" أنا اكره الديوك .. أكره صياحها .. اكره منظرها الواثق من نفسه ، ومشيتها المتبخترة .. " مفتتح النص .
بهذه الجملة بدأ السارد / البطل حكي القصة ، عابرا على عتبة تمثل نقطة أساسية يرتكز عليها في علاقته مع نقيضه الآخر والكائن بصورة (الديك) ، مؤكدا عنوانها الذي يشكل عتبة النص الأولى . فليست المسألة لماذا اختار الكاتب الديك عن بقية الطيور، وإنما الفكرة التي يهدف لإيصالها للمتلقي الذي بدوره سيتساءل لماذا جاء الديك نقيضا و مضادا للسارد / البطل ، على خلاف الصورة التقليدية للبطل المضاد؟
تتمثل مفاتيح النص في عبارة الكراهية من قبل السارد (خلف) للديك، كنقيض لـه في عالم الدجاج كذكر، والدجاجة نظيرة له في ذاته المنكسرة في عالم البشر. فالخصومة ليست بين إنسان و طير ، بقدر ما هي بين إنسان وذاته المعذبة بسبب تحقيره لنفسه، واستشعاره بتحقير المجتمع له ، بحسب ما يراه هو ، و قد لا يراه المجتمع .
يتضح في النص، مقت السارد لروح الدجاجة التي تعيش في داخله، وهي الماثلة أمامه في واقعية المشهد في استسلام و انكسار الدجاج أمام الديك المغرور أو متبلد المشاعر، بالرغـم من إخفاء هذا المقــت من الدجاجـة في ذاته في تعاطفه علنا معهـا، بينما يخفي فتنته بصورة الديك في ظل كراهيته المعلنة للديك . ليتشكل العالم من حوله فيما أفصح عنه بسرده :
"وبالنسبة لي يبدو أن مشكلتي ليست بهذا الديك وحده، فأنا اعتقد أن العالم كله ينقسم إلى ديوك ودجاج، بغض النظر عن مسألة الذكور والإناث، فأنا أعني الروحية، هناك روحية ديك، وروحية دجاجة" .
في الجزء الخاص في مأدبة الديوك، نلتمس ذلك الخيط الذاتي للسارد في رهبة العالم الذي ينتمي إليه، في قراره الذهاب لحفل بعدما تردد في الذهاب إليه، ليقرر أخيرا شحن نفسه بالثقة والشجاعة و اللباقة، ليلتصق هذا الشعور بالنقص، في المواقف التي تعرض لها وفضحت توتره وجانب الضعف في الثقة في أكثر من موقف :
"وأثناء الجلسة فتحت موضوعات شتى، وفي كل مرة أقرر المشاركة وأشحن نفسي تكون الفرصة قد ضاعت، كان الجميع منبسطين، يضحكون براحة بينما كنت أفكر أن الوقت يجري، ويجب أن أنسجم مع الجو، وأحيانا يباغتـني أحدهم بسؤال أو بحـديث، فأضحـك ملء شدقي، ولكني أكتشف أن ردة فعلي غير مناسـبة " .
وأمام مأدبة الديوك البشرية ، يستعيد السارد/ البطل (خلف) سر كرهه الظاهري للديك :
"كنت أكرهه، وأحس بعجزي تجاهه.. كان يحرض ديوك الحي، فما إن يصيح باستهتار حتى يجيبه ديوك أخرى بمجون .. كعصابة مراهقين تتمادى في خرقها للضبط و القانون " .
بما يقابله من بوح السارد (خلف):
"كانت المأدبة تجربة مؤلمة ، هكذا أعيش منذ طفولتي فعندما كنت ألعب كرة القدم، كنت اركض في الملعب و اقفز مثل القرد و أصيح :
باص !
ولكن المباراة تنتهي و لا أحد يشركني، وإذا فاز فريقي لا أحد يهنئني، وإذا خسر حملوني الأسباب. "
القصة تناولت في مشاهدها السردية القصيرة صورا متنوعة لروح الديك المفقودة لدى السارد بحسب ما يراها منعكسة في شخوص أخرى، فقد تمثلت صورة روحية الديك الذكورية في العالم الواقعي من حوله، والذي نعته بعالم بالديوك، جاءت الصور في مواقف عدة: في تصرف الموظف الذي دعا زملائه بمناسبة الترقية و أهمل دعوة السارد/ البطل. في موقف الرجل البدين الذي ضرب العتال و سحب السارد للشهادة لصالحه دونما أن يقف موقفا مبدئيا إزاء مظلومية العتال. وفي شطارة الدلال الذي ورّط السارد بشراء سيارة لا يحتاجها .
في حين، سكنت روحية الدجاج ذات السارد بحسب صورها في النص. في المواقف التي تغلبت على صورته في واقعه الذكوري، بالإضافة لعلاقته مع زوجته التي تركته بعد ضربة عاجلة، هي أشبه بضرب "الديك" المتواصل " لدجاجه"، مع قلب الصورة في قالب السارد البشري.
إلا أن المثير، إن صور الدجاج المسكونة في ذاته و مرور مجابتها للديك، ارتسمت سريعا في انفعاله في قتله للضعف الساكن في نفسه بقتل الديك، و الذهاب للمخفر لتغيير شهادته ضد العتال.
مع ذلك، فقتله للديك لم يكن أيضا بطولة في حد ذاتها و ليست نهاية مأساته للخروج من دائرة الضعف وروحية الدجاجة، فقد قتل ديكا ضعيفا مستسلما قريبا من الموت . بما يفتح النص أكثر لسؤال أكبر :
هل يكون حضور صورة الأنا بغياب صورة الآخر؟!
إقرأ أيضاً: