تعتبر الشاعرة والكاتبة السعودية الدكتورة فوزية أبو خالد علامة فارقة في المشهد الشعري والثقافي السعودي، وواحدة من رواد شعر النثر في السعودية، حسب ما يؤكده كتاب ونقاد سعوديون ساهموا في هذا الملف المكرس للاحتفاء بتجربتها الشعرية.
في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، تحدث الناقد السعودي المعروف الدكتور عبد الله الغذامي، عن مكانة فوزية أبو خالد في المشهد الإبداعي السعودي بقوله: «إن فوزية أبو خالد صاحبة كتابة شعرية مذهلة جدا والشعر لديها مهم جدا. وقد قدمت صيغة أدبية مختلفة نوعيا. ويرى الناقد السعودي الدكتور عالي القرشي، أن نشاط فوزية أبو خالد، وإبداعها لم يكن، إلا تحديا للألم ومراودة للأمل، فهي لا ترى الألم حالة يأس أو وجع، بل ترى أن الألم يصنعنا ويطهرنا مثل الكلمات، حملت آلام القهر والكبت والإقصاء للمرأة في الثقافة الذكورية، وصرخت ضد ذلك، بتجربة إبداعية، اختارت لها الشكل المناسب المتسق مع عنفوان الجور والقهر الذي تحسه».
ويستشهد القرشي بأبيات فوزية أبو خالد:
كنت أنتظر أن أجد في تركتك بذرة من جنان عدن
أغرسها في قلبي الذي هجرته المواسم
لكنني
وجدت سيفا بلا غمد منقوشا عليه اسم طفل مجهول
وحتى لا أضيعه تفتحت كل مسامي أغمدة دافئة له
ويرى القرشي بأن هذا النص، ليس بالعمودي الذي اتخذته بعض الشاعرات في السعودية، وليس كذلك بالتفعيلي لدى شاعرات أخريات، لكنه الشكل الذي حمل القصيدة الجديدة لدى فوزية، بما فيها من عنفوان وتمرّد، مشيرا إلى أنه الشكل الذي ارتضته يتماهى مع الذات الأنثوية في قلقها وتمردها واحتجاجها.
* أشجان هندي:
موقف واضح من الحياة
* أما الناقدة والشاعرة السعودية الدكتورة أشجان هندي، أستاذة اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، فهي ترى أن القصائد الأولى لفوزية أبو خالد، كانت البداية التي أسست لقصيدة النثر في السعودية، لتتوالى بعد ذلك الدواوين الشعرية التي انشغلت واشتغلت بهذه القصيدة.
وتقول هندي: «إن لفوزية أبو خالد الريادة ولقصيدتها نكهة (البداية) الإبداعية التي خالفت (آنذاك) المألوف». وتشير أشجان هندي إلى أن الشاعرة ظلت دؤوبة ومثابرة، رافدة قصائدها الجديدة برؤية واضحة، ولغة خاصة، وصور شعرية مميزة.
وتضيف: «لقصيدة فوزية موقف واضح من الحياة. تختطفك من حالة السكون وتزرعك في حالة الحركة بسرعة خاطفة، ثم تصبُّ على حيرتك الأسئلة، وتتركك هكذا، خاويا إلا من الحيرة. قصيدتها تزرع الأسئلة في ذهن المتلقي، ثم تغادره مسرعة، وغير منشغلة بانتظار الإجابة. في قصيدتها، التي تمتد أحيانا لسطرين فقط، تجترح أبو خالد الأسئلة وتجرحها، ثم تمضي بهدوء، وكأنها لم تحدث في ذهن المتلقي أي زوبعة، بل وكأن حروفها لم تتورط أبدا في كسر حجارة الجمود، واحتراف حالة الكشف، وخلق القلق، وفتح باب الاحتمالات على قادم لا يجب أن يكون إلا أجمل وأكثر رحمة. بالإضافة إلى ذلك، فهي ليست شاعرة فقط، بل أستاذة جامعية وكاتبة مبدعة قلبت (تحت الشمس) قضايا وطنها وهمومه وشجونه، وصرخت كما في إحدى قصائدها: «هل هذا وطن/ أم طوفان لم نحتط له؟. ولا أخال هذا الوطن الذي صرخت أبو خالد له ومن أجله عاجز عن تكريم محبيه، ولكني أتساءل: لماذا لم تكرّم أبو خالد (حتى الآن) داخل وطنها، لا خارجه؟.
* ليلى الأحيدب:
ملهمة ونموذج
* من جهتها، قالت القاصة والكاتبة السعودية ليلى الأحيدب: «فوزية أبو خالد، ملهمة ونموذج تعلمنا كيف نغازل اللغة من دون عكازي الوزن والقافية! إنها الساردة التي تتقن رصف فسيفساء الأبجدية بمهارة عاشقة.. والمثيرة للجدل التي تدخلنا بوابة الأسئلة بما تطرحه من رؤى عميقة. إنها الشاعرة (العاشقة التي تنفست خارج البئر) ففاضت الأسئلة. إنها الحكمة في القصيدة، والدهشة في السرد والعمق في الهوية، والجرأة حين ينام السؤال. نزداد بها معرفة وينأى بنا الوصول لذلك الأفق، الذي تراه وتصفه وتحاوره وتزرعه فينا، بابتسامتها الدافئة ولمعة السؤال في عينيها.
وأتمنى أن تنال فوزية أبو خالد تكريما يليق بما قدمته وتحملته وكتبته، فتكريمها هو تكريم للصدق والحقيقة والإبداع الذي لا يُشترى ولا يباع. وتكريمها مكافأة لنا جميعا، نحن الذين ما زلنا نسمع معها دقات قلب الورقة ونغني».
الشرق الأوسط
3 يونيو 2012