دمشق ـ القدس العربي عاد الفنان التشكيلي المعروف يوسف عبد لكي إلى سورية مساء يوم الثلاثاء (19/4/2005) بعد إقامة في منفاه (باريس) لمدة ربع قرن، وكان الفنان عبد لكي قد اعتقل لانتمائه لرابطة العمل الشيوعي لأكثر من عامين وأفرج عنه في 4 شباط (فبراير) 1980ثم غادر إلى فرنسا في نفس العام لإدراكه أن النظام يتجه إلى مزيد من القمع والبطش.
ولد الفنان يوسف عبدلكي في القامشلي عام 1951 وحصل علي إجازة من كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1976 وعلي دبلوم حفر من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس عام 1986 ثم الدكتوراه من جامعة باريس الثامنة عام 1989 وأقام أول معارضه الفردية عام 1973 في دمشق، كما أقام العديد من المعارض في القاهرة والأردن وبيروت والشارقة وتونس ودبي... ويقتني أعماله الفنية المتحف البريطاني ومتحف معهد العالم العربي ومتحف ديني لي بان بفرنسا، ورسم كتباً للأطفال كما شارك في تظاهرات للرسوم الساخرة
عمل في الكاريكاتير منذ سنة 1966، وكان ذلك بتحريض غير مباشر من والده الذي كان مهووسا بالسياسة بشكل فظيع علي حد قول عبد لكي.
يقول يوسف في جريدة النهار في يوم المعتقل السوري منذ زمن، نعرف أن العرائض لم تعد تطعم خبزاً لمعتقل، ولا تفرّج عن كربه وان لساعة. منذ زمن نعرف أن السلطات لم تعد تقرأ العرائض (مت كانت تقرأ أصلا؟!)، ولم تعد تهزّ بدنها بإحصاء أسماء الذين يوقّعونها. السلطات تمْسَحَت، لا تسمع نداء، ولا تلقي بالاً لأسطر يوقّعها مئات يمثل قسم منهم حيّزاً مهماً من ضمير الأمة.
نعرف هذا، ورغمه، سنستمر في ذلك. فنحن لا نملك بوارج ولا قاذفات قنابل إستراتيجية، ولا نستقوي بالغريب ولا بالقريب علي أبناء جلدتنا من ظلاّم هذه الأيام المظلمة. لا نملك إلا الكلمة وبقية من إكسير الحرية.
لا نتوجه بهذه العرائض ـ لا اليوم ولا البارحة ـ إلى السلطات، فليس من حسن التصرف في شيء التوجه إلى مرتكبي الفظائع لمطالبتهم بالتخفيف قليلاً من... فظاعاتهم.
ويقول الزميل متعب أنزو في صحيفة النور السورية عن الفنان عبد لكي بمناسبة احتفالية غاليري (بريفال تال) بمدينة سان بول غرب فرنسا: حطت في مطار شارل ديغول طائرة المنفي، وهي تقل يوسف عبدلكي في غفلة من الوقت والوطن ورائحة الياسمين في حواري دمشق والحقيبة الصغيرة وأقلام الرصاص واسكيتشات الرسم وصور الكاريكاتير ومشاريع الرسائل التي لم تصل إلى أصحابها وأحجار وأسمال باكية، وفي جيب السترة الممزقة جواز السفر الذي استخرج علي عجل من مكاتب الأمم المتحدة في دمشق.
وفي الذاكرة خلف تقاطيع الوجه الحزين ليوسف عبدلكي أجندة طويلة تنتهي بطريق العودة إلى الوطن الذي يتأرجح دائماً في خفقات قلبه.
ولمناسبة الحديث عن الغائب الحاضر في خريطة التشكيل السوري وحالات الاختلاف مع الغرب، مقاربة مع الاحتفالية التي تقام هذه الأيام في غاليري (بريفال تال) بمدينة سان بول غرب فرنسا. حيث تستحضر بلاد الاغتراب مرة أخري المبدع يوسف عبدلكي في مجموعة من الأعمال الغرافيكية التي برع فيها بقوة، وفي تنويعة ذات عمق بحثي تبدأ وتنتهي بتقنيات الفحم والرصاص.
وهو الذي غادر دمشق ولم يكن في خزانته الأكاديمية سوي إجازة من كلية الفنون الجميلة بدمشق قادماً إلي مدينة النور التي يحب ويخشي ويكره في آن معاً، حيث الانتفاع ببقايا جبنة الركفورد والمعجنات الفرنسية، وبما هو بسيط وسطحي من أسباب الحياة ومؤلم وقاسٍ من تبعات اللجوء، حيث الخوف من الأحياء الكبيرة التي تترتب فيها الحياة كل يوم علي نحو مختلف وتعصف في بيوتها تيارات الاختلاف بكل ما هو ثابت ويقيني.
وسط هذا النسيج الغامض من المستحيل حقق يوسف عبدلكي دبلوماً في الحفر من المدرسة الوطنية العليا للفنون بباريس، وأتبعه بدكتوراه في الفنون التشكيلية من جامعة باريس الثامنة.
واستطاع أن ينتشل نفسه من دوامات الاستهلاك والركود والارتهان لمدارس التشكيل الغربي، وأقام عدة معارض شخصية في باريس وبيروت والقاهرة وتونس.
أما محبوه ومتابعوه في سورية فكانوا علي موعد دوري مع الجديد من أعماله، وباستئناس من السيدة مني الأتاسي وفي فضاء صالتها حيث كانت تحضر زوجته من باريس برفقة اللوحات.
إلى ذلك يعد عبدلكي اليوم أحد أشهر فناني الحفر العرب، وأبرز العاملين في ميادين الغرافيك وتصميم الملصقات والأغلفة، والشعارات، كما يعدّ من الفنانين المهمين في مجال الكاريكاتير اذ صدرت له عدة دراسات في الكاريكاتير العربي.
ويقدم لنا يوسف عبدلكي مثالاً مهماً في الالتزام بالحياة وإعادة ترتيب ما تبعثر من صفاتها الذهنية والاتجاه بآلية الإبداع إلى حيث استصدار الفن الإنساني الرفيع، مخرجاً إلي العلن كل ما تضج به روحه التواقة من الرموز الشرقية الأصيلة، واستطاع في فترة مثالية أن يضع كل خوفه وتردده وارتيابه في الميزان وعجزه عن تحقيق التضحيات الكبرى .
ويقول يوسف عبدلكي في برنامج موعد في المهجر لقناة الجزيرة:
أحب أن أقول انه لدي حساسية خاصة من كلمة (وطن) بلحس هاي الكلمة من كتر ما تم استهلاكها وجعلكتها وتمرير عشرات الأفكار والقصص من فوق رأسها ومن قدامها ومن قفاها بيحس الواحد انه يعني أمام كلمة معلوكة إلى درجة لم تعد تعبر في الحقيقة عن شيء.
أن أفضل انه واحد إذا بده يحكي يحكي عن بلد، أما كلمة (وطن) واحدة من الكلمات اللي عم تستعمل هيك بشكل متواصل من 40، 50 سنة لتضليل الناس بالكذب عليهم...
البلد كلمة الها علاقة بالشوارع والناس والبيوت والشجر والأرض، لكن بنفس الوقت كلمة غير ممضوغة ليست مستهلكة، وليست مفقوسة ومشبوهة مثل.. كلمة (الوطن(.
فشوقي.. شوقي لأن أعيش بشكل عادي ببلد عادي بمعني آخر انه بلدي مانه بلد استثنائي هو مثل كل بلدان العالم، بس هو ببساطة وبالصدفة بلدي أنا.
الواحد بيخطر بباله ببساطة أن يمشي بحارة من حارات باب شرقي، ويدخل بحارة اسمها (المسبك الجواني)، ويمكن يطلع يشوف أصحابه اللي كان بيعرفهم من 20 سنة يشرب معهم فنجان قهوة، ويرجع يتغدي مع والدته، بس مانه كتير إعجاز يعني هي قصة بكل بساطة اللي متوفرة لكل البشر.. وهي متوافرة لكل البشر بكل بساطة لأن هي حق كل البشر ..
يوسف عبد لكي (البيان): المساحة البيضاء، ليست فراغا الإملاء، انها فضاء من القلق، فضاء تتصارع عليه المعارف المحفوظة والاقتراحات غير الأكيدة.. .
ويبقي السؤال هل يوسف هو أول الغيث وهل نشهد قريبا عودة كل المهجرين والمنفيين (طوعا أو قسرا)؟ ها نحن بالانتظار.
القدس العربي
2005/04/22
أقرأ أيضاً: