07/08/2009
فنان جميل وهادئ، يعشق فنه التشكيلي الذي اختاره منذ البداية ليكون حائطه الذي يتكئ عليه، ويحتمي به من عواصف الزمان. والفن التشكيلي هو أيضا لغته التي يحرص على تطويرها وتقويتها لأنه يعتبرها لغة راقية. عالمية وممتعة.
التقيته بقاعة قصر دسدمونا بمدينة الصويرة، هذا الفضاء الجميل الذي يعرض فيه كبار الفنانين التشكيليين، وفي جلسة حميمية وشاعرية. قبل الفنان التشكيلي المتميز عبد العزيز العباسي دعوة الإجابة على أسئلتي. وكان الحوار التالي.
دأبت ومنذ سنوات على عرض لوحاتك بقاعة قصر دسدمونا بمدينة الصويرة، وخاصة في شهر غشت. لماذا هذا الاختيار الزمني والمكاني؟
قصر دسدمونا بمدينة الصويرة فضاء جميل، له حميمية خاصة، عرض فيه كثير من الفنانين أعمالهم ونظرا للعلاقة الطيبة التي تربطني بصاحب المكان ونظرا للاحترام الذي يكنه عشاق الفن الصادق بمدينة الصويرة لأعمالي، دأبت على المشاركة كل صيف بجديد أعمالي. والصيف (شهر غشت) يصادف فترة عطلة لدي أتمكن فيها بحضور من لقاء الناس والحديث معهم وأغناء تجربتي بملاحظاتهم وانتقاداتهم.
لماذا الفن التشكيلي. بمعنى آخر هل الفنان العباسي هو الذي اختار الفن التشكيلي أم أن هذا الأخير هو الذي اختارك؟
لا أدعي أني أتلقى إلهاما خاصا أو تزورني آلهة الفن تلح علي وتقودني إلى محترف لأشتغل في جنح الليل أو في وقت لا أتوقعه، أنا اخترت هذا الفن لأنه في البداية كان حائطي الذي اتكأت عليه واحتميت به هربا من عواصف الزمان والآن أصبح فضائي الذي أعبر فيه عن أفكاري وأنمي فيه قدرتي الفنية على صياغة صور أخاطب فيها الأخر وأتحاور معه.
هي إذا لغة أحرص على تطويرها وتقويتها لأنها لغة راقية وعالمية وممتعة، أضمنها هويتي وثقافتي وأتواصل مع العالم بها، وفي هذا التواصل تأكيد لانتمائي ولوجودي أنا وكل الذين أمثلهم.
يقال أن المبدع/الفنان يحتاج للحرية للتعبير عن فنه وإبداعه بدون كوابح ولا قيود. ما تعليقك؟
لا إبداع بدون حرية. لكن الحرية نسبية. و بحثنا المستمر عن هذه الحرية حافز للإبداع، فهروبنا من قيودنا ولو للحظات أعتبره إبداعا، 'والوعي بمأساة الإنسان الحر' المتبوع بالنهاية المحتومة 'الموت' والتعبير عنها (المأساة) يعتبر إبداعا، محاولة التعبير عن عجزنا لمقاومة الموت/إبداع، ومحاولة التعبير عن وهمنا بأننا انتصرنا على الموت إبداع، فكل الانجازات الفنية العظيمة دافعها رغبة دفينة في الخلود وتوهم بانتصار على الزمن.على الموت .
فالحرية ليست أوتوماتيكيا محركا للإبداع إذ يجب طرح السؤال: عن أية حرية نبحث، عن أي مفهوم للحرية نتحدث، حرية الجسد أم حرية الفكر، حرية الانتماء أم حرية الاعتقاد أم ...
أحيانا نشتكي من قيود الزمان ومن قلة الوقت لممارسة هذا الإبداع وعندما نعطى الوقت الكافي نصاب بالشلل.
المتأمل في لوحاتك يقف عند توظيفك لألوان متعددة تثير الانتباه. لماذا هذا التنوع اللوني؟ ما هي دلالته الفنية؟
اللون البني أساسي في لوحاتي، هو تجمع للألوان الرئيسية الثلاث، الأحمر، الأصفر والأزرق، هو لون دافئ، ترابي، طيني، لون الأرض، صمغ البدايات والأبجديات الأولى والحروف على الصلصال في المساجد، والكتاتيب القرآنية، هناك ألوان تدخل بحذر شديد تنعش وتخفف من وطأة البني وتشارك في تناغمية الألوان، اللون عنصر مكمل إلى جانب المخطوط والأشكال والنقط والمساحات المليئة والمساحات الفارغة.
كيف تبني لوحتك التشكيلية؟
تولد اللوحة عندي بولادة الفكرة، والفكرة أتصيدها وأضعها في كراسة الكروكيه croquis، التي تصحبني في 'زوادتي' على حد تعبير عبد الله المتقي، بعد ذلك عند الانجاز، أخطط الرسم بقلم الرصاص كبناء أولي ثم أثناء العمل تتشكل ملامح اللوحة وتأخذ شكلها النهائي الهام والمميز لأعمالي بتلك الإضافات، وتلك العناصر الغرافيكية التي تغني تلك اللمسات العفوية التي أساسا ما تكون وليدة اللحظة بكل طاقتها وقابليتها وطواعيتها.
هل يمكن الآن الحديث عن تجربة الفنان العباسي المتألقة؟
متألقة نعم، بمعنى إعجاب الناس بها ونجاحها الشعبي وفي أوساط المثقفين ومحبي الفن المتفرد وفي أوساط الفنانين أصدقائي، لكن لم أستطع حتى اللحظة إقناع أصحاب قاعات الفن الكبرى الذين لا يحبون المخاطرة والمغامرة مع أسماء مغمورة رغم عطائها المتميز. من سيأخذ بيد هؤلاء إن لم يتخل أصحاب القاعات عن هاجس معادلة الربح والخسارة.
سيزدهر الفن في بلادنا إذا تجرأ أحد هؤلاء ووضع ثقته في شباب مبدعون يصارعون الظل ويبحثون عن موقع في الشمس فذالك هو الربح الكبير، وإذا وثق بحدسه وتنبأ واستشرف بوادر اشراقات إبداعية واعدة ومهد لها الطريق ورعاها حتى تتقوى وتنطلق فذلك واجب أخلاقي ووطني، لكن يبدو أن المال يفسد كل شيء .
هل يمكن أيضا الحديث عن فن عبد العزيز العباسي الذي يتفرد به ويميزه .؟
نعم هذا ممكن، أولا ألمس هذا في تعليقات الناس وملاحظاتهم ثانيا تجربتي الحالية وليدة تطورات وتحولات طويلة دامت أكثر من 14 عاما، من مرحلة التنقيط بالحبر الأسود مرورا بالمونوكروم البني لصمغ الجوز، والكولاج حتى الآن، رعيتها لتأخذ طريقها بتفاعل مع محيطها الكبير دون أن تنسى تربتها التي تربت فيها، وستأخذ طريقها في التحول حسب الظروف والعوامل التي ستؤثر فيها، تتوالد الأفكار واللوحات من بعضها في حركية تجانسية لا قطيعة فيها، تصقل بالتجربة وتعرض على الناس لإعطاء آرائهم فيها، لا أرسم بمعزل عن الناس، ولا أرسم ما يريده الناس ولكن بوعيي لمحيطي، وإنصاتي المستمر له.
الفنانون التشكيليون يشتكون من إجحاف النقد وعدم مواكبته للإبداع.
هل هذا راجع لأزمة نقد/نقاد أم أزمة إنتاج إبداعي/فني يستحق المتابعة؟ أم ماذا في اعتقادك؟ وكيف تجيب على سؤال النقد؟
هناك نقاد متخصصون على مستوى محترم لكنهم قلة، وبالتالي تصعب متابعة كل التجارب، هذا فضل على أن كل الفضاءات التي تحتضن وتعرض الأعمال الفنية نادرا ما تفتح أبوابها للمحاولات الجريئة والمتميزة وبالتالي تبقى بعيدة عن دائرة الضوء التي تجلب النقاد .
نادرا ما نجد ناقدا يبحث وينقب عن تجربة متميزة في مرسمه أو في قاعات العرض الثانوية حتى لا نقول قاعات العرض'المحتقرة'، قاعات العرض المهمشة. ما يؤسف له كذلك هو تطفل بعض الأشخاص على ميدان النقد وتناولهم وهذا هو الخطير- لتجارب رائدة ليقزموا أصحابها وتمجيدهم لأخرى تافهة ليصنعوا منها ظاهرة وهي لا تستحق حتى الذكر وذلك طبعا مقابل مبالغ مادية.و هم بذلك يتحملون مسؤولية تاريخية عن تطفلهم أولا إذ عليهم ترك المجال لدوي الاختصاص وعن عدم نزاهتهم ثانيا إذ عليهم الاهتمام بمن يستحق الاهتمام ليلعب النقد دوره البناء ويعطي لكل ذي حق حقه.