(قالت إنها دفعت ثمن تمردها وجوبهت من أعداء الضوء)

ناصر البراق، شمس علي
(السعودية)

فوزية أبو خالدأكدت الشاعرة فوزية أبو خالد أنها «جوبهت كثيراً من أعداء الضوء، ودفعتُ ثمن تمردي من حياتي الشخصية والعملية عبر ما تعرضت له من مواقف وظيفية أو مساءلة رسمية أو غير رسمية»، وتابعت: «وعلى رغم ما جره عليّ ذلك من آلام وفداحة ثمن ظللت أحتفظ بإيماني بأهمية قول كلمة الحق «نافية» خلو الساحة ممن يطيب له الوقوف في معسكر الجمال».
وأشارت أبو خالد إلى أن «المتأمل في نتاجي يمكنه القبض على خيط التمرد والجرأة الرابط بين صور كتاباتي الشعرية والنثرية». وقالت إن «التواجد على الجبهة علّمني القتال، خصوصاً أنني من القلائل الذين ظلوا متواجدين في الساحة ما أكسبني لياقة ورشاقة، بت معهما أكثر قدرة على قول كلمتي بقدر أقل من الصدام العنيف، الذي عرفت به كتاباتي النثرية في الثمانينات». وأضافت أن هناك عاملاً آخر عزز ذلك هو «أن المجتمع غدا أكثر وعياً من السابق بقيمة الحرية والمطالبة بها، ما استدعى ارتفاعاً في سقف الحرية».

واستطردت أبو خالد أنه في الوقت الذي امتازت فيه كتاباتها النثرية بالمنطق والحكمة والتمرد الإيجابي «اتخذت أبجديتي الشعرية طابع التمرد الإبداعي»، مبررة بأن «الشعر ظل في رأيي غير قابل للفلترة من معاني التمرد أو العمل على الزج به في استخدامات تخثيرية وتهديئية» وتابعت: «لذا عملت على أن تبقى لغتي الشعرية متشظية متمردة عاصية». وعزت ذلك إلى «اعتقادي بضرورة تطوير الشاعر لأدواته الشعرية حتى لا يستحيل الشعر إلى مجرد نظم أو نوع من التواجد لا غير».

وحول لماذا اسمها يثير الجدل على رغم جنوحها إلى السلم؟ قالت إنها أحياناً لا تفهم لماذا؟ بيد أنها تظن أن ذلك يحدث لاعتبارات عدة منها أن «طروحاتها لا تجامل أو تجمّل التخلف». وزادت بأن «ثمة أمر آخر، وهو أننا نخلط أحياناً بعمد أو دون عمد بين عملية الرفض الإبداعي وعدم الاستسلام لقوالب اللغة المعطاة والحياة الاجتماعية للكاتب على الخصوص إن كانت الكاتبة امرأة».

ولفتت إلى أن الكاتب «هو شاعر طالما قدر على خلق الدهشة والشهقة بحيث يمكنه أن يحيل الألف إلى نص أو شمعدان، فهناك من يريد منا أن نبقى نمطيين ونرى الألف ألفاً!... لذا عندما تكوني خلاف ما يريدون ويكون لإبداعك نظرات ملتاعة لا تغض البصر، وتبصر ما لا يبصر تعدين وقتها مارقة»، لافتة إلى أن «المروق الإبداعي لديهم هو بالضرورة مروق اجتماعي». وأكدت أبو خالد أن ما يحدث حولها من سجالات لا يزعجها... لأنني أعتبر نفسي من الجيل المحظوظ الذي ولد على حافة التحولات بكل أشكالها وتوجهاتها الثورية والحوارية». وشددت على أن «هذا السجال هو ما يشعرني بوجودي في معمعة الحياة فلو كنت جليسة البيت مثلاً دون عمل أو مطالبات لما تعرضت لكل هذه السجالات، وهذا مما يؤكد لي أنني في ذروة العشق والدفاع عن المبادئ الجميلة».

قلق من التجديد

واستشهدت أبو خالد بقول أوجين يونسكو إن «كل أدب جديد هو سجالي بالضرورة»، موضحة أن «السبب بسيط، وهو أن الناس تقلق من التجديد والخروج على القوالب، وعادة الأدب الجديد والإبداع مشتعل بمادة مبدعة»، مشيرة إلى أنها «أمسكت بمفردات الصحراء التي كانت محاصرة ببطولات الفحولة وأنثتها بانطلاقي مع الرشا وكل كائنات ومفردات الصحراء». وقالت: «وهو ما يزعج البعض أن يرى حنجرة الشعر الخشنة تغدو مؤنثة مما أعده بطولة إبداعية، تزلزل المستبد والمستتب من القيم والمعارف».

وحول ديوانها الجديد «تمرد عذري» بينت بأنها «تجربة شعرية جديدة في مسيرتي الشعرية عمدت إلى تقسيمه إلى أربعة أقسام، تحدثت من خلالها عن طفولتي في باب «طفولة ليست أخيرة»، كما تحدثت في الأبواب اللاحقة عن الصداقات ووضعنا في العالم العربي وعلى الخصوص في العراق وبيروت وغوانتانامو»، منوهة بأن «الديوان يهجس بالشاغل الشخصي والاجتماعي والوطني والإنساني على المستوى المحلي والعربي والعالمي، ويطرح أسئلة تتعلق بالمرحلة لأننا إن لم نجيد طرح الأسئلة الجديدة فلن نجيد إيجاد إجابات عليها».

وعن سبب تسمية الديوان بـ «تمرد عذري» ردت بالقول: «أهتم باختيار عناويني بدقة ولم أركن قط لتسمية احد دواويني بإحدى القصائد، بل ألجأ دائماً إلى اختيار عنوان يعبر عن روح الديوان ككل». وعزت ذلك إلى إحساسها بأن العنوان «هو وجه العمل»، مشيرة إلى أنها بحثت كثيراً عن صورة غلاف ملائمة للديوان «حتى وقع اختياري على لوحة الأمل، عنوان الديوان متعدد أوجه القراءة فاضح لمحتواه، ويمكن ان تكون إحدى قراءاته المستقر والوارد في الذاكرة الشعرية الجمعية، مما يمكن أن يتداوله الناس من أنه بوح عذري أو غزل عذري».

زواج غسان أعمق مما تطيق اللغة التعبير عنه

وفي ما يتعلق بزواج ابنها البكر غسان، خصوصاً أن الزواج كان ثقافياً أيضاً، إذ كانت العروس ابنة الشاعر محمد الدميني قالت فوزية: «لعلني أحاول تأمل السؤال من دون أن أضمن لك ألا أفشل في الإجابة، زواج ابني يعني معاني أكثر من أن تعد وهي أعمق مما تطيق اللغة التعبير عنه وأشف من شهد الشعر. إنها معان لا تعرف مداها إلا الأمهات ممن جربن خبرة التقلب في نعمة تحول ملح الأحلام وخبز الكفاح إلى حقيقة مفعمة بالحياة بمنة من الرحمن وفضله. فهي تتويج لرحلة بدأت بمشروع حب حلال لعاشقين صغيرين (الأم والأب) وشقت مجراها النهري بعذابات الحمل وغثيان الوحم وآلام المخاض.
إلا أنها لا تنتهي عندما تحفر هلة محيا الطفل على حياتنا الأسرية، أسماءنا بحبر الفرح والمسؤولية في دفتر الأمومة والأبوة. كما أنها رحلة حياة لا تنتهي بمشاعر الإثارة الفارهة في يوم الطفل المدرسي الأول ولا بوحشتنا وتحرقنا ونحن نختبئ خلف بوابة الروضة في انتظار عودته بعد يوم البعد الأول، بالضبط مثلما لا يكون توترنا وحبورنا الطفولي يوم التخرج، إلا مفردة أخرى مما تكتبه الأمهات حرفا حرفاً بالعرق والدموع ودم القلب في قاموس الأمل».

وأضافت: «عرس صديقي غسان بصديقتي لينا أكاليل من الغار والجوري والمخمل والياقوت على جبين تلك العلاقة اليومية النادرة بين الأم والأبناء، التي تجري منا مجرى الهواء في الرئة بتفاصيلها الصغيرة الحميمة، وملمسها الشائك أو الحريري من قسوة ولذة الرضاعة الأولى، بكاء التسنين، صرخة «إبرة التطعيم / اللقاح، جذل الموسيقى في المناغاة بكلمة بابا ماما، شعاع شمس ضحكة الطفل من فجوة سنة اللبن، «ارتفاع الحرارة»، «التلويز»، ركوب الدراجة، ثوب العيد، مخفوق الشوكلاة، لمة الغداء، حروف الهجاء، مسائل الرياضيات الحديثة، حفلات النجاح وصخب الصغار، ابتهالات الجوارح لله يحفظهم، خفقة الخوف ونبض المرح مع كل رمشة لعيون الطفل.

أما بالنسبة للجزء الثاني من السؤال، والذي تصف فيه الزواج بأنه زواج شاعري وثقافي لأنه زواج ابن شاعرة بابنة شاعر، فبودي ألا أعلق على هذا السؤال في مستواه الشخصي، وقد امتنعت حقاً مما قبل ليلة العرس إلى الآن عن الإجابة على هذا النوع من السؤال مما وصلتني بصدده العديد من أسئلة الزملاء الصحافيين، إلا أنني في محاولة للتعامل مع عطش الفضول سأدلو بإجابة على هذا السؤال للمرة الأولى والأخيرة، وبعيداً عن الشخصنة. فأولاً وبشكل عام فإن أية تجربة زواج سوية لا يمكن أن تخلو في مستوى من مستويات الوعي بها من معنى الالتقاء الشعري، بما يعنيه التقاء روحين في فضاء مشترك. هذا على مستوى رومانسي، أما على مستوى عملي فإنها أيضاً، أي تجربة الزواج السوي، لا يمكن إلا أن تمثل التقاء ثقافياً بما يعنيه الزواج من تمازج عقلي ونفسي لتكوين شراكة حياتية بين شخصين، لا بد من أن بينهما اختلافات نسبية، إلا أنهما يلتقيان على إرادة ورغبة العيش والبناء المشترك».

وحول إذا ما كان الزواج بين ذوي المثقفين والمثقفات مؤشر على الحميمية، التي تحيط بالوسط الثقافي، أم ليست بالضرورة كما يعتقد البعض، ردت الشاعرة أبو خالد قائلة: «الله أعلم فلكل زواج آفاقه الخاصة. وأحلم بأن يكون لجميع البنات والأبناء كامل الحرية في اختيار شريك الحياة وطريقها، بعيداً عن أي ضغوط من الأسرة أو إرادات الغير. وأختم برسالة جوال بعثت بها إلى صديقة العمر الرائعة فاطمة الشيخ وزوجها الشاعر محمد الدميني، بعد عودتنا من لقاء الخطبة، كتبت لهما «بارك الله خطوة هذا اليوم وحفها بما لا ينفذ من التوفيق لعناقيد القلب وجعلها بعد إضافي يعمق ما بيننا من نعم الأخوة ونعيم الصداقة».

الحياة
05/08/2008