يكاد الفنان السوري نذير نبعة أن يكون أحد المتصوفة الكبار: يسعى في لوحاته إلى تأكيد مقولة النفري الشهيرة (كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة) ومن هنا فإننا نشعر جميعا بهذه الكثافة الشديدة التي تميز هذه اللوحات والتي بلغت في المرحلة الأخيرة حد التوحد مع اللوحة!!
ولد نبعة في دمشق 1938، ودرس في كلية الفنون بالقاهرة (1959 1964)زخم القاهرة في سنوات المد القومي أمده بآفاق جديدة في الفن التشكيلي لم يكن محددا في مدرسة واحدة أو في اتجاه معين بل كان ممتدا ليشمل كل مدارس الفن شعراء العامية المصرية أفادته في البحث عن خصوصية للفن التشكيلي عبر العودة إلي الجذور
وفي باريس حيث قضي ثلاث سنوات للدراسة أيضا (1971 1974) تعرف علي التصوف الذي دخل في تجربته ليصل إلي حل للمعادلة المركبة: خصوصية للفن برؤى كونية.
عن هذه التجارب يتحدث في الحوار الذي جري أثناء زيارته للقاهرة والتي اعتاد أن يقضي فيها شهور الصيف منذ سنوات عديدة.
* تكاد تكون الأسطورة والحكاية الشعبية والميثولوجيا من الملامح الأساسية في لوحاتك.. هل يرجع ذلك لكونك ابنا للريف السوري وأن الطبيعة مصدر معرفتك الخاصة؟
* بالتأكيد أن جذور الإنسان يكون لها تأثير علي اهتماماته، لكن بالنسبة لي فقد كان شعراء العامية أقرب أصدقائي ورأيت كيف اتجهوا إلي الريف بما فيه من أغان شعبية وحاولوا استيحاءها في قصائدهم وجعلوها ملهمة لهم في أشعارهم، هذا أفادني كثيرا
كما أن قضية الهوية المحلية التي نمت مع النهوض القومي في ذلك الوقت جعلت كل الفنانين العرب تقريبا يهتمون بمسألة الجماليات المحلية التي تعبر عن رؤيتنا وتصورنا الخاص للفن وهو تصور يختلف عن المناهج التي درجنا علي دراستها في الأكاديميات، فكل ما درسناه كان مستمدا من منهج غربي ولم يكن هناك منهج محلي لكن كان هناك في المناخ التشكيلي هاجس عام يبحث عن رؤية وجماليات محلية لها خصوصية الشعب الذي ينتجها فكانت الأساطير والميثولوجيا القديمة سواء أكانت فرعونية أو سومرية أو أشورية والأساطير الشعبية القديمة كفن شعبي وتعد أيضا ينبوعا للجماليات التي كانت هاجسا نبحث عنه لنبدع لوحة لها صفاتها الخاصة.
* وكيف أمكنكم التوفيق بين الاعتماد علي البيئة كمحاولة لتقديم فن محلي بينما كانت الدراسة بمناهج غربية؟
* هذه معادلة مركبة المفروض أن يعيش الفنان زمنه ويري كيف تتحقق هذه المعادلة المركبة لأنه لو اعتمد كليا علي الفنون المحلية وعلي التراث فكأنه يلبس ثياب الأجداد: معني ذلك أنه لم يضف شيئا لما أبدعه من سبقوه فقط كرر ما صنعوه وهذه المشكلة واجهت في البداية أغلب الفنانين الذين استوحوا من الفن الفرعوني والفن الأشوري والسومري، وجدوا أنفسهم يقلدون أجدادهم الذين كان عصرهم واهتماماتهم مختلفة بينما هم أبناء القرن العشرين. صحيح أن الجماليات التي كان الأجداد يبحثون عنها مازالت موجودة سواء أكان ذلك في الفن التشكيلي أو النحت أو الشعر أو غيرها من الفنون لكن المفروض أن يكون هناك شيء جديد تصل جذوره بهذا القديم ولكنه مختلف عنه أو مكمل له.
*وهل كان هذا الهاجس يشغل كل التشكيليين في تلك الفترة؟
الغالبية العظمي للفنانين العرب في الستينيات من المغرب وحتى المشرق العربي. والآن وبعد مرور ما يقرب من أربعين عاما.. كيف يختلف المشهد؟ هل نجحتم في حل هذه المعادلة المركبة؟
* بالتأكيد هناك بعض الفنانين استطاعوا أن يحققوا هذه المعادلة المركبة بشكل أو بآخر مثلا في الإنتاج المصري هناك محمود سعيد، تجد في إنتاجه الروح المصرية الصادقة، العميقة دون افتعال، ودون تقليد للفن الفرعوني القديم وفي أعمال حامد ندا وعبد الهادي الجزار تجد نفس الروح، وكذلك الأمر في أعمال جواد سليم وفائق حسن من العراق تجد التأثر بالقديم لكن في روح معاصرة، روح الفنان الذي يعيش في القرن العشرين وليس الفنان الذي يقلد الأشكال التي صنعها القدماء ولكن للأسف رتم الحياة بدأ يتسارع ويتجاوز هذا المفهوم البسيط للمسألة فالعصر الذي نعيشه والمنجزات العلمية التي تمت تجاوزت مسائل الجغرافيا القديمة وأصبح العالم كله قرية واحدة من خلال وسائل الأعلام وسرعة التوزيع المذهل للمعلومات التي تحدث عن طريق وسائل النقل وخاصة الإنترنت، فيمكن أن تري الحدث في وقت حدوثه في الطرف الآخر من العالم ، لم نعد في عزلة ربما ستتأثر الأجيال القادمة بهذه المتغيرات وسيظهر أثرها بوضوح في أعمالهم الفنية ولكن بالنسبة لنا فتربيتنا الجمالية والاجتماعية كانت مع ما سبق هذه التطورات.
* وهل تري أن وسائل الإعلام تلك ودعاوى مثل العولمة تعد خطرا علي خصوصية الفن التشكيلي التي ظللتم تبحثون عنها ؟!
* لا أنظر للمسألة كخطر أو ليست خطرا فالتقدم يحدث في الحياة، قد أكون معه أو ضده لكنه سيحدث الخطورة كانت موجودة لأنها كانت تعبيرا عن صراع بين محلية وعالمية بين شعوب حديثة الاستقلال وحديثة الشعور بالانتماء القومي.. ذلك أصبح شيئا عاديا في الماضي عندما أقول (أنا عربي) كان ذلك شعارا كبيرا، أما الآن فماذا يعني ذلك؟! التطورات التي حدثت في العالم جعلتنا ننظر نظرة مختلفة عن النظرة الأولي. أنا لا أعتقد هذا التغير سيصنع إنسانا واحدا علي الأرض أو عقلا أو ثقافة واحدة لكن لم تعد المسألة بالشكل القديم. بالإضافة إلي أن كل فنان استخدم منجزات عصره الذي يعيش فيه، منذ الكهوف التي رسم عليها بالفحم والعظام والدهون التي 'سيٌîح' فيه فيها اللون الأسود الذي كان يحصل عليه من فحم النار واللون الأحمر الذي كان يحصل عليه من التراب ليلون جدران الكهوف، وفي عصر النهضة أيضا استخدم كل منجزات عصره: استخدم الإنطباعيون كل التفسيرات الفيزيائية للضوء واللون، واستخدم التكعيبيون مفاهيم الكتلة والشكل وهي المفاهيم التي أحدثتها الثورة الصناعية بالنسبة للفنان أو المبدع الذي يعيش في بدايات القرن الحادي والعشرين لا بدله أن يستخدم في إنتاجه الفني كل المنجزات العلمية وفي التعبير عما أحدثه هذا التقدم في فكره وخياله الخيال صار مختلفا والحلم أيضا في ذلك العصر!
أنا أنظر لهذا الأمر من هذه الزاوية وليست من زاوية (الخوف) من المسخ، فالإنسان الذي عاش في هذه المنطقة سوف يظل مختلفا عن الإنسان الذي عاش في منطقة أخري.
* إذن سيظل الحديث عن خصوصية للفن رغم المتغيرات؟
* بالتأكيد، وهذه الخصوصية لن تنفي حداثة العمل الفني.
* تختلف المرحلة التشكيلية الأخيرة كثيرا عن مراحلك السابقة.سنجد التجريد يزداد بكثافة، وهناك كذلك التركيب المعقد والكثافة الشديدة للألوان، كما يظهر انكسار تام داخل اللوحة.. في مقابل حزن شفيف يوحي بالصمود في المرحلة السابقة... ما تفسيرك؟
* أنا أعتبر الفن نتاجا للإنسان نفسه، وتعبيرا عن التطور الذي يحدث داخله بهذا المعني تأثرنا في الستينيات بالمعني المباشر للفن حيث كانت مطروحة بقوة مفاهيم الأستقلال الوطني والاشتراكية والواقعية ففي هذه الفترة استهواني موضوع العمال في مصانع الحجارة فجعلته مشروع تخرجي وبعد تخرجي عملت في شمال شرق سوريا قريبا من حضارة ما بين النهرين فوجدت نفسي استفيد ليس فقط من جغرافيا المكان وإنما أيضا من حضارته. التغير لا يأتي بقرار ولكنك تجد نفسك تعمل من خلال ما تأثرت به: من قراءتك، من المكان الذي توجد فيه، من التطور الذي حدث في فكرك ولكن يظل هناك شيء يربط كل هذه التحولات أو هده المراحل منها شيء من الحزن كما قلت، ومنها الانتماء إلي الإنسان، الانحياز إلي فئة معينة من الناس.
أحيانا يظهر ذلك بشكل مباشر أحيانا يكون في مضمون أو خلفية اللوحة لا يظهر بشكل مباشر إنما في الإحساس الذي تعكسه اللوحة في المرحلة الأخيرة لم يعد شكل الإنسان كما كان من قبل، صرت أعتقد أن الشكل الإنساني في اللوحة لم يعد يعطيني ما أحس به، ولم تعد المواضيع المباشرة أو الأسطورية تعبر عني وربما تكون هذه أحاسيس فردية ولكن أظن أن لها علاقة بالمجموع فبعد هذه الفترة الطويلة من الإبداع لا أعتقد أن الأحاسيس الفردية أصبحت معزولة عن المجموع بمعني أنني كإنسان فرد لم أعد أمثل اسمي فقط بل أمثل جيلي، امثل مجموعة من البشر ظهروا في فترة من الفترات وكان لهم ثقافة وأفكار معينة ثقافة تتطور مع تفاعلها بالأفكار الجيدة للشباب، أو حتى مع الأفكار التي تأتي من الغرب. أعتقد أنه اصبح هناك نوع من (التفاعل) أكثر مما نسميه (صراع) صراع بمعني سيطرة أفكار علي أفكار أو ثقافة علي ثقافة بعد تجربة طويلة صار لدي نوع من الثقة بما أنجزه الإنسان يجعله بتفاعل مع ما يحدث في العالم ومع ما يستجد من أفكار للأجيال الجديدة.
* ربما يكون للأمر علاقة مباشرة بالسياسة.. فالأحلام الكبرى لجيل الستينيات بتغير العالم انهارت الآن تماما؟!
* الأفكار ليست فاشلة، فحتى بدون الأحداث الدرامية الكبرى: نكسة 67 وحرب الخليج الثانية، وصولا إلي انهيار الاتحاد السوفيتي.. هذا لم يكن فشلا للأفكار بقدر ما كان فشلا في تطبيقها، أنا متأكد أن فشل التطبيق لم يحدث مع جيلنا فقط ولكن مع الأجيال السابقة أيضا فهل حلم الإنسان بالعدالة لن يتحقق؟ وهل سيظل يحلم به ويحاول أن يصل إليه ويفشل.. ونعيد بذلك أسطورة سيزيف الإغريقية!!
* ومتي ظهرت هذه التأثيرات في لوحتك التشكيلية؟
* بعد حرب الخليج الثانية، وبعد الانهيار التام قبلها لم تكن الصورة واضحة، كنا نعاني من أشياء لم تكن واضحة، أشياء مبهمة في العالم كله وفي حياتنا الخاصة أيضا، ولم نكن نستطيع تفسيرها قد تكون هذه الأحاسيس فردية، ولكن لا أعتقد أن فشل الأحلام الكبرى التي كنا نغني لها أدي إلي الانهزامية في لوحتي لكن نكسة 67 وعت الفرد منا كم كان غوغائيا، كنا نفهم المسألة وكأنها مسألة شعارات ومظاهرات ولكن ثبت أن الأمر مرتبط بتغير الواقع نفسه! ولما اتضحت الصورة كان الوقت قد فات ولكن هذا لا يعني أننا تحولنا إلي هنود حمر المفروض أن نستعيد من خلال رؤيتنا الواضحة بقية أنفاسنا ونحاول أن نبني ثقافة بعيدا عن الغوغائية ثقافة تمكننا من الصمود أمام الثقافة القادمة من الغرب لو استطعنا أن نفعل ذلك سنستطيع أن نتجاوز كل المطبات التي وقعنا فيها وهذا مطروح ليس فقط علي أجيالنا ولكن علي كل الأجيال التي أتت بعدنا.
*ومن هنا كان لجوءك إلي البيئة والجبال في سوريا تستوحي منها أعمالك الأخيرة؟
* صارت المسألة مسألة إشارات لم يعد هناك كلام كثير يقال ولكن أنا أعتقد عندما يضيق مجال الكلام يكون هناك أفق أوسع للصورة والتشكيل وأنا فنان تشكيلي ولست فيلسوفا أو صحفيا بالأساس عملي عمل بصري ومهما كان عندي من أفكار وفلسفات فالمفروض أن أعبر عنها من خلال الصورة وليس من خلال الكلمة!
*أنت تسعي لكي تطبق في اللوحة مقولة النفري (كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة؟
*يا ليتنا نحقق ذلك!
*لكن في لوحاتك حس صوفي.. كيف استطعت أن تمزج دلالاته وجنوحه إلي المطلق مع الشعبية والريفية؟
* رأيت في الأساطير نوعا من التفكير الصوفي ولكن ليس تفكيرا صوفيا لأفراد وإنما للجماعة، فهو الشعور الجمعي للأشياء حتى قصص المتصوفة قريبة من قصص وحكايات الأساطير بالتأكيد ما أحاول أن أقوم به هو ما قاله النفري: الكثافة.
* وكيف يكون التكثيف في اللوحة؟
* أنا لا أقدم لوحة تجريدية بل مشهدا واقعيا من خلال بعد واحد نحن تعودنا أن ننظر من خلال المنظور الإغريقي (له 6 أبعاد) أغلب الفنون الشرقية لها بعد واحد وليس 6 أبعاد. البعد الثالث الذي يخترق سطح اللوحة لم يكن موجودا.. ولم تكن الفنون الشرقية تعتمد عليه وفي لوحاتي الأخيرة ألغيت هذا البعد وبدأت أري جماليات اللوحة . كما هي من خلال البعد الواحد(وهو سطح اللوحة) وكثافة اللون ورقته، وصراع اللون البارز مع اللون العار، وتوافق اللون أو تنافره مع لون آخر مع خشونة ونعومة السطح ومن خلال علاقة السطح نفسه بالنور الخارجي الذي يقع عليه، وتعامل هذا النور مع السطح النافر مع السطح الغائر الموجود في الفن الفرعوني وحتى الفن الإسلامي.. بل وفي كل الفنون الشرقية تقريبا، لأن النور يبدو منكسرا دائما وضبابيا، بينما النور لدينا مباشر وقوي يتعامل مع سطح العمل الفني سواء أكان في المعابد الفرعونية أو في المساجد أو القصور، كلها أعمال فنية تتعامل مع النور الواضح القوي الذي له علاقة بالغائر والنافر في اللوحة أو العمل الفني. حاولت أن أكثف كل هذه الجماليات في اللوحة، ربما يبدو فيها الحزن أكثر من المرحلة الأولي، وهذا ما جعلك تشعر بنوع من الإحباط أو نوع من الهزيمة ولكن أعتقد أن الجماد أو الجدار الصخري هذا يوحي بالصمود علي الرغم من أنه لا يحتوي علي الحيوية المباشرة التي اعتدنا عليها منذ الستينيات وحتى..(لا أعرف حتى متى) الإنسان عبارة عن جدار صخري مهما أصابته الصدمات سيظل صامدا.
* وجه الأنثى في لوحاتك يكاد يكون شبيها.. بل يكاد يكون هو وجه زوجتك الفنانة التشكيلية شلبية إبراهيم.!
* هذه ملاحظة صحيحة إلي حد كبير، أنا لا أرسم موديل أو نموذجا معينا، لست انطباعيا ولست واقعيا، ربما يكون الموديل أقرب عندي إلي الشخصيات الموجودة في الميثولوجيا القديمة أو في الملاحم الشعبية هي شخصيات أقرب إلي النموذج الواقعي: تحمل الجماليات التي أخذناها من حكايات الجدات ومن (ألف ليلة وليلة) والسيرة الهلالية. الأنثى في لوحاتي تشبه شخصية (عشتار) ولكنها مشذبة بلا جبروت الآلهة أي أنها (مؤنسنة) أقرب إلي المفهوم الشعبي أو مفهوم البسطاء منه إلي مفاهيم الفلاسفة أو الحكماء مثلا لو قارنا بين (عشتار) ربه الخصب في مجتمع ما بين النهرين سنجدها هي المرأة الجميلة المتسلطة الجبارة التي لها علاقة بالماء والشجر والقمر لو قارنا بينها وبين ست الحسن أو بدر البدور في ألف ليلة وليلة هي الست الجميلة الطيبة التي لا تتميز بالشراسة، فيها نفس صفات (عشتار) ولكن بلا جبروت أو تسلط!
* وهذا وجدته في وجه شلبية؟!
* كان هذا يشكل في خيالي صورة ربما كان وجه شلبية أقرب إليها الغريب أنني بعد أن عرفت شلبية وتزوجتها رجعت إلي أسكتشات قديمة لي ووجدت أنني رسمتها قبل أن أعرفها أحيانا يكون الوجه مركبا من عدة وجوه: قد تكون العيون من شخص، واستدارة الوجه من شخص آخر.. هو وجه مثل اللوحة الشعبية التي بدون توقيع أو القصة الشعبية التي لا تعرف مؤلفها.. فتعبر بالتالي عن رمز اكثر من كونها قصة واقعية.
قضيت عدة سنوات في فرنسا.. ماذا أعطت التجربة الباريسية لإبداعك ومسيرتك التشكيلية؟¬ سفري إلي باريس جاء بعد نكسة 67 بعامين، كنت وقتها في حالة إحباط شديد. البعد عن المكان والذهاب إلي الغرب ومواجهة حضارته وثقافته أدخلني في تجربة التصوف أنا لست متصوفا ولم اكن.. لكن في باريس تعرفت علي شاب مصري هو احمد قاسم ابن الدكتور محمود قاسم الذي كان عميدا لكلية دار العلوم وجدت لديه كتيب صغير لنص محاضرة ألقاها والده في الأربعينيات عن (الخيال عن ابن عربي).
المحاضرة كانت بلغة بسيطة وبعيدة عن لغة الفلاسفة الغامضة هذا الكتيب فتح لي الكثير من أبواب المعرفة وعرفت من خلاله طرق التصور عند شعوب الشرق من خلال أفكار المتصوفة فهم يعتبرون أن الحياة الحقيقية للموجودات تكمن في الخيال.
لو بسطنا الأمر:أنت في الواقع تري الشجرة في حالة واحدة في فصل الصيف أو الشتاء أو الربيع أو الخريف. تراها شجرة تفاح أو جميز أو مانجو لكن عندما تقول (شجرة) فقط ، فأنت تري جميع الأشجار في خيالك في لحظة واحدة، وفي جميع الفصول والأزمنة حياة الشجرة الحقيقية تراها في الخيال أكثر مما تراها في الواقع وجدت في هذا التصور أفق واسع للتصورات التي كنا نبحث عنها، بمعني العودة إلي الأشكال التي كانت مطروحة في الفنون القديمة أو في حكايات الجدات. صار بإمكانك أن تستخدم أدوات عالمية ولكن بروح ورؤية خاصة بك ومن خلال هذه الروية الخاصة يمكن أن نكسب هذه الأدوات صفات البيئة أو المنطقة التي خرجت منها!!
أخبار الأدب - الأحد - 16 ديسمبر 2001