جنوب اليمن قد أعلنوا , بعد الحوثيين ,بخروجهم السلمي الإعلان الثاني لنهاية وشيكة لعلي صالح .لم يستوعب نظام صالح مايحدث في العالم العربي , بل إنه لم يعد يفهم اللحظة التي يمر بها اليمن . وهي لحظة فريدة , فقد تغيرت المفاهيم الإجتماعية , إذ لم يعد الثائر , من المفترض , وكما هي العادة , لم يعد رجلاً عسكرياً ولا قائداً حربياً ,بل مدنياً ,طالباً جامعياً أو إمرأة والسر في ذلك يعود للتعليم في انفتاح العالم على العالم. عبرت عن ذلك من خلال الفيس بوك ,قبل أن التحق بالثورة رسمياً في فبراير 2011 , من خلال رسائل مفتوحة , منها رسالتي الموجهه إلى الرئيس رقم (2) ,حيث قلت ناصحاً " لا أظنكم غافلين عما يحدث , وعما سيحدث في المستقبل إن لم تمسكوا بزمام
المبادرة الآن نحو التغيير جذرياً , ضمن إطار سياسي ثقافي إجتماعي مفتوح
, فالوقت من ذهب ".
ومنها ماكان رداً على خطاباته من أن مايحدث في اليمن تقليداً للخارج العربي :
" ليس تقليداً مايحدث في اليمن بل إنها رياحُ التغيير التي أثارها الشاب المثقف البسيط البوعزيزي في تونس حاملاً مظلوميةَ شعبه إزاء الديكتاتور بإشعاله النار في نفسه كرسالة مفتوحة مرتفعة ومشاهدة وواضحة للعالم بأسره .هذا الشاب , هذا البوعزيزي لا يمثل نفسه أو جيله أو شعبه فحسب وإنما كل الشبان في العالم العربي الذين يصرخون اليوم , وقد كانوا بالأمس يئنون , في تونس ومصر وطرابلس والمنامة وصنعاء .. , بأَنْ : " إرحلوا " , و أنَّ " الشعب يريدُ إسقاط النظام "..
ليس تقليداً مايحدث في العالم العربي بل " القطيعة " حسب المفكر ميشيل فوكو .إنها ضربة السيف التي تفصل مابين زمن ماض بائد ومستقبلي طلائعي لاعلاقة له بما قبله وبعده.نظامٌ يسقط إذْ لابد له من السقوط لأنه فقد الإحساس بالعدل ليحلَّ محله نظام آخر مغاير وجديد .مايحدث ليس بيدنا , ولا بيد الحاكم , ولا الحكومات الكبرى دفعهُ , أو رده , أو حتى استيعابه لأنه ضرب من إرادة الله .هذه الأخيرة من إرادة الشعوب التي تريد إسقاط النظامْ . ليس تقليداً مايحدث لأنه من الممكن أن يحدث ذلك في فرنسا , والسويد , واليابان , و الولايات المتحدة , وسيحدث , فالشعوب تتعلم من الشعوب , والأفكار تهاجر في الأفكار في عوالم وسماوات مفتوحة على بعضها بعضاً على نحو مطلق , في وجود شعوب تريد إسقاط النظامْ
أيها الحكام العرب : إنه لو تدركون " مَنْ يبذر الشوك يجن الجراح " .
وإنه بتعبير آخر قانون السببية , فالمقدمات تقود حتماً إلى النتائج , والمعطيات المتشابهة تفضي إلى نتائج متشابهة .
كانت لديكم شعوب تحتضر من الجوع , وتقاسي الجورَ إذْ لا عدالة , وتعاني من الحزن والخوف , فقد جرَّمتم ماضيها , وفخختم مستقبلها بالمجهول . سلّطتم عليها جهالها وسفهائها والبلاطجةَ ,فعاثوا في الناس فساداً , فارحلوا أنتم وحكوماتكم , فالشعب يريد إسقاط النظامْ "
وعندما سقط أول شهيد من طلابنا المعتصمين بساحة التغيير قبالة جامعة صنعاء , وذلك قبل جمعة الكرامة , كنت قد التحقت بالثورة عبر استقالتي من الحزب الحاكم , والمنشورة بالإنترنت :
" أعلن أنا الدكتور عبدالسلام الكبسي إستقالتي من اللجنة العلمية بمعهد الميثاق للمؤتمر الشعبي العام , وانضمامي مع طلابي , طلاب جامعة صنعاء المعتصمين بساحة الحرية من أجل إسقاط النظام .
داعياً الرئيس علي عبدالله صالح إلى تقديم إستقالته فوراً , كرئيس للجمهورية حقناً لدماء اليمنيين , إذ لا فائدة من التشبث بالسلطة , فالشعب يريد إسقاط النظام .
عاشت اليمن .. عاش الشعب ".
في رسالتي رقم 4 إلى الرئيس علي عبدالله صالح ,سيقرأ الرئيس ,إن كان يقرأ الآتي :
" هؤلاء الشبان الذين يتظاهرون , ويعتصمون , ويهتفون :" الشعب يريد إسقاط النظام .. "لديهم مشروع كبير هو أن ترحل , وأنتم وحكومتكم منذ سنين وسنين بلامشروع .هؤلاء الشبان من الطلبة الفقراء , طلابنا , يعلنون عن نواياهم سلمياً بالصرخات وبالصيحات وبالشعارات ,لم يدخلوا بعد في مرحلة الفعل , حتى سلطت عليهم أزلامك والبلاطجة بالعصي والجنابي والرصاص .كيف لك أن تدير البلاد اليمن وأن تستوعب تدفق الشعب اليمني من المهرة حتى صعدة نحو الحرية , شعبك الذي لم تعره اهتماماً وهو يئن ويشكو ويتعذب لسنين , كيف لك أن تدير الأزمة بالأشخاص أنفسم الذين يواجهون الشعب بالإرهاب .لا تصدق التظاهرات المليونية التي يقيمها وزراؤك ومحافظوك وقادتك وجهازك السياسي والقومي من أجلك , ويجرُّ إليها الناس بالترغيب والترهيب , فهي محض إكليشه سرعان ماتنطفىء كلما هتف الملايين من اليمنيين اليوم بقولهم : " الشعب يريد إسقاط النظام ".لا تصدق حاشيتك الإمعات الذين " تديولوا الى ظهرك " , واستفادوا من حكمك وتحكيمك إياهم رقاب اليمنيين فتغيروا بالثراء , الثراء الفاحش والطغيان .لا تصدقهم اليوم , فقد خانوك بمحض إرادتك لأنهم كانوا يأتون مايأتونه بمحض علمك .
لا تصدقهم اليوم , ولا تدر الأزمة بهم , فقد " حرقوا " وقد حرقت معهم ,فآرحل , فالشعب يريد إسقاط النظام" . وفي رسالة إلى شباب الثورة :
" ينبغي على شبابنا أن لا يفكروا في إقصاء أحد , وان لا يفكروا فيمن له الحق في تمثيلهم ومن ليس له الحق ,فالجميع يمثل الجميع مادام الهدف واحدا, هو إسقاط النظام . إنها ثورتكم ولا يوجد من ينازعكم حقكم التاريخي , فآطمئنوا .
نحن , لكي تنجح الثورة كما يجب , بحاجة الى القبائل , والعسكريين , والمثقفين , بحاجة إلى تضافر الجميع , من اجل الجميع .
ثورتنا لم تنته بعد , وبعد نجاحها مازالت مستمرة وستستمر , فلا تستعجلوا قطف الثمار , فالليل طويل وقد يتطاول , فاصبروا و صابروا , وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ". ومن رسالة إلى شباب الثورة ,بمناسبة سقوط شهداء شارع الإستاد الرياضي , قلت :
" هؤلاءُ الذين يناصرون علي عبدالله صالح بالقول أو الفعل,إنَّ الذين يناصرونه سواءً كانوا ضمن النخبة , أو من عامة الجمهور , إنما يساهمونَ , ويقرونَ لعلي عبدالله صالح بشرعية سفك دماء اليمنيين , في كل لحظة من لحظات سكرته وجنونه بالسلطة .
أما الذين مازالوا صامتين , وفي بيوتهم قابعين ,فحكمُهُمْ أنَّهم عرفوا الحق ولم ينصروه , وعرفوا الباطل ولم يخذلوه .
يا شباب الثورة وأنا منكم , روحيَ فداء لكم .إستمروا في الثورة , فأنتم منتصرون , بإذن الله .إستمروا ولقنوا الديكتاتور دروساً في الحرية , والتضحية والفداء .أنتم الأحرار , وأنتم ثوار الحرية. منكم الشهداء , وفيكم الأبطال , وبكم نسترد كرامتنا . أنتم استمرارنا في الحياة. لكم ننحني إجلالاً وإكباراً , وبكم ،نشارف المستقبل ".
أدعي أنني بشرت بالثورة في كل أشعاري , وأنني كنت منتظراً وقوعها في يوم ما , وأدعي أنني تنبأت بها , كما هي عليه اليوم , في ديوان " البلاد التي كانت الشمس تفاحها " الصادر في 1999,وأنني حزنت على السيد حسين الحوثي كما لم أحزن على أحد من قبل , وأنني انتكست بموته صحياً ,وأصاب مني الإحباط ما اصاب حد الإكتئاب , واعتبرت مارافق ثورته من شعري المنشور ب" كتاب مالك الأشتر " وقوداً لرجل بسيط سيأتي , ويقود الملايين للحريات , ذلك ما جسدته قصيدة " رجل " بكتاب الأشتر نفسه الذي سيعني ستة حروب حوثية مع نظام صالح , وسيعني ثورة الشعب اليمني في 2001 بالذات , و كل الثورات التي قامت بتونس ومصر وليبيا وسوريا .. . وسيعني من قبل حروب المقاومة اللبنانية في 2006 , ضد اسرائيل , وأن انتصار المقاومة كان بالنسبة لي انتصاراً شخصياً ,على صعيد الشعر ,والشعر المختلف بالذات .
في هذا السياق , سياق الثورة أؤوكد على أن إحساسي بالظلم بشكل عام ,ومقاومتي من خلال التحدي كطبيعة في تكويني النفسي ,وتجربتي في الغربة , وماقرأته من أفكار , ورغبتي في الخلود , والشهرة والمجد ,وما أنا عليه كشاعر وإنسان .., كل ذلك , هو الحافز الرئيس لقولي الشعر , والسر الرهيب لتجربتي الشعرية التي اواصل بصبر ودؤوبية برغم ظروفي المادية , وافتقادي إلى الإستقرار ككل مثقف يمني , على أن تكون من أهم التجارب الإبداعية العربية المعاصرة على صعيد التاريخ والإنجاز .