وفاجأتنا دبي مرة أخري. هذه العاصمة السياحية والعمرانية والتجارية العربية الفاتنة أبت الا أن تصالح ذاتها العميقة بالانخراط في السؤال الثقافي العربي.
فالعاصمة التي لا تشع بالثقافة يبقي إشعاعها ناقصاً، وهذا ما استدركته دبي التي أطلقت قبل أيام فقط العدد الأول من فصلية ثقافية أنيقة تعني بالأدب والفكر والفن تحت عنوان دبي الثقافية وذلك عن دار الصدى للصحافة والنشر والتوزيع.
المجلة التي يرأس تحريرها الشاعر الإماراتي سيف المري وينسق موادها الناقد التشكيلي المصري ناصر عراق تبدو جديرة بدبي، تحمل الكثير من أناقتها وبعضاً من روحها المنفتحة. فهي تحاول أن تقترح علي القارئ مادة ثقافية مدروسة، لاهي بالأكاديمية الثقيلة ولا بالصحافية المتهافتة، بل هي شيء بين هذا وذاك، نوع من الخدمة الصحافية الثقافية الخفيفة والعميقة في الآن ذاته يتم تقديمها للقارئ في صورة مشرقة لا عتمة فيها ولا تعالٍ. وهكذا تراوحت مواد العدد الأول ما بين حوارات شيقة مع كل من محمود درويش، عبد العزيز المقالح، آمال موسي، والروائي المغربي بهاء الطود، وتحقيقات حول المبدعون العرب والصحافة ، تلفزيون الواقع أم تلفيق الواقع؟ ، ألبومات نجومها رجال دين توزع أكثر من ألبومات نجوم الغناء ، صعاليك بغداد: شعراء بلا قصائد ، ثم الكاتبات المغاربيات يهربن من الرواية الي القصة القصيرة ، وهي التحقيقات التي عرفت مشاركة نخبة من ألمع الأدباء والمبدعين العرب.
باقي المقالات التي تضمنها العدد الأول من دبي الثقافية جاءت علي قدر كبير من التنوع: من السينما والمسرح الي الأغنية والموسيقي، ومن اللوحة والتمثال حتى فن العمارة والديكور. وهكذا ننتقل مثلاً من الضحك في السينما المصرية الي هموم المسرح اليمني ، ومن اختفاء الأغنية الوطنية التي كانت تحرك الجماهير والجيوش العربية في الأيام الخوالي الي أوراش السيناريو بالقاهرة حيث يشتغل العديد من الكتاب الشباب لحساب بعض الأسماء الكبيرة، ومن صورة الناقد في لوحات التشكيليين العالميين، وهي الصورة التي يبدو فيها هذا الأخير جاهلاً متعالياً لا همَّ له سوي التهافت علي المال، الي المقالات النقدية الرصينة التي تناولت العديد من التجارب الفنية اللافتة والإصدارات الأدبية الجديدة. هذا إضافة الي ملحق أجنحة الخيال الخاص بالإبداع الشعري والقصصي، و نسيم من هناك المنذور لنشر النصوص الأدبية المترجمة.
وبقدر ما بدت دبي الثقافية مشرقة شكلا ومحتوي، جاءت افتتاحية عددها الأول التي وقّعها رئيس تحريرها الشاعر سيف المري قاسية بالغة المرارة. فالمري كاد يقرأ الفاتحة علي روح الثقافة العربية في افتتاحيته، هذه الثقافة التي لم يبق منها، كما يقول، سوي مكاتب رسمية ومناصب حكومية، بينما توقفت دور النشر وكسد سوق الكتاب وتقدم أدعياء الثقافة علي مثقفي الأمة الحقيقيين، وصار شخص مثل عدي صدام حسين زعيما للمثقفين في زمنه، وراجت كتابات ومؤلفات لأسماء لا علاقة لها بالأدب ولا صلة بينها وبين الثقافة. ثم بعد ذلك يتم الحديث عن الثقافة العربية . ان الثقافة العربية، يضيف المري دائماً، بحاجة الي إعادة اعمار تتم من خلاله إعادة صياغتها بأيد عربية مخلصة بعيداً عن اجترار الماضي وعن حفلات الزار الثقافي التي تنتهي بالاستماع الي طلبات الأسياد ثم تنفيذها من دون تفكير .
القدس العربي
2004/11/02
*****
صدر العدد الاول من مجلة دبي الثقافية في بادرة يشكل فحواها مفاجأة لجمهرة المثقفين الذي مسهم جنون اليأس من حال الثقافة العربية وما يستتب في براثنها من تداع وانهيار من جراء التداعيات والانهيارات التي تعيشها الأمة العربية ويجيء إصدار مجلة دبي الثقافية كبادرة لافتة في ظل انغلاق وتوقف وتلكؤ العديد من الإصدارات الدورية الثقافية العربية‚ صدرت دبي الثقافية عن دار الصدى للصحافة والنشر والتوزيع تحت رئاسة تحرير سيف محمد المري وإدارة التحرير لناصر عراق وعلى غير عادة المجلات الثقافية العربية امتازت "دبي الثقافية" بتبويب مختلف جاء تحت أسماء: قبضة جمر‚ أجنحة الخيال‚ قريبا منهمر‚ دراسات‚ دراما الحياة‚ نسيم من هناك‚ ألوان وظلال‚ إيقاع الروح‚ وبصنعة زاهية‚ احتشدت فيها الألوان بالإخراج الرشيق والثري المتناغم مع المادة الثقافية عبر القطع الكبير اشتملت المجلة على العديد من المواد التي تثير شهية القراءة والمتابعة‚ يكتب سيف محمد المري في مفتتح العدد الاول تحت عنوان زاوية بين فصلين "حتى لا نظل ندور في حلقة مفرغة يشبه آخرها أولها فان إصدارا ثقافيا بحجم ونوع هذا الإصدار لا يمثل الحل السحري او الوصفة الناجعة ولكنه ورقة عمل تضاف الى ملايين أوراق العمل التي يحتاج إليها الانسان العربي حتى يفيق وشمعة توقد في ظلام العقل تضاف الى شموع كثيرة انطفأ بعضها وبهت ضوء بعضها" ويضيف "وها نحن أولاء في إصدارنا الجديد نحاول ان نقدم بقدر طاقتنا فكرا يسمح للآخر بأن يقول رأيه وسوف نحاول جاهدين خدمة القارئ العربي أينما كان بكل ما لدينا من إمكانات متواضعة أمام حجم إمكانات الوطن العربي"‚ ينفتح باب بانوراما على خور دبي شريان الحياة والبهجة من تصوير سايلش ثم نقرأ تحقيقا من القاهرة لجيهان احمد عنوانه "فوَّه مدينة" تضم 365 مسجدا اثريا على شاطئ النيل" وفي باب قبضة جمر قضايا وتحقيقات نقرأ تحقيقا شارك فيه من دبي محمد غبريس ومن القاهرة سعيد شعيب ومن الرباط ياسين عدنان ومن دمشق سعيد البرغوثي عنوانه "الصحافة العربية فاسدة" ومن رام الله نقرأ تحقيقا بعنوان "فلسفة الأسماء عند الفلسطينيين"‚ في زاوية مدارات تكتب فريدة النقاش مقالا بعنوان "طه حسين والتعليم" ويقدم يحيى البطاط تحقيقا بعنوان "صعاليك بغداد ‚‚ أسماء لها رنين وشعراء بلا قصائد"‚ ومن عمان نقرأ تحقيقا بعنوان "المراكز الثقافية في الأردن ‚‚ هل تلعب دورا مشبوها أم تدعم حوار الحضارات؟" ومن الرباط نقرأ تحقيقا عنوانه "يهربن من الرواية الى القصة القصيرة ‚‚ الكاتبات المغاربيات يخشين البوح"‚ في باب قريبا منهم حوارات يستهل الباب بحوار عنوانه "يرى ان القصيدة لا تتحمل ركاكة الواقع العربي ‚‚ محمود درويش ‚‚ أسراري في نصوصي الشعرية" ويلي حوار درويش الذي أجراه عبدالرحمن العبوشي وتيسير النجار نص قصيدته الأخيرة المهداة الى ادوارد سعيد وعنوانها "طباق"‚ ويقدم عبدالرزاق الربيعي حوارا مع عبدالعزيز المقالح يقول فيه: السياسيون يصنعون الأزمات ويقدم محمد غبريش حوارا مع الشاعر الإماراتي ابراهيم محمد ابراهيم ويكتب خليل قنديل في زاوية خط احمر مقالات بعنوان "تداعيات" ويقدم مصطفى عبدالله حوارا مع الشاعرة التونسية آمال موسى تقول فيه انا الشاعرة الأولى بعد ادونيس ومحمود درويش ومن المغرب أيضا نقرأ حوارا مع الروائي بهاء الدين الطود‚ في باب دراما الحياة "مسرح وسينما وتليفزيون وإذاعة نقرأ متابعة تليفزيونية من أربع عواصم عربية هي دبي والقاهرة ودمشق والرباط تحت عنوان تليفزيون الواقع أم تلفيق الواقع؟ ويكتب احمد الاغبري: المسرح اليمني ‚‚ هل يلفظ أنفاسه الأخيرة؟ ومن القاهرة نقرأ تحقيقا بعنوان "الإذاعة المصرية ‚‚ ولدت حكومية منذ 70 عاما و مازالت"‚ وتحت عنوان أفلام لها تاريخ يكتب ناصر عراق "العزيمة" اول فيلم يحتفي بأهل الحارة‚ ومن القاهرة نقرأ لسعيد شعيب "ورش السيناريو ‚‚ فعل فاضح" يمارسه كبار الكتاب في الخفاء كما يقدم محمد القدوسي مقالا بعنوان "85 عاما من الضحك في السينما المصرية"‚ في ألوان وظلال نحت ورسم وتصوير نقرأ لياسين عدنان: متحف دار بلغازي 400000 قطعة أثرية نادرة في اول متحف خاص في المغرب وفي زاوية آراء حرة يكتب الدكتور نجيب الحمادي مقالا بعنوان "صمت الحملان" وفي التشكيل تكتب فاطمة علي: فيرمير مات من الجوع بعد ان رسم العازفات كما تحاور سليمي حمدان الرسام اللبناني حسن جوني ولنصيرة محمدي نقرأ مقالا في زاوية اشتباك تحت عنوان "المرأة والكتابة" ويقدم الدكتور شاكر عبدالحميد دراسة بعنوان الناقد كما رسمه الفنان التشكيلي وفي زاوية المتاحف نتجول مع فابيولا بدوي في متحف مونيه ولنا من عراق نقرأ عن اول فنانة انجليزية في التاريخ تتخصص برسم الدجاج‚ في باب أجنحة الخيال "شعر وقصة قصيرة" نقرأ في الشعر: جميل داري وحسن المطروشي واشرف البوزيد وشاكر مجيد سيفو وبوزيد حرز الله واديب محمد واحمد بخيت وخالد الجبور وسعد سرحان ونبيل الزبير وعصام ترشحاني وسعيدة بنت خاطر وزهير أبو شايب وعبود شماس وفي القصة القصيرة نقرأ له: عبدالستار ناصر ولميس فارس وعبدالعزيز الفارسي ونبيلة عبدالعزيز حويجي ونهلة الجمزاوي وحياة كامل حموي وإستبرق احمد وبرهان المفتي واشرف نبيه وزلفي شحرور وعبدالواحد استيتو وحنان الواديمي‚ في باب دراسات "بحوث ومقالات" نقرأ تحت عنوان اليهود في الشعر العربي دراسة لعلي عبدالجليل ويكتب صالح هويدي عن بنية الإخفاق ولأسامة أحمد المصطفى نقرأ إطلالة على الهوية الثقافية للسودان وفي زاوية فضاءات تكتب عائشة محمد الشيخ عن تغييرات المكان وفي النقد يكتب عباس حمزة عن الأدباء البارزين في الصين ويقدم محمد عيد الخربوطلي دراسة عن القسطاكي الحمصي الشاعر والرحالة ويرصد سعيد توفيق رواية وشحات الحمراء لجمال الغيطاني وفي زاوية بين الألف والباء يكتب شربل داغر ماذا فعلت بالاستقلال يا بابا؟ في باب نسيم من هناك "ترجمات" نقرأ ترجمات لـ :منير محمد خلف وضياء نافع وبشير رفعت سعيد وشهاب غانم وسنية سلمان ونصوص لـ : آدم تننتاو وفي الغناء نقرأ تحقيقا من القاهرة بعنوان "اين ذهبت الأغنية الوطنية؟" ويكتب سعيد البرغوثي عن إنقاذ أغنية الموقف إما ولاء فتحي فيكتب عن بتهوفن المتمرد الحزين ويقدم ياسر شوقي تحقيقا عنوانه البومات نجومها رجال دين‚ تختتم المجلة بمقالة لنا من عراق عنوانها هذه المطبوعة في وقتها تماما.
الوطن القطرية