رسائل هيمت إلى عشتار تعرض في باريس
باريس: «الشرق الأوسط»
|
«البحر» الأزرق في مزاد دبي |
ما الذي يمكن أن تثيره عشتار، رمز الحب والجمال لدى البابليين القدماء، في مخيلات 7 شعراء معاصرين؟ إنه السؤال الذي قاد الفنان التشكيلي العراقي هيمت محمد علي إلى طرق مشروع يجمع بين الكتابة والرسم والتلوين والنحت وفن الكولاج. وجاءت مقدمة الجواب، أو جزءه الأول وافتتاحيته على شكل صندوق منقوش بكتابات عربية دقيقة، يمكن فتحه على مصراعيه ليكشف عن منحوتة من البرونز لعشتار، كما جاءت هيئتها في الآثار والجداريات التاريخية. كما يتضمن الصندوق كراسة فنية متصلة الأوراق، على الطريقة المعروفة في الفن الياباني، تحمل رسوما ورموزا متضادة الألوان والأشكال.
هذا العمل المعروض، حاليا، ضمن معرض جماعي في صالة «كلود ليمان» في باريس، هو الخطوة الأولى لعمل أكبر يشارك فيه الشعراء عبد المنعم رمضان (مصر) وقاسم حداد (البحرين) ومحمد بنيس (المغرب) وسعدي يوسف (العراق) وأدونيس (سوريا) وميشيل بوتور وبرنار نويل (فرنسا). وبطلب من الفنان، كتب كل منهم نصا موجها إلى عشتار، وتمت ترجمة النصوص باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، على أمل أن تصدر في كتاب يصممه ويرسمه هيمت. وعن هذا المشروع قال هيمت لـ«الشرق الأوسط»: إنه أراد تناول الهموم المعاصرة من خلال رمز رافديني قديم، كما أراد أن يدعو أصدقاءه الشعراء إلى المائدة العامرة التي يشترك فيها التعبير التشكيلي بالتعبير الأدبي. «إن عشتار، في نهاية المطاف، هي الفم الذي سيعبر من خلاله كل منا عن همه الخاص».
هيمت، الفنان الكردي المولود في كركوك عام 1960، لم يدرس الفنون التشكيلية بشكل أكاديمي، لكن امتلك موهبة لفتت إليه أنظار كبار فناني العراق في ثمانينات القرن الماضي، وبالأخص أستاذه شاكر حسن آل سعيد الذي رأى فيه خامة تبشر بالكثير. وبالفعل، سافر هيمت ورأى وزار المتاحف وتبحر في حضارة موطنه وخالط أجناسا من الفنانين وأنتج أعمالا شاركت في معارض عالمية، شرقا وغربا: ودخلت أعماله المتاحف واقتناها أصحاب المجموعات الخاصة. إنه الفنان الذي قد تطغى شهرته في اليابان على شهرته في الشارع العربي. ومع ذلك ما زال يحتفظ بتواضع جميل ودماثة لا تخدشها مقالات الإطراء ولا المزادات العالمية. ومن المناسب في هذا الصدد الإشارة إلى أن أحد أعماله عرض ضمن مزاد الفنون الشرقية «فنانون عرب وإيرانيون وأتراك» الذي نظمته صالة «كريستيز» في دبي أمس. وعنوان العمل المذكور هو «البحر». وهو حاجز (بارافان) أزرق اللون تقف ضلفاته بشكل عمودي وتعلوها مويجات وانحناءات وتنويعات صدفية مستلهمة من البيئة البحرية. وقد استغرق العمل فيه سنتين وتم على مراحل وانتهى عام 2008.
تمكن الفنان العراقي المقيم في باريس منذ سنوات من الحصول مؤخرا على مرسم في مبنى «لا روش» الفذ، في الدائرة 15 من باريس. والمبنى هو منزل دائري شيده النحات ألفريد بوشيه، قبل 100 عام، مستخدما مواد جمعها من مخلفات المعرض الكوني الذي استضافته العاصمة الفرنسية مطلع القرن الماضي. وأساس المبنى هيكل معدني ذو نوافذ زجاجية من تصميم غوستاف إيفل، مهندس البرج الباريسي الأشهر في العالم، كان مخصصا لجناح الأنبذة، وتقود إليه بوابة حديدية شاهقة مزخرفة كانت مدخلا إلى «مبنى النساء» في المعرض. ومع مرور الزمن، تحول المبنى بما يحيط به من مرافق وحدائق إلى مدينة لإقامة الرسامين والنحاتين الذين أصابوا شهرة عالمية أمثال مودلياني وشاغال وسوتين وبرانكوزي وليجيه. وفي عام 1972 تم تصنيف المبنى تراثا قوميا لا يجوز هدمه أو المساس به.
يقيم هيمت ويرسم في ورشة بالطابق الثالث، يتسلل إليها ضوء النهار من نافذة زجاجية عريضة ومن كوة في السقف. إنه القدر السعيد الذي قاد فنانا جاء من بلد الحضارات الإنسانية القديمة، ومن النار الأزلية في كركوك، لكي يبدع تحت السقف الزجاجي ذاته الذي جمع رواد الفن المعاصر في فرنسا.
الشرق الأوسط
18 ابريل 2012
العدد 12195