علّقت الفنانة السورية هبة الأنصاري اللحم النيء على الإسمنت المحروق بنيران القذائف، مع فساتين قماش بيض على أنقاض منزل دمره القصف قبل عام، وسط قرية كفرنبل في ريف إدلب، لتضع الناس الذين يعيشون يومياً مع الموت في شارع واحد أمام عملها التركيبي «برزخ» الذي افتتحت به «احتفالية الشارع السوري» في الذكرى الثالثة للثورة السورية. البيت المدمر كان يملكه رجل قتل بقصف طيران النظام، ولم يبق من جسده غير ساقه المبتورة بين الأنقاض. لذلك علقت الأنصاري 25 فستاناً مع أرجل خراف داخل البيت. ووقف العشرات يراقبونها أثناء تجهيز العمل، بحثاً عن تفسير منطقي لما تفعله. وتشرح الفنانة: «يجلس القتلى على أنقاض بيوتهم، يراقبون السوق بصمت، وتتحرك فساتينهم البيض بفعل الريح الباردة، ولا يستطيع أحد منهم تحريك قوائم الخروف التي يملكها، للمشي مجدداً في شوارع قريته». لكن لم تقنع كل التفسيرات سكان القرية.
استفز اللحم المعلّق مجاهداً نزل من جبهة القتال إلى سوق كفرنبل، فحاول إقناعها غاضباً بتوزيعه على فقراء القرية، وغادر. وتهجمت جارة المنزل على أفراد فريق العمل محاولة طردهم خوفاً من انتقام الطيران من الحارة مجدداً. غضب الجارة جزء من رعب عام من القصف لدى سكان المناطق المحررة في الشمال السوري الذي تسيطر عليه المعارضة، إن تم تصوير بيوتهم أو الرسم على جدرانها.
سبّب «برزخ» بعض المشاكل في كفرنبل التي اعتادت على اللافتات والتظاهرات. ولكن لم يشاهد سكانها من قبل لحماً معلقاً على الأنقاض بصفته عملاً فنياً. لذلك كانت علاقة العمل مع جمهوره متوترة، لقسوته بحد ذاته، وقدرته على استفزاز المتلقي السوري الذي يعيش الحرب يومياً.
بعد الانتهاء من تعليق العمل، تجمّع العشرات أمام المنزل نفسه، في تظاهرة ضمن «احتفالية الشارع السوري»، لكنها تفرقت بعد دقائق بسبب ارتفاع هدير الطيران الحربي فوق كفرنبل. فعاودت الجارة العجوز تهجمّها على هبة الأنصاري. أمسكت بها وهي تصرخ: «بسببك رح تقصفنا الطيارة». هرب الجميع وبقيت فساتين
«البرزخ» معلّقة مع أرجل الخراف، يركض الناس بكل الاتجاهات وتتحرك الفساتين ببطء بفعل الريح الباردة. لكن الطائرة قصفت قرية مجاورة لم يحتفل الناس فيها بعد بالعيد الثالث لثورتهم.
وتقول الأنصاري: «عمل برزخ جزء من مشروع النحت باللحم الذي أعمل عليه منذ سنة تقريباً. كنت أنشر صوراً للأعمال على «فايسبوك» وأواجه بردود فعل عنيفة، لكنني سعيدة اليوم مع تجربة الوقوف أمام الجمهور السوري بعمل من هذا النوع».
الحياة - الثلاثاء، ١٨ مارس/ آذار ٢٠١٤ (٠٠:٠)