ظِـلّ
تعودُ من شغلها
فلا تجد أحدا
كرسيّه في الرُّكن
يده هناك فوق لوحة المفاتيح
نبتاته الخضراء فوق ظلِّ المدفأة القديمة
رائحته لم تزل في بيچامته
كلُّ شيء في مكانه
سواه.
شُهود
بالرُّكب المثنيَّة
بالكعوب المدوَّرة كحدوات الخيل
بالكفوف المعروقة
وبالأكتاف التي شقَّها جدولان من شبق
وطئا بشرتكِ الخفيفة يا هدوم
الجدران شاهدة
الرَّغبة التي أعمتهما شاهدة
أرضيَّة الباركيه
والسجَّادة في المدخل
وكرسيّ الزِّينة
والكتاب المفتوح تحت النَّافذة شهود
المشجب في الرُّكن
وروب الحمَّام
والخفُّ البيتيُّ شهود؛
هو لم يلحظ الانتصاب الخفيف وهْو يبرز فوق نهديكِ يا بلوزتها
وهْي لم تر الانتفاخ البطيء
وهْو ينمو تحت يايكَ
يا بنطاله الملقى هناك
في آخر الطرقة!
غِيرة
تنورتُكِ القصيرةُ
التي طالما رفضتِ ارتداءَها
تنورتكِ الحرير
البيضاءُ ذات الزُّهور
تمشَّتْ معي في عزِّ مايو تحت أعين العابرينَ
كنت أضع كفِّي على ردفكِ الأيمن
وأصابعكِ الخمسة تنسلُّ إلى جيبي الخلفيّ
فيما بنطالي
الذي طالما رفضتُ ارتداءه
يموتُ غيرةً
فوق رفِّ الخزانة.
صَوت
يتشاجران
يعلو صوته بالصُّراخ والشَّتيمة
وتبتلُّ عيناها بدمع عاتب
يطوِّح كتباً وقناني وأكواباً على الأرض
وتنكِّس وجهها مثل راية خاسرة
يهرب إلى أربعة جدران تقيه مصالحة
وتصعد إلى فراش بارد
ينام فوق كرسيِّه
وتنام في سريرها مضمومة مثل جنين
فيما تظلّ في البهو
دمعة لم تتشربها السِّجادة الجديدة
ويظل صوت صرخته الأخيرة
يطوِّف في الهواء.
ناي
حزينٌ
مثل شرْشفٍ على فراشٍ غادرتْهُ امرأةٌ
شجيٌّ
مثل ناي سقط للتوِّ تحت وجع الكمان
كان يحكي
وهْيَ
ترمقُ العابرين
بعين قنَّاصة في سَمْت الفريسة.
كَلـماتنا
نزيُّنها، وننتفها، ونحدفها على مسامع الآخرين، نلقيها على امتداد أذرعنا كأنَّها سنانير طُعِّمتْ جيداً، أبعدنا كلابنا عن المياه كي لا ينبِّهوا بنباحهم أسماك فطنتهم، دخَّنَّا سجائرنا، تذوَّقنا حروف كلماتنا كي نتأكَّد أنَّها مُسنَّنةً بما فيه الكفاية، قبل أن تهمَّ بالسُّقوط من فوق أطراف ألسنتنا، تذوَّقنا ملوحتها، استعذبنا المرارة اللاذعة وهي تلتفّ حول حروفها، وانتشينا ونحن نتخيَّل أنفسنا نحدفها في آذانهم، ضربتنا المتعة ونحن نتصوَّر كم ستحمرّ وجوههم، كم ستكوى أطراف آذانهم جمرة الخجل، شددنا نفساً عميقاً، نفثنا الدُّخان بشفاه ترتعش، وقلنا كلماتنا، قلناها هكذا، رميناها مثل حجرٍ نقذفه في مياهٍ آسنة، ونحن نوازي أيادينا الرَّامية مع سطح المياه، كي تكون أحجارنا مشطوفةً تضرب السَّطح الرَّخو مرَّة واثنتين وثلاثاً، تعمَّدنا النَّظر بعيون ناعسة في وجوههم، ونحن نرقب تلوُّن الوجوه، كنَّا نقهقه في أعماقنا؛ كم هي جميلة ومسنَّنة كلماتنا، وهْي تتقافز فوق مياههم،
تغوص..
ثم تطفو لتغوص..
ثم تطفو
فتغوص إلى الأبد.
فَـاصـل
الحروف التي شُغلتُ بها عنكِ
الثُّريات التي كنتُ أظنُّها نجوماً في الليل
الفراشات التي طالما طوَّفتْ حول شعلة سيجارتي في العتمة
خيوط الحرير الخام التي جمعتُها شرنقةً شرنقةً
كانت تصحو في الليالي الطَّويلة كي تشدّني منكِ
وتوقفني على عتبة من رجاء
عتبة وحيدة
لا من أجل أن يُغلق بابها في وجه قادم
ولا من أجل أن يُوارب أمام عطش عابر
بل من أجل أن يكون بيننا فاصل
أنا من خلفه أكتب
وأنت من أمامه
تطرقين.
صَـوت
يتشاجران
يعلو صوته بالصُّراخ والشَّتيمة
وتبتلُّ عيناها بدمع عاتب
يطوِّح كتباً وقناني وأكواباً على الأرض
وتنكِّس وجهها مثل راية خاسرة
يهرب إلى أربعة جدران تقيه مصالحة
وتصعد إلى فراش بارد
ينام فوق كرسيِّه
وتنام في سريرها مضمومة مثل جنين
فيما تظلّ في البهو
دمعة لم تتشربها السِّجادة الجديدة
ويظل صوت صرخته الأخيرة
يطوِّف في الهواء.
فَـراشة
يعرفونه؛
قبل بيته
سيتهاوى فوق تراب الطَّريق
يحملونه إلى ركنٍ
ويسندون ظهره إلى حجرٍ
يكحُّ
فيفتِّشون جيوبه عن يرقةٍ اخترقت ضلوعه
وعطَّلت رئتيه
حين تحوَّلتْ إلى فراشة.
تَـرْقِيم
يكتب العاشق اسم عاشقته
متبوعاً بفاصلة،
وتكتب العاشقة اسم عاشقها
متبوعاً بنقطة خاتمة.
هكذا الأمر إذن
تفضحنا أوراقنا!
تَـعريف
هو
السَّهم
الذي
غادر
للتوِّ
قوسه
المشدود
يا بنات
أنْتُنَّ الفرائس
وأنا الزَّارع الحاصد.
نُـدوب
ذيلُ فستانكِ المُوشَّى بالورود
يغوص تحت كعبيكِ وأنت تدوسين حافيةً
كلُّ خطوة
أنفض عن صدري زهرةً مفتَّتة الأوراق
ونُدْبة.
قَسْـوة
بيتٌ من طابقين
ليس إلا..
رجلٌ في الطَّابق العلويّ
وامرأةٌ في الطَّابق السُّفليّ
يا لقلبكَ أيُّها السَّقف
كيف تتحمَّل أن تكون
بكلِّ هذه القسوة؟!
غُـصْن
يلزمها
أن تكون قاسية القلب
هذه الفأس المرفوعة بيد الحطَّاب
يلزمها
أن يكون نصلها حادَّاً
وهْي تهمُّ بالسُّقوط كي تجزّ الشَّجرة
يلزمها أن تكون بلا مشاعر أصلاً
كي لا ترهبها رعشة اليد الخشبيَّة في كفِّ حطَّابها
تلك اليد التي كانت قديماً
غصناً
فوق الشَّجرة ذاتها.
غَـزَل
نبتة اللِّبلاب
التي التفَّتْ على ساق زهرتنا
فاقتها ارتفاعاً
ولم تجد ما تتسنَّد عليه
اعتقدنا في البداية
أنَّها تفعل ذلك حبَّاً في الزَّهرة
انظري الآن
ها هي تتأرجح منتشيةً في الهواء
والشَّمس في الأعالي
تحمرُّ خجلاً.
سَفَر
رأسي ثقيلٌ
ويسقط مِنِّي مشجُوجاً وغارقاً في دمٍ قانٍ بين نهديكِ
رأسي ثقيلٌ من السَّهر والأرق والكتابة والنَّوم المتقطِّع والغناء والكلام
ونهداكِ ناعمان وملسوان ودافئان ومزدانان بحبَّات عرقٍ شفَّافةٍ
رأسي ثقيلٌ ومشوشٌ ومضبَّب الأفكار والأحلام
والرُّؤى التي تُخْرِجُ رأسَها لتنظرَ بنصفِ عينٍ من خلف ستار التَّذكُّرِ
ونهداكِ حنونانِ كأمٍّ
ومغناجانِ كمُومسٍ
وشقيَّان مثل طفلين تربَّيا في الشَّوارعِ
رأسي عجوزٌ سرقَ الأطفالُ نعليه من أمام عتبةِ بيتهِ
ونهداكِ طريق صخريٌّ
أدوسُ بقدميَّ الحافيتينِ على جمْرهما الرَّمليَّ
فلا أنا وصلتُ
ولا غَرُبَتْ الشَّمسُ.
www.emadfouad.com