مرت سبعة عقود على وفاة الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي، ومع ذلك فهو لا يزال الأكثر شهرة بين الشعراء التونسيين، والأكثر قيمة شعرية في نظر كثير من النقاد والمتذوقين للشعر. ولعل استعداد بعض الأطراف الثقافية في تونس الآن لإحياء ذكرى سبعينية الشابي تعد مناسبة لطرح جملة من الأسئلة النائمة، وتحتاج ككثير من الاستفهامات إلى حافز ما للتفجر.
فهل أن اختزال الشابي للمشهد الشعري دليل على فشل الشعراء التونسيين في قتل الأب الشعري؟ أم أنّ الواقع أكثر تعقيدا وتشابكا من مثل هذا السؤال الجاهز؟
إن تناول تجربة الشابي في إطارها وتصفح قصائد «أغاني الحياة» مع الدراية التامة بأن صاحبها غادر الحياة وعمره قرابة ربع قرن، مع إضافة معطى الاستعمار والتزام قصيدة الشابي بمقاومة المستعمر ورفض الطغاة وتمجيد إرادة الشعوب، كلها معطيات تسهم إلى حد كبير في تيسير عملية فهم الوهج المستمر الذي حظي به الشابي، أي قصر التجربة وصدقها ونبل القضية، كلها عناصر نحتت تمثال الشابي وجعلته يقارب من أكثر من زاوية، دون أن ننسى أن قيمة الوهج أحيانا في تشابك شعاعه والاستغناء عن عادة النبش، واستنطاق ما هو جميل بنفس أدوات مكافحة ما هو هجين.
وقد يكون من الصعب أن نجد في تونس اليوم حفيدا في الشعر لأبي القاسم الشابي، شاعرا ينتمي إلى نفس المدرسة، وذلك بحكم عدة اعتبارات; أولها تغير الظروف السياسية والحضارية التي شكّلت للشابي قصيدته، إلا أنه من الخطأ أيضا القبول بفكرة أن الدفق الشعري في تونس توقف عند الشابي وجف بعد موته.
وإذا ما أردنا بمناسبة سبعينية الشابي مقاربة المشهد الشعري التونسي بشكل سريع، فإننا سننتهي إلى بعض الملاحظات المختزلة جدا. فمن الظواهر اللافتة للانتباه نذكر التعايش السلمي بين الأشكال الشعرية الثلاثة أي القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، علما بأن حتى تلك المناوشات العابرة عادة ما تتم بشكل مستتر، وذلك بتمرير موقف نقدي من خلال حوار صحفي أو الإمعان في تأييد تجربة لتسجيل هدف ضد تجربة شعرية أخرى.
ولعل مثل هذه الظاهرة تعكس غياب جدل حول الشعر واحتراقا فكريا يخص القصيدة وآفاقها، وهي حقيقة تترجم الوضع الحالي للحالة الذهنية الشعرية، في حين أنه في فترة السبعينات والثمانينات كان الوضع مختلفا، إذ ظهرت جماعات شعرية كجماعة القيروان التي كان من أبرز وجوهها منصف الوهايبي ومحمد الغزي وأيضا جماعة غير العمودي وغير الحر والتي جمعت الطاهر الهمامي وفضيلة الشابي. ولقد تغذت القصيدة في تونس في السبعينات والثمانينات من السياسة فأنتج ذلك بروز شعراء تمكنوا من اختراق أسوار الجامعات وكسب جمهور الطلبة في وقت ما ونذكر منهم الصغير أولاد أحمد ومنصف المزغني بنزل صاحب ق
إقرأ أيضاً: