القاهرة - "القدس العربي"
من محمود قرني استقبل أتيليه القاهرة بالقاعة الرئيسية "قاعة راتب صديق" معرض الشباب الثاني لفن الخط العربي تحت عنوان "صدى التراث" وقد شارك في المعرض أحد عشر فنانا هم أحمد فارس وهو شاب من مواليد 1980 وحاصل على دبلوم الخط العربي عام 2003 وكان ترتيبه الأول على مستوى الجمهورية، ويعمل مدرسا للخط العربي بمدرستي تحسين الخطوط "خليل آغا وباب اللوق" وقد حاز على المركز الثالث في خط الثلث الحلبي ونال ثلاث جوائز تقديرية في مسابقات دولية وشارك بثلاث لوحات.
أما احمد فهد الذي شارك ايضا بثلاث لوحات فهو من مواليد القاهرة 1976 وحاصل على ليساني الحقوق ودبلوم الخط العربي ودبلوم التخصص والتذهيب، وأشرف عبيد محاضر الخط العربي بمكتبة مبارك وناقد الخط العربي بشبكة "إسلام أون لاين" وجمال محمود مدرس الخط العربي بمعهد الفنان محمد عبدالقادر بالقاهرة، وكان أحد المشاركين في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وحسين البدوي الذي تعلم الخط على يد الرائد عبدالمنعم عمارة والذي درس الخط الكوفي لمدة ثلاثين عاما وله ما يزيد على خمسين لوحة لم تظهر على الجمهور في الخط الكوفي، وقد قدم ثلاث لوحات قدم فيها تصاريف شديدة الجدة في الخط الكوفي بحيث بدت وكأنها تشكيلات مضاعفة لجماليات الخط المستقرة والمتعارف عليها، مستفيدة من مدارس التشكيل المختلفة، وحمادة فايز الحاصل على المركز الثاني في المشروع الفني الثقافي على مستوى الجمهورية لعام 2002.
وكذلك شارك الفنان عبده الجمال الذي قدم عددا من اللوحات التي تترسم خطى البرديات الفرعونية في الرسم والتشكيل وتستعيد في الوقت نفسه قوة الخط العربي التقليدي الزخرفية، أما مجدي هليل الصحافي بجريدة القاهرة فقد شارك بثلاث لوحات وهو أحد تلاميذ الفنان محمد حداد والفنان مصطفى العمري، وشارك ايضا الفنان محمد حسن الذي شارك في أكثر من عشرين معرضا جماعيا وشارك في ترينالي الخط العربي بالإسكندرية عام 2003 وكذلك في معرض فرنكفورت الدولي للكتاب.
كذلك شارك الفنان البوسني المولود بمدينة "موستار" عام 1971 "منيب أبرادوفيتش" وهو احد الفنانين الذين شاركوا في تجديد وترميم الآثار العثمانية بالبوسنة والهرسك وهو حاصل على دبلوم الخطوط العربية من مدرسة باب الشعرية بالقاهرة، وتبدو التأثيرات التشكيلية الغربية اكثر وضوحا في لوحات منيب الذي اهتم بالتشكيل الإجمالي للوحة الى جانب التشكيل الحروفي لها ويبدو ذلك في الاشكال الهرمية والمثلثة والمخمسة التي جاءت عليها لوحاته.
أما الفنان هاني بحر فقد شارك بثلاث لوحات وهو عضو الجمعية المصرية للخط العربي وشارك في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وكذلك شارك الفنان وليد حسن الحاصل على المركز الرابع على مستوى الجمهورية في المشروع الفني للخطوط العربية.
ويعيد المعرض الموسم للخط العربي الى أن تاريخ هذا الفن يقف مراجعا شديد الأهمية والقوة في وجه محاولات التجديد لا سيما التي تتعامل مع الخطوط الحديثة، فنرى الخط المدني والمكي لا يزالان صالحين للعمل في بعض اللوحات ولدى بعض الفنانين، وهما من الخطوط التي تسمى خطوطا لينة أتقنها العرب قبل الإسلام وقد أطلق العرب أسماء المدن التي جاءت منها هذه الخطوط نفسها مثل الكوفي والمدني، كما أشرنا، وهي خطوط تسللت إلى العربية مع حركة التجارة التي كانت تأتي مع القوافل في حركة التبادل الدائمة.
أما الخط الكوفي في المعرض فسنجد أبرز أمثلته تتجلى في تجربة الفنان حسين البدري الذي قدم تشكيلات شديدة الأهمية كما سبق أن أشرنا وهو الخط المسيطر على حركة الفنانين الموهوبين بشكل عام لأنه يحتاج إلى مخيال ومهارة قلما يتوافران للفنان، فقد تطور هذا الخط الى أن استقامت حروفه وتميز عن الخطوط الحجازية بميله الى التربيع والجفاف وانفرد باسمه "الكوفي" لأنه ورد من الكوفة التي كانت متأثرة أشد التأثر بثقافتي الآراميين والسريانيين اللتين قدمتا الأشكال المربعة على المستوى التشكيلي والخطي وسنجد أن كثيرا من المصاحف سيطرت عليها فيما بعد الخطوط الكوفية وكذلك زينت لها المباني الإسلامية وشواهد القبور، وفي الوقت نفسه تبدو استخدامات الخطوط الحجازية في المعرض الأقل تأثيرا لأنه خط اكثر بساطة وليونة ويصلح لكتابة الدواوين والكتابات الرسمية، ولأنه في الوقت نفسه لا يمكنه الكشف بسهولة عن قدرات الفنان.
ويشير الفنان خلف طايع الى أن الوزير الخطاط ابن مقلة هو الذي طور الخطوط ونقلها الى مستويات فنية أخرى في العصر العباسي، حيث وضع الرجل لأول مرة قواعد خط النسخ وهو الخط الأكثر سهولة في الكتابة وسميت الخطوط بأحجامها كالثلث والنصف والثلثين أو نسبت الى الاغراض التي كانت تؤديها كالنسخ والتوقيع والديواني، ويضيف طايع أن بعض الخطوط سميت مرة أخرى بأسماء المدن التي جاءت منها كالفارسي الذي ابتدعه الإيرانيون من خط النسخ في القرن الرابع عشر والأندلسي أو المغربي الذي جمع فيه أهل المغرب صورة لينة للخط الكوفي، أو باسم مخترعها كالخط الياقوتي نسبة إلى ياقوت المستعصي، كذلك اخترع الأتراك خط الرقعة الذي لا يزال يُستخدم في الكتابات اليدوية السريعة وفي المعاملات اليومية في كل العالم العربي والإسلامي والمعاصر.
وتبدو السيطرة الواسعة للخط الكوفي والفارسي والثلث "النسخ" في هذا المعرض الجماعي دلالة على ما قلنا من أن أسبابا مختلفة تقف خلف ثبات افكار الخطاطين عند مرحلة تنشر الجمالية والصعوبة في الوقت نفسه، فتبدو ملامح التعقيد والتركيب في الخطوط الفارسية التي قدمتها لوحات الفنان أحمد فارس لا سيما في لوحته "لله الأمر من قبل ومن بعد" التي اعتمدت على زخرفة الأركان الأربعة للوحة عبر إطار مذهب يميل الى البني الفاتح من نفس أرضية العمل ثم الاعتماد على التشكيل الكمثري لإخراج الحروف ووضعها داخل الإطار، وعلى عكس الوضع الطبيعي للتشكيلات الخطية بقراءة اللوحة من أسفلها يمكننا قراءة لوحة احمد فارس من جميع جوانبها، بل يمكن التعامل مع كل مفردة من مفردات اللوحة باعتبارها بناء جماليا تستكمل به اللوحة شرط حضورها ووجودها على هذا النحو.
على مستوى آخر يبدو خط الثلث القادم من مدرسة النساخ مجسدا في لوحات الفنان أحمد فهد لا سيما في لوحته الطولية "الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض" وقد جاء التشكيل الجمالي للوحة متساوقا مع انسيابية خطوطها والتواءاتها اللينة، وهو نوع من الخط أولاه الخطاط العربي أهمية خاصة لاستخداماته الواسعة في الحياة اليومية والديوانية معا، وكذلك ظل هذا النوع من الخط يلعب دورا فذا في المخطوطات العربية، ويقول الفنان خلف طايع أن "الخطاط ظل صاحب الدور الرئيسي في المخطوطات الإسلامية وفي عملية انتاج المخطوطات حيث انه هو الذي يختار المخطوطات الإسلامية وشكل الخط ونوعه وإليه يرجع اختيار الورق أو الجلد وتصميم الصفحات بما فيها من الزخارف الداخلية ونصوص الهوامش وتحديد المكان الذي يشكله الرسم وصولا الى نوع الجلد وشكله".
ومن هذا المنطلق يرى خلف طايع أن دور الرسام والخطاط في المخطوطات الأدبية خاصة في ظل دور مؤثر ومسؤولا ولم يقتصر على الخطوط فقط بل انصرف إلى الزخارف والتذهيب ويبدو ذلك واضحا في مخطوطات "كليلة ودمنة" التي تتضمن مجموعة من الأساطير الهندية كتبها الفيلسوف الهندي بيدبا وهو نص ترجم الى اللغة البهلوية ونقله الى العربية عبدالله بن المقفع عام 123. كذلك يضيف طايع أن الأمر ينطبق على أشهر المخطوطات العربية "مقامات الحريري" التي وضعها محمد القاسم الحريري في 634 وهي تتألف من مجموعة قصص قصيرة قام بخطها ورسمها يحيى محمود الذي اشتهر بلقب "الواسطي" ويعتبر طايع هذه المخطوطة أول عمل في التصوير الإسلامي العربي.
ويبدو التنوع في المعرض معبرا أشد التعبير عن أجواء وخلفيات الثراء الخطي الذي أفرزته الخطوط الإسلامية التي تنال قداسة خاصة وسط الفنون المتعارف عليها لارتباطها بتدوين القرآن، وهو الأمر الذي جعلها تأخذ نفس درجة قداسته، ولذلك ظل اختيار الفنانين للموضوعات المسكونة للوحاتهم قرآنية في الغالب وتراثية وتجري مجرى الحكمة فيما تبقى منها، فنجد لدى أشرف عبيد "إنه ربي أحسن مثواي" ولدى حمادة فايز "اقرأ باسم ربك الذي خلق" ولدى عبده الجمال "سبحانك اللهم وبحمدك".
"سبحان ذي الملك والملكوت سبحان ذي العزة" ولدى مجدي هليل "وكفى بربك وكيلا" ولدى محمد حسن "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ورغم وقوع الاختيارات اللفظية واللغوية ذات المعنى الديني أو التراثي إلا أن التنوع الفني والجمالي أخذها إلى مستويات أكثر رقيا وتميزا وفرادة، وهو ما جعل المعرض في مجمله يعد إضافة حقيقية كما عبر عن ذلك الخطاط الكبير خضير البورسعيدي الذي قال: إن المعرض لوحة فنية رائعة ورغم أنه المعرض الثاني لشباب لكنه متميز وموهوب.
24-11-2008
أقرأ أيضاً: