فهد توفيق الهندال
(الكويت)

وقفة أمام عتبة النص

المرآة مسيرة الشمس و دوائر النص الثلاثة " إذا كان مطلوبك في المرآة أن ترى فيها وجهك، فلم تأتها على التقابل، بل جئتها على جانب، فرأيت صورة غيرك فيها، فلم تعرفها و قلت : ما هذا أردت، فقابلتك المرآة فرأيت صورتك فقلت : هذا صحيح، فالعيب منك لا من المرآة . "

بهذه الجملة، بدأت الكاتبة الشابة هديل الحساوي روايتها " المرآة مسيرة الشمس "، دون أن نضع في خلدنا أننا أمام جملة مختصرة مانعة لفكرة الرواية، و عتبة أولى مهمة لدخولنا عالمها الروائي. فالعتبة دائما ما تمثل أولى خطوات الولوج إلى ما يخبئه ذاك الباب العريض من ظلمة، حتما ستنقشع بمجرد أن يلامسها ضياء التذوق و التعمق كل الزوايا و الأقبية و السراديب التي يحجبها ذاك الباب، و ومدخلها تلك العتبة.

لم تكن الجملة المقتبسة عن ابن عربي في مدخل الرواية، هي العتبة الأولى. بل سبقتها عتبة أخرى تمثل أساس النص، و شكل القص اللذين اعتمدت عليهما الكاتبة. وتتمثل هذه العتبة الأولى في عنوان الرواية " المرآة مسيرة الشمس ". ليطرح هذا السؤال نفسه.. أيهما صنع الآخر.. النص أم العنوان ؟

بمجرد أن تقرأ عنوان الرواية، ستتقافز إلى ذهنك أطياف عابرة حول النص، وكيفية اقتناص معانيها المجنحة، برموزها المتوجة بهالات تاريخية و أسطورية، مثلت فكرا إنسانيا امتد على مر آلاف السنين، أحيت الكاتبة نبضها الساكن، بتدفق مستمر من الأسئلة التي بتها في جسد النص، ليخرج بها المتلقي بعد قراءته للنص، باحثا عن أجوبتها إن عجز عن فهم تلك الرموز و هالاتها التاريخية و الأسطورية.

إذن النص بحاجة إلى متلق يملك خزينا واسعا من القراءات، و تذوقا عاليا بلغة النص الشعرية، ليواكب المسيرة من بدايتها، مرورا بما تشهده من محيرات، وصولا إلى النهاية التي تبدا ثانية من نفس عتبة النص، بحثا عن الحقيقة و مسيرتها اللامتناهية و غير المختزلة برمز واحد دون غيره من الرموز و الدلالات.

يمكننا أن نلخص عنوان الرواية بهذا الشكل :

المرآة

فالقارئ للعنوان يستشعر فيه نوعا من الدلالة لمضمون النص، و ما يحتويه من رسالة مشفرة تكتمل بتتابع أسلوب المرسل و سياق النص المختار إلى المرسل إليه. وهذا التشفير لا يمكن فكه، إلا عبر المتلقي الذي يملك الخزين الذي ذكرنا أعلاه، ويتواصل مع ايحاءاته و دلالاته و فهم قصدية رموزه.

ربما قد يبرهن العنوان على أنه موجز ملائم للرواية، بعد أن نكون قد قرأناها. إلا أنه لابد من الاعتراف أنه كان ملغزا قبل أن قراءتها بحسب ما يرى والاس (1) . فالقارئ لعنوان الرواية المختارة، يدرك أن ثمة ما يختبئ وراء هذا العنوان، اعتمدت الكاتبة فيه على العلاقة بين الكلمات الثلاثة ( المرآة – مسيرة – الشمس )، وكأن كل منها تكمل الأخرى. و لا يمكن قراءة و فهم النص قبل المرور على دوائر ثلاث، تكمل العلاقة بين مفردات العنوان الثلاث السابقة.

الدائرة الأولى ( المرآة / الذات )

الملاحظ أن هذه الدائرة الأولى، أعطت بيانا مختصرا جدا عن طبيعة الفضاء السردي للنص، قد ترمز إلى جزئية من بطلة الرواية – التي سنتعرض لها لا حقا - و طبيعة نوع المغامرة، و المكان الذي تريد البطلة أن تبلغه، بما قد تحقق فيه رغبتها، أو لا تحققها. إلا أن هناك من يعتقد أن العناوين التي تشير إلى البطل أو إلى جزئية ترمز إليه، قد تصرح بنوعيـة المغامرة، وربما خاتمتها، أصبحت بنية النص منغلقة و غير قابلة للانفتاح على العالم، لتكون محصورة بمجرى حياة شخصية كاملة، تبدأ من الميلاد، وتنتهي إلى الموت (2) .

ولكن هل أغلقت الكاتبة بنية النص بعنوانها و دائرته الأولى ؟

بمجرد أن تبدأ قراءة المتن الروائي، قد يتوقع أنك ستعيد قراءة تلك العبارات السردية المكررة في التراث السردي التي يتخذ طابعا حكائيا، إلا أننا سنصطدم بسؤال مباغت من البطلة – غير المسماه في البداية – عن معنى و سر إسم قريتها " داليوب "، بما يعني الرغبة في تغير مفهوم الحياة لديها من حياة جميلة مرحة و ليالي ساحرة، إلى بحث قد يتطلب القيام بمغامرة للتنقيب في أسرار الماضي حول اسم القرية. وهذا ما أحدثه السؤال في الجدة.. " عندما سألتها التفتت و حدجتني بنظرة غريبة، وفهمت بأنني سألت سؤالا نكأ وجعا قديما في روحها كالعادة " (3) .
ولأن السؤال لم يكن متوقعا، فإن الجدة ورغم محاولتها الاجابة، إلا أنها حذرت البطلة من الأسئلة، مبررة ذلك بالقول : " ليس لنا أن نعرف كل شيء " (4)

من هنا بدأت أولى علامات البحث عن الذات، بالتعرف على اسم المنتمي إليه، ليس اسم القرية فحسب، وإنما عن سبب هروب الأب، وما حل بالقرية من لعنات. خاصة وأن الكاتبة لم تشر إلى اسم البطلة، وإنما إلى اسم القرية الذي يرتبط بدوره بجملة من الأحداث المرتبطة و المفضية إلى بعضها البعض.

و تعمد الكاتبة أن تجعل اسم البطلة مجهولا، قد يكون مغزاه أن يعيش المتلقي ( أنا ) البطل، وربما قد يصير ذلك الأنا. لاسيما و أن لغة السرد الخاصة بالرواية، يتسيدها ضمير المتكلم العائد إلى الأنا.

و حوارها العابر مع فينوس ( إلهة الجمال ) و أثينا ( إلهة الحكمة )، هو محاولة لاستعادة لحظة ميلاد البطلة، و حقيقة نذر الأم و تحريف الجدة له. بما يعني طبيعة الحياة التي عاشتها البطلة في الجمال و ملذاته، بعيدا عن الحكمة و أسئلتها.

عملية البحث عن الذات، تتجسد في حديثها المتكرر، وحوارها المستمر مع شخوص الرواية التاريخيين و الأسطوريين. و ما كان حوارها مع منيرفا، سوى تشكل خارطة هذا البحث و كيفيته، لتأمرها بأن تقفز إلى للداخل أولا، لذاتها. مخبرة إياها أن الكتابة لا تكون مجزية إلا بعد البحث عن الذات، البحث داخل الذات .
وأن مراحل الذات تتطلب ثلاث صور :

- التوحد مع الذات
- فناء الذات
- اللاذات

معلقة – منيرفا – أن الأخيرة هي التي ستمنح فيها البطلة مفتاح الصبر بالضياء الأعلى و النور العالي.
وهكذا تشكلت خيوط البحث و مستويات التعرف على الذات. لتذكر منيرفا البطلة أن المرآة التي ستعكس صورتك، ستعكس الآخر فيك، و ستتعرف فيها على الدرب الذي سارت عليه.
إذن اتضح الهدف في الوصول إلى ضالتها المرآة.

و قبلها رسمت الكاتبة صورة أولى عنـدما حاولت أن تعـكس أولــى صور معرفــة الذات، عندمـا اتحدت البطـلة مـع الشجــرة " صرنا واحدا " ، لتكتشف عمقا يستر أسرارا عن القرية، فتصـرح البطلـة بتعرفهـا على هـذا العمـق : " ما كنت أعرف أن كل هذا يحدث في العمق " .

و الحقيقة أن الكاتبة برعت في عملية تقسيم الرحلة التي قامت بها البطلة على أربعة فصول، كل فصل منها عنوانا يمثل درجة المعرفة و الاقتراب من تلمسها بحسب تراكم مستويات المعرفة نفسها.

و العناوين هنا لعبت دورا مهما في عملية توجيه المتلقي دلاليا و رمزيا لمضامين المتن الروائي. كما شكلت حدودا فاصلة بين كل مرحلة و أخرى، دون أن يعني ذلك مطلقا استقلالية فصل عن الآخر. بل كانت علامات إرشادية، تتدرج بموجبها أحداث النص و ارتقاء لغته من درجة إلى أخرى، تتطلب تدرجا موازيا في الوعي و الادراك. لتلافي دعوى التعقيد و التقعير في لغة النص.

و ما كان الفصل الأول ليعنون بــ " الطفل الأول "، إلا لكونه إشعار الولادة الجديدة، و بداية التطفل على الذات قبل العالم المحيط، لهذا لم تضع الكاتبة – بذكاء سردي – اسما للبطلة، حتى تشد المتلقي إلى هذه المرحلة التي عاشها و سيعيشها ثانية مع بحث البطلة عن ذاتها. لتمر علينا المرآة في مواضع عديدة في الجسد الروائي، وكلما نضج هذا الطفل، و دخل مرحـلة جديـدة من التطفل و التعرف، كلما اقترب من المرآة و من الذات.

لتترك البطلة العتبة الساكنة منذ مولدها، وتقرر بدء رحلة البحث عن الذات. فتدخل البطلة في نفس الفصل، في جدل مع كل من يقابلها أثناء رحلة ركوب السفينـة، فتـدخل في مشهد حواري مع الفلاسفة : هيراقليطس – بارميندس – أمباذوقلـيس. وهم من طرحوا آراء حول أصل الكون و الأشياء و الذات. فتستشعر صعوبة الرحلة، عندما تعيش جدل الفلاسفة الثلاثة حول أصل الأشياء، وكأنها تتمنى العودة لحياتها المليئة بالترف و الجمال و الهدوء :

" لم تخبروني أن الرحلة صعبة، تعالي يا فينوس و أرجعيني للبر، فالبحر ليس وطنا ابدا، البر غرق و موت، موجة عاليه و لجة عميقة " .

ومع ذلك تقرر أن تمضي في رحلتها لتكشف حقيقة الذات، ومن ثم المعرفة. لتغني هذا المقطع : "

سألمس الحجر و أعرف
سأشرب الماء و أعرف
سأتنفس الهواء و أعرف
وستحرقني النار و أعرف
عرفت كل ما قالوه و فهمته، و لم يفهمه أحد غيري ".

وهنا جمعت البطلة العناصر الأربعة و المشتركة اجمالا عند الفلاسفة المذكورين، وكأنها فهمت سر تكون أصل الكون من هذه العناصر الطبيعية، لتبقى فقط قضية أصل تكون العقل بالوصول إلى المعرفة – الشمس.

الدائرة الوسطى ( مع الآخر )

هنا تتحول نمطية الذات، بتبدل مواقع التقابل للمرآة، وتغير الذات أمام المرآة لا العكس. حتى تجد الذات الحقيقية، وقد اجتهدت في فهم كل ما قرأته و من حاورته من رموز الرواية. بما يفترض أن عقل البطلة، بدأ يميز بين العالم الواقعي و العالم الباطني بصرف النظر عن التماس المتواصل بين المدركات الحسية و غير الحسية.

لتبدأ مرحلة التماهي بين هذين العالمين في " الطفل الثاني " ، على الرغم من لقائها بعدد من الفلاسفة و بعض الرموز الأسطورية القديمة. وكأنها تعيش بين حقيقة ذات الفلسفة، و خيالية ذات الرموز الأسطورية. لتكون المرحلة أشبه بخيط رفيع بين العالمين بالنسبة للبطلة.

مع اسراع الخطى أكثر من الفصل الأول، لتحفيز المتلقي على تتبع سير الرحلة، وهنا يبروز التدرج بالأحداث و تقسيم المشاهد بين حوارات النص.

والحوارات التي رسمتها الكاتبة بفنية شديدة مع الرموز الفلسفية و الأسطورية في الرواية، تهدف لكشف مواقع فهم الذات للآخر، و تأثير الآخر على الذات. بحسب تشكل انعكاس الذات على المرآة ( الآخر ). كذلك الذات، هي مرآة الآخر.
ليتعرف المتلقي على اسم البطلة " أكاسيا " في الصفحة 88 من الرواية. لتلتقي بعدها بديوجين الذي فسّر لها اسمها الذي يعني النبتة أو الشجرة التي ترمز إلى الولادة الجديدة بعد الموت.
دون أن يعني ذلك، أن البطلة عرفت نفسها أي ذاتها بصورتها المطلقة .. " لم تعرفي نفسك " .

وما كان الدخول للكهف، سوى رحلة إلى باطن الزوايا المجهولة و الخطيرة :
" الأرض تنحدر شيئا فشيئا، تغافل الحس فينا و تخدعه، و تأخـذنا ببطء إلى نقطـة تقترب من المركز. هذا ما أشعر به، كلما توغلنا للداخل كلما بدا و كأننا ننزل أكثر و أكثر، وبدا الهواء و كأنه يزداد سخونة أكثر و أكثر " .

لنلاحظ أن الشمس هنا - وهي التي ترمز للمعرفة - بدأت شاحبـة اللون أرجوانية و مخيفة، تضفي على المكان ضوء أحمر، كما جاء على لسان البطلة. بما يدل على الوصول لخطوط قد تكون حمراء مقدسة، صعب تجاوزها بدون تملك مدركات المعرفة، كما جسدتها الكاتبة بالقراءة و الكتابة، لتسقط معها أحجار الكهف السوداء.

دون أن تخبئ البطلة شعور الخوف من المجهول، و هو ما قد تحمله المعرفة في المستقبل، وما قد تحدثه من صدمات و معاناة لها. ولكن المعرفة أحيانا طوفان لابد منه لبدء الخليقة و المولد ثانية.
الأمر الذي زاد من وتيرة الأسئلة لديها، ليجاوبها أرسطو بقوله : " ستفهمين.. عندما يحين الوقت، لا تساليني عن تفسير لكل شيء الآن " .
طالبا منها بالوقت نفسه، أن لا تنظر لمـا قد تجاوزته، وخلفته في الماضي السحيق المظلم ( الكهف )، لتبدأ مرحلة جديدة، مرحلة تطهير الذات.
وبعدها تدخل رحلة جديدة بعد ذلك، و الخط الفاصل بين الجهل و المعرفة.

و يكبر الطفل مع البطلة، ويرتقي دورته الثالثة. لتتلمس فيه البطلة خيوط عبارة سقراط
بأن " المرآة ستجيبك عن أسئلتك ". و ما كان لقاؤها مع دينسيوس، سوى لحظة فاصلة للخيار ما بين المرآة / المعرفة، و القوة و السيطرة/ الجهل. وكأنها تستحضر ذلك الجدل بينها و بين فينوس / الجمال و أثينا / الحكمة.

لتسرد لنا ما يراه البعض في المرآة.. لتركز الضوء على مفاضلة بين دينيسوس الذي يغريها بالقوة، و رؤية سقراط بأنها مرآة الذات و لا تجمّل البشاعة. وهنا ينطق سقراط بسر محاكمته للبطلة :
" وعندما نظرنا حولنا كانت لكل واحد منا طريق لمرآته، و آخر ما قلت قبل رحيلك : لهذا حوكمت. "

الدائرة الكبرى ( العالم )

وهذه الدائرة تتحقق بعبور البطلة للجسر، و عودتها لبيتها و قريتها و أشيائها الصغيرة. لتترك المجال يتسع لغيرها في هذا العالم، متحررة من ظلمة سجن الذات، و متداخلة مع الآخر، و منتمية لعالم أكبر، تصل فيه إلى مرحلة أعم من الذات. فتكون بداية رحلة جديدة، من ذات البداية التي بدأتها أكاسيا في الرواية.

لتصل إلى رؤية أشمل للعالم، و رؤية العالم – و هي تصور فلسفي بالأصل - مرتبطة جدا بتيار الوعي الذي يبثه الكاتب في عملـه الروائي. وهـذا الوعي مرتبط بالواقـع الذي يرسمه الكاتب للمتلقي، على أن يكون هذا الواقع على صلة بعدة أوجه أخرى للواقع العام .

كذلك فإن رؤية العالم Weltanschauung- و هو مصطلح نابع أيضا من نظرية الألماني هامبولدت - يعني مدى ارتبــاط لـغة الكاتب الروائية بالعقلية و الثقافة و النظرة المستقبلية العامة بتاريخ الثقافة القومية . كذلك يرى فيبر، أن رؤية العالم لها تأثير كبير في الحياة الداخلية للفرد، و علاقته الخارجية بالعالم و الكون. (5)

على سبيل الخاتمة...

لم تكن رواية " المرآة.. مسيرة الشمس "، سوى طريق نحو الانفتاح على العالم، والخروج من تقوقع الذات، و المضي في رحلة تنشد المعرفة، قد تتطلب مغامرة و صراعا بين المدركات الحسية و غير الحسية. ابتعدت فيها الكاتبة عبر لغتها الدقيقة عن الصفصفة المصطنعة و التركيب غير المنطقي للأحداث، و تحرت فيها الدلالة الواضحة للرموز و العلامات. محاولة أن تقدم خطابا روائيا جديدا بين اقرانها من المبدعين الشباب، ترتكز فيه على بنية النص المتينة و المترابطة، ورؤية العالم المنتظرة، دون أن تكمل هذه الرؤية، بما يعني انفتاح النص وعد انغلاقه بمجرد وضع خاتمته و معرفة نهايته. وكأنها تسترشد في ذلك امبرتو ايكو بقوله :

" يعد العمل الفني نظام علامات يمكن ترجمتها بشكل لا نهائي، و كل عمل فني و إن كان شكلا منتهيا أو مغلقا في تماميته المفصلة عليه، إلا أنه عمل مفتوح على الأقل، لأنه يمكن أن يفسر بطرق مختلفة دون أن يمس ذلك خصوصيته التي لا تختزل، فنحن لا ننظر إلى الأشكال في حالتها النهائية، ولكن في حالة تكوينها ".

لهذا، فإن أصل الحكاية ليس فنا، بل طريقة روايتها هو الفن بعينه. وكلما كان العمل الروائي يفترض أن لا يعرف لغة واحدة وحيدة – كما يرى باختين – وإلا اعتبر ذلك لغة أكيدة و حاسمة غير قابلة للتحول أو القراءة بأكثر من منظور، معلقا عليه بأن ذلك يعتبر دلالة على سذاجة النص و افتقاره.

على إثر ذلك، يحسب للكاتبة قدرتها على الاتيان بلغة يمكن قراءتها بأكثر من ترجمة، لغة لا تعتمد التصريح بل التلميح، بما يزيد العمل فنية و تقنية و صنعة محترفة. بما يتطلب من الكاتبة عملا جديدا لا يقل في روعته – بل يتجاوز في ذلك – روعة رواية " المرآة مسيرة الشمس ".
و لسان المطلوب هنا، يقتبس الجمل الأخيرة للرواية :

" الرحلة ما تمت سوى لشقاء آت
اقتربت من النقطة
اقتربت من الشجن
اقتربت من العرفان
نطق و لمع ضياء مقدس
غير الطاهر لا تكتبي (عن)
غير الجميل و الخير ( ليس)
و الأمانة في حمل الأمانة
المسي المرآة ! "