القاهرة خالد بيومي:
تنتمي الشاعرة المصرية فاطمة قنديل إلى جيل الثمانينات، وهي تقع في قلب أبناء هذا الجيل من خلال ثلاثة دواوين هي “صمت قطنة مبتلة”، و”أسئلة معلقة كالذبائح”، وأخيرا ديوانها الذي صدر حديثاً بعنوان “أنا شاهد قبرك”. سبق لقنديل أن أصدرت ديواني شعر بالعامية المصرية، وهي التجربة التي غادرتها إلى سماء الفصحى، وهي تعمل حالياً أستاذاً للنقد الأدبي الحديث في إحدى الجامعات المصرية.
* “أنا شاهد قبرك” هو عنوان أحدث دواوينك الذي يتناول تجربة الموت، لماذا؟
الديوان قصيدة رثاء طويلة لصديقتي الراحلة د.سهى جابر عصفور التي رحلت قبل عام، وأعتبر الموت والحياة وجهين لعملة واحدة بمعنى الموت في الحياة، والحياة في الموت، وهي محاولة للتشبث بالشخص في حال ما بين الحياة والموت ومخاطبته كأنه حي والإبقاء عليه ليس في الذاكرة، وإنما هو استكمال الحضور مع القصيدة في حياتها وكأنها لم تمت.
* ذكرت في الديوان أسماء أخرى للأعلام الراحلين أمثال أم كلثوم ونيتشه وغيرهما.. لماذا؟
حين أكتب أعيد صياغة نصوص تأثرت بها وهذا حال كل كتاباتي، وحاولت أن أجعل هذه النصوص بديلا عن العناوين في الديوان، ولذلك ليس هناك عناوين للنصوص، وإنما هناك اقتباسات لعبت دور العناوين، وهذا يعيدني إلى حالة الحوار ليس فقط مع الشخص الذي رحل، وإنما مع النصوص التي رحل أصحابها، وهي حاضرة، أما من ماتوا من الأعلام فأحاورهم أيضا في الكتاب.
* صدر لك ديوان بعنوان “أسئلة معلقة كالذبائح” لماذا لم تقدمي إجابة حاسمة لهذه الأسئلة المعلقة؟
لن تحسم الإجابات عن الأسئلة التي طرحتها في الديوان إلا بعد أن أموت، فالحياة مجموعة من الأسئلة والنص الشعري الحقيقي لا يقدم إجابة عن الأسئلة، بل هو نص يولد أسئلة تشبه الأسئلة التي يطرحها الأطفال في محاولة لاكتشاف العالم كنوع من الفضول، ولو كان لدي إجابات عن الأسئلة لما كتبت شعرا.
* استخدمت تقنية النص المفتوح التي تمزج بين أكثر من فن وجنس في النص، هل هناك موقف ثقافي؟
أنا من الذين يؤمنون على المستوى النظري والتطبيقي بإزالة الحواجز بين الفنون، وإذا كان لديك مائدة عامرة بأنواع الطعام المختلفة فلماذا تتناول صنفا واحدا من الطعام إلا إذا كنت مريضا، أنا أكتب نصاً مفتوحاً كي أنفتح على ثقافات أخرى، ولماذا أقتصر على نمط واحد من الكتابة ولدي بدائل متعددة، فالعالم مفتوح والفنون تتداخل وتعيش في كل لحظة في حياتنا حيث نستمع للموسيقا ونقرأ لبعضنا وللآخرين ونشاهد لوحات الفن التشكيلي، وكان عليّ أن أستفيد من هذا المشهد لصناعة مشهد يوازيه ويوازي حركتي في هذا العالم.
* في ديوانك “صمت قطنة مبتلة” أضفيت الطابع الإنساني على الأشياء.. برأيك هل يستطيع الشعر حل أزمة الإنسان المعاصر؟
لا أسعى من خلال كتابتي للشعر لإيجاد حلول لأزمات البشر، وإنما أكتب لأن هناك شخصاً ما في مكان ما حين يقرأ أيضاً نصاً عن المستشفى كما هو في ديوان “صمت قطنة مبتلة” لكوني أتعامل مع مثل هذه التجارب يشعر الإنسان بأنه ليس بمفرده في هذا العالم.
ولم أكن أسعى إلى إضفاء أي طابع إنساني على الأشياء، وأنا أتحدث عن النص الجديد وفكرة تفكيك الكتابة لآليات السلطة، وفي الديوان سلطت الضوء على سلطة المؤسسة الطبية على البشر، وهذه سلطة نمارسها طوال الوقت، إنها سلطة المقهورين والمرضى في المستشفيات وهي سلطة تبدأ من أعلى لأسفل سواء كانت سلطة أطباء المستشفى أو سلطة المقهورين تجاه بعضهم بعضاً، ونحن نمارس فعاليات هذه السلطة طوال الوقت الأمر الذي حول الإنسان إلى شيء أو موضوع، وعندما مررت بهذه التجربة كنت أشعر بأنني أفقد إنسانيتي في بعض اللحظات، وكانت اللغة مريرة ومحايدة تماما في هذا الديوان.
* قبل صدور هذا الديوان توقفت عن كتابة الشعر مدة تزيد على عشر سنوات، لماذا؟
كتبت في تلك الفترة ديوان “أسئلة معلقة كالذبائح” الذي واجه بعض المشكلات الرقابية ومنع نشره، فتوقفت عن كتابة الشعر لأنني لا أؤمن بأن التواجد على الساحة الثقافية لا يتأتى من خلال إصدار كتب تتناسخ وتتوالد ولا تقدم شيئاً جديداً، فالمبدع يمكن أن يكون له دور ما في حركة هو مؤمن بها وتكون جزءا من هذا المشروع، والذي هو مشروع مشترك مع الآخرين، وكنت طوال هذه الفترة أتساءل ما هو الشعر؟
* وهل توصلت إلى إجابة؟
لا يمكن الوصول إلى إجابة قاطعة عن جوهر الشعر، ولكنني أبحث عن ماهية الشعر التي يمكن أن تحرك المشهد الثقافي خطوة أخرى أبعد، وهو ليس سؤالا ميتافيزيقيا وإنما هو سؤال عن التجديد في الرؤية والتقنية.
* تنتمين إلى جيل الثمانينات الشعري برأيك لماذا تجاهل النقاد تجربة هذا الجيل؟
لأننا أبناء جيل تمت تصفيته من أحلام النجومية والدور، وفي الحقيقة نحن زاهدون في الشعر ولم يكن الشعر بالنسبة إلينا شيئاً مقدساً، وكنا نحيا فيه وليس من أجله وكل حركة شعرية لها نقادها.
ونحن أبناء الثمانينات اكتفينا بأن نكتب من دون أن نفكر في موازاة النقد للكتابة، وكنا مغموسين في فعل الكتابة أكثر من الاهتمام بما سوف يقوله الآخرون عن كتاباتنا، كما أننا نحن أبناء هذا الجيل لم نكتب عن بعضنا بعضاً فكيف نطلب من آخرين أن يكتبوا عن جيل لم يكتب هو عن نفسه حتى الآن.
* هل لسماتك الشعرية عنوان؟
لا أحب وضع عناوين لقصائدي ولا أفصل حياتي الشخصية عن كتاباتي، ولكن ليس بمعنى الشاعر الذي يعيش في شعره، ولكن أحاول أن أكون شخصا يشبه ما يكتبه.
* قلت إن النقاد غير مؤهلين للتعامل مع النص الشعري، لماذا؟
دائما أؤكد أنه ليس لدينا نقاد يعتقدون أن الكتابة النقدية إبداع مواز للنص الأصلي، ولكن للأسف مازال النقاد يتعاملون مع النص الأدبي كموضوع قابل للمدح أو الذم، بينما هم ذات عليا تنظر للموضوع من أعلى إلى أسفل وينظرون إلى القراء بوصفهم أدنى مكانة ولا يأخذون بأيديهم لتلمس ثراء النص وإمكانياته الجمالية، والنقاد يتعاملون مع النص بوصفهم سلطة، والنص الجديد يراوغ فكرة السلطة وأعترف بأن اتهامي قاس ولكنها الحقيقة
الخليج- 4 يونيو 2009