لأنهم خرجوا من الوقت
يستطيعون أن يقطعوا ليلين في يوم واحد
من دون أن ينتبهوا أن كائناً مثلي على الضفة القصوى يعدُّ خطواتهم
في الفضاء
في أراضي الافتراض
الموتى
لا يتذكرون
يتخففون من أسمائهم وأجسادهم
بهمهمات تكوّر الجهات ضوءاً في هواء أسود
همهمات تنقلب نظراتٍ
أزمنةً مختلطة
يقظةً هائلة لا عتبة لها
لأجلس، أنا الميت الجديد، مرة أخرى وأرى
معهم أمضي ملطّعاً بأمدٍ شديد ونسيانات ساخنة
الموتى الذين يشاطرون الصمت أجواءه المكتظة
أنا كلهم
حجارة تتطاير من أفواه محيطٍ لن يراه أحد
مياه ترفرف داخل ظلال انسدلت من جبل يغذّ السير وحده
هكذا وراء الوراء
نجلس
الطاولة قعرٌ محروثة حافاتُهُ بأيدٍ لا تحصى
نجلس بقوة غياباتنا
كلٌّ بدوره يصف وثبة حصانٍ فرّ من الموت والحياة
ليقف أمامنا يحمحم واهباً المشهد ما يقتضيه
موتى يخشّبون نومهم ليمكث أصدقاؤهم
لأكون أنا
لتتحاور ظلالنا حول طاولة أعلى من هاوية مقلوبة
وأجمل من نبات يتسلّق رعبَ الحصان
هناك... تطفئ البدائل هيئاتها
والماء يشقّ طريقه بين منازل لم تُبنَ ولم تُسكَن
الماء الذي لا بد منه، يعمل لتبقى الأشياء نيئة غير قابلة للتسمية
معهم أمضي
معهم أنظّف الحركة ليس لغاية
معهم في الريح، في الفناءات التي سقطت من الريح
في الظلام الذي يتكتك بين الكواكب
معهم وهم ينشّفون المرايا المصفوفة نكايةً بالأجساد وقد غبّشها غبار ضروريّ
معهم أمضي مسافرين قد وصلوا ويمضون
معهم نظائري في الطرق الرخوة إلى السديم نغنّي أخطاءنا
ربما تلك أشغال البؤس؟
لا
هي اللغة بعدساتها الكثيرة تميل من دون أمل لتلتقط الهناك وراء الهناك
حيث الندم خفيفاً يتسرب من الأشكال
حيث لا شيء غير الأشكال نشطةً تغادر أبعادها
حيث القيامات صفيرٌ ممتلئ بأسماء تنقرض رويداً رويداً
بقايا اللغة تقول:
شفرات مراوح تقاتل أقاربها
سجون بأجنحة مفتوحة وأبواب فائضة
بساتين تخرج من الرسم لتدخل في الإشارة
ثم تنعس في النقائض الممحوة للهيولى
أشياء تعلو وتعلو خارج السماء والقوانين
الموتى
آبائي الذين فرّوا من الإطارات
أقراني الذين فخّخوا المعبر بين هذا وذاك
الذين برقّة لم ينوجدوا وماتوا
اصطحبوا الاحتمالات الممكنة لأزمنة الأفعال الكفيفة
ثم تناسخوا في خطوط الغيم والتراب
مرقّصين عاداتهم في الفسحات الحليبية
أعداء من دون ضغائن ودماء
أخوتي الموتى
بعيداً بعيداً
لا نفكر في أن نذهب أو نعود
في مكوثنا نعرف أن الأبد ضيّق علينا
نحن الموتى
حسبنا
نتخيل
ونبتسم.
النهار