الكثير من المعارض الجماعية والفردية احتفت بلوحاته على امتداد سنوات طويلة، علمه العاصي كيف
(صورة الفنان في افتتاح المعرض) |
يقلق باستمرار على فرادة إبداعه وعلى احتاجه وشغبه، وهاهو في معرضه الأخير / اغتراب الأمكنة / الذي استضافته صالة صحبي شعيب للفنون الجميلة بحمص، يترك رائحة شغبه ومشاكساته وعبق ألوانه في ثنايا الأمكنة، الفنان التشكيلي عبدالله عبيد عبر هذه المرة عن مكنوناته ولكن بالكلمة فكان لنا معه هذا اللقاء:
* معرضك الأخير كان بعنوان "اغتراب الأمكنة" ما قصة احتفائك الدائم بالمكان في لوحاتك؟
** الاغتراب في اللغة هو غربة المكان، وأقصد هنا في الاغتراب اغتراب الفعل الإنساني في المكان، أي هذا الهم الكوني البشري لقاء المواجهة اليومية والتاريخية للفعل السياسي والهاجس التاريخي للألم الذي يقع على الشخص عموما، وهنا اقصد المرأة والرجال "اثنان في واحد". وبالعمل الابداعي كجنس في الفن التشكيلي يأخذ شكلا أشبه بالخصوصية في عمل الفنان ومسألته الشخصية كإنتاج إبداعي مشاركا الهم الابداعي العام كفعل ثقافي فأنا أهدف الى شمولية العمل الثقافي إنسانيا كما خطواتي موزعة في كل القارات وفي نفس اللحظة.
(الاغتراب حالة من الأسى الحزين يدعو لتدخين سيجارة).
* يبدو الريف بألوانه وتكويناته حاضرا على الأغلب في لوحاتك، هل مازالت ذاكرتك قادرة على استحضار مفرادته رغم غيابك الطويل عنه؟
** (حولت طين قريتي ورماد سجائري الى لون). لم تزل ذاكرتي وطفولتي هاجسا كاللعنة الموشومة في جدران الذاكرة. هذا الريف الجميل كصفصاف العاصي ريح في رئتي ورئة الفنان الحمصي، فاعمل على إعادة إنتاج هذه الذاكرة بلغة جديدة للمساهمة في الفعل الثقافي الإنساني.
ذاكرتي بالعام ذاكرة مائية تتمحور في أغاني الدلف الشتائي في بيتنا الطيني الى عذوبة الينابيع القديمة وضفاف العاصي حتى تتحول الى الأزرق النهائي هذا اللون العدمي الذي لا ينتهي يصبح في النهاية مفردة تدخل في التشكيل الابداعي ويدخل لون الطين والرماد الى حشد من المفردات التي أتكور فيها وذاتي مثل جنين حوله الألوان.
اغمس أصابعي في تلك الألوان حتى تتحول الى لغة إله (وأنا حر بما فيه الكفاية للخلق).
* يقع كثير من الفنانين في الاستخدام الخاطئ للرموز، هل هذا اختلاف في تفسير هذه الرموز..أم أنه جهل وحسب؟
** يعمل الفنانون التشكيليون ضمن القوانين الوضعية السائدة للعمل التشكيلي دون اختراق الفعل التجريبي للوصول الى منطق الإبداع.
المطلوب: (دائما رمي الحجر في وجه الماء).
دائما يقدم الكون المعرفي فعلا جديدا في أجناس الثقافة.
والمطلوب أيضا من كل أصحاب هذه الأجناس أن يخوضوا تجربة التجريب والمقارنة والنقد للمساهمة في إعادة إنتاج الثوابت.
الرموز ليست لغة عامة فالرمز الشخصي للفنان مخلوق داخلي يتشكل حسب قدرة الحلم والتعبير عنه، فأنا امتلك وحشا في داخلي يبكي ويصرخ ويقاتل وينام وأصل في النهاية وأنا أمام لوحتي الى أعلى درجات النزف.
* علاقة الموهبة بالتقنية تحدد قيمة العمل الفني..هل يسعى بعض الفنانين لإخفاء ضعف موهبتهم باستخدام تقنيات معقدة؟
** في مرجعية هذا الجواب وانعدام المواقف النقدية في الوسط التشكيلي يتبدى الجواب الشخصاني الفاقد للمعرفة والتطوير ويتمحور حول المزاج الشخصي المتكون تاريخيا من ضعف في الرؤية والثقافة البصرية والتربية الجمالية منذ مئات السنين، فالفن التشكيلي ليس حرفة بالمعنى، بل هو وبكل القيم الحضارية للفعل الابداعي شكل لتطوير الفعل الإنساني ضمن أداته الإبداعية.
لا يأتي فنان الى هذا الوسط وهو غير قادر على رسم المسائل المشاهدة ولو بأبسط المفاهيم، لكن المطلوب وفي منطق تطور الشعوب ان يضيف هذا الفنان مفهوما آخر ومفهوما جديدا في تشكيل هذه المعالم المشاهدة.
ومن هنا ينتج منطق التطوير وإعادة الإنتاج بمفهومية حضارية تتقن لغة الحداثة (الحداثة هي مفهوم اللامفكر فيه).
وأنا شخصيا ان لم أكن فنانا تشكيليا وكنت راعيا لا اختلف على الذي أنابه.
* شخوص لوحاتك تسير فيها الأنوثة وان كانت مذكرة الظاهر...ما هي المقولة التي تبحث عن صداها لدى متلقي هذه الظاهرة؟.
** كما قلت لك يا صديقي فإني أعمل على هاجس كوني للإنسان، والإنسان عندي هو الشخص امرأة كان أو رجلا. فالاثنان شكل إنساني معني بالفعل الابداعي والثقافي.
وهذه الأشكال التي أتعاطاها هي شكل للألم وللحب والمقاومة الممزوجة مع الفعل التاريخي لتشكيل في النهاية ذهنا جمعيا لفعل حضاري اجتماعي فيه مقومات ومرتكزات الهوية الشاملة لهذا المجتمع. ففي كل أعمالي تقرأ الملامح الأساسية للوجع الجسدي لهذا المخلوق الأنثى التي شكلت أساسا جماليا وبصريا اسمه المرأة بالعالم، فجيد المرأة أكثر إبداعا من الموسيقى.
*ما هي المقولة التي تشكل مشروعك الفني؟
** لا أدري إن كنت أعمل على مشروع فالمشروع عندي دائما وأبدا هو الاحتجاج على كل الثوابت (أقول احتجاج فقط) والموروثات الوضعية التي شكلت في النهاية جدارا غبيا لحالة الحلم والخروج عن المألوف للوصول الى إعادة إنتاج عالم أقل بذاءة معرفية مما نراه. أنا يا صديقي مشروعي ومستقبلي ومستقبل الفعل الثقافي في كل الأنشطة هو (اللامفكر فيه).
* ختاما كيف يمكن لنا أن تقيم حوارا فاعلا بين الفن التشكيلي والمجتمع الذي يعاني من أمية فنية وبصرية؟.
** سئلت مرة عن السوية الفنية والبصرية في السطح الاجتماعي كان جوابي: إني لا أرى إلا حشدا بلا ملامح يسعى في كل أوقاته الى راتبه الغذائي اليومي مما يشكل غربة قاتله في التكون الجمالي والبصري عند هذه الأشكال المجهولة التي - تسير في الشارع. فأنا يا سيدي لست مربيا جماليا أنا جئت أتعلم من بلادي من شمسها وشجرها وبحرها والتبدل الضوئي في هضابها وصحرائها والتي هي في النهاية قدوة لخلق عالم جمالي وبصري يعلم العالم وهذه هي دعوتي للكل في أن نساهم بشكل متبادل - لا متلقي ولا معلم - في تشكيل عالم معرفي ثقافي يساهم به المبدعون والرعاة والصيادون وكل الباحثين عن رواتبهم الغذائية، حتى الديوان... وسيبقى اللون كالخمر والدم يفجر اللحظة.
***
افتتاح معرض الفنان "عبدالله عبيد"
في صالة الشعب بحمص
افتتحت نقابة الفنون الجميلة بحمص في السابعة والنصف من مساء الثلاثاء الماضي وبحضور عدد من الفنانين والمهتمين معرض الفنان "عبدالله عبيد" تحت عنوان " ارتوازا" وفاء لذاكرة الشرفاء والكروم"..
وقد نضمن المعرض (17) لوحة زيتية بحجوم كبيرة وصغيرة وأسلوب تجريدي وتعبيري انطباعي بألوان طغى عليها الخلفيات العاجية مع مفردات بالأخضر، الأحمر، البرتقالي، الأزرق، الأسود، الذهبي ومشتقاتها.. في حين حاول الفنان التلاعب بالسطوح اللونية كالحز عليها بطرق عشوائية ووضع خطوط قاسية نوعا ما عمودية وأفقية أو معالجته بأساليب متنوعة كالسماعة اللونية في مساحات محددة.
قال الفنان "أنا أمزج التجريدي والتعبيري.. ولكنني عموما اعتبر المدارس حالة مثاقفة.. واعتمد على الاختراق للمفهوم والموروث وأشتغل على هذا التراكم الطفولي، أما عنوان المعرض "ارتوازا" فيعني "أميرة المياه العذبة" التي شكلت من الرمال ودماء العاصي واخضرار العشب وهذه الأميرة هي مدينة "الرستن" حسب تصور الفنان الذي عمل في لوحاته بأسلوب رسوم الأطفال على الجدران في تشاكيل متنوعة تتكرر فيها الوحدات والمفردات الفنية في اللوحة الواحدة.. أو يرسم الانسان متكورا على ذاته حزينا ليعبر عن عذاباته المتنوعة كما يشطر المساحات الى أشكال متعددة تعطي في المعرض الواحد عدة صفات وهو عموما يركز على الم الانسان من ولادته وحتى وفاته وهذا الهاجس الأساسي الذي أشتغل عليه الفنان في عدة أفكار وأراء خاصة به.. مليء بالتعابير وملامح عدة كالشجرة، بيت، العب، أطفال، رموز، مزهريات طبيعة صامته، بقع..الخ
سيرة ذاتية وتعريف مواليد الرستن - محافظة حمص 1951. اسة فنية في مركز أدهم إسماعيل - دمشق. اعتماد كلي على الدراسة الخاصة لمفهوم الفن. عضو ومؤسس جمعية أصدقاء الفن - دمشق. عضو نقابة الفنون الجميلة. خريج أكاديمي في العلوم العسكرية. مساهم في النقد الفني والبصري عبر ثلاثون عاما. بعة معارض فردية. مشاركة في أكثر من تسعين معرضا جماعيا. له مقتنيات في وزارة الثقافة وفي بلدان عربية وأجنبية، هولندا - ايطاليا - أمريكا - كندا - بلغاريا - روسيا. مشاركات في معارض خارج سوريا: لبنان - الأردن - مصر. الجائزة الأولى مع درع المؤسسة الدولية للمعارض 2003. ئيس لجان تحكيم فنية في المهرجانات الثقافية في محافظة حمص. متابع في رصد العوالم البصرية في بناء اللوحة والبحث في أروقة الذاكرة (عن اللامفكر فيه) وتطوير العقل التشكيلي كمفهوم إنساني وإبداعي. |