لويس أراغون واحد من شعراء فرنسا الكبار، واصل السير في الدرب الذي أضاءه أولئك المبدعون العباقرة الذين انشغلوا بالحقل الإنساني، و احتفلوا بكل ما يجعل الإنسان هو المركز من أمثال جيرار دو نيرفال و شارل بودلير و لوتريامون و مالارميه و آرثر رامبو و غيوم أبولينير.
في بداية مشواره الأدبي كان يطفو مع خيالات السريالية ثم ما لبث أن نزل إلى شيوعية الواقع، عاش أراغون أنيقا و حريصا على الأناقة، و شكل رفقة إلزا ما يكاد يشبه الأسطورة: أسطورة قيس و ليلى.
1-أراغون و السريالية:
ولد أراغون بالعاصمة الفرنسية باريس سنة 1897، كان قد شرع في دراسة الطب بعد حصوله على الباكالوريا، لكنه حين التقى –و هو في سن العشرين- بأندريه بروتون في "فال دي غراس" كان قد ترك الدراسة، خرج من عالمها و دخل عالم الشعر مغلقا الباب وراءه بإحكام.
بعد ذلك بعامين ستفوح رائحة السريالية كمدرسة ضمت الخلية الأولى التي أسست مجلة "أدب": أندريه بروتون، لويس أراغون، فيليب سوبو. كان بروتون "المعلم" قد اكتشف الكتابة الآلية، مستفيدا من نظريات فرويد، فأصدر "الحقول المغناطيسية" رفقة سوبو، و حين ظهرت الحركة الدادائية بألمانيا انضم إليها بروتون و أراغون و إيلوار، لكن الدادائية فشلت في مقاومة عامل الزمن، فعادت الشلة إلى ممارسة التفكيك.
كانت السريالية تسعى إلى أن تكون تمثلا للعالم، فالسرياليون كانوا يؤمنون بأنها ليست لعبا مجانية، و إنما هي استكشاف للإمكانيات الدفينة، إنها مخاطبة للعقل الباطن لا الظاهر، الزعيم و الرائد أندريه بروتون كان يقول: "ما هي السريالية؟ إنها السفينة التي يقودها رونيه كروفيل في أوج العاصفة و عيناه مغمضتان" بهاته الثقة الهائلة بالسريالية و الريبة من كل ما يوجد خارجها يتحدث بروتون عن صديقه كروفيل الذي انضم إلى المجموعة إثر نشر "بيان السريالية" رفقة ديسنوس و إرنست و بيكابيا و آخرين، إلا أن آراغون لم يجد في السريالية ضالته فهو رجل ثورة واقعية لا لغوية فحسب, وحين كتب رواية " انيسيه أو البانوراما" كان قد خلق مسافة ملتبسة بينه وبين بروتون الذي عرف بموقفه السلبي من الرواية التي كانت تبدو له كجنس أدبي طافح بالوصف والشهرة دون جدوى، وسيبتعد أراغون أكثر عن صديقه الزعيم حين سينضم رفقة إيلوار إلى الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1927، ويعلن بعدها في روسيا أنه يختلف مع البيان الثاني الذي أصدره بروتون لأنه يحمل ما يناقض قناعته الجديدة.
2ـ أراغون و إلزا:
لا أحد يخفى عليه أن إلزا هي المرأة التي جن بحبها أراغون فكتب عنها عدة مجموعات شعرية؛ "نشيد إلى إلزا"1941، "عيون إلزا"1942، "إلزا"1959، "مجنون إلزا"1963، لكن القليلين هم الذين يعرفون أن إلزا ليست مجرد معشوقة فحسب، بل هي كاتبة من أصل روسي، ومن عائلة الشاعر الروسي المعروف مايا كوفسكي، إنها رفيقة درب أراغون وحامية هذا الدرب، هي الزوجة والملهمة، بل هي المركز الذي تشع منه أجمل قصائد الشاعر و أرقها:
"أدور في نور النهار ووجدان الليل
أحمل تلك المرأة في دمي
كما تحمل غابة صوتها
كيف أستطيع الكلام عن شيء فلا يتحول كياني إليها
هي كل ما أحكي كل ما أحس كل ما ألمس.
كل ضوضاء منها كل صمت كل اختلاج"
التقى أراغون إلزا سنة 1928 بمقهى في مونبارناس، كان آنذاك قد أصبح كاتبا واقعيا لكن حبه لإلزا ظل حبا سرياليا، فمن حسنات السريالية أنها تقوم على مبدأ المرأة الوحيدة و الحب الوحيد، كان ألبير كامي يقول: "في عصره المتسم بالنذالة، كان بروتون هو الوحيد الذي تكلم عن الحب بعمق" (1)
أما مجنون إلزا فقد تكلم عنه وعاشه أيضا:
عيناك عميقتان جدا، حد أنني لما انحنيت لأشرب
رأيت كل الشموس فيهما
وكل اليائسين ينغمرون فيها فيموتون
عيناك عميقتان حد أنني أفقد فيهما ذاكرتي. (2)
كان أراغون في حديثه -على منوال العشاق الكبار- يخرج بإلزا الواقعية إلى إلزا أسطورية، يقول عنها "إلزا هي كل شيء جميل يحتاجه الإنسان في كل زمان وكل مكان"، في حوار رشيق أجراه الشاعر عصام محفوظ مع أراغون (3) تساءل عما إذا كان من الممكن أن يستمر الحب طوال الحياة وعما إذا كان مثل هذا الحب مبالغا فيه رد أراغون بعد فتر ة من الصمت اعتقد خلالها عصام محفوظ أنه قد ظلم الرجل و جرح مشاعره الجميلة:"هل كان حب بترارك للورا مبالغا فيه؟ هل كان دانتي يكذب على بياتريس؟ ألم تستعبد خيال قيس امرأة واحدة هي ليلى؟ لكن إلزا لم تكن امرأة معشوقة و حسب، كانت داخلة في كل طموحاتي كفرد يشارك، أو في أقل تقدير يرغب في المشاركة في تغيير العالم".
إقرأ أيضاً: