« ألم خفيف كريشة طائر ينتقل بخفة من مكان لآخر» عنوان أحدث كتب الشاعر والكاتب المصري علاء خالد الذي صدر مؤخرا عن دار «الشروق» المصرية. طول العنوان ليس وحده اللافت في الرواية الاولى لأحد أبرز الاسماء الشعرية لقصيدة النثر المصرية الا ان حجم الرواية ايضا ـ 368 صفحة ـ يبدو لالفتا وسط غالبية أحجام الروايات الصادرة في السنوات الاخيرة والغالب عليها الصغر.
علاء خالد الذي اصدر ديوانه الشعري الاول عام 1990 بعنوان «جسد معلق بمشيئة حبر» وصدر ديوانه الأخير في 2007 بعنوان «تصبحين على خير»، خاض تجربة الكتابة النثرية عبر كتابيه «خطوط الضعف» 1995 و«طرف غائب يمكن أن يبعث الامل» في 2003 اللذين شكلا تجربة مغايرة على مستوى السرد والموضوعات المتناولة وخروجهما عن أشكال الكتابة النمطية المعتادة. كما يصدر علاء مع زوجته المصورة سلوى رشاد مجلة «أمكنة» التي دخلت عامها العاشر هذه السنة. المجلة التي تحتفي بالمكان وتجلياته المختلفة تعد من ابرز التجارب المستقلة الهادئة التي عرفتها الحياة الثقافية المصرية خلال العقد الأخير
يقيم علاء خالد في مدينة الاسكندرية وعلى الرغم من الهالة الأدبية التي يصنعها تاريخ المدينة والكتابات التي تراكمت حولها، إلا أنها لا تحتل مساحة كبيرة في روايته الأولى التي ترصد بلغة يمكن وصفها بالكلاسيكية تاريخ عائلة عبر خمسة أجيال من الجد العائد للاسكندرية بعد ان ضاعت أمواله عبر رحلة في الصحراء الى شخص الرواي الذي بدأ وجوده مع ستينيات القرن العشرين.
اللغة المنفتحة على أكثر من مستوى للقراءة والعلاقات المنسوجة بين افراد العائلة تخلق حالة من الشجن حول كل فرد من افرادها لتصنع نغمة غابت عن الرواية المصرية في السنين الاخيرة.
«ألم خفيف» تجربة مغايرة على مستوى كتابة علاء خالد وأيضا على مستوى الرواية المصرية الجديدة. حول «العائلة» و«الحكاية» و«الرواية» كان حوارنا مع صاحب «ألم خفيف».
ثقل التاريخ
* «ألم خفيف كريشة طائر ينتقل بخفة من من مكان لآخر»... الا ترى ان العنوان يبدو طويلا بالنسبة للمتلقي العادي؟
بداية انا أفضل ان يكون العنوان دالا على العمل بدون ان يكون مستقلا عنه واشعر ان عنوان الرواية يحقق ذلك بشكل ما. بالطبع العنوان طويل ولم يكن هذا هو اختياري للعنوان في البداية، كانت لي مجموعة اقتراحات كانت تبدو كلاسيكية بعض الشيء أو شعرية قليلا او غير دالة على العمل، وبالمناقشة مع الناشر طرحت مجموعة من الاقتراحات وظللنا فترة طويلة نتناقش حول العنوان، إلى ان اشار لجملة في الصفحة الاخيرة من الرواية طويلة بعض الشيء لكنها دالة، وتحمل شيئا من المفاجأة. فاقتنعت بالفكرة وأيضا بطول العنوان.
* كيف ترى العلاقة بين العنوان وتاريخنا الشخصي وذكرياتنا؟ أو متى يتحول التاريخ الى «ألم خفيف»؟
بعد مرور فترة زمنية تسمح بالابتعاد عن ثقل الحدث، أو بحدوث اشياء أثقل تحول هذا التاريخ. الألم الخفيف يعني انه تم تجاوز شيء ما. ان الالم الاصعب قد مر وبالتالي يخف وزنه. أظن ان العنوان يحمل فكرة مرور الزمن. فهناك تجربة زمنية قد مرت وهذه التجربة هي زمن الرواية، أو زمن ما له بدايات ونهايات وايضا تحولات، فالالم يتحول بطريقتين: إما بمرور الام اصعب، او بالنسيان الذي يحمل في طياته أيضا عامل الزمن.
* «الحكاية شفاء للراوي» عنوان أحد فصول الرواية... متى بدأت في الشفاء – الكتابة؟
بدأت منذ 1995 تقريبا في تدوين معلومات حول فترات تاريخية عشتها، او الوقائع التي كانت تحكيها أمي عن تاريخ العائلة، وفي بعض الاوقات كنت أسجل لها نظرا لوجود تفاصيل كثيرة متداخلة خاصة في ما يتعلق بالاجداد كانت عصية الحفظ بالنسبة لي، وكانت تسبب لي ارتباكا. وضاع هذا الشريط.
لكن اذكر اني كنت قد فرغت هذا الشريط لأصنع شبكة علاقات بين الافراد ومن تزوج من ومن انجب من. كانت محاولة لصناعة شجرة لهذه العائلة، واحتفظت بهذه الاوراق، وكانت مساعدة جدا لي في تتبع شبكة علاقات العائلة،بالطبع يمكن اختراع شبكة علاقات جديدة. لكن كنت أشعر بعلاقة خاصة تجاه هذه الشبكة فهي الحقيقية بداية وفي الوقت ذاته كانت تحمل غرابة في التفاصيل تبدو لي أسطورية كان من الصعب إلغاؤها. والخيال بالنسبة لي ليس خلق شيء جديد بالكامل لكن أحمل شغف اكمال شيء موجود بالفعل، اشعر بالرغبة في اكمال تاريخ منقوص. ان ادخل في تواريخ اخرى واكمل جزءها الغامض وغير المكشوف
* لكن من البداية وانت مهتم بتاريخك العائلي؟
منذ البداية شكلت فكرة «العائلة» مرجعية معينة بالنسبة لي. وفي لحظة البدايات تصبح المرجعية فكر مهمة، ولم يكن هناك مرجع عام يمكن لاي فرد الاستناد اليه. لا يوجد تحرك طبقي صعودا او هبوط يمكن ان يخلق مرجعية جديدة يمكن ان تنتسب اليها بحيث تشعرك بانك خطوت خطوة أكبر داخل هذا المجتمع أو هذا الوطن. فكانت العائلة نقطة أساسية للعودة خاصة انها جزء كبير ومهم في «التاريخ الشخصي». ومنذ ديواني الاول «جسد معلق بمشيئة حبر» كان هناك تأريخ ما للعائلة، بمعنى الذكريات والعلاقات المختزنة داخلها، القيم التقليدية التي تورثها لاولادها، معنى الخوف الذي يصل من خلال هذه المؤسسة، ايضا اللحظات الجميلة التي تحدث داخل هذا الاطار.
كانت لدي رغبة – ولازالت - في التقصي والوصول إلى جذور وبدايات تكون بعض الاشكاليات التي شعرت بها عند الكتابة منذ الديوان الأول. رغبة لمعرفة لماذا حدث ذلك؟؟ لماذا تكونت بهذا الشكل؟؟ لماذا تحمل هذه المشاكل تحديدا بداخلك؟؟ لماذا تشعر على الدوام بهذه الفجوة بينك وبين المجتمع لماذا لا تستطيع مواجهة العالم من حولك؟؟ مثل هذه الاسئلة التي يمكن ان تسميها وجودية والمرتبطة في الوقت ذاته بفكرة السلطة بداية من عبودية فكرة الام، والسلطوية في فكرة الاب. والرفض من جانبك لأي نوع من السلطوية.
* لكن هذه الحالة المتمردة بدأت تأخذ أشكال أو مستويات أخري في الكتابات التالية؟
بعد وفاة الوالد بدأت في كتابة «خطوط الضعف» 1993 – الذي نشر في 1995- وبدأ ينفتح جزء من هذا العالم العائلي بعد سقوط احد أهم أركانه. لكن بدأ يدخل فيه خيط من الاسى والاقتناع بأن فكرة الاب أكبر من يتم نقضها، لارتباطها بك بشكل شخصي وايضا لارتباطها بضعف الشخص الذي امامك. فعندما ترى الاب يمرض وينزوي ويموت، تعيد تركيب مسألة التمرد المرتبطة بشكل معين بتأبيد الاوضاع.. حيث يظل «الأب» ذاته.. لذا كان وجوده مركزيا في الكتابات الأولى، بجانب رغبة في التمرد وتدمير الجزء السلطوي والمتحكم، ساعتها لا تراه كأب تمكن معرفته والتعاطي معه لكن كرمز اكثر من كونه انسانا بعينه.
ففي هذه اللحظة تجّمع عدد من الرموز في سلة واحدة كي تكون أسهل لك لحظة المواجهة فتتشابك صورة الاب والرب وسلطة العائلة بسلطة الدين وسلطة رب العمل. تجميع الرموز في كتل وايجاد علاقات سهلة في ما بينها لتوحيد الآخر الذي تواجهه كانت حاجة ملحة في هذا الوقت، وكانت هناك رغبة في الخروج من أي إطار يتم فرضه عليك، وحدث كل ذلك معي بدون ان تكون لي أي خلفية سياسية كانت حالة خاصة. فترة دراستي الجامعية كانت الجامعة ميتة تقريبا والجماعات الاسلامية تسيطرعليها تماما.
فكانت لحظة خاصة لكنها مستفيدة من مدخلات كثيرة، من قراءات ومن رغبة في اقامة حياتك الخاصة في الارتكاز على وجودك بدون أي اتكاءات أخرى من نوع المجتمع والاصدقاء إلى آخره.
في «خطوط الضعف» كانت بداية دخول العائلة لمحتوى أكبر. وكان هناك سؤال موجه للاب بشكل يحمل شيئا من الشجن: لماذا لم تفصح لنا عن جانبك الآخر عن حياتك الداخلية، من تاريخك الشخصي بدلا من نعرف هذه الواجهة فقط.
حمل الكتاب ايضا تفاصيل اخرى لها علاقة بالعائلة لكن جميعها مرصودة من ذات ما زالت غير قادرة على رؤية ما هو أبعد من ألمها الشخصي.
* هذا الالم الشخصي الذي تراجع في الرواية فجعل وظيفة الرواي داخل الرواية عرض العالم الخارجي لا الم الرواي الذاتي؟
هذه هي الرحلة، التي تحمل ضمن معانيها ان تتخفف قليلا من الألم. فانت تنفتح خلال رحلتك الحياتية على معان اكثر، على اشخاص اكثر، تتغير افكارك، تتغير اشياء كانت تحقق مركزية لحياتك واحاسيسك، عبر قراءات وكتابات ورحلات وعلاقات تقترب من اشياء وتبتعد عن أخرى على أمل ان يختفي هذا الالم ليس اختفاء فعليا لكن ان يتصفى فينتقل وتنتقل معه إلى مراحل أخرى.
ولم أوثق كل ألمي في كتب، فمنذ خطوط الضعف الذي نشر في 1995الي الرواية التي انتهيت من كتابتها في 2008. لم اكتب حول الالم بشكل مباشر ولكنه واصل ظهوره بأشكال مختلفة، ويتم التعامل معه بطرق مختلفة من خلال العمل والزواج، حيث يذوب في الحياة.
فاذا لم يظهر هذا الالم الشخصي بشكل مباشر في الرواية فهذا لاني اشعر بان هناك رحلة قد حدثت. وهذا لا يعني ايضا انه قد اختفى وقد يبدو ذلك في آخر الرواية حيث يوجد حلم يصبح فيه الالم لا وزن له. لكن في الحقيقة يبقى له وزنه. ثمة رغبة في ان تنتصر لنفسك في لحظة. ليس انتصارا بمعنى الكسب ولكن بمعنى ان تخفف قليلا العبء الذي تحمله والالم الذي تشعر به.
حول اللغة والبناء
* تبتعد اللغة في الرواية عن التكثيف أو التجريب بشكل عام. . لماذا اخترت هذه «اللغة المحفوظية» لـ «ألم خفيف»؟
فكرة السرد والحكاية نفسها هو الذي يوصل إلى هذا الشكل وهذه اللغة. فالسؤال بالنسبة لي من أي نقطة تود أن تحكي الحكاية. فطالما أنك بدأت من شبكة علاقات عائلية متشابكة فاللغة لا تحتاج ان تمتلئ بتوقيفات أو ألاعيب كثيرة، بل ان تكون سلسة بشكل ما. وقد حاولت ان تكون الفكرة الشعرية قريبة منها للوصول إلى عمق ما للحظة. وهذا لم تخلقه اللغة وحدها لكن نوع الحياة التي يدور حولها العمل والارتباط بين المواقف وطبيعة الاشخاص وشكل الحزن الذي يصيبهم وتشابك الحكايات واختيار مواقف بعينه للكتابة. حاولت ان تكون اللغة بسيطة لكنها تستطيع خلق مساحة أخرى خلف هذه البساطة.
[ لذا جاء بناء الرواية كلاسيكيا بشكل ما؟
لم أفكر في صناعة شكل حديث أيضا لأن فكرة الرواي لا تسمح بأبعد من ذلك. خفوت الصوت كان تجربتي الاساسية عير العمل. ان يوجد راو لكنه ليس مسيطرا على الأحداث والوقائع. وجود روا لكنه خافت الصوت كان أهم موزانة لي داخل الرواية، هذا سيخلق روحاً مختلفة لا تفرض نفسها بقوة لكن تتسلل بهدوء عبر العمل كله.
الاسكندرية الغائبة
* رغم ان كل الأحداث تدور في الاسكندرية إلا أن المدينة لا تبدو مركزية في الرواية.
لم أكن مشغولا بالكتابة عن الاسكندرية كمدينة. هذا أمر مطروق ومعروف وعمل عليه الكثير من الادباء والكتاب من قبل. ولم أنظر من قبل إلى الاسكندرية بهذا المعنى، لأني بالفعل ابن لحظة مختلفة لم تكن فيها الاسكندرية «كوزموبوليتانية». لحظتي شهدت بقايا من هذه اللحظة السابقة، لكن لا يمكن تحميل هذه اللحظة السابقة على عين الطفل الصغير – الرواي.
[ لكن لماذا نثبت الاسكندرية عند هذه اللحظة «الكوزموبوليتانية» فقط ولا نتعداها؟
لأن هذا هو المفهوم الأدبي للمدينة، وهذه مشكلة، فبطريقة ما تحول الموضوع إلى فكرة سياسية، ربما ردا على اللحظة الآنية التي لا تحمل أي تنوع.
ففي الوقت الذي كتب فيه لورانس داريل «رباعية الاسكندرية» التي تدور أحداثها في هذه اللحظة «الكوزموبوليتانية» لم يكن مشغولا بأفكار بقدر ما هو مشغول يتصوير مجتمع موجود بالفعل.
الآن تبدو الكتابات حول الاسكندرية كأنها محملة ضد او مع افكار معينة، فهي تحمل منهجا وتريد ان تدحض به منهجاً اخر. أحيانا تود ان ترى اليهودي، والايطالي، واليوناني الذي كان يعيش في هذه اللحظة المتنوعة كإثبات لها بغض النظر عن الادوار الحقيقية التي كان يمارسها كل منهم.
انا لم أعش هذا ولم أره، ولم أكن أخطط ان أكتب عن الاسكندرية بهذا المفهوم لكني كنت واثقا من ان الرواية في النهاية ستعبر عن جو معين، فالأمانة في رصد شوارع أو محلات أو طريقة ملبس أو الفرق الموسيقية التي كانت تحضر إلى الاسكندرية في هذه اللحظة التاريخية، ستخلق مناخاً مرتبطاً بشكل ما بالمدينة وفي الوقت ذاته مرتبطاً بشكل أوسع باللحظة التاريخية العامة وهو ما ابغيه. فلا اعتقد ان الرواية تحمل خطا اسكندريا بالمعنى السياسي أوالكوزموبوليتاني.
[ من ناحية أخرى هل ترى ان هناك «أدب مدينة» بمعنى أن يكون هناك ادب اسكندري أو أدب قاهري إلى آخره؟
يمكن ان نقول ذلك حول الاسكندرية بشكل ما لان هناك تراكما أدبيا حول المدينة. فهناك الكثير من النصوص حول الاسكندرية الامر الذي خلق صنفا ادبيا مرتبط بالمدينة، له سمات معينة من حيث تنوع الاجناس او الضياع داخل المدينة او العلاقات المختلفة التي يمكن ان يقيمها الكاتب مع البحر إلى آخره. هناك تراكم ادبي أصبحنا ننظر إلى المدينة من خلاله، ويصعب تكراره مع مدينة أخرى.
الرواية وضياع الحكاية
* اذا انتقلنا إلى الواقع الروائي في مصر الآن... كيف تراه؟
اللحظة التي نعيشها الآن تخلق نوعا من الاستهلاك. فاللغة على سبيل المثال ليست عنصرا اساسيا في بنية الروايات الجديدة، وليس الامر يتعلق بجمال اللغة لكن بضياع أسلوبية اللغة لصالح الوصفية الغالبة. وهذا يحدث لان هناك رصدا لمجموعة من المشاهد التي يؤدي وصفها إلى حالة بعينها. ثمة مساحة غير موجودة استشعر غيابها في الكتابات الجديدة.
ومن ناحية أخرى أرى ان الرواية بشكل من الاشكال علم. الحدس والحوار وخلق الشخصيات كلها أفكار وأساليب وطرق أداء على درجة كبيرة من التعقيد.
انت تخلق عالما بأكمله من اشخاص وعلاقات وزمن وروح للعمل. كل هذا يحتاج لدرجة من الخبرة والتراكم. هذه الايام أشعر انه يمكن لاي شخص ان يكتب رواية، لكن هل هي رواية مستوفية لشروطها. هذا هو السؤال. ليست المسألة فرض شكل بعينه، انواع الرواية كثيرة ومعروفة لكن المحك هل انت قادر على استيفاء شروط كل نوع أم لا.
* هذا على الرغم من الانتعاش الحاصل في سوق النشر الأدبي الآن؟
الانتعاش له اسبابه من وجود رأسمال بدأ يستثمر في مجال النشر، ايضا لعبت المدونات دورا كبيرا في فتح منافذ جديدة للنشر سهلت الطريق وفتحته تقريبا أمام الجميع، الامر الذي ساهم في خلق أدب جديد له ملامح مغايرة، بالاضافة وجود جيل جديد في الفترة الاخيرة بعد حالة اختناق طويلة من الستينيات وصولا الى نهاية القرن. بمعنى انه لم يمهد أي جيل لمن سيأتي بعده. فلا يوجد نقد من أي نوع، ولا توجد وسيلة للنشر ومن يرد فعليه ان ينشر على حسابه الخاص عدداً محدوداً جدا من النسخ، أو ينتظر في طابور النشر عند مؤسسات الدولة. وحتى الأفكار الموجودة تحتجز أي أدبية جديدة وتمنع تواجدها. فالفكرة السياسية هي الأكثر سيطرة على الافكار الادبية ربما لقرب الجماعات السياسية من الجماعات الأدبية. فالجميع يجلسون في مقاه واحدة، ويتحركون في مجالات واحدة، ويحملون أفكارا متشابهة ومتداخلة.
كل هذا كان يخلق ضيقا كبيرا. عند ظهور الانترنت والمدونات بدأ ظهور الموجة الجديدة التي هي امتداد بشكل ما لما سبقها مع وجود وسيط جديد. ثمة شيء كان مكبوتا وانفجر.
* الا يفسر ذلك اختفاء رواية «العائلة» أو رواية الأجيال، أو بشكل عام العجز عن صناعة حكاية... في مقابل اشكال كثيرة من التجريب؟
الحكاية مرتبطة بوجود الأمل. كل الحكايات تحمل في داخلها روحاً جديدة مستبطنة. والامل هنا لا يعني مستقبلاً أفضل. لكن الامل في الحياة التي تراها وتتعامل معها، والرغبة في شيء أفضل. هذه الروح اختفت.
العدالة بمعناها العام أصبحت فكرة مختفية وساذجة. أفكار مثل عدم كون الدين عائقا امام تطورك ونموك الى ان تصل لنقطة اتفاقك معه، ان ترى الآخرين بشكل حقيقي قدر الإمكان، رغبة معرفة الآخرين ليس مجرد وصفهم لكن ارجاعهم للسياق الذي يعيشون فيه. كل هذه الادوات – ادوات النظرة للحياة - كل هذا يقل الآن. فحالة المجتمع الآن تكسر اي روابط جماعية يمكن ان تخلق تصورات عامة موجودة
.
و العائلة مكان مرجعي يحتل في أذهاننا مساحة كبيرة في وقت بدأت المرجعيات تأخذ أشكالاً أخرى، الفكرة الشخصية أصبت أضيق ليس لدخولها في مجموع لكن لكونك مجبراً على استخدام ادوات محدودة لخلق نظرتك للحياة وبالتالي تحيا بشكل سطحي. بجانب انه لا توجد مغامرة شخصية الآن. المجتمع الذي لا يمنحك الفرصة لصنع مغامرتك الشخصية لن يمنحك فرصة الخروج عنه، الا قي حالة بطالتك عن العمل. سيلفظك المجتمع كعاطل وليس كفرد سعيد بوجوده ويريد ان يجرب اشياء جديدة.
فاذا كان العمل الروائي في الأخير جزءاً من عائلة وتعليم وشبكة علاقات مجتمعية متشابكة وهي الآن ضاغطة بشكل خانق، فسينعكس ذلك على مساحات التخييل والتأويل في الرواية التي تكتب الآن.
وفي النهاية كل لحظة لها ألمها الخاص وتمثلها بشكل حقيقي - المرتبط بوجود تجربة شخصية -. بالتأكيد سيُخلق شيء مهم. فكل لحظة تحمل تعبيرها.
القاهرة
السفير- 30 -10-2009