حسونة المصباحي مثقف تونسي مارس الصعلكة في الأدب ومن خلالها صافح العالمية. انتصر لبداوته وسجل تاريخها وحفظها من الانقراض كما يقول. يرى في المدينة أملاً وبوابة إلى العالم الآخر، ويخاف عليها من تدخلات أطراف خارجية تفسد مسيرتها الحضارية.
طلّق السياسة والتحق بالأدب ليمارس مشروعه الفكري من خلال مفرداته. بعد دخوله السجن اكتشف زيف الشعارات ومنحته جدرانه نوافذ مشرعة إلى عالم الحرية.
خرج من السجن ورحل إلى أوروبا حيث اكتشف نفسه من جديد، يقول في حوار مع «الحياة» إن «هناك من يعتقد أن الصعلكة هي الفوضى وهي قلة الأدب وهي الاستهانة بالوقت وبالمواعيد والاعتداء السافر على الآخرين، وعدم احترام القوانين إلى غير ذلك من السلوك الدال على العنف والعجرفة... وبطبيعة الحال أنا أرفض الصعلكة، لكنني لا أخفي إعجابي ببعض الصعاليك من المبدعين المتأنقين في لباسهم وفي كلامهم، والذين يتميزون بثقافة واسعة وعميقة، وبإخلاص للأدب والفن ويكرهون النفاق والمراوغة والكذب والتزييف والأقنعة بمختلف أنواعها وأشكالها».
عن طقوسه في كتابة الرواية يقول «أحياناً تفرض الرواية عليك نفسها، خصوصاً إذا ظلت تختمر في ذهنك وقتاً طويلاً وذات يوم تستيقظ لتجد نفسك عاجزاً عن التخلص منها. فهي تمسك بتلابيبك وتجرك بالقوة إلى المكتب لتجد نفسك غارقاً فيها، وفي تفاصيلها وفي حياة شخصياتها».
وحول ما إذا كان القهر السياسي بوابته نحو الإبداع الأدبي، يكشف المصباحي أن «كل أنواع القهر يثير غضبي، والقهر السياسي في العالم العربي هو من أفظع أنواع القهر خصوصاً في عصرنا هذا. فغالبية الشعوب الأخرى تنعم بالحرية وبالديموقراطية. أما في العالم العربي فإن الشعوب تعاني يومياً القهر السياسي والظلم، وبسبب ذلك تعطلت قدراتها الخلاقة، وأصبحت بكماء، عمياء، صمّاء، تساق إلى مصيرها المظلم وهي خائفة، وعاجزة عن ردّ الفعل. وأظن أنني عبرت عن رفضي هذا القهر السياسي في معظم رواياتي وفي عدد من قــصصي ومقالاتي».
ولفت إلى أن تجربة سجنه كشفت له خواء اليسار التونسي من الناحيتين الفكرية والنظرية، وثقافته السطحية. وأضاف أنها «كشفت لي أيضاً حدود نفسي وجعلتني أدرك أكثر من أي وقت مضى، أنني لست مفيداً في العمل السياسي». وبيّن المصباحي أنه عندما حصل على جواز سفره في نهاية السبعينات، «انطلقت إلى أوروبا وظللت أهيم على وجهي في مختلف بلدانها، إلى أن استقر بي المقام في ألمانيا وفيها تعرفت على جوانب جديدة من الثقافة الأوروبية كنت أجهلها من قبل. وفيها تزوجت وفيها «تصعلكت» بما فيه الكفاية».
ويؤكد: «أنا كاتب مستقل ولا أرغب في أن أحشر نفسي في أي عمل سياسي، وأفكاري السياسية احتفظ بها لنفسي، وأسجل البعض منها في أعمالي، أو في مقالاتي. وما أحبه لبلدي هو الأمن والاستقرار ونبذ التطرف والعنف أياً كانت الأسباب الداعية إلى ذلك».
ويلقي المصباحي باللوم على الصراعات السياسية العربية لأنها في نظره» تسيء إلى العلاقات بين الشعوب، وتثير التوترات التي من شأنها أن تسمّم الحياة الثقافية العربية، لكن «لابد من الاعتراف بأن المثقفين والمفكرين العرب حافظوا حتى هذه الساعة على نوع من الوحدة، ولم تتشتت صفوفهم بسبب هذه الصراعات».
وفي شأن الإحباطات السياسية التي عاشها ويعيشها العالم العربي، يقول: «وجدت في الأدب ما ساعدني على مواجهتها، كما خوّل لي الأدب أن أحافظ على شيء من التفاؤل والأمل بهذا العالم العربي الكئيب والمتّسمة حياته بالخواء والضجر».
ويحب المصباحي أن يرمي أحجاراً في البرك الآسنة وتعجبه المعارك الأدبية، «إذ إنها تحرك السواكن، وتكشف الخواء الثقافي والفكري لدى بعض أشباه المثقفين».
وللغربة في حياته تفاعلاتها وسجّل واقعها في روايته «وداعاً روزالي» التي صورت تعفن المثقف العربي في الغربة، الذي يفقد توازنه النفسي وربما هويته، فيصبح كائناً غريباً يعيش في عالم الأوهام والنزوات النفسية المرهبة. لذلك نحن نراه في النهاية وقد ضاع في عالم اللاشيء ويكتب نهاية عالمه.
وحول أزمته مع الفكر العربي يقول: «لا يمكن أن نتحدث عن فكر عربي بالمعنى الحقيقي للكلمة في ما عدا بعض المحاولات الفكرية الجريئة أحياناً، نحن نجد أنفسنا أمام فراغ فكري مفزع ومخيف. ولو كان هناك فكر عربي حقيقي لما نمت الظواهر الأصولية المتطرفة في هذا الشــكل الخطير والمرعب».
الحياة
13/05/2008
أقرأ أيضاً: