I
تمتعت الشاعرة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان (1917ـ2003) بالحسنَيَيْن: أنها كانت امرأة كتبت الشعر من قلب بيئة محافظة ومن وراء أستار وأسوار بيت عريق تسيّجه تقاليد صارمة، وأنها كانت فلسطينية عاشت قرابة ثلاثة عقود تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية. صحيح أنّ السخاء المعتاد الذي يبديه النقد العربي تجاه الشعر الفلسطيني لم يذهب إلى حدّ إطلاق صفة "شاعرة المقاومة" على الراحلة، وذلك رغم عشرات القصائد التي كتبتها حول القضية الفلسطينية بعد النكبة وهزيمة 1967 بصفة خاصة، إلا أنّ فضيلة تقديمها في صورة امرأة شاعرة ـ فلسطينية ذهبت بالكثير من "الشكّ" النقدي الحصيف الذي كان سيكتنف نتاجها الشعري، وكان سينصفه وينصفها، بدل الاكتفاء بمديحه ومديحها على نحو غائم عائم دائم التسامح.
ذلك لا ينتقص، البتة، من المكانة التي شغلتها الراحلة في مراحل أساسية من تطوّر الشعر العربي الحديث، خصوصاً حين تُوضع نصب الأعين حقيقة أن تجربة فدوى طوقان تبدّلت وتحوّلت وتقدّمت تارة، وسكنت وجمدت وارتدّت طوراً، وذلك على امتداد خمسة عقود تقريباً. ولسوف نحاول، في أجزاء تالية من هذه القراءة، التوقف عند جوانب التحديث التي اقترنت بشعر طوقان، وكيف تتضافر هذه الجوانب في البعد الموضوعاتي على نحو خاصّ لكي ترسّخ حداثة حقّة، جسورة وتجاوزية وريادية في آن معاً. وتكفي هنا إشارة أولى إلى أنّ صوت الراحلة كان منفرداً بالفعل، أيّاً كان الحكم على خصائصه ومعطياته، وكان خاصّاً بها وحدها في مرحلة شائكة من حياة الشعر العربي، حين لاح أنّ "شعر الريادة" نصّ واحد متماثل في الشكل، متقارب في الأسلوبيات الأساسية، متغاير بهذا القدر أو ذاك في الموضوعات والمضامين والأغراض!
وبهذا المعنى، ومع تحفّظ مبدئي طفيف على روحية التعميم، يمكن اعتبار إشارة الشاعرة والناقدة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي واحدة من الآراء القليلة التي وضعت تجربة طوقان في سياق سليم متحلل من ضغوطات الفضيلة المزدوجة المشار إليها أعلاه: "في الخمسينيات والستينيات، استطاع كثير من الفلسطينيين (حيثما وجدوا أنفسهم) القيام بدور ناشط في خلق شعر طليعي ونقد شعري. ولكن، في نهاية الأربعينيات كانت طاقتهم الإبداعية متجمّدة. ولم يبق في الضفة الغربية من الأردن سوى صوت شعري مهم واحد، هو صوت فدوى طوقان، أخت إبراهيم الصغرى. وفدوى فتاة رقيقة ذات موهبة وخلق قوي، استطاعت خلال السنوات اللاحقة أن تواصل كتابة شعر يتميز بجزالة غير متوقعة وصدق عاطفي في معقل المحافظة في نابلس، حيث ولدت ونشأت. لكن وجهة نظرها لم تكن في ذلك الوقت من الشمولية، ولا دراستها من التمكن، بحيث يعينها على القيام بدور رائد في التغيرات العامة في الرؤيا والأسلوب التي كانت على وشك الحدوث، في الشعر العربي".(1)
وهكذا، في مجموعتها الأولى "وحدي مع الأيام"، 1952، نقرأ موضوعات شتى في الحزن والموت والوجدان والتأمل والشكوى، وثمة الكثير من العاطفة والالتقاط الرومانتيكي لأوجاع الأنثى، والكثير أيضاً من التشوّف المبكّر الخجول للحرية الشخصية والتحرّر الجَمْعي، فضلاً عن نزوع إلى الفلسفة والتفلسف يبلغ درجة اقتباس مفاجئ من زرادشت (نيتشه): "لا تصافحْ كل من لاقيت في طريقك.. إنّ من الناس من يجب أن لا تمدّ إليهم يداً، بل مخلباً ناشباً.."! وفي قصيدة "خريف ومساء"، وضمن نبرة شكسبيرية ـ هاملتية واضحة، تقول:
ذاك جسمي تأكل الأيام منه والليالي
وغداً تلقى إلى القبر بقاياه الغوالي
وَيْ كأني ألمح الدود وقد غشّى رفاقي
ساعياً فوق حطام كان يوماً بعض ذاتي
عائثاً في الهيكل الناخر، يا تعسَ مآلي! (2)
وثمة هجوع إلى الطبيعة، شبيه بذلك الهجوع القياسي الكلاسيكي الذي طبع ويطبع الفرار الرومانتيكي من الواقع، بحثاً عن الألفة والحنوّ والأمان في أحضان الطبيعة التي تتمّ أنْسَنَتها وتجسيد عناصرها وإسباغ صفات السموّ على تفاصيلها. والراحلة، في تقديم قصيدتها "أوهام في الزيتون" من المجموعة الأولى ذاتها، تقول: "في السفح الغربي من جبل "جرزيم" حيث تملأ مغارس الزيتون القلوب والعيون، هناك ألفت القعود في أصيل كل يوم عند زيتونة مباركة تحنو على نفسي ظلالها، وتمسح على رأسي عذبات أغصانها، وطالما خيّل إلي أنها تبادلني الألفة والمحبة، فتحسّ بإحساسي وتشعر بشعوري. وفي ظلال هذه الزيتونة الشاعرة، كم حلمت أحلاماً، ووهمت أوهاماً!"...
وتلك المجموعة الأولى ضمّت أيضاً عدداً من القصائد التي تشتغل على موضوعة العلاقة بين الفنّ والحرّية، أو ربما انحباس الفنّ أو إعاقته جرّاء حجب الحرية الشخصية. صحيح أنّ الراحلة تتناول هذه الموضوعة على نحو يبدو بسيطاً أو تبسيطياً أو مثالياً، بل وساذجاً عفوياً في بعض الأمثلة، إلا أنّ وضع ذلك التناول في سياقاته التاريخية (أواخر الأربعينيات ومطالع الخمسينيات) يمنح فدوى طوقان ميزة صريحة على معظم قريناتها من شاعرات تلك الحقبة، لكي لا نتحدّث عن عدد كبير من الشعراء أيضاً. وفي قصيدة "الصدى الباكي"، ولاحظوا ما ينطوي عليه العنوان من دلالات رومانتيكية، تقول الراحلة:
رحمة يا شاعري ، وانظر إلى أصداء روحي
إنها في شعري الباكي استغاثات ذبيحِ
إنها يا شاعري أنّات مظلوم طريدِ
إنها غصّات مخنوق بأطواق الحديدِ
كلّما ضمّك حضن الليل في صمت وحزنِ
ومضى قلبك حيران الهوى يسأل عنّي
أرهف السمع، تجد روحي مجروح النداءِ
ضارعاً في ألمٍ: رحماك لا تظلم وفائي!
ولا نعدم في المجموعة الموضوعات الصوفية (مثل قصيدة "تهويمة صوفية" التي يدلّ عنوانها عليها، حيث تقول الشاعرة: "أنا يا ربّ قطرة منك تاهت/فوق أرض الشقاء والتنكيد")، والموضوعات الاجتماعية - النفسية (مثل قصيدة "يتيم وأمّ")، والرثاء (لأخيها الشاعر المعروف الراحل إبراهيم طوقان 1905 -1941)، والمناسبة (إنشاء جامعة الدول العربية،1945)، فضلاً بالطبع عن موضوعة النكبة واللجوء في ختام المجموعة.
غير أنّ جميع القصائد عمودية، موزونة، مقفاة، وتقليدية في عماراتها الشكلية إجمالاً، رغم التنويعات البسيطة هنا وهناك على شكل الموشح. وهكذا، سوف ننتظر 33 قصيدة عمودية، وقصيدة أخرى في مستهلّ المجموعة الثانية "وجدتها"، 1956، قبل أن تنشر فدوى طوقان قصيدة في الشكل الجديد آنذاك، "الشعر الحرّ" أو "شعر التفعيلة" كما سوف يسمّى بسبب العجز عن بديل اصطلاحي دقيق معبّر. وليس مصادفة، على الأرجح، أنّ تلك القصيدة المجددة الأولى كانت بعنوان "شعلة الحرية"، وكانت سياسية بمعنى ما لأنها كانت "هدية إلى أمّ الأعمال العظيمة مصر الثورة في حرب السويس".
ولكن مهلاً!
هذه هي المعلومة التي تقودنا إليها المقارنة بين قصائد المجموعتين الأولى والثانية، إلا أنها ليست تماماً حقيقة الأمر كما نقف عليه عند قراءة "الأعمال الشعرية الكاملة" التي أصدرتها الراحلة سنة 1993. ففي "قصائد من رواسب "وحدي مع الأيام""، كما أسمتها طوقان، ثمة أربع قصائد تفعيلة، وقصيدة خامسة طويلة تقوم على تجريب مختلط بين العمود والشعر الحرّ. في عبارة أخرى، من الواضح أنّ طوقان أسقطت هذه القصائد من مجموعتها الأولى خشية أن تتعرّض لمزيد من الإضطهاد، ليس بسبب كتابة الشعر هذه المرّة، بل بسبب كتابة شعر يخرج عن التقاليد ويكسر عمود الخليل!
ليس ثمة تفسير آخر، منطقيّ في الواقع، لأنّ القصائد "الرواسب" تلك تنمّ عن نضج عالٍ وإدراك ذكيّ لمتطلبات الشكل الجديد، كما في قصيدة "أنا راحل":
أنا راحل
ومضى يرددها فراغ الكون حولي
أصغيت،
شيء من وجودي انهدّ
في يأس وثقلِ
كان الصدى كالموت يسقط منه حولي
ألف ظلّ
ويدور بي
فأغوص في ظلماته
في ألف ليلِ
I I
الأطوار الأولى من تجربة فدوى طوقان الشعرية، أي مراحل ما قبل نكسة حزيران 1967، تقودنا إلى الملاحظة المركزية التالية: على النقيض من الافتراض الشائع في بعض النقد العربي، كانت موضوعة الحبّ، والقصيدة العاطفية إجمالاً، إسهام طوقان الأعمق والأكثر دلالة في حركة التحديث التي عرفها الشعر العربي على مستوى الموضوعات والأشكال في نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات من القرن الماضي. وهذا أيضاً سجال ضدّ الرأي الشائع الآخر الذي يرى أنّ طوقان "تحرّرت" بعد عام 1967 من إسار النزعة الرومانسية التي هيمنت على نتاجها قبل النكسة، الأمر الذي ينطوي على القول بأنّ هذا "التحرّر" كان تطوّراً إيجابياً نقل تجربتها إلى مصافّ أعلى.
وهذه السطور تنطلق من فرضيات مغايرة لتلك التي تقيم حالة من التنازع بين الموقف العاطفي والموقف الحداثي، إذْ ترى أنّ الخيارات العاطفية في شعر طوقان لعبت دوراً حاسماً في تطوير "جبهة حداثة" نسائية حيوية، كانت حركة التحديث العامة بحاجة ماسّة إليها، خصوصاً إزاء استئثار الخطاب الحداثي الذكوري بالقسط الأعظم من الموضوعات والأشكال والأساليب. وبقدر ما كان الخطاب الحداثي الذكوري مخوّلاً بتمثيل الشرائح الصاعدة والظافرة في المجتمعات العربية، كان الخطاب الحداثي النسائي مضطراً إلى تمثيل الشرائح المهمّشة والمقموعة.
والموقف العاطفي الذي اتصفت به قصائد طوقان في المراحل الشعرية الأولى كان "خطاب العاشق في عزلته القصوى" على حدّ تعبير رولان بارت، ليس فقط لأنه كان يحمل رسالة تحرير اجتماعي ويرتطم تالياً بالمحرّمات الاجتماعية في البيئات المحافظة، بل أيضاً لأنه خضع لازدراء فلسفي من جانب التيارات الحداثية التي رأت فيه نكوصاً رومانسياً (و"رجعياً" أحياناً!) لا يليق بمقتضيات التهديم الراديكالي للنصّ القديم. غير أنّ حالة العزلة هذه لم تسقط عن ذلك الخطاب وظيفته التحريرية، والتقدمية تالياً، في إغناء حركة الحداثة عن طريق الإرتقاء بالنصّ الشعري النسائي.
وفي "رحلة جبلية، رحلة صعبة" (3)، وهو الجزء الأوّل من سيرتها الذاتية، تسرد فدوى طوقان جملة من الشروط التي خضعت لها في طفولتها ويفاعتها، وكان لها أثر عميق سوف يلازم معظم محطات حياتها اللاحقة، وسيتكفّل بتكييف ميولها الحياتية إجمالاً، والإبداعية بصفة خاصة. فإلى جانب واقعة منعها من الذهاب إلى المدرسة بسبب استلامها رسالة غرامية من فتى مراهق، وأنها واصلت تعليمها ــ وخصوصاً في جانب التتلمذ الشعري ــ على يد شقيقها إبراهيم طوقان داخل أسوار البيت العتيق المحافظ الذي كانت ترى فيه "حظيرة كبيرة تملؤها الطيور الداجنة"، نقف في هذه السيرة على سلسلة من السياقات الاجتماعية والعائلية والنفسية التي تشخّصها طوقان كما يلي:
- "خرجت من ظلمات المجهول إلى عالم غير مستعدّ لتقبّلي. أمّي حاولت التخلص منّي في الشهور الأولى من حملها بي. حاولت وكررت المحاولة، ولكنها فشلت. عشر مرّات حملت أمّي، خمسة بنين أعطت إلى الحياة وخمس بنات، ولكنها لم تحاول الإجهاض قطّ إلا حين جاء دوري. هذا ما كنت أسمعها ترويه منذ صغري". ص12.
- "لم تكن الظروف الحياتية التي عاشتها طفولتي مع الأسرة لتلبي حاجاتي النفسية، كما أن حاجاتي المادية لم تعرف في تلك المرحلة الرضى والارتياح. وإذا كانت الطفولة هي المرحلة الحاسمة التي ترسم الشخصية وتقرّرها لما لها من أهمية في حياة الفرد، فإنّ طفولتي ــ لسوء الحظّ أو لحسن الحظّ ــ لم تكن بالطفولة السعيدة المدللة". ص18.
- "أمّا بُنيتي فكانت عليلة منهكة بحمى الملاريا التي رافقت سنيّ طفولتي. وكان شحوبي ونحولي مصدراً للتندّر والفكاهة وإطلاق النعوت الجارحة عليّ: تعالي يا صفراء، روحي يا خضراء". ص 81.
- "كنت أتلهف للحصول على شيء غير الطعام، حلق ذهبي أو سوار أو فستان جميل ثمين أو دمية من دمى المصانع. كنت أتلهف للحصول على حبّ أبوي واهتمام خاص وتحقيق رغبات لم يحققاها لي في يوم ما (...) تُرى هل ربطت أمّي مقدمي إلى العائلة بالنحس الذي طرأ عليها، أعني إبعاد الإنكليز لأبي إلى مصر منفياً عن عائلته ووطنه"؟ ص 20.
- "كان التصاقي بخالتي أكبر وأعمق من التصاقي بأمّي (...) كنت أتمنى دائماً لو أنني إبنة لخالتي وزوجها، وظللت أكره انتمائي إلى العائلة التي جعلني سوء الحظ واحدة من أفرادها. لقد كنت أفضّل دائماً الإنتماء إلى عائلة أقلّ غنى وأكثر حرية". ص 23 ـ24.
- "وإذا كنت قد التصقت بخالتي أكثر من التصاقي بأمّي، فقد كان التصاقي بعمّي الحاج حافظ أشدّ وأعمق من التصاقي بأبي". ص28.
- "البيت أثري كبير من بيوت نابلس القديمة التي تذكّرك بقصور الحريم والحرمان، والتي هُندست بحيث تتلاءم وضرورات النظام الإقطاعي (...) في هذا البيت، وبين جدرانه العالية التي تحجب كلّ العالم الخارجي عن جماعة "الحريم" المؤودة فيه، انسحقت طفولتي وصباي وجزء غير قليل من شبابي". ص40.
- "وبدأ يتكثف لديّ الشعور الساحق بالظلم (...) كان الانتحار هو الشيء الوحيد الذي يمكنني أن أمارس من خلاله حريتي الشخصية المستلبة. كنت أريد التعبير عن تمردي عليهم بالانتحار.. الانتحار هو الوسيلة الوحيدة، هو إمكانيتي الوحيدة للانتقام من ظلم الأهل". ص 57 ـ58.
- "أمّا من الناحية الأخرى، فقد تعوّدت على الانكفاء على النفس والغياب داخل الذات. رحت أتحصن بالعزلة. كنت مع العائلة ولكن حضوري كان في الواقع غياباً إلى أبعد حدود الغياب. كان لي عالمي الخاص الذي لا يمكنهم اقتحامه، ولقد ظلّ هذا العالم موصوداً أمامهم ولم أسمح لأحد باكتشافه". ص58.
- "ثم أصبح أنا نفسي غريبة عن نفسي، وأظلّ أكرر في تفكيري الصامت هذا السؤال: من أنا؟ من أنا؟ وأردد اسمي في تفكيري عدة مرات، ولكن اسمي كان يبدو لي غريباً عنّي ولا يدلّ على أيّ شيء. وهنا كانت تنقطع صلتي باسمي وبنفسي وبكلّ ما حولي، وأغرق في حالة غريبة جداً من اللاحضور واللاشيئية". ص59.
- "هكذا قام خصام لا هدنة فيه بين نفسي المقهورة بالكبت، وبين الواقع المتجهم الذي أحياه، مما أوجد في نفسي انفصاماً شقّها إلى نصفين: نصف كان يبدو للأعين مستسلماً خاضعاً، ونصف كان يرعد ويبرق تحت السطح ويكاد يدمّر نفسه". ص 95 ـ =96.
- "وأُصبت بمرض بغض السياسة (...) إذا لم أكن متحررة اجتماعياً فكيف أستطيع أن أكافح بقلمي من أجل التحرر السياسي أو العقائدي أو الوطني؟ وظلّ يعوزني الاختمار السياسي كما كنت أفتقر البعد الاجتماعي. لم يكن لديّ سوى ذلك البُعد الأدبي، وكان بُعداً ناقصاً". ص 133 ـ134.
والحقّ أنّ مختلف تيّارات النقد النسوي لا تحتاج إلى "وصفة" أفضل من هذه السياقات القياسية لكي تقرأ نصوص فدوى طوقان في ضوء تواريخ القهر التي خضعت لها المرأة، ولكي تجد في لجوئها إلى كتابة الشعر مظهر تمرّد على النظام البطريركي، وحالة انعتاق في الأساس. غير أنّ المرء لا يحتاج إلى استنهاض النقد النسوي لكي يدرك وظيفة هذه السياقات، إذْ ليس في وسع أيّ تحليل نقدي أن يتجاهلها حين تأخذ صفة مؤشرات كبرى دالّة على طبيعة المحيط النفسي والشعوري والتربوي، فكيف بالمحيط الاجتماعي والسياسي، الذي تحرّك فيه نصّ فدوى طوقان الشعري منذ التجارب الشعرية الأولى وقصائد مجموعة "وحدي مع الأيام"، إلى نقلة النضج المتميّزة في المجموعة الثانية "وجدتها"، ثمّ النقلة الأكثر أهمية في المجموعة الثالثة "أعطنا حبّاً"، 1960، وصولاً إلى مرحلة ما بعد حرب 1967 والمجموعات اللاحقة.
وهنالك قصيدة واحدة مبكّرة بعنوان "حياة"، من المجموعة الأولى، تكفي بذاتها لالتماس الكثير من الأسباب التي تسوّغ ترقية السياقات الاجتماعية والنفسية التي عاشتها فدوى طوقان إلى مرتبة العوامل الكبرى الصانعة لموضوعات النصّ الشعري، ولقسط كبير من خياراته الشكلية أيضاً. ففي هذه القصيدة تقول طوقان:
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق، وديوان شعر، وعودْ
حياتي، حياتي أسىً كلُّها
إذا ما تلاشى غداً ظلُّها
سيبقى على الأرض منه صدى
يردد صوتي هنا منشدا:
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق، وديوان شعر، وعود
وبعد أن تنتقل الشاعرة من حياتها إلى حيوات أحبائها الذين طواهم الثرى، ثم إلى روح والدها، وروح أخ كان لها نبع حنان وحبّ، تعود من جديد إلى شبابها المعذّب وأشواقها المطوّقة وروحها التي تفزع للشعر سلوة، ثم تخلد إلى حصيلة استجماعية تمزج علاقات الحياة والفنّ، فتقول:
وأجذبُ عودي
لقلبي الوحيد
فتخفق أوتاره باللحونِ
تهدهد قلبي وتجلو شجوني
بفنّي وشعري وألحان عودي
أصارع آلام عمر شهيد
وهذا نشيدي
نشيد وجودي
سيبقى ورائي صداه يعيد:
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق، وديوان شعر، وعود
I II
إذا كانت نبرة الشجن العميق وتأمّل الذات والوجود على نحو رثائي هي الخطّ المركزي المهيمن على القصيدة السابقة، فإنّ نبرة خفيضة من التحدّي تصنع الخطّ الثاني في موضوع القصيدة، والذي يتمحور حول لجوء الشاعرة إلى الفنّ (إذْ تقول: "بفنّي وشعري وألحان عودي/أصارع آلام عمر شهيد") بوصفه خشبة الخلاص ونشيد الوجود. وليس بغير مغزى خاصّ أنّ نبرة التحدّي هذه لا تقتصر على خيار الموضوع وحده بل تنتقل إلى خيار الشكل، الذي لا يعتمد هنا البيت ذي الشطرين المتساوين، بل يراوح بين الموشّح والتنويع المتباين في عدد التفاعيل، فضلاً عن كسر رتابة القافية وتنويع هندستها.
صحيح أننا لا نعثر في مجموعة "وحدي مع الأيام" على الكثير من القصائد الشبيهة بقصيدة "حياة" هذه، خصوصاً من حيث تكامل الموضوع مع الشكل، إلا أنّ مما له دلالة بالغة الأهمية أنّ هذا التكامل توفّر على الدوام في كلّ القصائد التي كانت موضوعاتها تطلق نبرة التأمّل الوجودي الممتزج بحسّ التمرّد واللجوء إلى الخلاص الفنّي. هذه هي حال قصائد مثل "إلى صورة"، "نار ونار"، "وأنا وحدي مع الليل"، "في سفح عيبال"، و"على القبر". وكأنّ فدوى طوقان كانت تقوم بما يشبه التمارين الأولى على النقلة التي ستشهدها المجموعة التالية في مستوى المحتوى والشكل، حين ستكتسب نزوعاتها الرومانسية طابع طرح الأسئلة الفلسفية حول خطاب العشق، وإطلاق هذا الخطاب في دائرة حسيّة أكثر وضوحاً، واعتماد شكل التفعيلة على نحو أكثر استقراراً وصفاءً.
وعلى سبيل المثال، في قصيدة "ذاك المساء" من المجموعة الثالثة، ثمة مقطع استهلالي يذكّر بأصفى وأفضل ما أعطى "الشعر الحرّ" آنذاك، حتى أنه المرء يكاد يتذكّر الشاعر العراقي بدر شاكر السيّاب في ثنايا هذه السطور:
ذاك المساء
والشارع الممدود تسحب فوقه شمس الخريف
حزماً بقايا من ضياء
والصمت يحتضن المكان سوى رفيف
أشجاره، وخطى لبعض العابرين
ساروا هناك على الرصيف
ساروا بلا هدف بلا قصد
حيارى تائهينْ
لم أدرِ فيم وقفتُ، فيم تسمّرتْ
قدمي على ذاك الرصيف
لم أدر ماذا شدّني عند الجدار
هل كنت أبحث في ضياعي عن وجودي؟
هل كنت في قلق الحياه
ذاك المساء
أسعى بأعماقي إلى شيء بعيدِ
أسعى إليه، أودّ لو ألقاه لكن ــ
لا أراه؟
والمستوى الرفيع من الاستقرار الوجداني الذي توفّر في قصائد مجموعتَي "وجدتها" و"أعطنا حباً"، ثمّ بعدئذ في المجموعة الرابعة "أمام الباب المغلق"، 1967، كان في الآن ذاته قد اقترن بانخراط فدوى طوقان في حركة التحديث الشعري العربية عند نهاية العقد الرابع وبدايات العقد الخامس من القرن الماضي. والشكل هنا لم يكن مجرّد مجاراة لـ "موضة" العصر في استخدام التفعيلة بدل البيت، بل كان جزءاً لا يتجزأ من خدمة الرسائل العاطفية والاجتماعية والثقافية الكامنة عميقاً وراء نصوص شعرية تكتبها شاعرة امرأة عاشت أجواء محافظة، وخضعت لشروط نفسية تدميرية، وصُودر وجدانها مراراً.
وفي ظنّي أنّ اندماج التمرّد الوجداني بالتمرّد الشكلي في قصائد مجموعة "أعطنا حباً" بالذات كان إسهام فدوى طوقان الأكبر في حركة التحديث الشعري العربية، ولعله مثّل العنصر الأهمّ في الدور الريادي الذي شغلته ضمن حركة ما سُمّي بـ "الشعر الحرّ" إجمالاً، وضمن الحركة الأضيق للشاعرات العربيات النساء بصفة خاصّة، وهي الحركة التي أطلق عليها محمود درويش تسمية "المثلّث الشعري النسائي": نازك الملائكة، فدوى طوقان، وسلمى الخضراء الجيوسي. ولأنّ ذلك الاستقرار على صعيد الوجدان والشكل كان يرسّخ مفهوماً ناضجاً للعاطفة النسوية، ومضاداً من جانب آخر للمفهوم المائع الاستسلامي أو المفهوم الشهواني البهيمي، فقد كانت فدوى طوقان تعبّد الطريق أمام ما أعتبره "حداثة عاطفية".
وهذه الحداثة العاطفية تقدمية بالضرورة لأنها إنما تعيد تصحيح الموقف الاجتماعي المتخلّف من قضايا الحبّ والفنّ والحرية عند المرأة، ولأنها أيضاً تعيد تصحيح التنظيرات الحداثية التي تمجّد فتح ملفّات النفس البشرية والمزيد من الإنفتاح على ذات الفنّان، ولكنها في الآن ذاته تزدري النزوع العاطفي في النصّ النسائي بصفة خاصة. وفي خمسينيات القرن الماضي لم يكن من السهل على شاعرة محاطة بكلّ هذه القيود أن تضرع هكذا:
أعطِنا حبّاً، فبالحبّ كنوز الخير فينا
تتفجّر
وأغانينا ستخضرّ على الحبّ وتزهر
وستنهلّ عطاءً
وثراءً
وخصوبة
أعطِنا حبّاً فنبني العالم المنهار فينا
من جديد
ونعيد
فرحة الخصب لدنيانا الجديبة
ومن المدهش أنّ بعض النقّاد العرب أخذوا على فدوى طوقان نزوعها العاطفيّ هذا (4)، وفاتهم أن يلاحظوا طبيعة الرسالة الثقافية الجبّارة التي انطوى عليها ذلك النزوع، سواء في الجانب السوسيولوجي المحض الذي يتيح للشاعرة المرأة أن تمارس الحقّ في تحرير صوتها وروحها وجسدها دون أن تضطرّ إلى قمع مشاعرها الأنثوية أيّاً كانت، أو في الجانب الإبداعي الذي يخصّ حقّها في التغريد الوجداني الطليق خارج سرب الموضوعات "الجدّية" للشعراء الرجال (وهي الموضوعات التي كانت، في معظمها، مجرّد استنساخ لموضوعات الحداثة الغربية). وكشوفات النقد النسوي المعاصر أثبتت أنّ تلهّف تيّارات الحداثة على قمع الخطاب العاطفي إنما كان يستهدف تحسين شروط ممارسة اللعبة القديمة في ترويض النصّ النسائي.
وكانت سلمي الخضراء الجيوسي قد اعتبرت، ودون كبير تردّد، أنّ "الدور الأكبر الذي لعبته فدوى طوقان في الشعر العربي الحديث هو تحريرها المبكّر للعنصر الإيروتيكي. ولقد عبّدت الدرب أمام الصدق العاطفي، قبل أن يفعل ذلك الشعراء الرجال" (5). وإذا كان ما تطلق عليه الجيوسي صفة "العنصر الإيروتيكي" لا يبدو واضحاً تماماً في أيّ من مجموعات طوقان الشعرية، على الأقلّ بالمعنى المتعارف عليه في تمييز النصوص الإيروتيكية، فإنّ الجيوسي لا تجانب الصواب البتة في امتداحها تعبيد طوقان دروب الصدق العاطفي.
وهكذا فإنّ أعمال طوقان الشعرية في المراحل التي سبقت نكسة الخامس من حزيران سنة 1967 لم تكن أقلّ قيمة من أعمالها اللاحقة ("الليل والفرسان"، 1969؛ "على قمة الدنيا وحيداً"، 1973؛ "تموز والشيء الآخر"، 1987؛ و"اللحن الأخير"، 2000). وإذا كانت الشاعرة قد تطوّرت في جانب كبير أساسي هو القصيدة السياسية، فإنّ الفضائل الفنّية لقصائد المجموعات الثلاث الأولى ظلّت سارية المفعول، وظلّت رسائلها الإبداعية والثقافية تلعب دوراً بالغ الحيوية في رفد حركة التحديث الشعري بصوت نسائي بالغ الخصوصية، فريد في إصراره على غناء الذات وترقية الموقف العاطفي إلى حالة إنسانية كونية تخلق في النصّ بُنية شعورية كثيفة تبدأ من ذات الشاعرة وبصدد موضوعات فردية أو جَمْعية، ولكنها في الحالتين تظلّ قادرة على استدراج المتلقّي إلى منطقة مشتركة من اندماج الذات في الجماعة.
وشخصياً أميل إلى اعتبار "أعطنا حباً" أفضل مجموعات الشاعرة، قبل نكسة حزيران وبعدها، وبصرف النظر عن تراجع القصيدة العاطفية لصالح القصيدة السياسية. ففي هذه المجموعة تتحرّك موضوعات فدوى طوقان في حقول واسعة من معطيات الصدق العاطفي الذي ميّزها على الدوام، وثمة تلك الفوارق المتقاطعة أو المتلاقية بين ذات الأنثى وذات الرجل؛ وحالات التناظر بين التجربة الفنّية والتجربة الصوفية كما تدور في وجدان امرأة حقيقية منفتحة على العالم بأسره؛ والتفاصيل البهيجة أو الكئيبة لحياة يومية لا تبدو معقدة أو ميتافيزيقية أو غامضة، ولكنها في الآن ذاته حيّة ونابضة ومتحركة؛ وثمة أغنية للبجعة وأخرى للسجين؛ يوم للثلج ويوم للبحر؛ وبرهة للنسيان وأخرى للهزيمة.
وفي غمرة هذا التعدّد في الموضوعات والأغراض والمواقف العاطفية كان نصّ فدوى طوقان لا يكفّ عن الوصول إلى قارئه وقارئته، وكان يأتي إليه وإليها من منطقة دفينة في التاريخ الاجتماعي، ليمسّ منطقة أخرى دفينة في أغوار التاريخ النفسي، تماماً على النحو المعقّد الذي تصفه في قصيدة "الإله الذي مات":
غير أنّا
كان في أعماقنا خوفٌ جهلنا كنهه
كان خوف ينزوي في عتمة النفس
ويخفي وجهه
عن مصبّ الضوء، لكنّا تجاهلنا
وأغمضنا العيونا
وتناسيناه فينا
وأتينا
I V
أعيد التشديد على ما سبق ذكره أعلاه: الشكل عند فدوى طوقان لم يكن مجرّد مجاراة لـ "موضة" العصر في استخدام التفعيلة بدل البيت، بل كان جزءاً وظيفياً يخدم الرسائل العاطفية والاجتماعية والثقافية التي تنقلها نصوص شعرية تكتبها شاعرة امرأة عاشت أجواء محافظة، وخضعت لشروط نفسية تدميرية، وصُودر وجدانها مراراً. الشكل، إذاً، كان سمة وظيفية، وذلك رغم أنّ الراحلة لم تعبأ به كثيراً، أو لعلّ الأدقّ القول إنها حافظت على خيارات محدودة في الأداء الشكلي:
- لم تتخلَ عن العمود كلّما وأينما اقتضته أغراض القصيدة (كما في "مرثية" و"أنشودة لينا" اللتين تأتيان في القصائد الأخيرة من مجموعة "تموز والشيء الآخر")؛
- جرّبت تطوير قصيدة التفعيلة، على نحو بالغ الحذر إجمالاً، ودون كبير حماس في الواقع (كما في قصيدتها "من صور المقاومة" في مجموعة "الليل والفرسان" حيث تنوّع التفاعيل بين مقطع شعري وآخر، فتحقّق في بعضها نجاحاً مدهشاً، وتبدو التجربة عاثرة وشكلية في بعضها الآخر)؛
- كسرت تقليدها المفضّل في الوصف وبناء المشهد الطبيعي الخارجي أو النفسي الداخلي، فكتبت القصيدة التي تسرد حكاية من نوع ما، وجرّبت القصيدة الواحدة الطويلة، أو مجموعة القصائد التي تنتظم تحت موضوع واحد؛
- تجاسرت، في نماذج محدودة العدد، على كسر أعراف الوزن، عموداً أو تفعيلة، كما في قصيدتها "كوابيس الليل والنهار"، من مجموعة "على قمة الدنيا وحيداً"، حيث تمزج الوزن بالنثر، والتقرير الصحفي بالعريضة المرفوعة إلى قوّات الاحتلال، كما تستخدم اللغة الإنكليزية والعبرية؛
- ظلّت عماراتها الإيقاعية بسيطة متماثلة، يندر فيها التنويع أو النقلات المباغتة، فلا تأخذ القصائد صياغات إنشادية إلا في حال الرثاء أو كتابة نشيد مباشر؛
- ظلّت تخطيطات التقفية شبه تقليدية ومتماثلة إجمالاً، إلا في حالات نادرة؛
- كذلك ظلّ السطر الشعري، حين لا يكون شطراً أو بيتاً، قصيراً مشدوداً مقتصداً، متقشف المجاز، وخالياً بصفة عامة من ألعاب الصوت أو بناء الجملة ضمن هندسة خاصة تعتمد على الترادف أو التكرار أو المفارقة...
في عبارة أخرى، كانت الشاعرة الراحلة أقلّ اكتراثاً بالشكل وأكثر اعتناء بالمحتوى، لأنها ربما كانت ترى أنّ معركة الشكل حُسمت، أو هي ليست هاجس الشاعرة المرأة، في مقابل المعارك الكبرى التي تجابه الشعر النسائي على صعيد الموضوعات، واختراق هذه أو تلك من المحرّمات (التي لم تتردد في تسميتها بالـ "تابوهات")، وحرّية الخوض في المسائل الحساسة التي تخصّ تحرّر المرأة، بوصفها امرأة وشاعرة في آن معاً. وفي شهادة حديثة العهد، تقول الراحلة في وصف بعض خصوصيات، أو مصاعب وعراقيل، تجربتها كشاعرة امرأة:
"ورائي الآن مسيرة شعرية بعيدة المدى. لقد جئت في زمن كان شعر المرأة فيه بدعة، ونحن لو رجعنا إلى موروثنا من الشعر النسائي لوجدناه يقتصر على شعر الرثاء فحسب (...) في المشرق ظلّ كبح مشاعر المرأة ومنعها من البوح هو التقليد السائد الذي بقي قائماً حتى الخمسينات من هذا القرن.
"لقد ظلّ أدبنا وشعرنا النسائي يخاف أن يتكلم أو يبوح، وظلّ ينقصه الإحساس العنيف بوحدة الذات والاندفاع اللاشعوري إلى البوح والتعبير شعراً أو نثراً، أو بتعبير أصحّ ظلّ ينقصه الجنون الوهاج الذي يجعل الشاعر يكسر حواجز الخوف ولا يتردد في التضحية بكلّ شيء من أجل التعبير.
"حين بدأنا نحن شاعرات الأربعينات انطلاقتنا في فضاء الشعر، وكنا قلة قليلة، كان علينا أن نخوض فترة مترجرجة مضطربة، وكنا ندرك أقوى إدراك أننا نشقّ طريقاً صعباً غير ممهد، وأن شاعريات أكثر توهجاً ستسطع بعدنا وتضيء. إلا أننا كنا نعرف أن باستطاعتنا أن نغمض عيوننا في شبه ارتياح. فذلك ما كنا نستطيعه في حدود زماننا وظروفه الاجتماعية والثقافية". (6)
وحين أغمضت فدوي طوقان عينيها للمرّة الأخيرة، في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2003، كنّا نعلم ــ أكثر منها ربما، أو أبعد ممّا يسمح تواضع النفوس الكبار ــ أنّ منجزها الشعري متنوّع غنيّ رفيع، ويمنحها الحقّ في ما هو أثمن من إغماضة عين "في شبه ارتياح": يمنحها الخلود والريادة والمقام المديد في وجداننا وعاطفتنا وذائقتنا الجمالية، ليس أقلّ.
عن مجلة الكرمل،
79 ربيع 2004