12 شاعرة من العالم العربي اجتمعن في دمشق في أمسية «48 ساعة شعر»... وإذا بطيف الرجل يحوم بين السطور ويبرز بعنف كملاذ وحلم وخريطة طريق
تحت عنوان «48 ساعة شعر»، استضاف فضاء «تياترو» ملتقى «شاعرات عربيات في دمشق» (10 ـ 11تشرين الأول/ أكتوبر)، وقد بدت مقاصد الملتقى الذي أقامته «دار الأوس للنشر» ملتبسة لجهة تخصيصه دورته الأولى «للشاعرات فقط». كأن هذا التصنيف خارج زمانه في بلد غادة السمّان، وسنية صالح، وعائشة أرناؤوط، ودعد حداد، ومرام المصري. وتبرر مديرة الملتقى، الشاعرة هالا محمد، هذا الخيار بالانسياق وراء فكرة شديدة الغواية تتعلق «بوعي الأنوثة في مجتمع كرّس ثقافة الاستبداد والجهل والتخلف». وبعبارة مجازية أخرى تضيف: «حُبّاً بالمذكّر واختيالاً بالأنثى».
في الواقع، فإن الشاعرات الـ 12 المشاركات نبذن هذه الفكرة في نصوصهن وعناوين دواوينهن: «رجولتك الخائفة طفولتي الورقية»، «أنت لي الآن»، «تحرّر»، «هيأت لك»... وإذا بطيف الرجل يحوم بين السطور، ويبرز بعنف كملاذ وحلم وخريطة طريق. هكذا، لم يكن مستغرباً أن تقول بانة بيضون ببساطة واعتيادية: «من المحزن أن يتحوّل الشغف إلى حنين. أن تصبح ضمير الغائب»، أو أن تعترف سمر عبد الجابر بقولها: «كثيف صداعي هذا المساء، كثيف كحضورك. كثيف جداً هذا المساء ولا يبدو أنّك سترحل». أما لوركا سبيتي فتهتف: «سيقتلني رجل واحد لم يخلقه إله».
تتفاوت تجارب أولئك الشاعرات في فهم جوهر قصيدة النثر التي يكتبنها جميعاً، ففيما تطغى الغنائية على قصائد نجوم الغانم «الإمارات» في وصف وحدتها ومحاولتها الفرار من جحيم العزلة بحثاً عن منفذٍ للحب «المخبأ تحت قميصها». تقع بروين حبيب (البحرين)، تحت وطأة الأسى والهجران، و«تصبح كتابتي كأساً فارغة في خزانة اللغة». أما أشجان الهندي (السعودية) فقد استعارت نبرة ذكورية ورائحة فحولة في استنطاق مكنوناتها، وإذا بقصائدها تطفح بالسيوف والتروس وماء عبس، وتفتتح إحدى قصائدها بالقول: «عندما شدّوا الرحالا» لتصل القصيدة لدى بعضهن إلى حدود البوح الذاتي والكلام ما تحت الشعري. وإذا كانت فاطمة قنديل (مصر) تشتغل في منطقة التفاصيل الحميمة جرياً على منجز حقبة الثمانينيات التي أغلقت تخومها على التماثل، فإن جيلاً جديداً يدير ظهره تماماً لما هو مألوف ومكرر، ليبتعد في المسافة إلى مناطق شعرية نائمة، وإيقاظها بعناصر مبتكرة تستفيد على نحو صريح من تحولات المشهد بمعناه البصري في المقام الأول. هكذا تتوغل تجارب نوال العلي (الأردن) وداليا رياض (العراق) وسمر عبد الجابر (فلسطين) وبانة بيضون (لبنان) في مناطق سردية تطيح تقليدية قصيدة النثر وركامها نحو مشهدية عالية، تمزج ببراعة بين مسرحة القصيدة واشتباكها مع اللحظة الراهنة بكل تشظياتها وعناصرها المهملة والسرّية وسحبها إلى بساط آخر، لعل السرد هو محركه الإيقاعي. تقول سمر عبد الجابر: «ثمة حياة في الأشياء المكسورة أحياناً كما الخزانة التي فقدت بابها من فرط ما تأرجح»، فيما تغامر نوال العلي في اختبار لغة سرديّة وحشية في اللعب على مفردات الضجر والفقدان والوهم بخفة الكائن الجوّال والعابر من دون يقين «ليس لك يد فألمسها، ولا حضن فأجلس فيه، ولا حضور فأملأه، ولا غياب فأحفظه. ليس لي إلا أن أغفو، أراك تتنهد ولا يمكنني سماعك». أما داليا رياض فتشتبك مع المنفى من موقعٍ مغاير. الوطن بالنسبة إليها مجرد ورم خبيث، بينما ينشب شجار بين زجاج النوافذ والقنابل، ويصير الوطن في نهاية المطاف، قارّة من الألم، واسماً مستعاراً ومسروقاً. لينا الطيبي لم تغادر منطقتها الأثيرة في ما أنجزته في حقبة سابقة لجهة اقتفاء أثر ذات محزونة وعزلاء، على حافة الانهيار «لو أن طائراً يخفق الآن، في هذه الغرفة، لو أن كأساً ينكسر». من جهتها تؤسس هالا محمد للضربات القصيرة في اقتناص لحظة هاربة محمّلة أسئلة وعلامات استفهام على حبال الزمن الضائع: «خائفة حيث لا أثر لي، أرجوك ناولني بعض الأغراض المبعثرة بقربك. فقط لأبعثرها بقربي».
الاخبار
الثلاثاء ١٤ تشرين أول ٢٠٠٨
****
شاعرات عربيات
(بانة بيضون)
في دمشق مدينة الحب والياسمين وعاصمة الثقافة الأبدية، عاش جمهور الشعر على مدى يومي 10و11 تشرين الأول 2008 حلماً شعرياً من نوع خاص في دار الفنون- تياترو، صاغ هذا الحلم الشاعرة السورية هالا محمد التي جمعت لأول مرة شاعرات عربيات في دمشق.
أشجان الهندي من السعودية، ونجوم الغانم من الإمارات، وبروين حبيب من البحرين، وداليا رياض من العراق، ووفاء العمراني من المغرب، وفاطمة قنديل من مصر، ونوال العلي من الأردن، وسمر عبد الجابر من فلسطين، وبانة بيضون ولوركا سبيتي من لبنان، لينا الطيبي وهالا محمد من سورية، اثنتي عشر شاعرةً، ألقين ثلاثاً وخمسين قصيدة، بحضور ما يزيد على الستمائة شخص على مدى أمسيتين جعلوا من فضاء بيتٍ دمشقي عتيق قصيدة تستعير مفرداتها من الجمال والحب والحياة كما قالت الإعلامية هيام حموي.
«اكتشف سوريّة» تابع وشارك في إعداد هذا الملتقى-القصيدة، ورصد عدداً من الانطباعات والآراء للحضور، وللشاعرات اللواتي كانت زيارتهن إلى دمشق بمثابة سياحة ثقافية أطلعوا فيها على الحركة الثقافية في سورية، من خلال لقائهم بجمهور مدينة هي عاصمة الثقافة العربية لهذا العام 2008، وزيارتهن لمراسم مجموعة من الفنّانين التشكيليين في البلاد: ياسر حمود، وريما سلمون، وأحمد معلا، وصفوان داحول.
نبدأ بالشاعرات: رأيهم بفكرة الملتقى، انطباعاتهم عن جمهور دمشق، وطبيعة أعمالهن الشعرية.
***
(وفاء العمراني)
الشاعرة اللبنانية بانة بيضون علّقت على فكرة إقامة ملتقى للشعر النسائي بقولها: «اعتقد أن المقصود بالشعر النسائي تصنيفٌ ليس له علاقة بالجنس، وإنما بحساسية شعر المرأة، والذين حضروا في هذا الملتقى لمسوا هذا الشيء»، وأضافت: «أهمّ ما في هذه التجربة أننا شاعرات من بلدان عربيّة متعددة وننتمي إلى أكثر من جيل ومدرسة شعريّة، موضوعاتنا متنوعة، وكذلك هواجسنا، هذا الملتقى يحمل في طياته الكثير من التنوع فليس هناك شاعرة تشبه الأخرى، وفيه أيضاً الكثير من الحميمية فنحن كشاعرات اجتمعنا معاً لأول مرة خارج عزلتنا في مكان واحد، لنقدم في ذات الملتقى قصائد تشبهنا، ولنتعرف على بعضنا البعض أكثر مما يغير في الأفكار المسبقة عن تجاربنا الشعرية، أنا من الشاعرات اللواتي أغرتهم هذه التجربة في استكشاف أشياء مختلفة على مستوى الشعر».
***
(فاطمة قنديل)
وقالت عن الجمهور: «إنه مستمعٌ جيد جداً ومثقف بشكلٍ واضح، وتجربة إلقاء الشعر أمام جمهور بهذا المستوى لم أجربها في مكان آخر ولن أنساها لأنها أثارت إعجابي بشكلٍ كبير، ولا يمكن مقارنتها بتجارب الإلقاء السابقة التي اعتدنا على تقديمها أمام شعراء مثلنا، هذا الجمهور يستمع لغرض التذوق وليس الانتقاد أو التنظير وهذا في غاية الأهمية».
وختمت بالقول:«ما ألقيته من قصائد يعكس تجربتي الشعرية التي ترتكز على الذاتية، التي أنطلق منها إلى الأشياء الخارجية في بناءٍ مشهدي يشبه السينما وحياة المدينة إلى حدٍ بعيد».
أما وفاء العمراني من المغرب فكان لها رأيها الخاص في هذا الملتقى، الذي لم تُقاوم إغراء المشاركة فيه «هذا اللقاء بديعٌ. صحيح أنه لا يدخل ضمن قناعاتي، فأنا أؤمن بأن الشعر والفن هو المجال الوحيد لتلاقي الأصوات، وليس هناك إبداع نسائي وآخر رجالي، بل يوجد أدبٌ جيدٌ وآخر رديء، لكن وجودي اليوم في هذا الملتقى ليس خيانة لمبادئي، ولكنه تحية وتثمين لمجهودات هؤلاء النساء اللواتي اقتحمن مجال الكتابة وأنا أعرف مدى وعورته بالنسبة للنساء، وقد اختبرتها على مدى ثلاثين سنة»، ولخصت تجربتها الشعرية بالقول: «قصائدي فيها نوعٌ من الفلسفة وتلامس الفكر الصوفي، وقد اخترت نصوصاّ تلائم حضرة هذا اللقاء، نصوصٌ فيها أنوثة».
الشاعرة الفلسطينية الشابة سمر عبد الجابر عبرّت لنا عن سعادتها بالمشاركة في هذا الملتقى قائلة: «هذه المرّة الأولى التي أشارك في هذا النوع من الملتقيات، هذه تجربةٌ مهمة جداً بالنسبة لي، وأتمنى تكرارها في الأعوام القادمة، حاولت أن أقدم في هذا الملتقى قصائد فيها نفَس شعري مختلف، أنا عموماً أكتب قصائد فردية ذاتية، وأي شيء عندما ينطلق من الذات يكون صادقاً، أرجو أن يكون هذا الصدق وصل إلى الناس».
وكذلك فاطمة قنديل كانت سعيدة أيضاً بمشاركتها في ملتقى شاعرات عربيات، حيث قالت لـ« اكتشف سورية»: «أنا سعيدةٌ جداً بهذا الملتقى الذي يعبر عن رؤية ثقافية واضحة للقائمين عليه، هالا محمد لم تجمع فقط شاعرات وإنما تيارٌ شعري جديد تمثله شاعرات من أجيال مختلفة، اختارت مجموعة من الشاعرات اللواتي لا يحببن تكريس قصائدهم إعلامياً، ويتعاملن مع الكتابة كفنٍ حقيقي. أسعدني هذا الملتقى كثيراً لأن وراؤه ثقافة».
الشاعرة قنديل أسعدها حال الثقافة السورية أيضاً وعبرّت لنا عن ذلك بقولها: «ما لمسته في زيارتي الحالية إلى دمشق أنه يوجد اهتمام كبير بالثقافة في سورية، أنتم تعيشون حالة ثقافية مزدهرة، في حين أننا بدأنا نفقد الإحساس بإزدحام جمهور الأنشطة الثقافية بالقاهرة. حضرت بالصدفة افتتاح معرض الفنّانة التشكيلية سارة شمة، ولاحظت تدفق الجمهور على هذا المعرض الأمر الذي منحني شعوراً طيباً لم أحس به منذ فترة طويلة، يعادله شعور الانبهار بجمهور دمشق الشعري الذي حضر أمسيتي الملتقى، لقد كنت فعلاً في غاية الاستمتاع».
و أخيراً وضعتنا الشاعرة هالا محمد في أجواء الملتقى منذ البداية «أطلقنا هذه الفكرة منذ عام تقريباً، كنّا مجموعة أصدقاء افتقدنا إلى مساحة من الشعر في مدينة دمشق، فأطلقنا هذا الملتقى تحت عنوان "48 ساعة شعر"، ثم أردنا لهذا الملتقى أن يحتضن لأول مرّة مجموعة من الشاعرات العربيات في دمشق"».
***
(هالا محمد)
وعن آلية انتقاء الشاعرات قالت: «عملنا على بحثٍ كبير عن أسماء جديدة، وانصب بحثنا بصورة أساسية على الشعر أكثر من أسماء الشعراء المعروفين الذي اعتادوا على المنابر، واعتادت المنابر عليهم، بحثنا عن جديد الشعر في الوطن العربي، ووفقنا في جمع شاعرات شابات عندهن لغة شعرية تعبر عن جيلٍ شعري جديد، قوي، تأملي، ومساحة تفكيره واهتماماته الفلسفية والحياتية عميقة، وجريئة ومستقلة عن الكليشيهات المعروفة، شاعرات شابّات يبحثن عن رؤية خاصة بهن، تخص الشباب، وتستشرف المستقبل، مستقبل بلادنا وشعرنا العربي، وبالإضافة إلى سمر عبد الجابر، وبانة بيضون، ونوال العلي، ولوركا سبيتي، استضفنا نجوم الغانم، ولينا الطيبي، وبروين حبيب، وأشجان الهندي، ووفاء العمراني، وفاطمة قنديل، وهن أسماء قوية في عالم الشعر، لكن معظمهن لسن شاعرات منابر، لكنهم ينتقون الأماكن التي يذهبوا إليها، وعندما يحضرن يحضر صوتهن الشعري الخاص».
وختمت بالقول: «التنوع والمزج بين الأصوات الشعرية كان رغبة حقيقية بالنسبة لنا، تحققت من خلال جهد حقيقي لمجموعة أصدقاء منهم رحاب الناصر، وهيثم حقي، وأسامة محمد، وخالد خليفة، وغيرهم كثيرون ممن تبنوا معنا هذه الفكرة التي دعمتها دار الأوس للنشر الراعي الحصري للملتقى، وصمم البروشورات الفنّان أحمد معلا، وقدمت الملتقى بكل حب الفنانة أمل عرفة والفنان غسان مسعود، وصمّم الإضاءة الفنّان عبد المنعم عمايري، هكذا بدأت الفكرة، هكذا نُفّذت، واعتقد أنها نجحت على الأقل من خلال الحضور الكثيف لجمهور نوعي لا يصفق لأي سبب، لكنه صفق كثيراً في هذا الملتقى الذي يمكن اعتباره مصالحة مع النفس، في مواجهة حالة الانحسار الثقافي التي نعيشها. لدينا رغبة حقيقية في الاستمرار وأرجو أن تتطور الفكرة على مدى الأعوام المقبلة».
بعد أن رصدنا انطباع عدد من الشاعرات، كان لنا وقفة مع آراء مجموعة من الحضور الذي اتسم بسوية عالية من التذوق وبشهادة الشاعرات أنفسهم، ولكن قبل أن ننقل أراء الذين التقينا بهم من الحضور، سنتوقف عند انطباع السيدة رحاب الناصر -مديرة دار الفنون-، المكان الذي انعقد فيه الملتقى، سألناها كيف وجدت نتيجة تحضيرات ثلاثة أشهر، وهل تغري بالمزيد؟ أجابت السيدة رحاب: «مستوى الحضور كان مدهشا وعلى مدى يومي الملتقى، في كل يوم حضر ما يزيد على الثلاثمائة شخص، أنا سعيدةٌ بأن لدينا جمهور ما زال يتذوق الشعر، أنا سعيدة بنجاح هذه الفكرة التي أطلقتها الشاعرة هالا محمد، وحضرنا لها لفترة طويلة بجهود العديد من الأصدقاء، واحتضنتها دار الأوس للطباعة والنشر، واعتقد بأن هذا النجاح يمكن أن يوحي لنا بالعديد من الأفكار الجديدة طالما أن هناك من يدعمنا معنوياً ومادياً، أنا سعيدة جداً بكل هذا الحب، بكل هذا التعاون، سيكون لدينا ملتقيات كثيرة من هذا النوع، هناك المزيد من "48 ساعة شعر"».
عن الملتقى قال لقمان ديركي: «فكرة الملتقى الشعري جيدة جداً، خاصة وأنها المرة الأولى التي تحتضن فيها دمشق مثل هذا النوع من الملتقيات، ومن المهم استمرار هذا الملتقى بعناوين مختلفة. أنا أعرف معظم الشاعرات اللواتي شاركن في هذه الأمسية مثل لينا الطيبي، ونوال العلي، وداليا رياض، وما أسعدني مستوى التطور الذي لمسته في تجربتهن الشعرية، هذا التطور يُشعرني بالمزيد من الأمل إزاء مستقبل الشعر، هذا بالنسبة للشاعرات الشابات والأمر ينطبق بالتأكيد على بقية الأسماء المشاركة المعروفة».
أما الصحفي راشد عيسى من جريدة السفير اللبنانية، فقد شكر كل من خطط وأدار ونفّذ هذا الملتقى قائلاً: «البعض اعترض على هذا الملتقى لأنه يصنف الشعر على أنه نسائي أو رجالي، فإما أن يكون الشعر أو لا يكون، لكنني أرى في هذا الملتقى الكثير من الخصوصية، ربما يكون مستوى المشاركات متفاوت، لكنني لمست بشكل شخصي بعض الأصوات الشعرية في غاية الألق مثل بانة بيضون وداليا رياض ونوال العلي التي تميزت بإلقائها المسرحي الطابع، وهناك ميزة في معظم ما تمّ إلقاؤه من قصائد إنه شعر للقراءة فقط وليس للسمع، ومن الصعوبة بالنسبة لجمهورنا أن يتفاعل مع هذا النوع، لكن الجمهور قال كلمته من خلال الإقبال الكثيف وعلى مدى يومين، أنا أحيي هذه التظاهرة لأن التنوع مطلوب في حياتنا الثقافية، ومن المهم أن نتعرف على أصوات لم نعرفها من قبل».
الفنّانة السورية سلافه عويشق، رأت في هذا الملتقى أساساً جيداً يجب أن يبنى عليه لإطلاق مشاريع ثقافية ذات سوية عالية،وأضافت «أهمّ ما في هذا المشروع-الملتقى، أنه قام على فكرة الحب، الحب للشعر وحب اللقاء، وأنا مع فكرة أن يكون مُكرّساً للنساء لأن الشعر النسوي فيه خصوصيةٌ، إذ لا يمكن أن ننكر خصوصية تجربة المرأة في التعاطي مع الشعر والرواية والقصة وسائر أنواع الفنون والآداب. فكرة الملتقى جميلة جداً ومبتكرة، يكفي أنها مناسبة جمعتنا لنتعرف أكثر على بعضنا البعض، ولنرى شاعرات لم يسبق لنا معرفتهن من قبل وها نحن اليوم نتذوق شعرهن، كما تبرز أهمية الملتقى في كونه يعتمد على النشاط التطوعي بصورة رئيسية، وهذا في غاية الأهمية وله دور كبير في تنشيط الحراك الثقافي في البلد، وإقامة بنى تحتية لمشاريع ثقافية قائمة على التطوع، وعدم انتظار الغير للقيام بنشاط ثقافي نحبه ونحتاجه في آن معاً. نحن دائماً بحاجة إلى نشاطات أهلية الهوية طوعية الشكل وثقافية الهدف».
ونترك الانطباع الأخير للإعلاميّة هيام حموي مديرة برامج إذاعة «شام إف إم» التي كان لها اهتمام خاص بهذا الملتقى. قالت هيام: «بحكم المهنة، وبحكم صداقتي لعددٍ كبير من الشاعرات المشاركات، كنت سعيدة، على الصعيدين المهني والشخصي، بمتابعتي لهذا الملتقى، وقد اخترنا في إذاعة "شام إف إم"، أن نقدم نماذج من إبداعهن بأصواتهن، وهو عنوان الفقرة الإذاعية التي كانت تبدأ بتعريف موجز عن كل شاعرة وقصيدة تختارها لتؤديها بصوتها».
و تضيف «سماع شعرهن بأصواتهن على الإذاعة، إضافةً إلى حضورهن المتألق على المنصة في دار الفنون، أعطى انطباعاً بوحدة الهمّ والمعاناة الأنثوية والإنسانية بالرغم من تنوع التجارب، من بلد إلى بلد، وقد تميز البوح الشعري بالصراحة، بالجرأة، بالصدق، وبالموهبة الخاصة لكل منهن، وجدت أن كل شيء كان مدهشاً بمفرداته وبجماليته، المكان بعبق تراثه الدمشقي، والزمان من حيث تكثيف مدة الملتقى في 48 ساعة، حضور الموسيقى والفن التشكيلي والنجمين أمل عرفة وغسان مسعود، وكل هذا الجمهور الباحث عن اكتشاف جماليات جديدة، وما أكثر الأمسيات التي حضرتها في السنوات الأخيرة وكان الجمهور مقتصرا فيها على بعض الصحفيين المجبرين على المتابعة».
و تكمل هيام «أمام فرح الشاعرات بوجودهن معا وفي دمشق، سمعت تعليقاً من أحدهم يتساءل فيه "ترى لو جمع الملتقى اثنا عشر شاعراً رجلاً، هل كان يمكن أن تبدو الأمور بمثل هذا الألق والحميمية؟"، أترك لكم مهمة الإجابة عن هذا التساؤل وأستوحي من تاريخ بداية الملتقى أي العاشر من تشرين الأول لأقول للمنظمين 10 على 10».
****
ملتقى «48 ساعة شعر»
حباً بالمذكر واختيالاً بالأنثى
(شاعرات عربيات)
أمسيتان شعريتان في ليلتين، أحيتهما اثنتا عشرة شاعرة قدمن إلى دمشق من بلدان عربية مختلفة ليعلنّ انطلاقة تظاهرة ثقافية شاء منظموها أن يسموها ملتقى «48 ساعة شعر»، على أمل أن يتحول تقليداً سنوياً بعيداً من الطابع الرسمي، الدعائي، وقريباً من نبض الثقافة المحلقة خارج المنابر المكرّسة، والملتصقة بالحياة العارية بكل صخبها وهمومها وأسئلتها. «قلتُ سأجرح هذا الصمت بقليل من الشعر. طيَّرتُ ما أملك من عتاد، ريشة... فكرة! فنفخ عليها الأصدقاء، لتعلو... لتعلو»، هكذا تفصح الشاعرة السورية هالا محمد عن كيفية ولادة هذا المشروع الثقافي الطموح الذي احتفى بقصيدة النثر المكتوبة تحديداً بقلم الأنثى.
وحين نقول «قلم الأنثى» فان ذلك يفتح الباب واسعاً أمام سجالات حادّة شهدتها الساحة الثقافية العربية، لكن الملتقى لم يخض في الجدل الدائر حول الكتابة النسائية، والفروق بين هذه الكتابة وتلك التي يكتبها الرجل، ولم يثر في الأمسيتين أي حديث يشير إلى بحث الأنثى عن مشروعية لها، ولكتابتها، ضمن «الثقافة الذكورية الطاغية»، بل، على العكس، جاء الاختيار «حباً بالمذكر واختيالاً بالأنثى» كما عبرت هالا محمد، ومثل هذا التعبيرالمهذّب والمهادن، لا يهدف إلى تكريس تلك المقولات النمطية في شأن الكتابة النسائية بقدر ما يطمح إلى إلغاء مفهوم النسوية الضيق الذي يقدم المرأة ككائن يرفض نسويته الناقصة، لكي يقتدي بالند الضد الكامل؛ الرجل.
ثمة نقادٌ كثر قاربوا هذه الإشكالية لعل أبرزهم الناقد السعودي عبد الله الغذامي، والمفكر السوري جورج طرابيشي وسواهما، وبمعزل عما قيل وكتب في هذا السياق، فان ما حاول الملتقى توضيحه هو الإشارة إلى أن الحالة الطبيعية هي التي تعيش فيها المرأة أنوثتها بحرية وثقة، ليس فقط في الحياة بل كذلك في الكتابة، وان تكون شريكاً للرجل لا خصماً له.
ولعل الشاعرات، المنتميات إلى أجيال شعرية مختلفة، ويمتلكن تجارب شعرية متباينة، ويعشن في جغرافيات متباعدة في العالم العربي، اللواتي جئن كي يعشن الشعر في كل لحظة على مدى الـ 48 ساعة من فعاليات الملتقى، عَبّرن عن هذا المنحى، المنحى الذي يؤكد بان جنس الكاتب، سواء كان ذكراً أم أنثى، لا يشكل معياراً لجودة النص.
ولئن سلمنا بذلك، فيمكن القول، عندئذ، بأن الشعر رقيق، ولطيف، وعذب في طبيعته، وتلك صفات تليق بالأنثى التي ستسربها، لدى الشروع في التدوين، إلى قصيدتها! لكن الأكيد أن ثمة معايير نقدية كثيرة لتقويم النص الإبداعي ليس بينها، بأي حال، معيار جنس الكاتب، وإذا كانت الناقدة البريطانية فرجينيا وولف قد طالبت، قبل نحو قرن، بـ «غرفة خاصة بالمرء وحده»، ورأت أن اتساع رقعة التجربة يؤثر في طرائق الكتابة ومضامينها، وهي هنا كانت تلمح إلى ضآلة تجربة المرأة المبدعة في الحياة قياساً إلى التجربة الواسعة للرجل المبدع، فيبدو أن الأحوال قد تغيرت مع مطلع الألفية الثالثة، بدليل أن الشاعرات المشاركات في هذا الملتقى حصلن في غالبيتهن على أعلى الشهادات من جامعات غربية، وبينهن من نهض بمشاريع ثقافية مثل السورية لينا الطيبي، وأخريات أنجزن أفلاماً سينمائية، وعملن في مجال الإعلام والتلفزة مثل البحرينية بروين حبيب التي تعمل في قناة دبي، وهالا محمد التي درست السينما في باريس وحققت أفلاماً لقناة الجزيرة، وكذلك الشاعرة الإماراتية نجوم الغانم التي درست السينما والتلفزيون في استراليا والولايات المتحدة الأميركية، والشاعرة السعودية أشجان الهندي الحائزة على الدكتوراه من جامعة لندن، والمغربية وفاء العمراني التي تعمل مستشارة ثقافية في سفارة بلادها في دمشق، وقد أصدرت دار «الأوس»، التي رعت هذا الملتقى، كتاباً يضم السير الذاتية للشاعرات المشاركات مع مختارات من قصائدهن.
تداخلت أصوات الشاعرات، وتزاحمت في فضاء «دار الفنون-تياترو» وسط دمشق، في طقس حظي باهتمام المشرفين، فبدا وكأنه عرض مسرحي تضافرت عناصره ومفرداته لتنتصر للشعر، لوحات تشكيلية مضاءة في عمق الخشبة، أنامل العازفة رهف شيخاني تتراقص على آلة الهارب لتواكب بعزفها إيقاع القصائد، إضاءة الفنان عبد المنعم عمايري تصوغ حواراً أليفاً بين العتمة والنور. منصةٌ خالية من الصور والخطابات والشعارات تستقبل الشاعرات، اللواتي قدمهن للجمهور الفنان غسان مسعود والفنانة أمل عرفة، بلا بهرجة زائدة، وكأن ثمة تحالفاً خفياً ربط بين الجميع، ضيوفاً ومنظمين، وجمهور، يقول إن الشعر وحده كفيل بأن يصنع ربيعاً في خريف المدينة المختارة عاصمة للثقافة العربية في السنة الجارية، وقد خلا الملتقى من أية إشارة إلى هذه المناسبة.
هل يمكن أن نتبين قواسم مشتركة بين اثنتي عشرة شاعرة قادمة من مرجعيات وأجيال مختلفة، ولها اهتمامات ورؤى وأساليب متنوعة؟ بعض هذه الأصوات حقق حضوراً واسعاً على المستوى العربي، وربما العالمي من خلال الترجمة، وبعضها طازجٌ جديد، وعلى رغم هذه التباينات، والتمايزات، فإن الملاحظة الأبرز تمثلت في الابتعاد عن القضايا الكبرى المثارة في العالم العربي، فالشاعرات المشاركات نأين بقصائدهن عن الحروب والصراعات والنزاعات المحتدمة في المنطقة، ما عدا العراقية داليا رياض، ورحن يصغين إلى صوت أوجاعهن الصغيرة، وهمومهن اليومية، وأحلامهن المؤجلة.
قصيدة نثر مغلفة بقليل من الغموض، عابقة بالأمل، تلوذ بها الأنثى الشاعرة كي تجهر بالمسكوت عنه، وتعبر عن غليان روحها وانفعالاتها على الصفحة البيضاء. فالمرأة، ومهما حققت من حضور، ونالت من امتيازات، تظل متوجسة من الحديث الصريح أمام الأهل والأصدقاء، فتلجأ، آنئذ، إلى بلاغة الشعر، وتحتمي ببيوت من ورق وكلمات تودعها الأسرار والأماني.
أصوات شعرية خافتة تسرد، بنبرة رومنطيقة، قصص الحب والحنين واللوعة والفراق والفرح والانكسار والحيرة والقلق، وتبوح بمكنونات الأنثى على نحو جريء حيناً، كاللبنانية لوركا سبيتي، وتارة في شكل موارب؛ غامض، كالبحرينية بروين حبيب مثلاً، وفي تارة ثالثة تأتي القصيدة شفافة؛ تهفو كالفراشة، إلى معانقة الضوء كالسعودية أشجان الهندي، والسورية لينا الطيبي.
إلى جانب ذلك حضرت أصوات سعت إلى التقاط اليومي والعابر عبر التكثيف والإيجاز، فتحولت ألفة اللحظات ورتابتها إلى قصيدة تختزل رحابة الحياة في جملة قصيرة؛ دالة كالسورية هالا محمد، والمصرية فاطمة قنديل، وثمة قصائد متواضعة لا تستحق وضعها في خانة القصيدة، فقد جاءت اقرب إلى الخاطرة الأدبية، أو إلى رسالة عشق مرتبكة إلى حبيب غائب.
11/تشرين الأول/2008
***
أمل عرفة: خطوات باتجاه الأجمل
جمهورٌ غاية في الخصوصية والرغبة في السمع والإصغاء
للشعر حالةٌ قدسية شديدة الرهافة والحسّ، ومذهلة في قدرة اختزال الحياة وأشكالها وتحويلها إلى رنات وإيقاعات موسيقية متباينة ومختلفة، عبر صياغة اللغة للكلمات والصور، تكاد تبدو الحالة سحرية، عندما تنقلنا من الأرض إلى أرض أخرى، وخصوصاً عندما يرافق الشعر آلة موسيقية تلازمت في أذهاننا مع أنثى الأساطير.
شموعٌ تضاء هنا وهناك، ومكانٌ ولا أجمل «تياترو»، وجمهورٌ غاية في الخصوصية والرغبة في السمع والإصغاء، واثنتي عشرة شاعرة جئن من كافة أرجاء الوطن العربي ليقرأن أشعارهن على أسماعنا، من قلب دمشق النابض بالحب والدفء، وصمت ليل دمشق الخجولة.
هذا ما حدث عبر ليلتين، تواصلت فيهما فعاليات ملتقى الشاعرات العربيات الأول، تحت عنوان «48 ساعة شعر» يوم الجمعة و السبت 10و11 تشرين الأول.
طلبت مني الصديقة والشاعرة هالة محمد، وهي صاحبة الفكرة الأساسية للمشروع، أن أقدّم الشاعرات، فلم أتردَّد في الموافقة، لاسيما أنَّ الفكرة شغلتني، وزاد حماسي أني سأعتلي الخشبة بمرافقة قامة فنية وثقافية أحترمها كغسان مسعود.
ما أريد قوله ليس فقط الحديث عن هذه الفعالية، رغم أني هنا أسجل إعجابي بها، لكني أيضاً أريد تسجيل إعجابي واعتزازي بأية فعالية ثقافية تطلق بشكل خاص عبر مجموعات تعنى بشأن الثقافة، ولا تبحث عن ربح مادي، بل عن التأكيد على حضور الشأن الثقافي والإمكانيات الهائلة التي تستطيع الثقافة أن تغيّر عبرها وجهة نظر أو اتجاهاً فكرياً أو اجتماعياً، أو تنويراً ما في مجال ما، أو حتى ترتيباً لما يحدث في أحد الشوارع. وهذا ما حدث في «مشتى الحلو»، إحدى البقع الساحرة الموجودة في سورية، والتي تبدو وكأنها الجنة على الأرض، بطبيعتها الشديدة الخضرة والجمال، فما بالي وقد زرتها منذ أيام، ورأيت قطعاً فنية نحتها أهم النحاتين السوريين، ووزعت هنا وهناك في شوارعها، وذلك أيضا عبر نشاط حر قاده الفنان فارس الحلو، ليتحوّل مشتى الحلو إلى متحف طبيعي تتجوّل فيه لترى طبيعتين؛ واحدة في جمال الطبيعة الإلهية، وأخرى الطبيعة المصنوعة، وغير المفبركة، والمتجلية في فنّ النحت وحجم التعب والجهد والحرص والالتزام الذي لابدَّ وأن يشعر به كل من يمر من هناك، عندما يلمس حالة الجمال بعينيه وروحه، ليشدّ على أيادي من أضافوا على جمال المكان جمالا من نوع آخر، فبدا لي أيضاً شعراً، وذلك كله عبر ملتقى النحاتين السوريين.
لعمري، ظاهرتان كهاتان الظاهرتين اللتين شهدتهما بأم عيني، لجديرتان بأن نصفق لهما طويلا، وأن نتمنى ألا تتوقف تلك النشاطات، لكي تكثر أيادي المثقفين السوريين الممتلئين حباً لسورية ولأرضها ولتاريخها أيضاً؛ فكلّ منا مسؤول من موقعه، وما أكثر ما يحبطني أن أسمع تعليقاً لأحد ما يجهض فرحتي بهذه الفعاليات أو يحبط القائمين عليها والمتحمسين لها. ولعلَّ ما يؤلم أكثر أن يكون هذا التعليق صادراً عن أحد يعتبر نفسه مثقفاً، يلقي بجوهرته رأياً ساخراً على مسمع الآخرين؛ فقط بهدف تحقيق فتور مشروع، من شأنه أن يدير موجة الضوء من السلبي، لينير الإيجابي بكل المقاييس التي تتضافر الجهود لإنارته.
أريد أن أختم لأقول إنَّ فناً دون مشروع ثقافي ليس بفن، وحضارة دون مشاريع ثقافية ستبقى مدناً وخرائط دون تاريخ، ولن تنتج سوى شعوباً دون ذاكرة ودون مسؤولية ودون وعي وحرص على التطور إنسانياً.
وأعاود تسجيل إعجابي بكل سوري يتدفق حباً لبلده، ويقدّم ما لديه من مخزون ثقافي لشأن التطور بكافة أشكاله وصوره ومقاييسه، الجمال!!! إنَّ الله يحب الجمال.
12 تشرين الأول/2008
***
شـاعرات عربيـات« فـي دمـشق
الشــعر ينافــس الأنوثــة
جوبه »ملتقى شاعرات عربيات، ٤٨ ساعة شعر«، الذي أقيم في دمشق أخيراً بتدبير من الشاعرة السورية هالا محمد ومديرة دار الفنون رحاب ناصر، باعتراضات هامسة شتى، أبرزها نظرَ إلى الملتقى كنوع من (حَرَمْلِك) شعري، وقد زاد من حدة هذه النظرة أن كثيراً من الأصوات المشاركة كانت تفتقر إلى نضج في التجربة الشعرية، وتراوحت بين بلاغة منبرية، كما لدى السعودية أشجان الهندي، وبلاغة حسيّة ألهبت مخيلة المتفرجين (بالمعنى الحرفي لكلمة المتفرجين)، كما لدى اللبنانية لوركا سبيتي، وقد بدا ال CV المرافق لقصائدها فاتناً هو الآخر (والذي يقول إنها تنقلت بين التربية البدنية والرقص والفلسفة، والشعر طبعاً). الانتقاد الآخر، وهو يرافق كل نوع من هذه الفعاليات بشكل دائم، يتعلق بالتمثيل؛ من يمثل هذا القطر أو ذاك شعرياً، كما لو كان الملتقى الشعري نوعاً من جامعة دول عربية. لكن الملتقى نجا بجلده بنزع أل التعريف من اسمه، فظلت الشاعرات »شاعرات عربيات« وحسب، من دون أي ادعاء آخر.
اكتشاف الملتقى
من الواضح أن الملتقى لم يراسل وزارات الثقافة العربية، ولذلك جاءت الشاعرات غير رسميات، وهذه هي ميزة الملتقيات الخاصة المستقلة التي تبحث في ما وراء الرسمي والمكرس، الاختيار جاء نتيجة جهود خاصة وذائقة شخصية (أو أكثر) اختارت لينا الطيبي (سورية)، نجوم الغانم (الإمارات)، داليا رياض (العراق)، بانة بيضون (لبنان)، نوال العلي (الأردن)، أشجان الهندي (السعودية)، وفاء العمراني (المغرب)، فاطمة قنديل (مصر)، سمر عبد الجابر (فلسطين)، لوركا سبيتي (لبنان)، بروين حبيب (البحرين)، وهالا محمد (سورية). تقول هالا محمد: »كانت الرغبة في أن نأتي بشاعرات وأسماء جديدة غير مكرسة. كان واحداً من هموم الملتقى أن يعطي فرصة القراءة لأصوات لم تطل على الجمهور من قبل، هكذا اختيرت سمر عبد الجابر، التي تقف لأول مرة في حياتها على المنبر، وبانة بيضون التي تأتي إلى سورية للمرة الأولى. كنا نطمح أيضاً إلى وقوف أجيال بعضها إلى جانب البعض الآخر، كما وقفت نجوم الغانم إلى جانب سمر عبد الجابر«.
اللافت، بل المدهش في الملتقى جاء بالضبط من الأصوات الجديدة. نعرف أن كثيراً من الكتابة ليس للمنبر، والمنبر قد يضفي حُسناً لا نجده في الكتابة، أو يخرّب ما هو حَسن. الأصوات الأبعد، الهامشية كانت الأكثر حظوة بالإعجاب: داليا رياض، بانة بيضون، سمر عبد الجابر، ونوال العلي. وسوى الأخيرة، التي أطلت بثقة وخبرة واضحة مع المنبر، وقارب أداؤها شكلاً مسرحياً أكثر من كونه مجرد إلقاء، فإن الثلاثة الأخريات كان لهن إطلالة مرتبكة، خجولة، إطلالة أنثوية بحق، ولكنها إطلالة شعر قبل كل شيء، والعودة إلى الديوان الذي أصدرته »دار الأوس«، راعية الفعالية، وجمع بعضاً من قصائد الشاعرات، تؤكد ولا تنقص من مواهبهن. ذلك لا ينتقص طبعاً من تجارب معروفة كتجربة المصرية فاطمة قنديل والسورية هالا محمد، لكنّا نحسب أن الشابات الثلاث هن إنجاز الملتقى واكتشافه.
لمسة إخراجية
من يزعل إذاً حين يفتح شباك، نطلّ منه (لا نتلصص) على أشعار (لا أسرار) النساء؟ في ملتقى يضيف لمسة إلى المشهد الثقافي في سورية، وربما في الوطن العربي مستقبلاً؟ إن التفاف الجمهور حول الملتقى، وقد كان جمهوراً نوعياً بالفعل، يؤكد هذه اللمسة التي يحتاج إليها المشهد. مع إعداد متقن للفعالية التي حظيت ببيت شاميّ قديم جميل يحتضنها، وبعازفة هارب (رهف شيخاني) زاد حضوره (الهارب) وحضورها من حلاوة الأمسيات، إلى إخراج وطقس إضاءة لطيف (صممها المخرج عبد المنعم عمايري).
يبقى أن عنوان الـ»٤٨ ساعة شعر« ظل ناقصاً، بالنسبة إلى الجمهور على الأقل، الذي كان من المفيد أن يستفيد على هامش الأمسيات، من ندوات ونقاشات حول الشعر والقصائد المشاركة وغيرها. ومفيد أيضا إلقاء نظرة على المشهد الشعري في سورية، وقد رحنا نتذكر بالفعل أصواتاً شعرية عديدة في سورية كان يمكن أن يكون لها حصة موازية في مشهد الشعر. سوى أن إذاعة »شام MF « النشطة ساهمت في الحدث على طريقتها، وملأت فراغاً في الـ »٤٨ ساعة« حين سجلت وبثت لكل شاعرة قصيدة.
الحياة