تحت عنوان «تحية إلى محمود درويش»، تعرض منى السعودي سبع لوحات ومنحوتة واحدة في «غاليري آرت سيركل». كانت الأعمال في طريقها لتكون هدية للشاعر الذي فاجأنا برحيله المبكر، وها هي تُهدى إليه علانيةً عبر عرضها للجمهور في ذكرى ميلاده. الأعمال المنجزة بين 1977 - 1980، تذكّرنا بجانب من تجربة الفنانة الأردنية التي كانت جزءاً من الحقبة الذهبية لحركة الحداثة في بيروت. المناسبة الشخصية للمعرض لا تُخفي المقترحات الكبرى التي اشتغلت عليها طوال مسيرتها النحتية والتشكيلية الممتدة لأكثر من أربعة عقود.
مزجت السعودي بين إرث الفنون القديمة لبلاد الشام والرافدين، وبين طموحاتها المعاصرة. راكمت تجربتها إلى جوار ما كان يحدث في فنون أخرى كالشعر والنقد والمسرح. هكذا، تسرّبت أشعار من نجوم تلك الحقبة إلى أعمالها. كان ذلك أشبه بحروفية كيفية يختلط فيها الفن مع النضال الإنساني، ويتحاور فيها الرسم مع الكلمة. تطرز السعودي رسومها الدرويشية بمقاطع من قصيدة «الأرض»، و«قصيدة الرمل»، و«نشيد إلى الأخضر»، وتضع جملة سان جون بيرس «والشاعر يبقى دائماً بيننا» على منحوتة «الشاعر». وجود المنحوتة الوحيدة يذكرنا بالتشابه العميق بين لوحاتها ومنحوتاتها، حيث «تجهر اللوحة بما تُبطنه المنحوتة، ونجد في اللوحات هندسة الحركة التي تميز المنحوتة»، بحسب وصف الناقدة خالدة سعيد. المرأة حاضرة في اللوحات بالأشكال التي اعتدناها في أعمال السعودي، حيث تتمازج مذاقات الأمومة والحب والأرض. إلى جوار الأشكال الأنثوية، واستعارات صاحب «مديح الظل العالي»، تتناثر رموز فلسطينية كالكوفية وغصن الزيتون والأسلاك الشائكة. الرسم يكمل النصوص، والنصوص تضيء خطوط الرسم المتقشفة. الاقتضاب ممارسة جوهرية في شغل السعودي التي تدين تشخيصاتها لمخيلة تجريدية تمزج بين الصرامة الهندسية والغنائية الخافتة. درويش الحاضر ـــ الغائب يرفع منسوب الغنائية سواء في المقاطع المختارة من قصائده، أو في كونه واحداً من أسماء فلسطين الحسنى. كأنّ المعرض مهدى أيضاً إلى فلسطين الحاضرة على شكل نساء في كل اللوحات.
«تحية إلى محمود درويش»: حتى 28 نيسان (أبريل) - «غاليري آرت سيركل» (الحمراء، الكومودور).