التقاها: شاكر نوري
بين الشعر والرسم، بين سان فرانسسكو وباريس ولبنان، وبين اليونانية والتركية والعربية والإنكليزية والفرنسية، تنتقل ايتل عدنان بين هذه الجغرافيات الروحية، تريد أن تخرج من شبكتها، ولكنها في كل مرة تسقط في شباك الشعر. هكذا أصبح قدرها مرتبطا بتواريخ متناقضة، فقد ولدت أستاذة الفلسفة والصحافية السابقة إيتل عدنان في بيروت عام 1925، لكنها غادرت هذا المكان في عام 1949 إلي باريس ثم سافرت إلي بيركلي لدراسة الفلسفة في عام 1955.
طفولة الشعر ترتسم في كل عبارة تتفوه بها وبكل خطوة تقدم عليها، نظراتها شاردة، ونحن جالسان في مقهى بونابرت ، في قلب حي سان جيرمان، إلي الأشجار المزروعة والموزعة هنا وهناك في الساحات. تطمح بتسلق أدراج السماء ليس بالطائرات بل علي أجنحة الفراشات، هكذا تبحث عن البحر في باريس وتقيم صداقاتها مع أشجار الزيزفون أينما كانت. ذكرياتها تنبع من اليونان وتركيا وبقايا الإمبراطوريات التي غابت عنها الشمس، هي الشاعرة التي لجأت إلي اللغات المتروبوليتانية، لكي تنقل رغبة طفلة، تريد أن تنقي أجواء باريس وسان فرانسيسكو، من التلوث الذي أحدثته حضارة التكنولوجيا القاهرة والباردة. لا تزال تحمل في قلبها أصداء سومر وبابل وبقايا الكواكب المهجورة هناك.
علنا نتعرف علي بعض هذه الأصداء في هذا الحوار:
ما هي علاقة بين الفنان الرسام والكاتب، وأنت تمارسين الاثنين؟
العلاقة بين الاثنين ليست أكيدة تماما لأنهما ينتميان إلي عالمين مختلفين. وبما أنهما يأتيان من الشخص ذاته، وربما توجد هناك علاقات مخفية، مستترة، وغير طاهرة، لا يعي بها الكاتب والفنان نفسه. هذان العالمان مثل العين والأذن، إذا صح التشبيه، عيوننا لها وظيفة معينة وكذلك آذاننا، وهما يعودان للشخص ذاته، إنها استجابات لحاجات مختلفة بطبيعتها وعمقها وآلياتها.
نري كما هو الحال في كتبك الصادرة الآن بأنك تعملين أغلفة كتبك، هل هذا صحيح؟
كلا ليس في هذين الكتابين ولكن في كتب أخري. وقد عملت أغلفة لكتاب عرب آخرين كما هو الحال في رواية الياس خوري الجبل الصغير ، كما عملت أغلفة لكتاب وشعراء أمريكيين من كاليفورنيا، ووصل عدد هذه الأغلفة إلي العشرات. ولكني كرسامة لا أركز كثيرا علي رسم الأغلفة.
ولكن أيهما بدأ عندك الرسم أم الكتابة؟
في بادئ الأمر، بدأت بالكتابة، وعلي الخصوص باللغة الفرنسية، ومن ثم بدأت أكتشف عالم الرسم فأصبحت رسامة، لأنني في البداية لم أكن أمتلك جمهورا. وشيئا شيئا بدأت الكتابة بالإنكليزية وواصلت الرسم في آن واحد. ومنذ ذلك الحين وأنا أمارس الوظيفتين إذا صح التعبير، وفي بعض الأحيان أواجه صعوبة في هذا الطريق وعلي الخصوص فيما يتعلق بمسألة توفر الوقت.
تحدثت عن الجمهور، هل كان من الصعب عليك الانتقال من الكتابة بالفرنسية إلي الإنكليزية؟
بطبيعة الحال، يتطلب ذلك وقتا كبيرا، ولكن في الولايات المتحدة، ومن حسن الحظ لا يوجد تفريق بين الكتابة بالفرنسية و الفرانكوفونية كما هو الحال في فرنسا لأن عملية الاندماج تتم بصورة أسهل من أي مكان أخر. ولذلك فالأمريكيون يعتبرونني شاعرة عربية ـ أمريكية، وهذا كل ما في الأمر.
ولكن لماذا يحصل هذا التفريق بين الكتابة بالفرنسية والفرانكوفونية، وأصلا لماذا يوجد هذا المصطلح بشحنة سياسية حادة؟
قبل كل شيء أنا لا أحب هذا التفريق وهذا التمييز بين الكتاب، ومما لا شك فيه أن مصطلح الفرانكوفونية ينحدر في جذوره من الاستعمار لأنه عندما يقدم أوروبي عادي علي الكتابة بالفرنسية، علي سبيل المثال كاتب من طراز صموئيل بيكيت، وتريستان تزارا ويوجين يونسكو وسيوران لا نطلق عليهم تسمية كتاب فرانكوفونيين. يضاف إلي ذلك أن بعض هؤلاء الكتاب الذين يطلق عليهم فرانكوفونيين يحملون الجنسية الفرنسية، نقول زين الدين زيدان، بطل كرة القدم الجزائري الشهير، ولا نقول طاهر بن جلون فرنسي. هذا ناتج عن العقلية الاستعمارية. كان من الممكن أن يطلقوا علي هؤلاء الكتاب تسمية أخري مثل كتاب بالتعبير الفرنسي أو كتاب فرنسيين من أصول مغاربية. مثل مالك علولة يكتب بالفرنسية ويحمل الجنسية الفرنسية. ولكنه إذا كان يلعب كرة التنس لقالوا عنه بأنه فرنسي.
في عملك الأدبي، هل اقتصرت كتاباتك علي الشعر فقط؟
كلا، كتبت الشعر، وكتبت رواية حول الحرب الأهلية اللبنانية، وتدرس هذه الرواية في ثلاثين جامعة أمريكية منذ عشرين عاما حتى الآن. كتبتها في عام 1977. بالنسبة لي، النثر عبارة عن بحث، والشعر أداة للبحث في الفكر، والشعر عبارة عن منهج للتفكير مختلف عن مناهج التفكير الأخرى. انه تفكير يتيح قدرا أكبر من الحرية وأكثر جرأة وأكثر كثافة لأن الشعر الحقيقي لا يخاف من ظهور التناقضات. انه منهج للبحث. ليس الشعر أن نكتبه مقطعا علي أبيات أو لا نكتبه بهذه الصورة لأن هذا يأتي بالدرجة الثانية.
إذن نكتشف من ذلك أنك تعيشين بين بيئات مختلفة، بين الولايات المتحدة وفرنسا ولبنان، ماذا تمنحك هذه الأماكن وهل تجدين قواسم مشتركة بينها، وما هي علاقتك بالمكان؟
أعتقد أن العلاقة مع المكان هي الأكثر أهمية لأنني كائن ينظر عبر النافذة. وما يهمني في المنزل أو الشقة ليس الأثاث والأشياء بل النافذة، وهذا يعود إلي طبائعي الشخصية. وعندما كنت طفلة كنت أمضي ساعات طويلة أمام النافذة، وهذا يعني أنني أحب العالم الخارجي.
هل يعني ذلك فلسفيا أنك تلقين نظرة علي العالم عبر الرؤية من خلال النافذة؟
نعم، العالم يهمني، حتى أنني أحب الكون، والفلك والجغرافيا ليس لدراستهما عمليا لأن هذه الأشياء تشكل جزءاً منا، وهي عبارة عن مرآة، والأماكن تعمل علي تغيير ذواتنا. ولا يمكن أن نكون الشخص ذاته في الأماكن المختلفة.
وهل تستوحين من كل مكان تعيشين فيه جانيا إبداعيا معينا؟
بالتأكيد، ان حقيقة إقامتي في الولايات المتحدة غيرت الكثير من مجري كتابتي ولو لم أقم هناك لما كتبت الأشياء ذاتها، ولم أكن الشخص ذاته، بل أكون مغايرة تماما لما عليه في الوقت الحاضر. لا أعني شخصاً جيداً أو سيئاً بل مغاير. كما تعلم إننا نكون علي غرار الطعام الذي نتناوله، وكذلك نحن علي غرار ما نري.
هل من الصعب الدخول إلي عالم المشهد الشعري الأمريكي وشق طريق فيه، وهناك عدد من الشعراء والكتاب الذين ينحدرون من ثقافات مختلفة، شقوا طريقهم في الثقافة الأمريكية؟
نعم هناك عدد كبير من هؤلاء الكتاب شقوا طريقهم في الثقافة الأنكلو ـ ساكسونية أمثال اونداتجي وذلك الوحش سلمان رشدي، ونيبول الذي حاز علي جائزة نوبل مؤخرا. انهم كتاب أغنوا عوالمهم من اللغة الإنكليزية. انهم ينفتحون علي ثقافة الآخر ويعترفون بذلك. وهناك عراقيون يكتبون بالألمانية وغيرها من اللغات. كان العالم ومازال علي هذه الشاكلة ولكن قلة ممن يعترف بذلك أي بفضل الثقافات الأخرى عليه. جلال الدين الرومي وابن سينا كانا يعرفان لغات متعددة لذلك فإن هذه التقاليد أي تقاليد الكتابة بلغات أخري موجودة في ثقافتنا، وعلي الخصوص في الإمبراطوريات القديمة مثل الإمبراطــورية الرومانية والعثمانية والعربية.
وهل كتبك تقرأ بشكل كثيف من قبل الجمهور الأمريكي؟
طبعا وكما قلت لك قبل قليل أن رواياتي تدرس في ثلاثين جامعة في الولايات المتحدة. وروايتي الأخيرة صدرت في خمس طبعات.
ولماذا يوجد شعراء أو كتاب يقيمون لسنوات طويلة في الولايات المتحدة ولم يكتبوا باللغة الإنكليزية؟
ليس هناك شعراء أو كتاب كثيرون، وربما كان عدد هؤلاء الأدباء كبيرا في عهد انتشار المجلات الهامشية وعلي الخصوص في العهد الذي عاش فيه جبران خليل جبران، علي سبيل المثال، جبران كتب باللغتين.
علي سبيل المثال، سركون بولص عاش أكثر من ثلاثين عاما وهو لا يزال يكتب باللغة العربية؟
أنه يترجم إلي اللغة الإنكليزية، ولو كنت أعرف اللغة العربية مثل سركون بولص كنت واصلت الكتابة بهذه اللغة الجميلة. أعتقد أن الأمر يتعلق بالخيار الشخصي دون إصدار الأحكام الشخصية. وهي خطوة جيدة للثقافة العربية أن يحافظ كتابها علي هويتهم ولغتهم وكتابتهم. وحقيقة إقامة هذا الشاعر أو الكاتب في الولايات المتحدة يمارس تأثيره علي كتابته. وعندما يكتب الكتاب العرب بالفرنسية فإنهم يفيدون اللغة الفرنسية.
ألا تعتقدين بأن جوهر الأدب هو اللغة أو أن الانتماء الحقيقي لأي أدب هو تعبيره بلغته الأصلية؟
كلا، ليس في حالتي، لأنني أعتبر نفسي انتمي إلي الأدب العربي ذاته لأن الإبداع الأدبي عبارة عن ثمرة عناصر متعددة، اللغة فيه ضرورية وهامة للغاية، ولكن لا يوجد سوي اللغة بل هناك الحساسية، والاختبار السياسي والذاكرة التاريخية، وعناصر معقدة أخري.
في مسيرتك الشعرية، تنطلقين من الأحداث الصغيرة واليومية التي سرعان ما تتحول إلي عوالم كونية؟
أجل أعتقد أن العالم لا نهائي، لكن هذه اللانهائية تنطلق من الوعي الذاتي للفرد، وهذا الفرد هو علي الدوام نقطة انطلاق، بمعني أن كل كائن يعيش في تفاصيله الخاصة وتفكيره هو الذي يختط المنهج الذي يأخذه بعيدا . بالنسبة لي التفاصيل الصغيرة والتفاصيل الكبيرة تحتل الأهمية ذاتها، يوجد اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر ، علي سبيل المثال، إن لون هذه المقهى التي نجلس فيها تقدم لنا تجربة معينة كما تقدم لنا المعادلة الرياضية تجربة معينة أيضا لأنه يشغل الروح، وكل ما يمر بالروح هام للغاية، حتى وإن كان ذلك عبارة عن غصن ورقة ترتجف.
هل تؤمنين بالمنحي الفلسفي للشعر؟
بطبيعة الحال، الشعر بالنسبة لي عالم منفتح، لا يوجد فيه موضوع واحد فقط، وقوة الشاعر وسلطته تتجلى في تحويل أي شكل مهما كان عاديا ومألوفا ومبتذلا إلي شعر، علي سبيل المثال، يمكنني أن أكتب قصيدة كاملة حول ملعقة. هل تتفق معي أم لا؟ أجل.
وهكذا في الرسم لا يوجد موضوع معين مميز في اللوحة، لا يمكن أن نقول أن لوحة بيكاسو غورنيكا لوحة سياسية فقط، لأن الفن الحقيقي يحتوي علي جميع العناصر. وكل واحد يختار العناصر التي يريدها ولا يستطيع أن يضمن جميع العناصر في لوحته وهناك شعراء لا يحبون أن تتخلل السياسة قصائدهم. الشعر في الحقيقة، كما قلت، عبارة عن معرفة مكثفة للأشياء والحياة، ويمكن أن يكون فكرة ما أو تحليلا نفسيا أو مادة مألوفة أو شجرة، كل شيء قابل لأن يكون موضوعا شعريا. كتابتنا يمكن أن تكون مرآة لتفكيرنا، وهذا التفكير يختلف ويتغاير. علي سبيل المثال إذا رغبت في شراء ربطة عنق فيمكنك أن تكتب قصيدة حول هذه الرغبة. وما يهم هو نوعية القصيدة وسماتها.
هذا صحيح لأن الموضوعات الكبيرة لا تخلق قصائد كبيرة.
بالضبط، أنت علي حق.
بأي لغة تكتبين أكثر الإنكليزية أم الفرنسية؟
الإنكليزية.
يتبادر إلي ذهني سؤال لا بد من طرحه وهو أنت لبنانية وتكتبين باللغتين الإنكليزية والفرنسية، لماذا وكيف؟
هذا سؤال وجيه، من هذه الناحية وقعت ضحية للتاريخ، ولا أحبذ أن أذكر كلمة ضحية وربما هي المرة الأولي التي أقول بها ذلك. كان أبي سوريا عاش في الإمبراطورية العثمانية وأمي يونانية تنحدر من ـ أزميم ـ من تركيا، وكنت أتكلم باليونانية مع أمي في منزلنا حتي عمر العشرين. وفي بيروت ذهبت إلى المدرسة الفرنسية بسبب خضوع لبنان آنذاك إلي الاستعمار الفرنسي. وكانوا يمنعوننا من تعلم اللغة العربية، لذلك كان الأطفال يتعلمون العربية في المنزل وبما أننا لم نكن نتكلم العربية لأن أبي، كما قلت، كان موظفا عثمانيا وأمي يونانية من تركيا، لذلك كنا نتحدث اليونانية والتركية في المنزل.
آذن أنت تجيدين خمس لغات: اليونانية والتركية والفرنسية والإنكليزية، والعربية.
لم أتمكن من تعلم العربية بشكل أكون فيه قادرة علي الكتابة فيها، لأنني انشغلت بالمدرسة وذهبت إلي الولايات المتحدة وكان علي أن أكسب لقمة عيشي، لذلك فانني أفضل أن أكتب بصورة جيدة في لغة معينة واحدة خير من الكتابة بشكل سيئ باللغة العربية، وعادة ما تترجم كتبي إلي اللغة العربية. من سوء الحظ أنه في الجامعات العربية لا ندرس العرب الذين يتكلمون اللغات الأجنبية، وهذه خسارة. لكني علي الرغم من كتابتي باللغة الأجنبية أعتبر كتبي ذات جوهر عربي. وأتمني أن يقرأ كتبي الجمهور العربي. إننا نكون علي الصورة التي نريد بها أن نكون.
هل ثمة كتاب يونانيون وأتراك قرأت لهم؟
قرأت كثيرا لريتسوس وثيوداركيس، الذي يكتب الشعر المغني المصحوب بالموسيقي، وهو شاعر ويغني لشعراء آخرين. وهناك كفافي، شاعر القرن العشرين. في شعر كفافي نعثر علي صدي لمشاكله الحياتية وفيه أيضا ذلك الحنين لليونان القديمة وأصول التقاليد البيزنطية. وللأسف الشديد مثل هكذا شاعر لو توفر في العالم العربي لأسميناه شاعرا رجعيا.
تكلمت قبل قليل عن كسبك للقمة العيش، هل تعيشين من واردات كتبك؟
كلا، لأن حقوق النشر ضعيفة في جميع أنحاء العالم، باستثناء المشاهير والنجوم من الأدباء، لكني عملت كأستاذة للفلسفة في الولايات المتحدة. وبعد ذلك، عدت إلي لبنان لكي أعمل في ميدان الصحافة من عام من 1962إلي 1970 في صحيفة لاريون دي جور التي كانت تصدر باللغة الفرنسية. وكان لي وارد صغير، و لكن ما أحصل عليه من الرسم والكتابة لا يمكنني أن أعيش به. وحتى أدونيس الذي هو أكبر شاعر عربي معاصر لا يكسب لقمة عيشه من شعره ولم يصنع منه ثروة تذكر. لكن الرسم يمكن أن يكون مهنة، لأن الرسم عبارة عن مادة وموضوع. وهناك العديد من الرسامين العرب يعيشون من واردات مبيعات لوحاتهم. أعتبر أحيانا كتابة الشعر تدخل ضمن تقديم الخدمات العامة المجانية للمواطنين (تضحك).
ووضعية الكتاب الشعراء في العالم العربي أسوأ حالا مما هي عليه حال الكتاب والشعراء هنا.
حتى الأدباء الذين ينشرون وتباع دواوينهم لا يعيشون من واردات كتبهم. وفي العالم العربي يشتري الشعراء كتبهم. من حسن الحظ، هناك من ينشر الشعر. وحتى في فرنسا لا يحقق نشر الشعر موارد لأصحابه لأن دور النشر لا تحقق مبيعاتها من كتب الشعر بل من كتب أخري مثل الكتب التجارية والدينية. ومن المعروف أن الديانات تشكل جزءاً من جميع الثقافات.
ما هو الخلل الحاصل في العالم العربي في نظرك؟
صحيح أن لدينا مشاكل تأتي من الأجانب لكن لدينا مشكلة الافتقار إلي الصرامة. لكني في الوقت ذاته لا أحب الذين ينتقدون العرب دون توقف، حرام ـ قالتها باللهجة اللبنانية ثم واصلت حديثها بالفرنسية ـ إنهم كالآخرين. ويوجد لدينا الـ معليش ـ حتى الكتاب الكبار يقولون الشيء ذاته دون بذل أي جهد. وليس مرد جميع مشاكلنا تعود إلي الاستعمار الأجنبي.
أنت تكتبين الشعر ليس انطلاقا من الحياة اليومية فقط بل من الأساطير أيضا، هل هذا صحيح؟
أجل. لأن الأساطير تشكل جزءاً من التاريخ. وماذا نحن؟ نحن عبارة عن المعرفة التي نتمتع بها. إذا ما أمضيت حياتي أدرس القبائل السوداء في أفريقيا الجنوبية كان من الممكن أن يملأ هذا الموضوع كل روحيتي. أنا احب التاريخ وعلي الخصوص تاريخ الشرق الأوسط وأفضل أن أقول المشرق . المغرب والمشرق. مصطلح الشرق الأوسط خلقه الإنكليز. نحن لسنا الهند. أعتقد أن التاريخ يمنح الشعر عمقا معينا. علي سبيل المثال، أحب تاريخ السومريين والبابليين، هذا هو تراثنا ، وكل الأطفال يجب أن يتعلموا ذلك في المدارس. ولكننا لا نمتلك مؤرخين بما يكفي في العالم العربي. علي سبيل المثال، اعرف شابا يريد دراسة التاريخ لكن أهله لا يسمحون له بذلك بحجة أن هذا الاختصاص لا يجلب موردا ماليا. إذا لم ننتبه لتاريخنا يقال أن هذا التاريخ لا يصلح.
لا يوجد إذن في نظرك أي تناقض بين التراث والحداثة؟
كلا. لا يوجد أي تناقض لو نري الحقيقة. نحن نمتلك تراثا لكن الناس الذين تقدموا في تطوير الحداثة يعرفون تاريخهم جيدا. لماذا هم لا يشعرون بالتناقضات ونحن نشعر به؟ علي العكس إذا كان لنا ثمة غني فهو تراثنا وتاريخنا.
ما هو رأيك بالجدل الدائر في أوساط شعرائنا عن قصيدة النثر وتناقضاتها مع الشعر الموزون؟
نعم هناك جدل، ولكن المفترض أن نسأل ما فائدة هذا الجدل؟ لأن الجدل يدل علي أن هناك اهتماما بهذا الموضوع أو ذاك. وهو ليس سلبيا. ويدل هذا الجدل أن كل واحد يدافع عن الأشياء التي يبدعها، والأماكن موجودة