(لا حميمية بين الشخص ونفسه.. كأن واحدهم يعيش في أجساد من هم حوله)
تعرض غاليري «دوبوا» الباريسية أعمالاً لعشرة مصورين معاصرين من الهند اختارهم المصور الفرنسي فابيان شاريو الذي يعيش هو أيضاً في الهند.
عشر نظرات هندية تمثل الهوية البصرية الجديدة لهذا البلد المدهش: الهند.
دروف داوان: مصور فوتوغرافي وسينمائي توثيقي، يعيش ويعمل في دبي. في بحثه عن الناس النائمين في الشوراع، يُدرك مدى حساسية مثل هذه المواضيع: «رغم أن صور هذا الموضوع جميلة، فإن واقعها مغاير. النوم العميق حاجة طبيعية للبشر، عنونت مشروعي «مومباي: المدينة التي لا تنام أبداً» لأن أهلها لا يعرفون أبداً النوم المجدِّد لنشاطهم. بين الشاحنات وسيارات الأجرة التي تمر كالإعصار على مسافة سنتمترات منهم وهم مستلقون والجرذان التي تعض أصابع أرجلهم. يعتبر النوم في بومباي فعلاً كارثياً محفوفاً بمخاطر حقيقية« يقول داوان.
سوابان باريك: «المجتمع الهندي مفصلاً». باريك من مواليد 1966، درس التصوير الصحافي والوثائقي في «المعهد العالمي للفوتوغرافيا»- نيويورك. في مقاربته الشخصية فضّل الكاميرات الرقمية السهلة الاستعمال والتي تؤمن له السرعة والدقة في التعبير. رغم أن صوره تبدو ملتقطة بسرعة خاطفة، فإنها تُظهر تفاصيل غنية في تكويناتها وفي تأثيراتها على مستوى القراءة الخصوصية للمجتمع الهندي ويومياته. نُشرت أعماله في «تايم»، «لايف»، «بيبل»، «أميركان فوتو»، «إندبندنت»، «در شبيغل»، إيل باييس»... كان في عداد لجنة جائزة «وورلد برس فوتو» لثلاث دورات. عُرضت أعماله في الهند واليابان في2007، وفي معرض»واقعية حقاً! الفوتوغرافيا ووعد الواقعية»- ألمانيا 2004، «تايت غاليري»- لندن 2001، أما معرضه الفردي الأول «بيني وبين نفسي» فقد تنقل بين نيودلهي، بومباي وأمستردام.
بريجيش باتيل في «تداعيات الحداثة على حياة الهنود». يعيش في لندن، مستقل متخصص بالتصوير الوثائقي والصحافي. يعكس عمله الشخصي اهتماماً قوياً بالهند الحديثة وتغيراتها الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في عمق طرق معيشة مئات ملايين الهنود. هذه التقلبات تمسه حتى في هجرته من الهند في مرحلة الشباب، ما جعل من نظرته إلى هذه التحولات السريعة أكثر موضوعية. حائز على تنويهات عالمية، من بينها جائزة «بيكتيت»- 2011، جائزة «جوان واكلين»، وجائزة صحيفة الـ»غارديان»، ومنحة «الجمعية الملكية للتصوير«.
سوهام غوبتا: يعيش في كالكوتا، متخصص بالمواضيع التي توثق وتفضح اللاعدالة الاجتماعية للأطفال المحرومين والمرضى النفسانيين والمشردين. يعمل لهدف وحيد هو الشهادة على هذه المظالم في المجتمعات الحالية. ما يجعل عمله على هذا القدر من الأهمية والجاذبية هي الدوافع التي تجعله يتجول يومياً في شوارع كالكوتا لتصويرها من دون كلل.
ماهيش شانتا رام، أو مارتن بار الهند: مصور أعراس في مدينة بانغالور، تستوقفه مواضيع الحميم واليومي. ردود فعله نبيهة، يتمتّع بحس فكاهي مثل البريطاني مارتن بار. يعبّر بإحساس في مقارباته الفوتوغرافية.
براديب دالال: «استخدام الفضاء المديني وتراثه التاريخي». مهندس معماري وكاتب. مقاربته التشكيلية فريدة: يستعمل ماسحة ضوئية (سكانر)، يخلط على سطحها ويحرك صوراً ووثائق أثناء عملية المسح. عُرضت أعماله في نيويورك، سان فرنسيسكو ونيودلهي. نُشرت كتاباته النقدية ومقابلاته في «أرت وول»، «تيتشنغ فوتو»، «فيلاج فويس» و»إيغو ماغازين». حائز على دراسات عليا من «المعهد الدولي للفوتوغرافيا» نيويورك ويدرّس فيه. يعمل في مؤسسة «آندي وارهول«.
زوبين باستاكيا: تحولات بومباي. بدأ في 2006 العمل على موضوع صالات السينما في بومباي حيث يعمل. مشروعه التصويري الآخر تناول البيئة المدينية للعاصمة الاقتصادية للهند. يوجه نظرة نقدية إلى القوى التي تسبب كل هذه المتغيرات. يغطي مجال عمله مناطق النمو والركود المدنية: الشوارع الجديدة حيث مقر إقامة الفعاليات الاقتصادية ومكاتب إداراتها، والمساكن المشيدة بعد إعادة تأهيل الضواحي الفقيرة، بكل اختلافاتها. مقاربته هذه تجعل من عمله صائباً، ذكياً وشاهداً على تعلّق بمدينته بومباي.
نيل شودوري: الهنود والبيئة. فنان تشكيلي من وسائطه الفوتوغرافيا والرقمي. يستكشف العلاقات بين الأفراد وبيئاتهم في ثقافاتهم المختلفة. بعد وفاة والده الهندي الأصل، بدأ العمل على مشروع يعالج الإرث الثقافي عنوانه «أحلام يقظة هندية». نيل شودوري أستاذ مساعد ومدير برنامج التصوير الفوتوغرافي في معهد «كازينوفيا» النيويوركي. درّس في جامعة زايد بن سلطان في دبي، وفي «معهد الدراسات الإبداعية» - ديترويت، وفي جامعة «واشنطن»- سياتل. عّرضت أعماله في بلدان عديدة.
بينو بهاسكار: «البحث عن الحركة الدائمة لسكّان الحواضر العالمية»، سباق لا ينتهي وهيجان محموم يلتقطهما عمل يدرس ويحلل الإنسان المعاصر المعولم في جنونه. بينو متخصص في الفنون الجميلة والفوتوغرافيا، وفي الأدب الإنكليزي من جامعة كالكوتا.
وأخيراً فابيان شاريو، المصوّر الذي اختار هذه الأسماء وأصطحبها إلى أوروبا: تتحدد هويته البصرية من امتزاج ثقافتين فرنسية وهندية. يعيش في الهند، تراوح أعماله بين الوثائقي والبورتريه. يعتبر عن حق هجين عالمين. اعتنق ثقافة جديدة من دون أن يهجر الأخرى. يعيش في بومباي بين تماثلات وتناقضات هاتين الحضارتين الشديدتي الاختلاف. أكان في وثائقياته أو تحقيقاته أو بورتريهاته، تبقى لغته المرئية محددة بالنظرة إلى الأجساد. يستجيب، حدساً، للإمكانات اللامحدودة للأشكال التي يستطيع الجسد إبداعها. توحي صوره بحيوية خافقة، كما لو أن الألوان والأبدان والأحداث على وشك الالتحام بعضها ببعض.
يعتبر شاريو نفسه هندي الجنسية، حيث، باعتقاده، أن ولادته الثانية كمصور موضة وإعلانات تمت في الهند. ابتعد بسرعة عن الوسط المحترف ذات الجمالية «المعلبة» ليطوّر نظرته الرقيقة. مغامر مثابر على الاكتشاف، لأن الفوتوغرافيا المعاصرة في الهند مجال يتطلب استجلاء وفك رموز. كل شيء يبقى مشرعاً ومعقولاً، الوقائع كما الفكر والملاحظة. شاريو ليس مصوراً هندياً شاباً، إنه أيضاً ممثل وسفير الفوتوغرافيا الهندية الجديدة.
غاية شاريو من اختياره هذا هو التعريف بهذه الأسماء الجديدة في أوروبا وباقي أنحاء العالم، مع حرص على تجنّب الوقوع في تجاذبات سوق عالمية لا تجيد سوى فبركة الأصنام. لذلك شدّد على تفادي المعارض الفردية: «... لكي لا تكون بمثابة شجرة تحجب غابة، إنما كجمالية وإحساس، تتجسدان في معرض جماعي» يعكس غنى وتنوع هذا «الفوران» الذي يتابعه شاريو يومياً ويشكل جزءاً من تكوينه.
اختار شاريو الإقامة في الهند بعد مهمة تدريبية جامعية أثناء تخصصه في الهندسة ما دفعه إلى المجيء إليها مرات عدة، حيث تحول من مهندس إلى مصور. احتضنه البلد بسرعة، حيث المجالات أوسع مما هي عليه في وطنه الأصلي فرنسا. أتيح له أن يعيش حياة مختلفة، كانت في البداية إكزوتيكية، أما اليوم فقد أصبحت يومية عادية تربطه بموطنه الجديد الهند.
بدأ مهنته كمساعد مصور موضة هندي. يعتبر أن نظرته مغايرة لتقاليد الهند: «أصوّر المدن الصغيرة والمقاطعات حيث لا أحداث استثنائية، غير أن للناس هنا حياة رائعة بفعل ثقافتهم وطريقة عيشهم معاً ومفهومهم للصداقة والحب والجنس... وهذا مهم جداً بنظري لأشهد عليه وأوثقه«.
عن علاقة الهنود بالصورة، يقول: «إنهم معجبون بصورتهم، ويعشقون أن يتصوروا. الحميمية غير موجودة. دروف داوان مثلاً يصوّر ناس الشارع، صوره يمكن أن تسبب صدمة بالنسبة لغربي، لكنها تمثل تماماً حياتنا كما نعيشها هنا في الهند حيث لا حميمية بين الجسد وصورته. بطريقة رائعة متعاطفة، بتفكير ورقة، يصوّر دروف داوان النائمين في الشارع. الحياء هنا حاضر بقوة. في الهند يعيشون في أجساد الآخرين. بإمكان كل أفراد المنزل النوم في غرفة واحدة. النوم على انفراد هو الأمر غير الطبيعي. إنه واقع المشاركة بالنوم. الناس مقربون جداً من بعضهم البعض. هنا لا نعيش حياة وحدة. لا ثقافة صورة في الهند، لهذا السبب أعددت هذا المعرض. عملي الفكري كمصور هو الكشف عن هذه الثقافة البصرية الكامنة ومحاولة العثور على السمات المرئية الهندية، وهناك منها العديد: ألبومات الصور العائلية، مثلاً، تُعدّ أشياء قيّمة. سماتنا البصرية كمصورين هي غربية بامتياز«.
هل لاقى شاريو صعوبة في تجاوز النمطية؟: «ذلك من الصعب فعله بالنسبة لنا نحن المصورين الهنود، لأن مرجعياتنا قصوى. نشاهد الفقر يومياً كما الثراء والتطور التكنولوجي. حياتنا اليومية ليست مصنوعة من ذلك، إحساسنا هو ما يدفعنا إلى تصوير هذه المسائل القصوى. أفضّل إظهار الهند اليومية من خلال مقاربة أرق، وتوثيق للحياة العادية. أحاول الهروب من هذه الحدود القصوى، المفروضة في جزء منها بواسطة الإعلام الغربي«.
عن الحاجة إلى مثل هذه المعارض قال شاريو: «ما يغيظني هو أن كل الأنشطة السابقة كانت تكرر الأسماء نفسها. البحث عن مواهب جديدة أو محاولة فهم ما يجري في الهند هما من الأمور الصعبة. ألاحظ، أنا الذي أعيش في الهند، أنها في غليان، خصوصاً مع الإنترنت والرقمي«.
بماذا يتميّز هؤلاء المصورون الهنود؟ يجيب شاريو: «إنها طريقة اتصالهم بمواضيعهم. الناس هنا تتحاور بالقرب منك، وسرعان ما تجد نفسك شريكاً في هذا الحوار. يلتزم المصورون بسرعة فتنشأ علاقة مع الموضوع. لكل مصوري المعرض مقاربة إنسانية، ملتزمة ومتفهمة. هناك أيضاً أسلوبهم في تناول الواقع الذي يعتبرونه غير موجود. لا أحكام مسبقة لديهم، يلجون الواقع، «يعصرونه» لإدراكهم أن ما يرونه هو جزء من واقع أشمل«.
ويضيف: «لا مهرجانات تصوير في الهند، في دلهي هناك بعض المعاهد المتخصصة بالفن الحديث، وبعض الغاليريات، وقلة من المهتمين بجمع الصورة المعاصرة. تقنية الفضة إلى إنحسار، يمكن القول إنها انتهت تماماً في مجالي الموضة والإعلان، أما في مجال الصورة الفنية والحجم المتوسط فلا زالت متبعة. زوبين باستاكيا هجرها لأنه لم يعد يجد من يظهّر أفلام الفضة في بومباي«.
الفوتوغرافيا الهندية المعاصرة في طور ولادة جديدة في زمن الرقمي. يعشق الهنود الكلمة والفعل، يتكلمون، يقرأون، يكتبون، أما الصورة فأقل حضوراً في الصحافة وفي المعارض. يختم شاريو: «هناك مشكلة إمكانيات مالية، منذ عشر سنوات كانت بعض العائلات الهندية تملك كاميرات يابانية بلاستيكية وتلتقط القليل من الصور لأن ثمن الفيلم كان باهظاً، لذلك كانوا يتركونه سنة في داخل الكاميرا. اليوم بلغنا الطرف الأقصى الآخر: التصوير يومي، كل الهنود هم على الإنترنت والـ»فايسبوك». انتقلنا من ثقافة بصرية حيث كانوا يلتقطون صورة واحدة في الشهر إلى مئة. اليوم، أصبح الهندي يمارس التصوير يومياً، لقد تبدلت الثقافة البصرية تبديلاً جذرياً«.
المستقبل
الاحد 31 تموز 2011