الرياض - أحمد زين - الدمام - شمس علي
نعى الديوان الملكي السعودي الوزير والديبلوماسي والكاتب غازي عبدالرحمن القصيبي الذي توفي أمس في الرياض عن 70 عاماً، كما نعاه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في بيان أصدرته الجامعة.
وجاء في بيان الديوان الملكي: “انتقل إلى رحمة الله تعالى هذا اليوم الأحد 5/9/1431هـ معالي الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي، عن عمر يناهز (70 عاماً)، إثر مرض عانى منه طويلاً، وقد تمت الصلاة عليه بعد عصر اليوم (الأحد) 5/9/1431هـ في جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض. والفقيد رحمه الله من رجالات الدولة الذين خدموا دينهم ومليكهم وبلادهم بكل تفانٍ وإخلاص، وتقلد مناصب عدة كان آخرها وزيراً للعمل. تغمده اللّه بواسع رحمته ومغفرته، وأسكنه فسيح جناته.
والأعوام السبعون التي عاشها القصيبي قبل ان يوارى في مقبرة العود بالرياض، كانت عطاء وسهراً ومعاناة في مجالات التنمية والإدارة والإبداع الأدبي. ويعتبر القصيبي (1940 - 2010) ظاهرة في المشهد الأدبي السعودي. لم يكن فقط صاحب ديوان “الحمّى”، أحد دواوينه الباكرة الذي انتشر قبل عقود وأحدث رد فعل صادم، أشبه بما تفعله الحمّى في الجسد، بما انطوى عليه من تجديد ورؤية مغايرة وتشوف لما ينبغي أن تكون عليه القصيدة. ولم يكن فقط شاعراً وروائياً ولا قاصاً أو مؤلفاً من طراز رفيع ولا أيضاً وزيراً وسفيراً، بل كان كل ذلك في المستوى نفسه من الإبداع والجرأة والتمرد والصخب وتعدد الأحلام.
ولعله ضمن قلة من المثقفين العرب الذين تقلدوا مناصب رفيعة، ولم تشط بهم بعيداً من قضاياهم وخياراتهم التي آمنوا بها وانحازوا إليها ودافعوا عنها حتى آخر لحظة من حياتهم، أي أن المثقف فيه، بأسئلته الشائكة ووعيه العميق والإشكالي، لم يستطع “المنصب” أن يغريه، ولا أن يحيد عن مواقفه، وإلا ماذا يعني استمرار منع بعض كتبه ولم يفسح عنها سوى قبيل رحيله، كتبه التي تلاقي رواجاً باستمرار، وكل كتاب جديد يصدره يتحول حدثاً مدوياً.
عاش القصيبي، مثقفاً ووزيراً “في عين العاصفة”، في كل ما تعنيه هذه العبارة من معنى، لم يخض فقط معارك التجديد في الأدب والشعر، إنما انخرط في سجال ونقاش مع خصوم الحداثة والرافضين لها، من شخصيات دينية ومتشددة أثرت في المجتمع كله.
وكان المختلفون معه يهاجمونه في المحاضرات والخطب وأشرطة الكاسيت، التي كانت ذائعة في تلك الحقبة (أوساط الثمانينات الميلادية من القرن الفائت)، وعلى رغم ذلك واجه بشجاعة نادرة اتهاماتهم وتصدى لهم وقارعهم الحجة بالحجة، كما يقال عادة، هو الذي كان مثقفاً واسع الاطلاع، شمولي الرؤية. لم يقصر القصيبي، الذي أصدر أول دواوينه في 1960، حروب التجديد على الأدب والشعر، إنما نقلها إلى الوزارات التي شغل منصب الوزير فيها مثل الصناعة والكهرباء والصحة والمياه والعمل، وسعى إلى إدارة من نوع جديد، تأخذ هموم المواطن وحاجاته في صلب اهتماماتها، وإن لم ينجح دائماً، فلم تخلُ طريقه إلى تحقيق هدفه النبيل من تحديات. في تجربته وزيراً كان يُنظر إليه كحصان الرهانات الصعبة، والورقة الرابحة في كل مضمار. وكان أكثر الوزراء موهبة في صناعة الحدث الإعلامي، أخباره تتصدر الصفحات الأولى، ليس لأنه وزير، إنما لأنه صريح وبسيط ومباشر، طالما انتقد التجار وهاجم رجال الأعمال على سلوكهم مع العمالة الوافدة.
في حياته أديباً ومسؤولاً كان بعيداً من حياة الترف والسهر، يذهب إلى فراشه باكراً (الحادية عشرة ليلاً)، وكان يردّ على من يستغرب هذه الوفرة في الإنتاج الأدبي والثقافي، بأنه لا يسهر الليل ويعتذر عن دعوات الأصدقاء حين تتعارض مع موعد خلوده إلى النوم، وأنه يلتزم برنامجاً صارماً لا يحيد عنه.
ومثلما كان القصيبي شاعراً في طليعة جيله مزج بين الرومانسية والواقعية وزاوج بين القصيدة العمودية والتفعيلة، وفتح طرقاً غير مألوفة في الشعر السعودي للأجيال التالية من بعده، كان أيضاً روائياً مهماً، أصدر عدداً من الروايات حظيت بعناية النقاد والقراء معاً، ولم يكن غريباً أن تشكل روايتاه “شقة الحرية” و “العصفورية” منعطفاً مهماً في الرواية السعودية، إذ مهد الطريق للطفرة الروائية اللاحقة التي لفتت الأنظار، فكان أول من تناول حقباً بعينها وظواهر اجتماعية وفكرية محددة، في شكل جريء وشجاع، لم يسبقه إليه أحد .
الإثنين, 16 أغسطس 2010
* * *
المنامة تبكي تلميذها وسفيرها غازي القصيبي
سارة رفاعي من المنامة
تبادل البحرينيون رسائل الحزن لرحيل الأديب ووزير العمل السعودي غازي القصيبي.
كحزن أهل الخليج والعالم العربي لوفاة دكتور الشعر والأدب غازي القصيبي كان للمنامة غصتها وحزنها وألمها هي الأخرى التي كانت تحظى بمكانة في قلب شاعر لم يجد راحة باله بعد عناء المرض إلا في هواها وأراضيها ليسكن أخر أيامه في ربوعها بعد أن قضى أول أيام حياته في ربوعها طالبا العلم في مدارسها.
رسائل الحزن والأسى تطايرت عبر الهواتف النقالة والمنتديات والصحف الالكترونية في البحرين بين ومصدق ومكذب مستذكرين في ذات الوقت مناقب الفقيد الأديب والشاعر والمفكر والوزير الذي سيظل اسمه عالقا في أذهان الصغار قبل الكبار.
نبيل بن يعقوب الحمر مستشار ملك البحرين لشؤون الإعلام الذي شكل خبر وفاة القصيبي صدمة كبيرة له ولأهل البحرين أكد في اتصال مع إيلاف أن البحرين فقدت ابناً وأخا وصديقا، وأديب ، مؤكدا أن القصيبي " الرجل الصادق مع نفسه ومع الآخرين، سوف تخلو الساحة من رجل مثله لما يتمتع به من حكمة ومكانة ليس في بلده فقط وإنما على المستوى الخليجي والعربي والعالمي".
وقال الحمر ان الأديب والمفكر الراحل ملء الدنيا بفكره ونشاطه وصراحته المعهودة، مؤكدا أن الحرية بوفاته فقدت احد دعاتها، مضيفا " لا يسعنا إلى أن نترحم على شخصية أحبها الجميع وعملت بإخلاص لوحدة الخليج منذ البداية وحتى مماته".
الوزير القصيبي حظيت المنامة بقسم كبير من حياته بعد توجها إليها يتيما فاقدا والدته ولم يكمل عامه الأول بعد، ليدرس في مراحلها التعليمية الأولى إلى أن أنهى دراسته الثانوية ليعود إلى السعودية ويكمل مسيرة حياته حتى عاد إليها مرة أخرى كسفير لخادم الحرمين في المنامة، ولعل اختياره للبحرين بعد عودته من رحلة المرض للنقاهة اكبر دليل على تلك المكانة.
الأحد 15 أغسطس 2010
* * *
مثقفون ومفكرون وأدباء يتحدثون عن رحيل الأديب الاستثنائي
عبدالله السمطي من الرياض
* وزير الثقافة والإعلام عبدالعزيز خوجة: فقدنا قامة عريضة في العلم والثقافة والفكر والإدارة.
* الغذامي: رمز ثقافي يسبقنا إلى كل بقاع العالم
* أبو بكر باقادر: ولع غازي القصيبي بالتنقل بين الحقول وإعطائها نكهة جديدة.
* المزيني: متعدد في جوانبه العبقرية
* الأنصاري: أشبهه بالمتنبي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس
* رضا نصرالله: علامة في تاريخ المملكة الاجتماعي والثقافي والتنموي.
* ثريا العريض: قامة ثقافية والتقى جمال عبدالناصر حين كان طالبا.
* فوزية أبو خالد: سيبقى وهج شجاعته في الانحياز للحق والجمال.
* شبكشي: واجه التطرف بطرح وطني عقلاين إسلامي
* عشقي: رحيله خسارة كبيرة
* حسين : راتبه كوزير كان يذهب للمحتاجين.
عبدالله السمطي من الرياض:
بقي مثل السيف فردا، هكذا يمكن أن يوصف الشاعر والأديب والوزير غازي بن عبدالرحمن القصيبي الذي رحل صباح الأحد 15 أغسطس 2010 بالرياض عن عمر يناهز السبعين عاما. القصيبي في فردانيته لم يكن منعزلا عن مجتمعه، عن قضاياه وعن هواجسه التطويرية. كان فريد أمة، في مسيرته وحياته، وفي مناصبه التي تسنمها، في عدة وزارات بعيدة كل البعد عن مجال حياته الرومانتيكي الأدبي الثقافي، من الصناعة إلى الكهرباء إلى الصحة إلى العمل، لكن تأمله الشفيف أفضى به إلى أن يخرج من كل هذه الأعمال ليدخل حالة أخرى من حالات الإبداع الأدبي والإبداع الإنساني، فترك بصماته في كل موقع ..
هذه البصمات يشعر بها المواطن السعودي اليوم، وهي بصمات تاريخية حقق بها القصيبي حلمه الوطني وتواصله مع بلاده، مقدما نموذجا فريدا واءم فيه بين عمل الحياة وأمل الحلم، فلم تقف حياله بيروقراطية إلا وهذبها وروضها، ولم يشغله الوقت الوزاري أو الدبلوماسي عن تحقيق مثاليته الأسمى: الكتابة، فغامر في الشعر، وسافر به بعيدا ليشكل علامة فارقة في مسيرة الشعر العربي بالسعودية، ليحقق به ريادة لافتة، يذهب بها مشحونا بطاقة الشعر إلى السرد ليحقق نقلة نوعية بروايته:" شقة الحرية" في بدايات تسعينيات القرن العشرين، ليضع موجة جديدة من موجات الرواية السعودية، مسافرا عبر العصفورية، ودنسكو، وسعادة السفير، والجنية وأبي شلاخ البرمائي، ثم ساعيا إلى توطيد العلاقة بين الفكر والتأويل، بين المحاورة والجدل الإيجابي، بين الإنسان وانتماءاته الوطنية.
بكثير من التأثر، والبكاء الدفين، والحزن الشفيف يودع المثقفون السعوديون كاتبهم، الذي وهبهم " حياة في الإدارة" ودخل بهم إلى " حديقة الغروب" ليقطف من ثماره الشعرية التي أينعت، ويقدم عصيرها اليومي طازجا دائما، حتى ولو مسه الزمن، ومضى به من شقة الحرية إلى شُقة التاريخ. وهذا هو القصيبي في مرايا الكلام والكتابة:
* وزير الثقافة والإعلام د. عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة:
غازي القصيبي – رحمه الله- قامة كبيرة في الإدارة والأدب، والشعر والرواية والإنسانية والصداقة، لقد فقدنا رجلا كريما وعزيزا، كان رائدا في كل المجالات التي حل بها، وهنا أعبر عن مشاعري الخاصة لأخ وزميل، فقد فقدت المملكة رجلا كبيرا وقامة عريضة في العلم والثقافة والفكر والإدارة، والقصيبي – رحمه الله- صديقي منذ عقود، وكانت تربطني به كثير من الوشائج والمودة.. كان إنسانا، وشاعرا في حياته، وشاعرا في أعماله تغمده الله برحمته.
* الناقد الأكاديمي المفكر الدكتور: عبدالله الغذامي:
غازي القصيبي – رحمه الله- رمز ثقافي يسبقنا إلى كل بقاع العالم، وما من بقعة في الأرض نذهب إليها إلا ويكون اسم القصيبي محفورا فيها يشير إلينا، ويرمز إلى ثقافتنا وإلى تاريخنا. هو هذا الرمز المتعدد والمتنوع الذي كان يفيض حيوية على المستوى المعنوي والمستوى الحسي، وما حضرتُ له مجلسا عاما أو خاصا إلا وجدته يحتوي المجلس، ويحتل عيون الحاضرين وأسماعهم بعقله العميق ولغته المتدفقة وبحر المعلومات التي ينطوي عليها في استدعاءاته للتراث، وفي رواياته عن الواقع، وفي قدراته في أن يكون ظريفا و" نُكَتيّا" ثم يتحول إلى مفكر جاد أو إلى سياسي محنك أو إلى أديب محلق أو إلى صديق وفي أو إلى خصم نبيل أو إلى متواصل لا يهدأ ولا يكل مع الآخرين .. كل الآخرين. حتى إن الذين خاصموه في وقت، عادوا وصاروا أصدقاء له وكتبه الخمسة عن المشائخ الخمسة مثلا، تحول هؤلاء الخمسة إلى الأصدقاء الخمسة، ونعرف ما بينه وبين الشيخ سلمان العودة والشيخ عائض القرني من مودة، بعد مبارزات سابقة، لأنه رحمه الله من النوع الذي يستطيع أن يشرح نفسه وفكره ورأيه بصدق ووضوح، حتى لا يجد خصومه بابا للخصام، وإنما ينفتح بينه وبينهم التفاهم والتعرف ومن ثم الاحترام.
لقد ترك لنا إرثا رمزيا سيظل هذا الإرث خالدا فينا وفي الأجيال التي تأتي من بعدنا، وسيغبطنا اللاحقون على أننا عاصرنا غازي وعايشناه وتحادثنا معه وبادلناه المحبة والاحترام، لقد كان سامقا وعاليا في حياته كلها وسيظل كذلك لأنه جسد الرمزية الثقافية بكل أبعادها، وبكل أنواعها حتى ليدعيه كل واحد منا ويراه " غازيه" الخاص، وهو في الوقت ذاته غازي الكل، وغازي الوطن، رحمه الله وأسكنه جنات النعيم.
* وكيل وزارة الثقافة والإعلام عالم الاجتماع د. أبو بكر باقادر:
كان يتسم بالريادة، له إسهامات ريادية فتحت الباب ، في الأدب الحديث في الرواية والشعر الحديث وكتابة السيرة الذاتية أو في شهادة على فترة تاريخية مر بها.. لقد ولع غازي القصيبي بالتنقل بين الحقول وإعطائها نكهة جديدة.
القصيبي علامة من علامات الطريق، وهو الشخصية الإدارية المرموقة المتميزة المبدعة التي تشكل الرأي العام. عرفناه يدخل القضايا العامة الدينية والسياسية، ومواقفه في حرب الخليج معروفة، وكان يتمكن من الفصل الحاسم بين شخصه كشخصية عامة وكمواطن وموظف ورجل دولة، وهذه ميزات تميز بها فترة طويلة وتمكن من الاستمرار.
القصيبي استثناء ليس في السعودية فحسب بل في العالم العربي بشكل عام، ويبقى من الاستثناءات القليلة جدا التي جمعت بين الكرسي والقلم والشخصي والعام. وقد تميز أيضا بأنه من الشخصيات القادرة على أن تكون لها بدايات جديدة في مجالات بعيدة عن بعضها في تقلده الوظائف وفي الجانب الدبلوماسي ترك علامات تستحق أن تدرس، وكان يسعى أن تكون له بصمة في تاريخه العام والخاص. وهو شخصية قريبة من الناس، فلا يستنكف الدخول في أي نقاش، حيويته وتعامله الخصب والذاتي مع من يناقشونه ميزته طويلا.
والقصيبي – وقد قابلته مرات قليلة- قادر على أن يدخل بحيوية في نقاشاته مع الآخر، ولعل موقفه الأبرز ما جرى له في حرب تحرير الكويت، كيف كان محاربا في المعركة وبعد انتهاء الأزمة صار محللا فذا عميقا.
رحيله يشكل فراغا، وقبيل أسبوع صدر له كتاب:" الوزير المرافق" ، وكان في شعره – رحمه الله- يتأسى كثيرا ولا يخاف من طول العلل أو طول العمر.
* الشاعرة د. ثريا بنت إبراهيم العريض:
أرى أن د. غازي القصيبي قمة من قمم الثقافة العربية وليس الثقافة المحلية أو الخليجية فحسب، وهو يمثل تركيز التميز في شخص، ثقافيا وإداريا، وشعورا بالمسؤولية الوطنية. لقد فقدنا بغياب الدكتور القصيبي إنسانا لا يمكن تعويضه بسهوله في هذه الأزمنة الغبراء. أنا شخصيا أعرفه من أيام البحرين في صبانا، وعلاقتنا العائلية كانت ذات وشائج قوية، وعلاقته بوالدي الشاعر البحريني إبراهيم العريض كانت متميزة، وقد رأى فيه بوادر فحولة الشعر، وقد عرفه والدي على الرئيس جمال عبدالناصر حين كان طالبا وقد ضمه إلى الوفد الرسمي البحريني الذي زار القاهرة والتقى بالرئيس عبدالناصر.
كنت متألمة جدا لمعاناته في الفترة الأخيرة، ودعوت الله أن يعود معافى، لكنها حكمة الله . كان القصيبي هو من استضافنا حين كان سفيرا للمملكة في لندن، واستضافني كأول شاعرة سعودية تلقي شعرا في لندن بمناسبة مئوية التأسيس، وقد كان حاضرا وألقى أكثر من مرثية في والدي . وأنا أنظر إليه بملء العين والقلب والاحترام .. رحمه الله ومن على أهله وذويه بالصبر والسلوان.
* البروفيسور بجامعة الملك سعود د. حمزة المزيني:
القصيبي متعدد في جوانبه العبقرية، وليس تجاوزا أن يوصف بذلك، هو شخصية وطنية بارزة يقل نظيرها في الواقع، من حيث الجوانب المعرفية والإدارية في مختلف المصالح التي تولاها.
من الناحية الفكرية لا أظن أن أحدا ينكر الأثر الذي تركه من حيث الإسهام في الفكر والأدب والحركة الثقافية عموما، وإن كان المشكل لم يحل إلا أخيرا بعد فسح كتبه بقرار من وزير الثقافة والإعلام، فالناس لم يكونوا مطلعين على فكره وكتاباته إلا بطريق غير مباشر، مع ذلك كان حاضرا في كل مناسبة وفي كل سياق وطني . رحمه الله رحمة واسعة.
* عضو مجلس الشورى الإعلامي: محمد رضا نصرالله:
غازي القصيبي بشكل موضوعي يمثل علامة في تاريخ المملكة الاجتماعي والثقافي والتنموي، ود. غازي منذ شبابه قدم خدمات جليلة للمملكة سواء في وفادته إلى اليمن لحل نزاع بين السعودية وذاك البلد، أو عبر تسنمه العديد من المواقع التي لم يبد فيها مسؤولا بيروقراطيا بقدر ما كان شخصية وطنية تتمتع بوجود مشروع لديها قائم على تحديث المجتمع السعودي وتحريك المواقع التي كان فيها سواء كانت الصناعة والكهرباء أو الصحة أو العمل. أنت تعلم أن غازي القصيبي كان مؤسسا لحركة الصناعة نقارنه في ذلك بطلعت حرب فيما يتعلق بالصناعة المصرية، كما تميز في مجال الكهرباء وقد وحد شركات الكهرباء في مؤسسة وطنية واحدة، وكم كانت سعادته أن شركة (سابك) من إنجازاته الوطنية وهو الذي اختار اسمها بنفسه، وفي وزارة الصحة كان هو الوزير الوحيد الذي كسر النمطية البيروقراطية فقام بأول زيارة للمستشفيات بشكل مفاجىء، وقد قلد اسلوبه هذا بعض الوزراء بعد ذلك.
في وزارة العمل وهو الموقع الذي اختاره ليدخل مرحلة من التحدي غير مسبوقة في توطين العمالة السعودية، وتخفيض العمالة الأجنبية، ولم تكن له مواقف عنصرية من الوافدين، بل كانت له مقالة قديمة في مجلة اليمامة بعنوان:" ملائكة وشياطين" وجه فيها أقسى النقد لمن ينتقد أداء العمالة الوافدة التي خدمت التنمية السعودية في كل مجال.
يطول الحديث عن القصيبي ولو سجلت تجربتي معه سأحتاج إلى كتاب.
وعزاؤنا أنه كان معادلا موضوعيا – بتعبير إليوت- تمثل في أعماله الشعرية الضخمة التي سجل فيها قضايا المجتمع السعودي والعربي، وكل من اقترب من تجربته سوف يرى في ديوان:" معركة بلا راية" أول ديوان عربي صدر بعد هزيمة العام 1967 متوقعا لما سيحدث في المسيرة القومية من تراجع، وأيضا في قصيدة :" الحمى" القصيدة الشهيرة التي كتبها وهو الوزير في نقد الرئيس المصري أنور السادات لزيارته للقدس. وقصيدته التي رثى فيها " آيات الأأخرس" الشهيدة الفلسطينية عجلت برحيله من لندن، وقد استثار اللوبي الصهيوني الذي وجه سهامه الناقدة للقصيبي.
نرك لنا القصيبي كتبا متميزة في الإدارة، واليوم من أراد أن يصبح بيروقراطيا مبدعا عليه أن يقرأ أسلوبه في : حياة في الإدارة. أنهى القصيبي حياته بنص – وهو على سرير الموت- اسمه:" الزهايمر" أراد له أن يكون رواية طويلة، وقال لي أنه يحتاج لسنة ونصف لكي يتم هذا العمل ، لكن لظروفه الصحية لم يكمله، وسماه أقصوصة، وسوف يصدر العمل عن دار بيسان للنشر في يبيروت. كما أصدر كتابه:" الوزير المرافق" وهو كتاب أحسب أنه سيشجع بعض المسؤولين والوزراء ليدلوا بتجاربهم حتى يشكلوا ذاكرة وطنية لكثير من الأحداث والقضايا التي تذهب، لكن يمكن أن تسجل وتنشر ذات يوم.
د. غازي القصيبي مع جميع تألقاته سواء الوزارية أو الشعرية أو الروائية هو مواطن سعودي بامتياز ومواطن عربي بامتياز.
* الأديب القاص: حسين علي حسين:
أعتبر القصيبي قامة كبيرة، كأديب أو كإداري أو كإنسان. هذا الرجل من الأشياء التي لا يعرفها الناس أنه رجل بر، وراتبه كله كوزير يذهب إلى المحتاجين، وكان يتوسط لأناس لأمور إنسانية. هذا الرجل كان يجد من وقته أن يرسل خطابات تهنئة للناس الذين يعرفهم إذا جاءهم مولود أو عرس.
كان معروفا بدقة التنظيم الإداري ، وقد دخلت مكتبه مرة فلم أجد أية أوراق عليه، فهو لا يخرج من مكتبه إلا وقد أنجز كل المعاملات. كان شاعرا موهوبا، وكاتب رواية ومقالة يميل إلى السخرية والرقي في الوقت نفسه، وكان بعيدا عن التقعر اللغوي مع سلاسة وعذوبة في الأسلوب .. فقدنا هذا الرجل الذي أحترمه كإنسان ومثقف وأديب وإداري ، ومهما قيل ومهما كتب يعتبر قيمة قلما يجود بها الزمن الحاضر.
* الكاتب: حسين شبكشي:
غازي القصيبي رمز من رموز التطوير الإداري والوطني، ورمز من رموز الخط الوطني مقابل خط التطرف، واجه حمى التطرف والصحوة وتوتر الآراء المهووسة بالتطرف، بجرأة وبطرح وطني وعقلاني وإسلامي ، وجاءت حكمة الله ورده حيث توفاه في العشر الأوائل من شهر رمضان الكريم.. دخل القصيبي كل منصب كبيرا، وخرج منه كبيرا .. رحمه الله رحمة واسعة.
* المؤرخ وعالم الآثار الأكاديمي بجامعة الملك سعود عبدالرحمن الطيب الأنصاري:
بذل القصيبي جهدا ضخما جدا في سبيل نشر أفكار متقدمة لها دور في كثير من مجالات التنمية، والقصيبي شخصية لها شأن على المستويين المحلي والعالمي، وعندما كان سفيرا في لندن كانت السفارة السعودية شعلة من النشاط الثقافي والإعلامي ، وتشعر أن القصيبي لم يكن يعمل فقط في سبيل العمل الداخلي أوالثقافي ولكنه كان حريصا على أن يبرز الوجوه الثقافية خارج المملكة، إلى جانب ما قدمه من أعمال روائية وشعرية وبذلك حينما نفقده فإننا نفقد شخصية لها وزنها الكبير في حياتنا الثقافية، إنني أشبهه بالمتنبي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، فالقصيبي – رحمه الله- كثيرا ما تتلو كتاباته الزوابع لكنها تصمت عندما تقرأ بعمق ما كتبه، ويشعر المجتمع بصواب ما يكتبه وما يقوله.
* الأديب الكاتب د. أنور ماجد عشقي:
رحم الله القصيبي كان رجلا متعدد المواهب، فقد أثرى الساحة الثقافية بما حبره بقلمه في مجال الأدب والشعر، كما أنه كان مشجعا للأدباء الناشئين، وكان حريصا على قراءة ما ينشر خاصة في الكتب، وكان يحرص على تبادل الآراء مع أصحابه، كما كان يتسم بالمرونة الفكرية إذ كان يحاور الليبراليين – وإن كان محسوبا عليهم- ويحاور العلماء الملتزمين وكأنه واحد منهم. أما بالنسبة لمجال الإدارة فقد قام بأعمال عظيمة، بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز- رحمه الله- وبتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ، وفي وزارة لصحة لا تزال آثاره واضحة في المستشفيات الخمس التي نشأت في عهده، وفي وزارة الصناعة والكهرباء حيث أعاد بناء المحطات الكهربائية ، ومازال حتى رحيله في خدمة دينه ومليكه ومملكته ويعتبر رحيله خسارة كبيرة بكل المقاييس .
* الشاعرة الأكاديمية بجامعة الملك سعود د. فوزية أبو خالد:
اليوم بغياب غازي القصيبي غابت شمس من الشموس النادرة التي لم يخجلها بريق السلطة عن مشاغبة الظلام بجرأة وبأدوات مبتكرة أو ماكرة، مرحة حينا، وجادة أو ساخرة أحيانا. فالمهم في كل حالات غازي وتحولات تاريخه الخاطف الأخاذ عدم الاستسلام، هكذا كانت شمس غازي وهكذا ستبقى للأجيال، وهو إن رحل فسيبقى وهج شجاعته في الانحياز للحق والجمال وموهبته الإبداعية والإدارية الفذة على جرح الظلام بماء الحبر.
الأحد 15 أغسطس 2010
* * *
غازي القصيبي يرحل عن 70 عاماً بعدما ملأ الساحة العربية أدباً وثقافة
الدمام - شمس علي - الأحساء
محمد الرويشد - الخبر
ماجد الخميس وعبد الله الدحيلان
عبر مثقفون وشعراء وكتاب عن ألمهم جراء رحيل الأديب والشاعر والوزير غازي القصيبي، واعتبروا فقده فادحاً ولا يعوض. وقال هؤلاء لـ”الحياة” إن الأدوار التي لعبها الراحل والمواقف التي اتخذها يصعب على شخص عادي أن يقوم بها. ووصفوه بالمتعدد والجريء والشجاع في مواجهة خصومه. ينطبق على القصيبي في مواقفه ومعاركه وحروبه ضد التقليد والمحافظة والبيروقراطية، ما قاله الشاعر الراحل محمود درويش في قصيدة بعنوان “بيروت”: “بيروت ولد حطم كل ألواح الوصايا والمرايا ثم نام”. فعلاً حطم القصيبي وصايا المنصب ومرايا المأخوذين بأنفسهم ثم رحل.
لم يأبه الراحل لرأي متشدد ولا خشي خوض سجال مع محافظ حول قضية فكرية أو ثقافية.
من إصداراته:
- صوت من الخليج
- أشعار من جزائر اللؤلؤ
- سحيم
- وللشهداء.
ومن رواياته
- شقة الحرية
- العصفورية
- ، سعادة السفير
- دنسكو
- سلمى
- أبو شلاخ البرمائي
وآخر إصداراته في الرواية:
- الجنية
- كما له: التنمية
- الأسئلة الكبرى
- الغزو الثفافي
- أميركا والسعودية
- ثورة في السنة النبوية
- حياة في الإدارة
- وأخيراً الوزير المرافق.
وشغل مناصب عدة قبل أن يصبح وزيراً، مثل أستاذ مساعد في كلية التجارة بجامعة الملك سعود في الرياض (1965 /1385) عمل مستشاراً قانونياً في مكاتب استشارية وفي وزارة الدفاع والطيران ووزارة المالية ومعهد الإدارة العامة.
عميد كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود (1971 / 1391). مدير المؤسسة العامة للسكك الحديد (1973 / 1393). وزير الصناعة والكهرباء (1976 / 1396). وزير الصحة (1982 / 1402).
سفير السعودية لدى البحرين (1984 / 1404). سفير السعودية لدى بريطانيا (1992 / 1412هـ). وزير المياه والكهرباء (2003 / 1423). وزير العمل (2005 / 1425).
لعل من أكثر المُعزين في وفاة الدكتور غازي القصيبي، يوم أمس، هم من فئة الشبان والشابات، الذي يعتبرونه واحداً من أكثر السعوديين المُلهمين لهم، والرجل الاستثنائي الذي عرف عنه نهمه للتغيير الإداري والاجتماعي والفكري والعلمي، معجبين بتنقلاته حول العالم من أجل العلم والعمل والأمل، مدهشين بالتحولات الجذرية التي أحدثها في علم وفن الإدارة.
لقد صنع القصيبي، الدكتور الذي لا يكتب حرف الدال قبل اسمه، مجداً سياسياً وإدارياً وفكرياً وأدبياً جعلته مالئ الدنيا وشاغل الناس في كثير من الملفات والقضايا المهمة. وبقدر ما كان الجيل الشاب متعلقاً به، فإنه أيضاً لم يكن لينساهم، إذ قال في مقدمة كتابه الشهير “حياة في الإدارة”، أنه موجه إلى فئتين من القراء، الفئة الأولى هي أبناء الجيل الصاعد ليتذوقوا من خلاله نكهة الثورة التنموية التي عاشتها المملكة، أما الفئة الأخرى فهي فئة الإداريين الشباب في القطاعين العام والخاص.
وعلى رغم أن القصيبي، لم يكن تصادمياً إلا أنه اعترف ذات مرة أنه “ترك في كل مكان عدواً”، فمنذ بداية توليه المناصب الحكومية وهو يقوم بنقلات جديدة لم يكن الكثيرون يدركونها.
ومن أراد أن يكتشف أسلوب القصيبي، في عالم الإدارة، فعليه أن يعود إلى كتاب “حياة في الإدارة” والذي تخطت طبعاته الـ13 طبعة، إذ يعتبره البعض من الكتب النادرة في وطننا العربي، إذ يكتشف القارئ كفاح الرجل ، منذ أن كان معيداً في الجامعة، حتى صار واحداً من أبرز الوزراء السعوديين، غير أنه في الكتاب لا ينسب الكثير من المشاريع والأفكار التي أحدثت نقلات جوهرية في المملكة إلى نفسه، بل إلى أشخاص آخرين.
في الإطار ذاته، وفي سياق طفولة القصيبي، أول ما يلفتك فيها أنه لم يكن يقرر الاشتغال بالتجارة على رغم أنها كانت عمل أسرته عبر أجيال عدة. لماذا؟ الجواب، ببساطة، “أنه خلق بلا مواهب تجارية”. كما يقول عن نفسه، ويضيف: “كنت على إلمام تام بهذه الحقيقة. فالمواهب التجارية تتضح، شأنها شأن معظم المواهب، في سن مبكرة من عمر الإنسان”.
المرض الذي لازم القصيبي من عام، لم يكن يطارده منذ ذلك الحين فقط، بل كان منذ عقود بعيدة، نتيجة الضغط النفسي والجسدي إبان فترات عمله، ومثلاً على ذلك، ففي أثناء توليه منصب وزارة الصناعة والكهرباء (تولاها عام 1976)، دخل المستشفى إثر نزيف حاد. ويقول عن ذلك: “لم يكن بالإمكان أن تمر هذه السنوات المثخنة بالأزمات من دون أن تترك بصماتها على الروح وعلى الجسد. أما ألم الروح فحديثه يطول، وليس هذا موضعه، وأما الجسد فقد لقي نصيبه الكامل من العذاب. دخلت المستشفى، مرتين، على إثر نزيف حاد في القرحة. في المرة الأولى كان النزيف خطراً ولم توقفه إلا جراحة عاجلة. دخلت المستشفى بعد ذلك أكثر من مرة بسبب أعراض مختلفة كان الأطباء مجمعين على أنها نشأت بسبب الإرهاق. ماذا أقول؟ (لولا المشقة ساد الناس كلهم)”!.
من جهة أخرى، تلقت الأحساء نبأ رحيل الدكتور غازي القصيبي بحزن شديد، وهو الذي قضى طفولته في مدينة الهفوف، التي ولد فيها في العام 1940، قبل أن ينتقل إلى البحرين، وينهي فيها مراحل الدراسة الاعتيادية. واحتضنت الأحساء عبر أزقتها الضيقة، خطوات الطفل اليتيم، الذي فقد والدته، وهو لم يتجاوز شهره التاسع، ما جعل “هجر” تترك أثراً كبيراً على شخصيته المتزنة، بحسب تصريحاته حين يسأل عن الطفولة والأحساء.
وغازل الشاعر الراحل الأحساء بقصائد عدة، كان من أبرزها وأهمها على الإطلاق قصيدة “أم النخيل”، والتي ذيلها بعبارة “إلى أمي الهفوف”. وحاكى مطلع القصيدة طفولته المتأرجحة بين شدة وقساوة الأب ورحيل الأم وحنان الجدة، وقال في أول أبياتها: “أتذكرين صبياً عاد مكتهلاً.. مسربلاً بعذاب الكون مشتملاً”، وإن لم تكن هذه المحاكاة صريحة إلا أن القارئ يستشعر أحاسيس طفل أثقلته الذكريات. وكان من المقرر أن يقيم الشاعر الراحل أمسيتين، في جامعة الملك فيصل، والأخرى في نادي الأحساء الأدبي. وتلقى الجمهور النبأ بفرح، وبات السؤال الأهم والملِّح: متى سيكون اللقاء؟ إلا أن كلتا الأمسيتين لم يكتب لهما الانعقاد، على رغم تصريح القصيبي في أكثر من حوار ولقاء بأنه “متشوق إلى لقاء الجمهور في الأحساء”. ولعل الانشغال في وزارة العمل منع الأمسية الأولى، والمرض والإنهاك ألغى الثانية.
وأثر في شكل واضح على مثقفي وأدباء المملكة، وبخاصة الأحسائيين منهم، وكان شديد القرب والاتصال بهم. ويقول الناقد الأدبي محمد الحرز: “من الصعب جداً أن تختصر هذه الشخصية ببضع كلمات، شخصية تذكرني بالشاعر العباسي الصاحب بن عباد، الذي أثر اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وفكرياً، ومن الصعب أن تجد مثل الدكتور غازي شاعراً وروائياً وكاتباً وسياسياً ويدير أكثر من وزارة”.
ويشر إلى “أن شخصيته جمعت المتناقضات، وهذه سمة لا توجد إلا في الشخصية العظيمة، وفي موته يجب أن يصمت الإنسان أكثر لأنه لا وجود للكلمات في حضرة هذا النبأ الأليم”، مضيفاً: “جالسته كثيراً ومطولاً لكنه لا يذكر الأحساء في شكل مباشر، ويستغرب هذا وربما كان ذلك بسبب طفولته البائسة، لكنه يؤكد أنه منجذب لها بشكل كبير من دون أن يعلم السبب”.
ويصف الحرز شخصية الراحل بأنه “رجل متواضع جداً لا يشعرك وأنت بالقرب منه بأنه صاحب تلك الألقاب والأوسمة والمناصب والإنتاج الأدبي الغزير، وتستطيع التحدث معه في أي شيء، حمل همَّ المجتمع السعودي من العمق”.
ويؤكد أنه “من أفضل الروائيين، وهو من وطد دعائم وأركان الرواية السعودية وأثر في الروائيين السعوديين، لكنه ذهب مثلما يذهب العظماء، وسيبقى لسنوات طويلة، وأؤكد لك أننا خسرنا شخصية لن تعوض، وما بأيدينا سوى أن ندعو له بالرحمة والمغفرة”.
ووصف الناقد محمد بودي نبأ الرحيل بـ”المؤلم جداً والصادم، وكنا نتلقى أخباراً مطمئنة جداً، وعرف بالبر والتقوى والإحسان من قبل أن يعرف في مجالات أخرى”، مضيفاً: “هو في الشعر له مقام كبير، وفي الرواية أيضاً أضاف نكهة جديدة في الرواية العربية والسعودية”، مضيفاً: “كنت أتمنى أن أجري معه لقاءً صحافياً عندما كنت صحافياً، لكن لم يكتب لذلك التوفيق”.
الإثنين, 16 أغسطس 2010
* * *
العاصمي: “كان يحمد الله كثيراً ... وهاجس “السعودة” ظل يؤرقه لآخر أيامه
غازي القصيبي يرحل عن 70 عاماً بعدما ملأ الساحة العربية أدباً وثقافة
أكد مدير مكتب الدكتور غازي القصيبي هزاع العاصمي أن الفقيد ليس فقيد أسرة أو جماعة، “بل هو فقيد وطن وكل الدول العربية، فهو يكفيه غيرته على الدين الإسلامي ومواقفه المشرفة الداعمة للوحدة العربية”.
وتطرق العاصمي إلى الأيام الأخيرة للفقيد، مشيراً إلى أنه “كان مؤمناً بقضاء الله وقدره، وكان يكثر من هذا الدعاء منذ أول يوم دخل فيه المستشفى: وهو الحمد لله على قضائه وقدره والحمد له على ما أخذ وما أعطى”.
كما ذكر أن هاجس السعودة ظل يؤرقه ويجعله يستيقظ من النوم إلى اللحظات الأخيرة:” كان حريصاً ومجتهداً من أجل أن يوفر فرص العمل لكل شاب وشابة، وهو ممن لم يقفوا في وجه التنمية بأي مشروع كان حتى مشروع الفيز والذي كثر الحديث حوله، بل هو دعم كل من يدعم السعودة من الشركات الوطنية”.
وعلّق على رد فعل الفقيد تجاه منتقدي عمله، وكيف كان يتعامل معهم، فقال: “أبداً لم يكن القصيبي في يوم من الأيام يستقبل أي نقد إلا من باب المسؤولية، مهما كان هذا النقد جارحاً فهو يتقبله بحسن نية، كما أنه يحرص على الاستماع للجميع”.
ثم تذكر موقف الفقيد مع أبنائه، “فمواقفه الإنسانية لا تعد ولا تحصى، فقد كتب قصيدة عندما تزوجت ابنتي ريم قبل خمس سنوات، وكذلك أرسل رسالة وهو في أميركا لابني غازي الذي سميته تيمناً باسمه رحمه الله، ومن يعود لتلك الرسالة يجد أنها ليست مختصة لأحد بل هي عامة ومليئة بالتوجيه لكل شاب وشابة مقبلين على الزواج، ويريدون الاستقرار والعيش بحياة كريمة متكافئة. فتوجيهه بتلك الرسالة توجيه المؤمن الصادق”.
وأشار العاصمي إلى كتاب الفقيد الصادرة حديثاً “فكتابه الوزير المرافق موجود كمسودة قبل أكثر من خمس وعشرين سنة، عندما كان وزيراً للصحة والصناعة. وكذلك ستصدر خلال هذا الشهر روايته الأخيرة “أزهايمر”.
ولفت في ختام حديثه إلى الفقيد كان “يكن معزة خاصة لـ”الحياة” ويثق بها كثيراً... فشكراً لكم على كل ما تقومونه به”.
الإثنين, 16 أغسطس 2010
* * *
علامة الإحياء الشعري
غازي القصيبي هو واحد من أصحاب الشعر الصافي والموهبة الأدبية الأصيلة، وكان متعدد الاهتمامات الأدبية، إذ كتب الرواية والشعر وكان فيهما نمطاً فريداً بذاته، وظل يجمع بين الحرص على التقاليد الرصينة والحداثة. هو علامة على الإحياء الشعري المحدث والكتابة الروائية الرصينة.
وستظل روايته “شقة الحرية” فريدة في بابها من حيث هي رواية سيرة ذاتية تتحدث عن شبابه وترصد التيارات القومية التي تأثر بها في مختلف أرجاء الوطن العربي وصعود القومية العربية وسط تيارات متصارعة. رحم الله غازي القصيبي الذي سيظل قريباً إلى قرائه عبر شعره وأعماله الأدبية التي تعد أثراً باقياً يدل على حضوره.
الإثنين, 16 أغسطس 2010
* * *
مبارك الخالدي: بروتيوس هذه البلاد
لم أجد وأنا أعمل ذهني في البحث عن فكرة أستهل بها ورقة عن كتابة السيرة عند غازي القصيبي للمشاركة بها في ملتقى النص بأدبي جدة، لم أجد بداً من أن أرمي بنفسي في بحر الأسطورة باحثاً عن المحارة التي تضم في أحشائها الفكرة اللؤلؤة، وكان إن “فلقت الدانة” المسماة “بروتيوس” ذلك الكائن الأسطوري الذي استعار منه القصيبي - رحمه الله - الكثير من صفاته. كانت لبروتيوس شخصية متعددة الجوانب وتكتنز العديد من المهارات والبراعات والقدرة على التكيف والتحول من شكل لآخر ومن دور لآخر.
وهكذا كان غازي بن عبدالرحمن القصيبي كائناً أسطورياً في قدراته ومهاراته وتحولاته من دور إلى دور. كان ذا شخصية بروتيانية تتأبى على القولبة، والركون للركود والاستسلام للعادي. غازي القصيبي هو بروتيوس هذه البلاد فهو الزوج والأب والجد والأخ والأستاذ الأكاديمي، والمستشار والوزراء والسفراء والشاعر والروائي والقدوة الحسنة. سنفتقده دائماً، وسنتذكره دائماً، وستترحم عليه هذه البلاد دائماً. رحمك الله يا غازي.
* * *
طالب الرفاعي: رائد “شقة الحرية”
من أين يمكنني أن أمسك بخيط الكتابة عن غازي القصيبي، وهو الإنـسان والشاعر والروائي والمـسؤول الرفـيع، وقـبل هـذا وذاك الـصديق المـخلص، الذي يخجلك بتواضعه ووصله ونبل أخلاقه؟ وكيف لي أن أكتب عن غازي القصيبي في لحظة انتقاله إلى البارئ الأعلى؟ ولكن، هي الدنيا لا تعبأ بشيء سوء سيرها في رحلتها الأبدية.
أعلم تماماً، أن اللحظة لا تتسع للوقوف عند أعمال وسيرة غازي القصيبي، ولكني سألمح إلى روايته الأهم “شقة الحرية”، وهي الأهم بنظري لأنها، تشكل رواية فتح وسبق على ما جاء بعدها. فهي رواية فتح بمعنى جرأة المؤلف المسؤول على ارتياد عوالم الكتابة الروائية من جهة، وعلى الخوض في البوح المحذور من جهة ثانية، وهي في نهاية المطاف رواية تأريخية، تؤرخ روائياً لأبناء الخليج في رحلتهم العربية، وتعلقهم بالشعارات العربية، في مرحلة من أهم مراحل الأمة العربية في تاريخها الحديث. وهي رواية تقدم صورة ناطقة لحياة أبناء الخليج في انتقالهم من مجتمعاتهم إلى مجتمع مصر أم الدنيا، أيام كانت انتقال الخليجي من بلده إلى القاهرة، بمنزلة انتقاله إلى عالم آخر، جديد عليه، ومليء بحياة أقرب إلى الحلم.
(شقة الحرية) كانت الرواية السعودية الفتح، حين قالت بإمكانية أن تكون الذكريات الشخصية الخاصة، التي تقارب الوثائقية، مادة خصبة للرواية. وهي بذلك حركت وجرّأت أجيال روائية شابة من خلفها، كي تقول كلمتها الروائية، في تجربتها الإنسانية الخاصة، متجاوزة ومخترقة كل المحظورات، في مجتمع ما زال يمارس حياته تحت شعار “استر على ما واجهت”.
الإثنين, 16 أغسطس 2010
* * *
حمد القاضي: هل مات غازي القصيبي؟
غازي لا يموت. رحل عنا بجسده فقط. لكنه باق بشعره، بكتبه، بأعماله الوطنية والإنسانية والعربية والعملية. مثل “غازي” - رحمه الله - لا يموت فهو رمز ثقافي ورمز سعودي، ورمز عربي.. سيبقى مثلما بقي “العظام” الذين رحلوا بأشكالهم.
الدكتور غازي توقف قلبه منذ توقف عطاؤه وإبداعه.. ولهذا فهو - في آخر قصيدة له في صحيفة “الجزيرة” قبل أشهر عدة أحس بأنه قد حان رحيله عندما قال: “يا بلاد نذرت العمر زهرته/ لعزّها دمتِ إني حان إبحاري”. “غازي القصيبي” الذي ملأ الدنيا وشغل الناس سيظل مالئها وشاغلها.. لقد عاش كل لحظة من عمره مبدعاً ومناضلاً من أجل وطنه وأمته وثقافتها ومجدها.. وها هو يرحل بجسده بعد عمر حافل بعطاءات مئات المبدعين والمخلصين.
تهزمني الكلمات وأنا أريد أن أكتب عن هذا “الرمز” الوطني والانساني.. عزاؤنا أنك أنت حببت لقاء ربك عندما قلت في قصيدتك قبل الأخيرة: “أحببت لقياك حسن الظن يشفع لي/أيرتجى العفــو إلا عند غفـــار”.
رحمك الله وجمعنا بك في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
الإثنين, 16 أغسطس 2010
* * *
غازي القصيبي ... آخر المهمات
الرياض - صبحي رخا
توفي أمس، وزير العمل السعودي غازي القصيبي عن عمر ناهز الـ 70عاما... رحل الوزير والشاعر وفارس الكلمة في صمت، وسكت القصيبي أخيرا عن الكلام المباح بعد حياة حافلة ملأها صخبا وضجيجا بقصائده التي تجاوزت أحيانا حدود المباح والمسموح وأحدثت جدلا كبيرا، خصوصا قصائدة السياسية والتي أغضبت إحداها الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز.
رحل الوزير والشاعر والديبلوماسي السابق منصبا، وقبل كل ذلك وبعده، سفير الكلمة التي كانت منصبه الحقيقي وعرشه على قلوب الناس، بعد معاناة مع المرض استمرت خلال الأشهر الستة الماضية إثر إصابته بجلطة في المخ عولج منها لفترة في الولايات المتحدة.
وبعد تعافيه من آثار الجلطة، توجه القصيبي الى البحرين قبل نحو شهر لقضاء فترة نقاهة، وعاد الى الرياض أخيرا حيث أدخل الى مستشفى الملك فيصل التخصصي بعد تراجع حاله الصحية، ووافته المنية في المستشفى صباح أمس.
يشار إلى أن الوزير والشاعر غازي القصيبي من مواليد مدينة الهفوف في المنطقة الشرقية في 2 مارس 1940 وهو وزيرا للعمل منذ 2005، وتولى قبلها ثلاث وزارات، هي الصناعة - الصحة - المياه، كما تولى عددا من المناصب الأخرى.
اشتهر القصيبي وعرف على نطاق العالم العربي، بسبب أدبه وقصائده قبل توليه أي مناصب رسمية، فهو أولا وأخيرا أديب وقاص وشاعر وله منشورات عدة، ويعد كتابه “حياة في الإدارة” أشهر ما نشر له، وتناول سيرته الوظيفية وتجربته الإدارية حتى تعيينه سفيراً في لندن، ووصل عدد مؤلفاته إلى أكثر من 60.
قضى القصيبي في الأحساء سنوات عمره الأولى. انتقل بعدها إلى المنامة، ليدرس فيها مراحل التعليم. نال ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، ثم حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا. أما الدكتوراه ففي العلاقات الدولية من جامعة لندن والتي كانت رسالتها فيها حول اليمن كما أوضح ذلك في كتابه الشهير “حياةٌ في الإدارة”.
ومن أبرز أعماله الروائية “شقة الحرية” و”دنسكو” و”أبو شلاخ البرمائي” و”العصفورية” و”سبعة” و”سعادة السفير” و”الجنيّة”.
أما في الشعر فلديه دواوين “معركة بلا راية” و”أشعار من جزائر اللؤلؤ” و”للشهداء” و”حديقة الغروب”.
وله إسهامات صحافية متنوعة أشهرها سلسلة مقالات “في عين العاصفة” التي نُشرَت إبان حرب الخليج الثانية كما أن له مؤلفات أخرى في التنمية والسياسة وغيرها منها “التنمية، الأسئلة الكبرى” و”عن هذا وذاك” و”باي باي لندن ومقالات أخرى” و”الأسطورة ديانا” و”أقوالي الغير مأثورة” و”ثورة في السنة النبوية” و”حتى لا تكون فتنة”.
مُنح وسام الملك عبد العزيز وعدداً من الأوسمة رفيعة المستوى من دول عربية وعالمية. ولديه اهتمامات اجتماعية مثل عضويته في جمعية الأطفال المعوقين السعودية وهو عضو فعال في مجالس وهيئات حكومية كثيرة.
ومن المفارقات المثيرة، أن القصيبي الذي عانى قبل وفاته من جلطة في المخ ستدور روايته الأخيرة عن مرض الزهايمر، وفق مانشرت صحيفة “الجزيرة” امس. وكتبت إنه بعد أيام قليلة ستصدر النسخة الأولى من قصة “الزهايمر” للقصيبي، وهو ثالث عمل يصدر له هذا العام.
ونقلت عن عيسى أحوش صاحب “دار بيسان” اللبنانية، انّ القصيبي كتب وصحّح مسودة الأقصوصة- كما وسمها- بقلمه وراجعها في شكل نهائي، وهي الآن في الطريق للقارئ.
يذكر ان وزارة الإعلام السعودية وجهت اخيرا بفسح جميع كتب القصيبي، بعد ما بادر عبد العزيز خوجة، وزير الإعلام، بإصدار قرار يقضي برفع الحظر المفروض على مؤلفات القصيبي المثيرة للجدل، والتي واجه بسببها نقداً واسعاً، من أبرزها رواية “شقة الحرية”.
* * *
وفاة غازي القصيبي الدبلوماسي والاديب السعودي
(AFP) – منذ 10 ساعة/ساعات
الرياض (ا ف ب) - توفي وزير العمل السعودي غازي القصيبي، الدبلوماسي والاديب الليبرالي، صباح اليوم الاحد عن سبعين عاما اثر صراع طويل مع المرض، كما اعلنت قناة الاخبارية السعودية.
واستنادا الى المحيطين به فان القصيبي، الوزير المحبوب، توفي بمرض السرطان في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض حيث كان يرقد منذ عودته من البحرين قبل شهر. وكان القصيبي يحظى بتقدير كبير لدى القوى التقدمية في السعودية لجرأته في تناول مشاكل المجتمع السعودي المحافظ. لذلك فان الكثير من كتب القصيبي، العدو اللدود لانصار التيار المحافظ لكنه حظي دائما بدعم العائلة المالكة، كانت محظورة في السعودية الى عهد قريب عندما اتخذ قرار رسمي بالسماح ببيعها.
وولد غازي القصيبي في الثالث من آذار/مارس 1940 في الهفوف لاسرة تجار ميسورة الحال. وبعد ان قضى في الاحساء (شرق) سنوات عمره الاولى انتقل الى المنامة بالبحرين ليتابع دراسته. ونال ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، ثم حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا. أما الدكتوراه في العلاقات الدولية فنالها من جامعة لندن وكانت رسالته فيها حول اليمن، كما أوضح ذلك في كتابه الشهير "حياة في الادارة".
عمل غازي القصيبي مديرا للمؤسسة العامة للسكك الحديد في السبعينات قبل ان يتولى وزارة الصناعة ويطلق قطاع الصناعات البتروكيماوية السعودية. ولتشجيع الشباب السعودي الذي لا يهتم سوى بالوظائف السهلة العالية الاجر على العمل في الوظائف التي تعتبر في نظره غير محترمة، عمل القصيبي عام 2008، وكان يومها وزيرا للعمل، في مطعم هامبرغر في جدة لمدة ثلاث ساعات.
وصراحة القصيبي وجرأة كتاباته جلبت له ايضا الكثير من المتاعب، على الاقل مرتين خلال عمله. ففي عام 1984 عندما كان وزيرا للصحة تم اعفاؤه من منصبه هذا بسبب قصيدة "رسالة المتنبي الاخيرة الى سيف الدولة" التي انتقد فيها الفساد والامتيازات التي كانت تحظى بها الطبقة الحاكمة في عهد الملك فهد.
وفي عام 2002 اعفي ايضا من منصبه كسفير للمملكة في لندن بسبب قصيدة "الشهداء" التي اشاد فيها بالفلسطينية آيات الاخرس التي فجرت نفسها في سوق في القدس ما ادى الى مقتل اثنين من الاسرائيليين في الوقت الذي كانت فيه الاجواء مشحونة بسبب احداث 11 ايلول/سبتمبر 2001 في نيويورك. وبعد عودته الى الرياض عين وزيرا للمياه والكهرباء الامر الذي يدل على دعم القصر الملكي له.
وخلال عمله كسفير للسعودية في البحرين عند غزو العراق للكويت عام 1990 كتب القصيبي مقالات ينتقد فيها الحكومات العربية والمجموعات الاسلامية التي تأخذ على السعودية تحالفها مع الولايات المتحدة متسائلا كيف يمكن لاحد الدفاع عن صدام حسين. ويعتبر كتابه "ازمة الخليج: محاولة للفهم" دراسة جادة لمعرفة أسباب هذه الحرب ودوافعها وسياساتها وصنع قراراتها والنتائج التي تمخضت عنها.
وللوزير الراحل نحو 20 كتابا ورواية، فضلا عن كم كبير من المشاركات الكتابية والمحاضرات وغيرها. ومن اشهر رواياته "شقة الحرية" (1996) التي كانت ممنوعة من التداول في السعودية، وتحكي قصة مجموعة من الشبان المختلفي التوجهات والأفكار يسكنون معا في القاهرة اثناء دراستهم الجامعية هناك لتفصل الرواية حالة التيارات الفكرية لدى الشباب العرب في الفترة الملتهبة من التاريخ العربي 1948 - 1967. وهذه القصة مستوحاة من التجربة الذاتية للكاتب نفسه اثناء فترة دراسته للقانون في جامعة القاهرة والتي وصفها بانها فترة غنية جدا.
وبعد فشل القصيبي في الوصول الى رئاسة منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) عام 1999 امام المرشح الياباني كوشيرو ماتسورا، اصدر روايته "دنسكو" التي ينتقد فيها هذه المنظمة الدولية من خلال قصة مرشحين من عدة قارات يتنافسون للفوز برئاسة منظمة تسمى دنسكو.
وبعد احداث 11 ايلول/سبتمبر حذر القصيبي من "صراع حضارات"، مدينا في الوقت نفسه زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن الذي وصفه بانه "ارهابي" و"وحش بشري". وقال في حديث للبي.بي.سي "نخشى ان تتحول هذه الحرب على الارهاب، التي ندعمها بلا اي تحفظ، الى حرب لاميركا والغرب على الاسلام".
ومن ابرز الاعمال الاخرى للقصيبي "العصفورية"، "سبعة"، "هما"، "سعادة السفير"، "سلمى"، "ابو شلاخ البرمائي". ومن مؤلفاته في الشعر "صوت من الخليج"، "الاشج"، "اللون عن الاوراد"، "اشعار من جزائر اللؤلؤ"، "سحيم"، و"للشهداء".
الإثنين 16 أغسطس 2010
* * *
شهادات كتَاب وشعراء ونقّاد لبنانيين في الشاعر د.غازي القصيبي
ماجدة داغر من بيروت:
أثار خبر غياب الشاعر والأديب والدبلوماسي والوزير الدكتور غازي القصيبي الأسى والحزن في الأوساط الثقافية اللبنانية، لدوره الكبير في حركة التنوير التي رافقت مسيرته الفكرية، ولما يتمتع به من حضور ثقافي متميز في الساحة الأدبية. وأبدى معظم الكتّاب والأدباء في بيروت أسفهم العميق لخسارة أحد أعلام العالم العربي، وأعربوا لـ "إيلاف" عن حزنهم لفقد شاعر طليعي كبير أعطى القصيدة والرواية والعمل السياسي بعداً ومدى جديدين سيتركان أثراً كبيراً في الأدب العربي. وهنا بعض الشهادات في الشاعر الراحل:
الشاعر محمد علي شمس الدين:
غازي القصيبي هو علم ثقافي من أعلام المملكة العربية السعودية. هو متعدد الاهتمامات لكنني من المهتمين به روائياً وشاعراً. ترك القصيبي عدداً من الروايات أبرزها رواية "شقة الحرية" التي تعتبر من الروايات المؤسسة في المملكة، حتى لو انها اخذت صدى أكثر مما أخذ شعره. إلا انني شخصياً أنحاز إلى شعره وبشكل أخص إلى مجموعة شعرية له إسمها "سُحيم عبد بني الحسحاس" وهو كان عبداً لقبيلة بني الحسحاس، وكانت القبيلة تحتقره نظراً للونه الأسود، ولكنه كان شاعراً وشديد الاعتداد بنفسه فانتقم من القبيلة من خلال نسائها، وكتب أشعاراً سمّى فيها النساء اللواتي أحببنه وأحبهن وعاشرهن، وكانت تلك وسيلته للانتقام، وبعد ذلك قتلوه. فالموضوع درامي والحكاية ذات دلالات استلّها القصيبي من عمق التراث، وكتب فيها مجموعة شعرية من أجمل ما قرأت، إذ استطاع أن يوظَف الحدث بجميع وجوهه العنصرية والدرامية وجدل الحب والانتقام، وكأنني في كتاب القصيبي أمام دراما شكسبيرية.
برحيل د. القصيبي خسرت الثقافة العربية إسماً محترماً من أسمائها، وهو لم يكن من الذين يخضعون لموقعهم السياسي، بل كان أكبر من مواقعه الدبلوماسية. لقد كان نديّ الإحساس لأنه شاعر وروائي قبل أن يكون وزيراً. حزنت عليه حزناً شخصياً وإبداعياً، ولكن هذه هي الحياة، يرحل هو ويبقى شعره وأدبه وتبقى سيرته العطرة.
الإعلامي والشاعر زاهي وهبي:
لا شك أن رحيل د. غازي القصيبي هو خسارة لكل قارئ ولأي باحث عن كلمة عميقة وعن نص جميل، سواء بالشعر أو بالرواية. أهم ما في تجربته أن المسؤولية والمهام الرسمية لم تقفا حائلاً بينه وبين النص الإبداعي. فهو لديه الكتابة المتحررة من الشكليات الرسمية ومن القيود التي يفرضها المنصب. هو رمز لجيل كامل مثَله وعبّر عنه بعدد كبير من الروايات والقصائد أبرزها "شقة الحرية"، فضلاً عن تجربته الإدارية وعناوين كبيرة.
الملفت في شعره اهتمامه بالقضايا العربية العادلة والفلسطينية منها، فهو كتب أكثر من مرة عن المأساة الفلسطينية والواقع العربي المأزوم. نصوصه الجريئة والشجاعة تكمن في كونها تصدر عن غازي القصيبي وما يمثّل على المستوى الشخصي والدبلوماسي، والقصائد التي تسببت بنقله من موقع إلى آخر. سنفتقد برحيله إسماً كبيراً من رواد الكتابة العربية المعاصرة والسعودية في شكل خاص. وهو ترك أثراً على عدد كبير من الكتّاب السعوديين، ومنهم من ساهم في تشكيلهم. لا يستطيع الكاتب أو القارئ إلا أن يشعر بوجع حقيقي برحيل القصيبي. لقد فاتني أن أحاوره نظراً للظروف فكان الموعد المؤجل دائماً، وشاءت الأقدار أن يرحل من دون تحقيق هذا الموعد.
الأديبة والشاعرة دكتور نور سلمان :
أعزّي العالم العربي برحيل هذا المفكر الكبير. كان شاعراً متميزاً، وكلما فقدنا شاعراً نشعر أن نجمة سقطت من السماء، خصوصاً برحيل القصيبي الذي كان وطنياً وصادقاً وجريئاً جداً، ولم تفسده الشهوات المادية. كما كان لديه ولاء عظيم للإبداع. يبقى دائماً رسالة العنفوان والأنفة والوطنية.
الشاعر شوقي بزيع:
لم يحدث أن تعرفت على الشاعر والدبلوماسي والسياسي بشكل مباشر، لكن هذا لا يشكل عائقاً أمام قراءتي له بموضوعية، لأن ما يبقى في النهاية من الكاتب هو النص. لذلك أستطيع من خلال قراءتي الشعرية على وجه الخصوص، أن أقول إن الهواء الذي يلفح شعره هو هواء "شامي" بامتياز، كأنه لا يبدو قادماً من الصحراء أو من طبيعة قاسية، بل يبدو شفافاً مرهفاً وتبدو اللغة طريّة ذات أبعاد جمالية لافتة، هناك رشاقة في الإيقاعات ببساطة في التعبير تتقاطع إلى حد ما مع مناخات المدرسة اللبنانية في الكتابة المتمثلة في سعيد عقل والأخطل الصغير، كما تتقاطع بقوة الحياة واللغة الشفافة عند نزار قباني، من دون أن يعني ذلك وقوعه الكامل في نسخ هاتين المدرستين، لأن الشعر عنده يستند إلى الحياة ويتصل بدورة الدم. حيث أن القصيبي عاش قصيدته قبل أن يكتبها، سواء في علاقته بالطبيعة أو بالمرأة أم بالزمن الذي شكل شغله الشاغل في فترة كهولته. وقد تكون مفاجأة القصيبي الأهم متمثلة في ديوانه "سحيم" الذي استلهم فيه تجربة الشاعر القديم عبد بني الحسحاس. هي مجموعة شعرية رائعة يتحدث فيها عن علاقة الجمال بالرعب والحب بالموت، وأظن أنها لم تُقرأ بعناية من قبل النقاد العرب، وهي من أجمل ما كُتب في شعر الحب العربي.
الشاعر والصحافي يحيى جابر:
استطاع غازي القصيبي أن يحقق صوتاً خاصاً في الأدب السعودي، وهو صاحب الروايات الجريئة والشاعر المشاكس في بيئته. كان تنويرياً يسعى إلى المعاصرة، وفي عمله السياسي كان يسعى إلى تطوير آلية المجتمع. وبرؤيته السياسية كان صاحب نظرة أقرب إلى الشاعر.
الكاتب والناقد دكتور ياسين الأيوبي:
د. غازي القصيبي رحمه الله هو أحد طليعيي الشعر السعودي الحديث، عرفته في التسعينات من القرن الماضي عندما كنت أحضّر أطروحة للدكتوراه حول الشاعر السعودي الراحل حسن عبدالله القرشي. لفتني شعره لأنه أثبت حضوره وكانت له قصائد فيها ميزة من مِيز الشعر العربي الحديث الذي خرج من إطار المناسبات والمدائح وما شابه مما عُرف عند شعراء كثر. كان يحاول أن يطبع شعره بطابع خاص في بعض موضوعات الغزل وشيء مما يقوله اليوم البعض من شعراء الشباب. وربما الغربة التي عاشها جعلته يتحرر من تزمت الكتابة الشعرية في الخليج العربي. آسف لرحيله وأعزّي الشعر العربي بغيابه.
الأحد 15 أغسطس 2010
* * *
العاصمي: “كان يحمد الله كثيراً ... وهاجس “السعودة” ظل يؤرقه لآخر أيامه
رابط تغطية “الحياة” لرحيل الدكتور غازي القصيبي ....
توفي صباح أمس وزير العمل السعودي الدكتور غازي القصيبي عن عمر ناهز 71 عاماً، عاش خلاله حياة زاخرة ومليئة بالأحداث السياسية والثقافية والفكرية. ولعل ما ميز حياته تلك بزوغ نجمه في الشعر في أواسط الستينيات من القرن المنصرم، وبلغت شهرته الأدبية قمتها حين أصدر ديوانه الثالث 'معركة بلا راية' سنة 1971.
وكان القصيبي، إضافة إلى موهبته الشعرية الفذة أستاذاً جامعياً، وإدارياً ناجحاً، تقلد مناصب حكومية قلما تُجمع في شخص واحد، فقد تولى ثلاث حقائب وزارية هي: 'الكهرباء والماء'، و'الصحة'، و'العمل'، وكان قبل ذلك سفيراً لبلاده في دول عدة، كما كانت له محاولة مشهورة للوصول إلى منصب مدير منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم 'اليونسكو' في عام 1999، لكن لم يُسعفه التصويت الأممي في نيل المنصب، فأصدر كتاباً بعد ذلك عن التجربة بعنوان 'دنسكو'، يحمل سخرية كبيرة من المنظمة العالمية وأساليب الترشح لمنصبها الأعلى.
يحظى القصيبي بمكانة كبيرة في قلوب أهل الكويت، فقد كانت له مواقف مفصلية صارمة إبّان الغزو العراقي، إذ وقف إلى جانب الحق الكويتي، وكتب سلسلة من المقالات الصحافية بعنوان في 'عين العاصفة' نشرت في صحيفة 'الشرق الأوسط'، كما نشر قصائد شعرية عديدة بالمناسبة حوّل بعضها إلى أغان وطنية. ويروى عنه قوله في أحد اللقاءات الصحافية أثناء الاحتلال: 'واثق من عودة الكويت إلى أهلها، كما أثق ببزوغ الشمس من مشرقها'.
ولم تكن حياة الشاعر الراحل تمضي برداً وسلاماً في كل أحوالها، فقد تعرّض لعاصفة من انتقاد رجال الدين وخطباء المنابر في أوائل التسعينيات من القرن المنصرم بسبب قصائده، ومواقفه المدنية والفكرية التي وصفت حينئذ بـ'العلمانية'، ولم يكن سهلاً أن يتحمل كاتب سعودي تلك الحملة الشرسة في حين كانت 'الحركات الإسلامية' في قمة نشاطها، من قبل أن تنحرف بعض هذه الحركات وتولّد العنف والإرهاب.
وبالرغم من إصدار القصيبي كتابه المشهور 'حياة في الإدارة' الذي يتناول فيه أبرز محطات حياته الإدارية، فإنه بقي مخلصاً للأدب، فقد وجد في الشعر والرواية سلوى للنفس، وتنفيساً للهم، وحظي أول أعماله الروائية بشهرة كبيرة، فها هي 'شقة الحرية' 1994 تنفد من الأسواق في غضون أشهر، وتعاد طباعتها مرّات، ومرّات. تتحدث الرواية عن الشباب العرب والطلبة المبتعثين إلى القاهرة في الفترة بين 1948 و1967، ويعود السبب الأكبر لشهرة هذه الرواية إلى ما أُشيع من أنها تتحدث عن شخصيات ثقافية وإدارية مازالت تعيش بيننا. بعد ذلك أصدر القصيبي رواية 'العصفورية' التي نالت هي الأخرى شهرة مثيلة، بالنظر إلى نجاح كاتبها في العمل الأول، ثم توالت بقية الأعمال التي من بينها: 'سبعة'، و'سعادة السفير'، و'سلمى'، و'أبوشلاخ البرمائي'. وأما دواوينه الشعرية فقد اشتهر منها 'صوت من الخليج'، و'أشعار من جزائر اللؤلؤ'.
وكانت قصائد القصيبي تبلغ شهرة كبيرة فور نشرها أو صدورها في دواوين شعرية، ويعود ذلك إلى ابتعاده عن الغموض ونهج الحداثة والتشتت الذي ينتج عن قصيدة النثر، فقد التزم منذ أشعاره الأولى القصيدة الموزونة المقفاة، حتى وصف في كثير من المراجع بـ'التقليدية'، التي لا تضره في شيء، فقد كان غاية ما يتمناه أن يكتب شعراً يصل إلى قلوب الناس، لا كلمات غامضة تعيش في أبراج عاجية. ويمتلك القصيبي مهارة فائقة في تطويع المفردة الشعرية، وإيجاد الأوزان والقوافي المناسبة، وكان يستقي شعره من واقع بيئته، فنجد الصحراء برمالها، كما نجد أمواج البحر العاتية، لذا فمن غير المستغرب أن يوصف بشاعر 'الخليج' الذي خبر كل شبر من أرضه، وتفاعل مع كل شاردة وواردة من قضاياه.
اتسم الشاعر الراحل بحس الفكاهة والسخرية، ولم تخلُ أمسياته الشعرية خاصة تلك التي أحياها في الكويت من قفشات، ومواقف طريفة يحكيها إبّان كان طالباً في جامعة القاهرة، وكذلك ما يصادفه من مواقف طريفة مع أبنائه وأفراد أسرته، ورحلاته المتعددة في نواح مختلفة من أرجاء المعمورة.
الإثنين 16 أغسطس 2010
* * *
سالم الشريف – الرياض / تصوير - حسن ابراهيم
نعتت وزارة العمل يوم أمس فقيد الوطن الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي وزير العمل والذي انتقل إلى رحمة الله بعد معاناة طويلة مع المرض، وعن عمر يناهز (70) عاما .
وكان القصيبي قد أجرى العديد من العمليات الجراحية بأحد مستشفيات ولاية مانهاتن بالولايات المتحدة الأمريكية ، لينتقل بعدها إلى مملكة البحرين لقضاء بعض من أوقات النقاهة ، ثم عاد إلى المملكة ليستقر في منزله بالرياض عدة أيام ، ولكن حالته الصحية استدعت نقله إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض منذ شهر تقريبا ،حتى انتقل إلى مثواه أمس، وصلي عليه بعد صلاة العصر بجامع الإمام تركي بن عبدالله ، ليوارى بعدها الثرى بمقبرة العود ، وشيعت جنازته جموع غفيرة من المسؤولين والوزراء والمواطنين . ويعد الراحل غازي القصيبي من مواليد الهفوف في 2 مارس 1940، وكان يشغل منصب وزير العمل منذ عام 2005 حتى وفاته. وتولى قبلها ثلاث وزارات هي (الصناعة - الصحة - المياه) كما شغل العديد من المناصب الأخرى. قضى القصيبي في الأحساء سنوات عمره الأولى. لينتقل بعدها إلى المنامة بالبحرين ليدرس فيها مراحل التعليم.
نال درجة البكالوريوس في الحقوق من جامعة القاهرة، ثم حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا. أما الدكتوراه ففي العلاقات الدولية من جامعة لندن والتي كانت رسالته فيها حول اليمن كما أوضح ذلك في كتابه الشهير "حياةٌ في الإدارة".
والراحل شاعر تقليدي، وله منشورات في فن الرواية والقصة، مثل "شقة الحرية" و"دنسكو" و"أبو شلاخ البرمائي" و"العصفورية" و"سبعة" و"سعادة السفير" و"الجنيّة".
أما في الشعر فلديه دواوين "معركة بلا راية" و"أشعار من جزائر اللؤلؤ" و"للشهداء" و"حديقة الغروب". وله إسهامات صحافية متنوعة أشهرها سلسلة مقالات "في عين العاصفة" التي نُشرَت في جريدة الشرق الأوسط إبان حرب الخليج الثانية كما أن له مؤلفات أخرى في التنمية والسياسة وغيرها .
ويعد كتاب "حياة في الإدارة" أشهر ما نشر له، وتناول سيرته الوظيفية وتجربته الإدارية حتى تعيينه سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في لندن. وقد وصل عدد مؤلفاته إلى أكثر من ستين مؤلفاً.
وقد مُنح وسام الملك عبد العزيز وعدد من الأوسمة الرفيعة من دول عربية وعالمية. ولديه اهتمامات اجتماعية مثل عضويته في جمعية الأطفال المعوقين وهو عضو فعال في مجالس وهيئات حكومية وخاصة متعددة .
صديق الملوك ورجل المواقف والأزمات
ورحل الوزير والمفكر والروائي والشاعر الإنسان غازي القصيبي
تركي العبدالحي -سبق- الرياض - الخبر:
برحيل الدكتور غازي القصيبي الوزير والسفير والأديب والمفكر والأستاذ الجامعي, وقبل كل ذلك الإنسان المثقف المحب لدينه ووطنه, المخلص لبلاده ولولاة أمره ولأمته, فقد العالمين العربي والإسلامي أديباً مبدعاً, وروائياً وشاعراً فذاً, ومفكراً ساهم بدور كبير في إثراء الحركة الفكرية والثقافية, اختلف معه الكثيرون, واتفق معه الكثيرون, ولكن كان اختلاف فكر وأدب ورؤية, اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد, اختلاف أثرى الحياة الفكرية وزادها ثراء .
عُرف عن الدكتور القصيبي صديق الملوك والقادة, إنسانيته وشاعريته, وإخلاصه وتفانيه في الأعمال التي قام بها, أو أوكلت إليه, دفع الثمن غالياً في يوم من الأيام عندما أسيء فهم قصيدة له, ولكنه عاد الى التوهج مرة أخرى .
سيذكر كل من اقترب من الدكتور غازي القصيبي إنسانيته, وعقلانيته وحبه للعمل والنظام, ومشاعره الجارفة التي تخطت حتى الإطار الدبلوماسي الذي تحكمه بروتوكولات، ليعبر في قصائد جياشة ألهبت المشاعر وأوقعته في حرج سياسي, وسيذكره الأدباء والشعراء والمفكرون, كما سيذكره كل من عاصره واقترب منه .
وغازي بن عبد الرحمن القصيبي (مواليد 2 مارس 1940) وزير العمل السعودي (2005 -2010م) وتولى قبلها ثلاث وزارات هي (الصناعة - الصحة - المياه) كما تولى عدداً من المناصب الأخرى، من مواليد الهفوف بالمملكة العربية السعودية.
وقضى القصيبي في الأحساء بالمنطقة الشرقية سنوات عمره الأولى، وانتقل بعدها إلى المنامة بالبحرين ليدرس فيها مراحل التعليم. نال ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة ثم تحصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا التي لم يكن يريد الدراسة بها, بل كان يريد دراسة "القانون الدولي" في جامعة أخرى من جامعات أمريكا, وبالفعل, حصل على عدد من القبولات في جامعات عدة, ولكن لمرض أخيه نبيل, اضطر إلى الانتقال إلى جواره والدراسة في جنوب كاليفورنيا, وبالتحديد في لوس أنجلوس, ولم يجد التخصص المطلوب فيها, فاضطر إلى دراسة "العلاقات الدولية" أما الدكتوراه ففي العلاقات الدولية من جامعة لندن التي كانت رسالته فيها حول اليمن، كما أوضح ذلك في كتابه الشهير "حياةٌ في الإدارة".
المناصب التي تولاها:
وقد تولى الدكتور غازي القصيبي العديد من المناصب، منها:
- أستاذ مساعد في كلية التجارة بجامعة الملك سعود في الرياض 1965 / 1385هـ.
- عمل مستشاراً قانونياً في مكاتب استشارية وفي وزارة الدفاع والطيران ووزارة المالية ومعهد الإدارة العامة.
- عميد كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود 1971 / 1391هـ.
- مدير المؤسسة العامة للسكك الحديدية 1973 / 1393 هـ.
- وزير الصناعة والكهرباء 1976 / 1396 هـ.
- وزير الصحة 1982 / 1402هـ
- سفير السعودية لدى البحرين 1984 / 1404 هـ.
- سفير السعودية لدى بريطانيا 1992 / 1412هـ.
- وزير المياه والكهرباء 2003 / 1423هـ.
- وزير العمل 2005 / 1425هـ حتى الآن.
أدبه ومؤلفاته:
وعرف الدكتور القصيبي بشعره، فهو شاعر وروائي وقاص وأديب، من رواياته: (شقة الحرية) و (دنسكو) و (أبو شلاخ البرمائي) و (العصفورية) و (سبعة) و (سعادة السفير) و (الجنيّة). أما في الشعر فله دواوين: (معركة بلا راية) و (أشعار من جزائر اللؤلؤ) و (للشهداء) و (حديقة الغروب). وله إسهامات صحافية متنوعة، أشهرها سلسلة مقالات (في عين العاصفة) التي نُشرَت في جريدة الشرق الأوسط إبان حرب الخليج الثانية، كما أن له مؤلفات أخرى في التنمية والسياسة وغيرها، منها (التنمية، الأسئلة الكبرى) و (عن هذا وذاك) و (باي باي لندن ومقالات أخرى) و (الأسطورة ديانا) و (أقوالي الغير مأثورة) [هكذا ورد النص الأصلي]، و (ثورة في السنة النبوية) و (حتى لا تكون فتنة).
قال عنه معلمه الأديب الراحل عبد الله بن محمد الطائي ضمن الشعراء المجددين في كتابه (دراسات عن الخليج العربي): "أخط اسم غازي القصيبي، وأشعر أن قلبي يقول: ها أنت أمام مدخل مدينة المجددين، وأطلقت عليه عندما أصدر ديوانه (أشعار من جزائر اللؤلؤ) الدم الجديد، وكان فعلاً دماً جديداً سمعناه يهتف بالشعر في الستينيات، ولم يقف، بل سار مصعداً، يجدد في أسلوب شعره، وألفاظه ومواضيعه".
ويعد كتاب (حياة في الإدارة) أشهر ما نشر له، وتناول سيرته الوظيفية وتجربته الإدارية حتى تعيينه سفيراً في لندن. وقد وصل عدد مؤلفاته إلى أكثر من ستين مؤلفاً. وله أشعار لطيفة ومتنوعة ورواية سلمى.
ومنح وسام الملك عبد العزيز وعدداً من الأوسمة الرفيعة من دول عربية وعالمية.
وكان لديه اهتمامات اجتماعية، مثل عضويته في جمعية الأطفال المعوقين السعودية، وهو عضو فعال في مجالس وهيئات حكومية كثيرة.
سيرته الكاملة
وقد كتب رباح القويعي في جريدة "شمس" دراسة عن الدكتور غازي القصيبي: بدايته ومراحل عمره، فقال:
في بيئة "مشبعة بالكآبة"، كما يصفها محور هذه السيرة، كانت ولادته، التي وافقت اليوم الثاني من شهر مارس عام 1940، ذلك الجو الكئيب كانت له مسبباته، فبعد تسعة أشهر من ولادة (غازي) توفيت والدته، وقبل ولادته بقليل كان جده لوالدته قد توفي أيضاً، وإلى جانب هذا كله كان بلا أقران أو أطفال في عمره يؤنسونه. في ذلك الجو، يقول غازي: "ترعرعت متأرجحاً بين قطبين أولهما أبي وكان يتسم بالشدة والصرامة (كان الخروج إلى الشارع محرّماً على سبيل المثال)، وثانيهما جدتي لأمي، وكانت تتصف بالحنان المفرط والشفقة المتناهية على (الصغير اليتيم)".
ولكن لم يكن لوجود هذين المعسكرين في حياة غازي الطفل، تأثير سلبي كما قد يُتوقع، بل خرج من ذلك المأزق بمبدأ إداري يجزم بأن "السلطة بلا حزم، تؤدي إلى تسيب خطر، وأن الحزم بلا رحمة، يؤدي إلى طغيان أشد خطورة", هذا المبدأ، الذي عايشه غازي الطفل، طبقه غازي المدير وغازي الوزير وغازي السفير أيضاً، فكان على ما يبدو، سبباً في نجاحاته المتواصلة في المجال الإداري. إلا أننا لا ندري بالضبط، ماذا كان أثر تلك النشأة لدى غازي الأديب.
على أي حال، لم يستمر جو الكآبة ذاك، ولم تستبد به العزلة طويلاً، بل ساعدته المدرسة على أن يتحرر من تلك الصبغة التي نشأ بها، ليجد نفسه مع الدراسة، بين أصدقاء متعددين ووسط صحبة جميلة.
في المنامة, كانت بداية مشواره الدراسي، حتى أنهى الثانوية، ثم حزم حقائبه نحو مصر، وإلى القاهرة بالتحديد، وفي جامعتها انتظم في كلية الحقوق، وبعد أن أنهى فترة الدراسة هناك، التي يصفها بأنها "غنية بلا حدود"، ويبدو أنها كذلك بالفعل، إذ (يُقال) إن رواية "شقة الحرية" التي كتبها، والتي كانت هي الأخرى غنية بلا حدود، تحكي التجربة الواقعية لغازي أثناء دراسته في القاهرة .بعد ذلك، عاد إلى السعودية يحمل معه شهادة البكالوريوس في القانون، وكان في تخطيطه أن يواصل دراسته في الخارج، وأصرّ على ذلك رغم العروض الوظيفية الحكومية التي وصلته، وكان أهمّها عرض يكون بموجبه مديراً عاماً للإدارة القانونية في وزارة البترول والثروة المعدنية والتي كان يحمل حقيبتها آنذاك عبد الله الطريقي، إلا أنه رفضه، مقدّماً طموح مواصلة الدراسة على ما سواه. وكان أبوه حينها قد عرض عليه الدخول في التجارة، معه ومع إخوته، إلا أنه اعتذر من أبيه عن ذلك أيضاً، فما كان من الأب "شديد الاحترام لاستقلال أولاده" كما يصفه ابنه، إلا أن قدّر هذه الرغبة، بل يساعده عبر وساطاته بتدبير أمر ابتعاثه الحكومي إلى الخارج، وهذا ما تم.
وفي 1962، ونحو لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت الوجهة هذه المرة، وفي جامعة جنوب كاليفورنيا العريقة، قضى ثلاث سنوات تتوّجت بحصوله على درجة الماجستير في العلاقات الدولية.
وفي أمريكا وأثناء دراسة الماجستير، جرّب غازي منصباً إدارياً للمرة الأولى، وذلك بعد فوزه "بأغلبية ساحقة" في انتخابات جمعية الطلاب العرب في الجامعة، وبعد رئاسته لها بأشهر أصبحت الجمعية ذات نشاط خلاق، بعد أن كانت الفرقة سمتها نظراً للوضع الذي كان يعيشه العالم العربي آنذاك والذي يؤثر بالطبع على أحوال الطلاب العرب.
"العودة إلى الوطن، والعمل أستاذاً جامعياً ثم إكمال الدراسة والحصول على الدكتوراه بعد فترة عملية"، كان قرار غازي من بين خيارات عدة، فعاد إلى الرياض عام 1964، وإلى جامعتها (جامعة الملك سعود حالياً) تقدّم آملاً بالتدريس الجامعي في كلية التجارة (إدارة الأعمال حالياً)، ولكن السنة الدراسية كانت قد بدأت قبل وصوله، ما جعل أمله يتأجل قليلاً حتى السنة التالية، وفي تلك الأثناء قضى غازي ساعات عمله اليومية في مكتبة الكلية (بلا عمل رسمي)، وقبيل فترة الامتحانات الجامعية جاء الفرج حاملاً معه مكتباً متواضعاً ومهمة عملية، لم تكن سوى لصق صور الطلاب على استمارات الامتحان! وقام حامل الماجستير في العلاقات الدولية بتلك المهمة عن طيب خاطر.
وقبل بدء السنة التالية، طلب منه عميد الكلية أن يجهّز نفسه لتدريس مادتي مبادئ القانون ومبادئ الإدارة العامة، إلا أنه وقبيل بدء الدراسة فوجئ الأستاذ الجامعي الجديد بأنه عضو في لجنة السلام السعودية – اليمنية، التي نصت عليها اتفاقية جدة لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن، وكان أن رشح اسمه كمستشار قانوني في الجانب السعودي من اللجنة، دون علمه، ليأتي أمر الملك فيصل باعتماد أسماء أعضاء اللجنة، فلم يكن هناك بدّ من الانصياع لهكذا عضوية.
ومع أوائل عام 1966 كانت مهمة اللجنة قد انتهت ليعود المستشار القانوني السياسي إلى أروقة الجامعة، وكلف حينها بتدريس سبع مواد مختلفة. وفي 1967 غادر نحو لندن، ليحضّر الدكتوراه هناك، وكتب رسالته حول حرب اليمن، ثم عاد إلى الرياض في 1971، ولكنه قد أصبح (الدكتور) غازي، ليبدأ مشواره العملي، ويصل إلى مجلس الوزراء بعد أربع سنوات في التشكيل الوزاري الذي صدر عام 1975 م.
الأستاذ الجامعي والوزير والسفير
مع بداية عام 1971 عاد الدكتور غازي القصيبي للعمل في الجامعة بعد أن حصل على درجة الدكتوراه من لندن في المملكة المتحدة، وأدار بعد عودته بقليل مكتباً للاستشارات القانونية كان يعود لأحد أصدقائه، ومن خلال هذه التجربة التي يعترف الدكتور غازي بأنه لم يوفق فيها تجارياً، يبدو أنه وفق بشأن آخر، وهو التعرف على طبيعة المجتمع السعودي بشكلٍ أقرب، من خلال تعامله مع زبائن المكتب.
في تلك الفترة أيضاً كانت الفرصة قد سنحت للكتابة بشكل نصف شهري في جريدة الرياض، مع إعداد برنامج تلفزيوني أسبوعي يتابع المستجدات في العلاقات الدولية، وكان لظهوره الإعلامي دور في ترسيخ هذا الاسم في ذاكرة العامة. وفي تلك الأثناء كذلك شارك القصيبي مع مجموعة لجان حكومية كانت بحاجة إلى مستشارين قانونيين ومفاوضين مؤهلين، من ضمنها لجان في وزارة الدفاع والطيران ولجان في وزارة المالية والاقتصاد الوطني وغيرها.
في تلك الحقبة من بداية المشوار العملي الحقيقي، كان لا بد أن يكون لبزوغ هذا الاسم ثمن، وكان كذلك بالفعل إذ انطلقت أقاويل حول "عاشق الأضواء" و "عاشق الظهور"، ويعلق الدكتور غازي على ذلك بالقول: "تعلمت في تلك الأيام ولم أنس قط، أنه إذا كان ثمن الفشل باهظاً، فللنجاح بدوره ثمنه المرتفع.. أعزو السبب لظهور هذه الأقاويل إلى نزعة فطرية في نفوس البشر، تنفر من الإنسان المختلف، الإنسان الذي لا يتصرف كما يتصرفون".
وبعد أقل من عام، كان على الأستاذ الجامعي أن يتحول عميداً لكلية التجارة، وهو المنصب الذي رفضه إلا بشرط هو ألا يستمر في المنصب أكثر من عامين غير قابلة للتجديد، فكانت الموافقة على شرطه هذا إلى جانب شروط أخرى رحب بها مدير الجامعة. وبدأت تنمو الإصلاحات في الكلية ونظامها وسياستها بشكلٍ مستمر وبنشاط لا يتوقف. حتى عاد أستاذاً جامعياً بعد عامين.
وفي 1973، كان القرار الهام، الانتقال من الحياة الأكاديمية إلى الخدمة العامة، في المؤسسة العامة للسكة الحديدية، وكان سبق أن عرض عليه الأمير نايف وزير الداخلية أن يعمل مديراً عاماً للجوازات والجنسية، ولكنه رفض، أما إدارة مؤسسة السكة الحديدية "فأثارت شهية الإداري الذي ولد داخل الأكاديمي"، على حد وصف الدكتور غازي.
و قبل أن يتضح له أنه بدأ شيئاً فشيئاً يتحول إلى "وزير تحت التمرين"، كان قد التقى مرات عدة مع الأمير فهد (آنذاك)، حتى أنه شرح له في إحدى المرات فلسفة المملكة التنموية، وكأن ذاك درس للطالب النجيب لينتقل نحو مجلس الوزراء، وهذا ما حدث بالفعل في عام 1975، ضمن التشكيل الوزاري الجديد، إذ عُيّن وزيراً لوزارة الصناعة والكهرباء، ويذكر المواطن من ذلك الجيل أن الكهرباء حينها دخلت كل منزل أو على الأقل غالبية المنازل في السعودية وخلال فترة وجيزة، كذلك كان من أهم إنجازات تلك الفترة نشوء شركة "سابك" عملاق البتروكيماويات السعودي. وكانت قد ظهرت آنذاك العلامة المميزة لغازي القصيبي: الزيارات المفاجئة.
يعترف غازي الوزير، أنه لم يكن بوسعه تحقيق ما حققه لولا "الحظوة" التي نالها لدى القيادة السياسية للبلد، وهذه الحظوة لم تكن بالطبع لتأتي من فراغ، وتوطدت أكثر مع الأمير فهد، ولي العهد. وفي يوم من أواخر عام 1981، كان الأمير فهد قد قرر تعيين غازي وزيراً للصحة، وهو ما تم بعد تولي الملك فهد مقاليد الحكم عام 1982، ويقول الوزير الجديد، حينها، في هذا الشأن: "كانت ثقة الملك المطلقة، التي عبر عنها شخصياً وفي أكثر من وسيلة ومناسبة، هي سلاحي الأول والأخير في معارك وزارة الصحة"، وفي تلك الوزارة كانت التغييرات حثيثة ومتلاحقة، نحو الأفضل بالطبع، ظهر غازي في تلك التغييرات كإنسان أكثر من كونه وزيراً أو إدارياً، وربما كان لطبيعة العمل الإنساني في وزارة الصحة دور كبير في هذا.
كان من الأمثلة على ذلك، إنشاء جمعية أصدقاء المرضى، وإنشاء برنامج يقوم على إهداء والدي كل طفل يولد في مستشفيات الوزارة، صورة لوليدهم بعد ولادته مباشرة، مع قاموس للأسماء العربية! هذا فضلاً عن تعزيز عملية التبرع بالدم وبث ثقافتها وتحفيز المواطنين نحوها، كذلك ظهرت لمسات روحانية كتعليق آيات من القرآن الكريم داخل المستشفيات وتوزيع المصاحف على المرضى المنومين.
ولكن الأكيد، أنه ومع كل تلك النجاحات التي ما زالت آثار نتائجها باقية حتى اليوم، لم تكن النهاية سعيدة! إذ صدر أمر ملكي بإعفاء الوزير القصيبي من وزارة الصحة، وكان ذلك في أواسط عام 1984، يقول غازي عن الإعفاء: إنه كان "دراما إنسانية معقدة"، وكانت قصيدة (من المتنبي إلى سيف الدولة) قد دقت الوتد الأخير (أو هي كل الأوتاد) في العلاقة الودية بين الوزير ورئيسه في مجلس الوزراء الملك فهد، فكان الإعفاء.
وبعد شهر واحد فقط، صدر تعيينه سفيراً للملكة في دولة البحرين، بناءً على رغبته، وبقي كذلك لثماني سنوات، حتى صدر قرار تعيينه بعد استشارته سفيراً للمملكة في بريطانيا، وظل هناك طوال إحدى عشرة سنة، ليعود من السلك الدبلوماسي نحو الوزارة، وزيراً للمياه ثم المياه والكهرباء بعد أن دمجتا في وزارة واحدة، لينتقل مؤخراً نحو وزارة العمل، التي ما زالت ترضخ للمُصلح، وإن لم يتبق إلا قليل من درب الخروج من الأزمة.
غازي الشاعر والروائي والكاتب
كان لغازي ميول أدبية جادة، ترجمها عبر دواوين أشعار كثيرة، وروايات أكثر، وربما يعدّ بسببها أحد أشهر الأدباء في السعودية، ويظل رمزاً وأنموذجاً جيداً لدى الشباب منهم، وكالعادة، فالمبدعون لا بد أن تحاصرهم نظرات الشك، وتلقى إليهم تهم لها أول لكنها بلا آخر، ولا سيما أن متذوقي الأدب قلة، ومحبي حديث الوعاظ المتحمّسين غالبية، وابتدأت تلك المشاحنات من جانب الوعاظ مع إصداره لديوانه الشعري الثالث "معركة بلا راية" عام 1970، إذ ساروا في وفود وعلى مدى أسابيع عدة، نحو الملك فيصل لمطالبته بمنع الديوان من التداول، وتأديب الشاعر، فأحال الملك فيصل الديوان لمستشاريه ليطلعوا عليه ويأتوه بالنتيجة، فكان أن رأى المستشارون أنه ديوان شعر عادي لا يختلف عن أي ديوان شعر عربي آخر، إلا أن الضجة لم تتوقف حول الديوان واستمرت الوفود بالقدوم للملك فيصل، فما كان منه سوى أن شكل لجنة ضمت وزير العدل ووزير المعارف ووزير الحج والأوقاف، لدراسة الديوان أو محاكمته بالأصح، وانتهت اللجنة إلى أن ليس في الديوان ما يمس الدين أو الخلق، ولا تمر هذه الحادثة في ذهن القصيبي إلا ويتذكر موقف الملك عبد الله بن عبد العزيز من هذه القضية، إذ يقول غازي: "سمعت من أحد المقربين إليه أنه اتخذ خلال الأزمة موقفاً نبيلاً وحث الملك فيصل على عدم الاستجابة لمطالب الغاضبين المتشنجة".
فيما بعد توالت الإصدارات بين دواوين الشعر والروايات والكتب الفكرية، ومن دواوينه الشعرية : صوت من الخليج، والأشج، واللون عن الأوراد، وأشعار من جزائر اللؤلؤ، وسحيم، وللشهداء. ومن رواياته شقة الحرية، والعصفورية، وسبعة، وهما، وسعادة السفير، ودنسكو، وسلمى، أبو شلاخ البرمائي، وآخر إصداراته في الرواية: الجنيّة. وفي المجال الفكري له من المؤلفات: التنمية، الأسئلة الكبرى، والغزو الثفافي، وأمريكا والسعودية، وثورة في السنة النبوية، والكتاب الذي وثق فيه سيرته الإدارية والذي حقق مبيعات عالية: حياة في الإدارة.
وأحدثت معظم مؤلفات الشاعر والروائي والمفكر غازي القصيبي ضجة كبرى حال طبعها، وكثير منها مُنع من التداول في السعودية، ولا سيما الروايات، ولا يزال فيها ما هو ممنوع حتى هذه اللحظة.
وعلى المستوى الروائي يكاد يُجمع المهتمون بأن روايتي شقة الحرية والعصفورية، هما أهم وأفضل وأشهر ما كتب القصيبي، في حين احتفظ ديوان معركة بلا راية بمرتبته المتقدمة بين دواوين الشعر الأخرى، وفي المؤلفات الأخرى، يبقى حياة في الإدارة واحداً من الكتب التي حققت انتشاراً كبيراً رغم أن ثقافة القراءة كانت شبه معدومة حينها في المجتمع (نشر الكتاب عام 1998، وهو عام بائس في التاريخ السعودي انخفض فيه سعر برميل النفط إلى أقل من 10 دولارات).
وتواصل غازي مع المشهد الثقافي السعودي عبر إصداراته شبه السنوية، وأثار ضجة أخرى مؤخراً عندما قدّم لرواية (بنات الرياض) للروائية السعودية رجاء الصانع، وهي الرواية التي تواجه مصيراً يكاد يقترب من مصير معركة بلا راية عند صدوره.
وفي الشأن الأدبي، لا تخلو سيرة غازي الوزير من مواقف طريفة تسبب بها غازي الأديب، إذ يروي القصيبي أنه في أحد الأيام إبان وزارته في الكهرباء والصناعة حصل انقطاع للكهرباء في أحد أحياء الرياض، وكان القصيبي يذهب إلى مقر الشركة ويتلقى الشكاوى الهاتفية مع موظفي السنترال كلما حدث انقطاع، فلما كان ذاك اليوم، وأثناء تلقيه للاتصالات على سنترال الشركة، حادثه مواطن غاضب قائلاً: "قل لوزيركم الشاعر إنه لو ترك شعره واهتم بعمله لما انقطعت الكهرباء عن الرياض"، يقول غازي: "فقلت له ببساطة: شكرا.. وصلت الرسالة! فقال: ماذا تعني؟ قلت: أنا الوزير! قال: احلف بالله! فقلت: والله. وكانت هناك لحظة صمت في الجانب الآخر قبل أن تهوي السماعة".
ودارت نزاعات فكرية ثقافية بين غازي ومجموعة من الصحويين في أواسط التسعينات، حولها الصحويون من اختلافات إلى خلافات، ووصلوا فيها إلى مراحل متقدمة من الطعن في غازي عبر المنشورات والمنابر وأشرطة الكاسيت، فأصدر غازي حينها كتاباً بعنوان "حتى لا تكون فتنة" وهو بمثابة الرسالة، يوجهها نحو من جعلوا أنفسهم خصوماً له، وأشهرهم ناصر العمر وسلمان العودة، وانتهت تلك المرحلة بسلام.
ورغم أن البعض يرى أدب غازي متطرفاً نحو اليسار، إلا أن لآخرين رأيهم بأنه متطرف لليمين، ولا سيما في أدبياته الأخيرة، وخصوصاً قصيدة الشهداء، التي مجّد فيها غازي للعمليات الانتحارية (في فلسطين) ، وأشاع بعضهم حينها أنها كانت سبباً لتدهور علاقاته الدبلوماسية في بريطانيا، فكان أن نُقل من السفارة عائداً إلى الوزارة، وذلك بعد نحو عام من نشر القصيدة.
ويستشهد القصيبي بقول الأديب السوري محمد الماغوط: "ما من موهبة تمر بدون عقاب"، ويضيف عليها: "وما من موقف يمر بلا ثمن !".
وفاته
توفي عن عمر يناهز السبعين عامًا في يوم الأحد 5 رمضان 1431 هـ الموافق 15 أغسطس 2010 الساعة العاشرة صباحًا في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض بعد معاناة طويلة مع مرض سرطان القولون ، رحمه الله
وكان رحمه الله قد تردّت حالته الصحية خلال الأيام الماضية بعد أن تمّ نقله إلى المستشفى قبل شهر ونصف من مملكة البحرين التي ذهب إليها لقضاء فترة للنقاهة لم تتجاوز الشهرين من إجرائه لعملية جراحية بسبب إصابته بمرض سرطان المعدة في الولايات المتحدة الأميركية في شهر تشرين الثاني - نوفمبر من العام الماضي.
القصيبي الذي يعتقد بأنّه أحد ضحايا الأخطاء الطبيّة القاتلة تعرّض لوعكة صحية أفقدته أكثر من 40 كغ من وزنه ادخل على أساسها إلى المستشفى التخصصي الذي أمر بنقله إلى أميركا حيث أجريت له العملية إلاّ أن الوعكة الأخيرة قبيل الشهر التي عاد بموجبها إلى المستشفى التخصصي وهو نقطة البداية لعلاجه لتكن هي آخر أيامه المعدودة ولتعلن وفاة الرمز السعودي الأكبر أدبيًّا وعمليًّا. وقد نعاه الأدباءوالمثقفون والمسؤولون ونعته الصحف العربية والعالمية وكتب عنه كثير من الأدباء والكتاب. [3].
* * *
أدباء مصريون: القصيبي موهبة متفردة وشاعر عميق التأثير
القاهرة: حازم عبده
أكد عدد من الأدباء والشعراء المصريين أن رحيل الشاعر الدكتور غازي القصيبي يعد خسارة فادحة للشعر العربي، لأنه مثل ظاهرة متفردة في تجربته ونبوغه الشعري، ويعد ملمحاً أساسياً في شعر السعودية والبحرين بل والشعر العربي.
وقال صاحب موسوعة الشعر العربي الحديث والمعاصر الشاعر والناقد الدكتور يوسف نوفل – والذي كتب كثيراً عن تجربة القصيبي الشعرية - أول شيء بالنسبة له أنه يشكل ظاهرة فريدة من حيث غلبة الموهبة على التخصص، فنحن نعلم أنه رجل تخصص في الناحية العلمية، كما تقلد عدة وزارات، إلا أن الذي غلب على السمت العام له أولاً النبوغ الشعري، ثانياً الانشغال بالهم الثقافي، وهو هنا من الشعراء القلائل أيضاً الذين تحولوا بالوجدان والعاطفة إلى الفكر والموقف، حتى لنستطيع أن نقول إن غازي القصيبي تحول من موقع الشاعر المبدع إلى المفكر الموجه، ونحن نعلم أن موهبته الشعرية ظهرت في مصر ونبوغه كذلك وصادف أنه كان يسكن مجاوراً للناقد الراحل الدكتور عبد القادر القط فعرض عليه مجموعة أشعاره الشبابية.
ومن المؤكد أن القط وجهه. وقد حدثني في شيء من ذلك، وقد بدأت تظهر دواوين غازي القصيبي منذ ديوان" أشعار من جزائر اللؤلؤ" ثم "قطرات من ظمأ " فديوان "معركة بلا راية "فديوان "أبيات غزل"، و الأهم من هذا كله أن يقدم لنفسه وعن نفسه سيرة شعرية عام 1980 عن دار الفيصل كأنما اختارت له قصائد مختارة ودواوين أخرى. ولكن أتوقف عند الجانب الإنساني عندما توفي أخوه كتب شعراً كثيراً عنه كأنه يقدم رثاءً له. وعلى ذكر هذا الرثاء الأخوي العائلي وربطاً بحديثي السابق عن تحول الشاعر المبدع إلى المفكر الخلاق، فإنه قدم ديواناً من دواوينه اختار له هذا العنوان : " مرثية فارس سابق "أي أنه أراد أن يقول إن مهمته في الحياة أن يكون فارساً من فرسان الثقافة والتحضر والتقدم .
أما أمين عام مجمع اللغة العربية بالقاهرة الشاعر والناقد فاروق شوشة فلم يتمالك نفسه حين علم برحيل القصيبي من "الوطن"، نظراً للصلة التي كانت تربطه به، وقال إنه ملمح أساسي في شعر السعودية والبحرين معاً، باعتباره ينتمي إلى المنطقتين وله معجمه الشعري المتميز واقتحاماته الشبيهة بما كان يفعله نزار قباني في مرحلته الأخيرة، لذا أصبحت بعض قصائده السياسية تلقى الصدى والتأثير الذي كانت تحدثه قصائد نزار قباني للعرب. وفي دواوين غازي القصبيي عالم متميز يموج بالعواطف الإنسانية وتتمثل دائماً في منظومة القيم النبيلة التي يعيشها وجدان شاعر عربي عميق الانتماء إلى هوية أمته وإلى موروثها الثقافي والروحي، بحيث إن هذه الهوية العربية هي التي شكلت قسمات شعر غازي القصيبي وملامحه الأساسية. وقد استطاع بفطرته الشعرية وثقافته وقراءاته وتجاربه الإنسانية الحية أن يكون له عالمه الشعري بمذاق خاص ولغته الشعرية بإحساس عميق وصياغة محكمة وقدرة على تجسيد الصور وتعميق الأحداث.
وخلص شوشة إلى القول إن الشعر العربي المعاصر يخسر برحيله شاعراً كبير القامة، موفور العطاء، عميق التأثير.
2010-08-16
* * *
أضعف الإيمان - غازي ذو المكانتين
جمع غازي القصيبي بين موقعه الرسمي، ومكانته الشعبية، على نحو يعد سابقة في الحكم والإدارة. وهو مارس توفيقاً وتناقضاً بين المكانتين بطريقة لم يحققها أحد من قبل. لم يفقد أياً من الموقعين، أو يضحي به على حساب الآخر. كأنه بالتناقض قرّب الشاعر الى الوزير، وحمى الشاعر من السفير. انحاز غازي للشاعر في داخله ضد الوزير في عهد الملك فهد، وكتب قصيدة شهيرة مطلعها “بيني وبينك ألف واش ينعب/ فعلام أسهب في الغناء وأطنب”، وفقد منصبه. وسرعان ما عين سفيراً في البحرين، فوجد الملك الراحل أن القصيبي صار سفيراً مختلفاً، فعينه سفيراً في بريطانيا. فعاود الانحياز الى الشاعر مرة أخرى، ورثى الفتاة الفلسطينية آيات الأخرس التي فجرت نفسها في عملية انتحارية، وخاطبها بعروس العوالي، فأغضب بريطانيا، وعاد الى بلاده وزيراً.
لا شك في أن غازي القصيبي أدار الجدل، وان شئت الصراع، الذي في داخله، بين شخصية الوزير والمسؤول ورجل الدولة من جهة، وشخصية الفنان والشاعر والروائي والكاتب والمفكر من جهة ثانية، على نحو درامي متقن، ومثير للإعجاب والدهشة. جعل من الصراع انسجاماً وسكينة وتألقاً. كان يبدو متصالحاً مع نفسه طوال الوقت، رغم ضجيج الصراع، وإن شئت التناقض، في داخله. ليس هذا فحسب، بل هو استطاع، على مدى اربعة عقود، أن يطمئن أهل الدولة انه منهم، وأن ولاءه لهم. ويقنع أهل الشعر والأدب والفن انه رفيق هموهم ومعاناتهم. ويشعر الناس انه وزيرهم وشاعرهم وكاتبهم ومفكرهم. غازي لم يكن يلعب دوراً، ويستعير الآخر. كان رجل دولة بامتياز، وشاعراً ومبدعاً بامتياز في آن.
الأكيد أن غازي القصيبي له صفة أولى، وأخرى وصيفة. مكانة أصيلة، وأخرى تالية او رديفة. غازي كان شاعراً وكاتباً وأستاذاً جامعياً، ومفكراً فريداً قبل ان يكون وزيراً. لكن عظمة غازي القصيبي انه جمع هذه المواهب والقدرات وجعل منها شخصية يصعب تفكيكها، او تمييز او تفضيل بعضها عن بعض. كان القصيبي شاعراً كبيراً، وكاتباً مبدعاً، ووزيراً نزيهاً وشريفاً وناجحاً. وبرحيله فقد الشعب السعودي علماً كبيراً في الإدارة، والإبداع، والتجديد، والشجاعة، والجرأة، والفروسية في الحوار والاختلاف. رحم الله غازي القصيبي.
الإثنين, 16 أغسطس 2010
* * *
غازي القصيبي.. المتدين بحق!
أغالب الليل الحزين الطويل أغالب الداء المقيم الوبيل
أغالب الآلام مهما طـغت بحسبي الله ونعم الوكيل
الله يدري أنني مــؤمن في عمق قلبي رهبة للجليل
كانت هذه من آخر قصائد الإنسان النبيل قبل كل الألقاب الدكتور غازي القصيبي ـ رحمه الله ـ الذي فجعنا بخبر رحيله بالأمس، حيث نقلته لي رسائل الأصدقاء والزملاء على هاتفي؛ لدرجة أنه أعادني للكتابة هنا في "الوطن" بعد انقطاع بضعة أسابيع وددت أن تطول؛ فأنت مع هذا الخبر لا تحمل سوى أضعف الإيمان بالدعاء لهذا الإنسان المؤمن الذي لا يتكرر مرتين!! لماذا؟! لأنه كان متدينا بالفعل ومعبرا عن جوهر دين عظيم هو الإسلام في إنسانيته وتواضعه الجم والتزامه بمبادئه والأخلاقيات الرفيعة رغم كل اتهامات معارضيه الحاقدين من المتاجرين بالأيديولوجية ضده؛ ممن استنهضوا الناس لمعارضته برميه بالعلمانية مرة وبالليبرالية مرة أخرى!! ويكفي القصيبي تدينا أنه كان صادقا في إخلاصه الإنساني المترجم في إبداعه الأدبي ومعاملته الراقية في عمله الوزاري والدبلوماسي، يكفيه أنه كان صادقا في مبادئه وأخلاقه؛ وقبل كل ذلك في طموحاته الوطنية التي لا توازيها سوى طموحات المخلصين أمثاله من القلة النادرة العاملة الآن بيننا ممن اعتلوا المناصب؛ وحتى في مواقفه العملية. فما أزال أتذكر قبلته وهو الوزير الأديب على جبين شاب سعودي يعمل نادلا في أحد المطاعم بجدة حين اعتمر قبعة العمل وبدلة نادل مثله مثلهم؛ ليخدم زبائن المطعم مع الشباب ثلاث ساعات متواصلة دون تذمر والابتسامة لا تفارق محياه.
غازي القصيبي؛ أضاف بإنسانيته وتواضعه الجم والتزامه بقضاياه لكل الألقاب التي سبقت اسمه؛ ولا يمكن أن ينكر حتى معارضوه من المؤدلجين ضد التنمية الفكرية والاجتماعية؛ أنه كان من أكثر المخلصين في مشاريعه الوطنية؛ وما حمله من رؤى فكرية تنموية في تطوير سوق العمل المحلي ودفع الشباب للمهن اليدوية خلال سنوات عمله في منصبه الوزاري الأخير كانت تسبق بمراحل ضوئية ثقافة مجتمع يدين بالأعراف والتقاليد وينسى أن نبي هذه الأمة محمد عليه الصلاة و السلام كان راعي غنم؛ ثقافة ما تزال تصنف الناس بين خضيري و قبيلي!! وهذا سعودي أصلي وذاك غير أصلي! ثقافة يحسب أفرادها العمل مجرد مكتب مكيف ودوام وظيفي وراتب آخر الشهر؛ ثقافة تحسب المرأة مجرد متاع وآلة تفريخ و"كومة لحم" فيعيب عليها أن تكون بائعة محترمة ولا يمانع أن تكون شحاذة على أبواب الجمعيات الخيرية أو تحترق كبائعة تحت الشمس في الشارع نتيجة أفكار وأعراف دخيلة على دين الإسلام.
غازي القصيبي ـ رحمه الله ـ رجل لن يتكرر مرتين؛ فلم يعرف في حياته سوى العلم والعمل والأدب والفكر، رحل صباح الأمس إلى بارئه تاركا إرثا ثمينا للمجتمع السعودي؛ إرثا أدبيا وفكريا وإداريا وطموحات وطنية كبرى، فهل سنستفيد منها أم تمرّ مرور الكرام كالسابقة؟ رحمه الله تعالى وأسكنه عظيم جناته.
* * *
الفقيد غازي يكتب “حراً”
ارتعدت اليد وسقط القلم، فنزف حباً وحبراً وفكراً وشعراً ونثراً في غياب عراب التجديد.
كيف لا؟! وهو يبحث عن كلمات تليق بعزاء ورثاء غازي القصيبي، فقيد المملكة العربية السعودية الشاسعة والوطن العربي الكبير، وفقيد أصدقاء كثر في أرجاء المعمورة.
رحمك الله يا غازي.. وألهم الله زوجتك وأبناءك وأسرتك وأهلك الصبر والصبر والصبر. نُقل خبر وفاة أبي سهيل صباحاً، في خامس أيام شهر رمضان الكريم 1431هـ.. في شهر الرحمة والمغفرة والخير والبركات.
رحمك الله يا غازي.. فلم تكن فقيداً لعائلة صغيرة يا أبا سهيل، بل فقيد كل عقل عربي يبحث عن التغيير والتفكير والتقدير.
نظرت إلى صورة قديمة تجمعني بالوزير والشاعر والديبلوماسي القدير غازي، فاجتاحتني عاصفة من الألم والحزن، وسقطت من عيني دموع محبة تقديراً لرجل قدره كبير في نفسي، ولا اعتراض على قضاء الله وقدره.
عرفت القصيبي دؤوباً، يسأل عن الكل، ويتمحص العبارات، ويفحص الكلمات، ويشجع كل عقل جديد وكل صاحب مشروع جريء يأتي بمصلحة الوطن أولاً.
عرفته سنوات طويلة، وفي كل مرة أجده كما كان، وفياً وكبيراً لا يتغير، بل في كل مرة ألتقيه فيها أشعر بكبر قلبه وعقله وديبلوماسيته وحيويته وحبه للعلم والتعليم.
عرفته وهو سفير، وقبلها وزيراً، وبعدها وزيراً، وقبل هذه وتلك كان غازي الإنسان المثقف والشاعر والروائي المتقد بالأحاسيس والمحب للعمل ولكل الناس.
أعذرني أبا سهيل، فقد سقط القلم من يدي مرة ثانية وثالثة، وتساقطت من عيني دموع حزن وألم كبير يعتصران قلبي لفقد رجل مختلف مثلك، وجدناه مثالاً للتغيير والتصالح مع نفسه وذا الوجه الواحد في زمن تتشكل فيه الوجوه وتتنوع وتتعدد وتتسع بينها المسافات والحسابات.
لقد عبر غازي بفكره إلى محبيه وقرائه، من المحيط إلى الخليج، بطرق “غير مفروشة” بالورد، بعد أن واجه تحديات أصحاب “الحسابات” والأصوات “النشاز” بكل قدرة وشجاعة في مراحل عمرية، لا خيالية كما يكتبها البعض، من وراء جدران “عنكبوتية” وتحت أسماء مستعارة.
لقد كان القصيبي بشعره ونثره وفكره يرنو إلى بناء إنسان متسامح مفعم بالحب ومهموم بإشغال العقل لخدمة الإنسان. لقد كان عندما تسن الأسئلة أمامه تأتي إجاباته “غازية” مقرونة بالأدلة والأسئلة وعمق التفكير.
رحل غازي بعد أن نجح في وضع علامات استفهام وتعجُّب عند المؤيدين والمختلفين معاً، لأنه كان صاحب الوجه الواحد الذي “يبش” بالصراحة، ويملك الشجاعة عند المواجهة أو المقاومة.
رحل غازي إلى الرفيق الأعلى وأنا مازلت أقرأ كتابه الجديد “الوزير المرافق”، فهو - كما يقول محبوه - لا يزال بيننا يكتب حراً.
ستبقى “شقة الحرية” و”العصفورية” و”دنسكو” و”أبو شلاخ البرمائي” و”سبعة” و”سعادة السفير” و”الجنيّة” و”معركة بلا راية” و”أشعار من جزائر اللؤلؤ” و”للشهداء” و”حديقة الغروب”، و”حياة في الإدارة”، و”عن هذا وذاك” و”باي باي لندن” و”الأسطورة ديانا” و”أقوالي الغير مأثورة” و”ثورة في السنة النبوية” و”حتى لا تكون فتنة” نتاجات حية تقرأها الأجيال بعد الأجيال.
رحل أبو سهيل ووري جثمانه في “مقابر العود” بالرياض، وهو في الأول والآخر في قلب العاصفة. عاش ومات وهو رقم صعب، وذو جمجمة “صعبة المراس”، لذلك سيبقى في القلوب وتنبض بحبه قلوب وقلوب.
رحم الله أبا سهيل.. وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
الإثنين, 16 أغسطس 2010
* * *
عن عمر ناهز السبعين عاماً
الحياة الثقافية والفكرية السعودية تودع القصيبي
فجعت الحياة الثقافية السعودية، صباح أمس الأحد، برحيل الأديب والوزير الدكتور غازي القصيبي (1940- 2010)، بعد صراع مرير مع المرض في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، وذلك بعد تدهور حالة الصحية في اليومين الماضيين. القصيبي تولى عددا من المهام الحكومية والدبلوماسية والوزارية حتى رحيله، إلا أن المشهد الثقافي المحلي يحتفظ لفقيد الأدب والثقافة بمكانة خاصة؛ إذ تعد اسهامات الفقيد الراحل في حقول فنون الشعر والأدب والقصة، علامة فارقة في سماء الأدب المحلي والعربي. ولطالما كانت الأعمال الأدبية لصاحب (شقة الحرية) محل جدل ونقاش واحتفاء الأوساط الثقافية، التي لم يكن بعيدا عنها رغم انشغالاته الإدارية بوصفه وزيرا للعمل. رافدا المكتبة الأدبية بمجموعة دواوين، من أهمها: صوت من الخليج، الأشج، اللون عن الأوراد، أشعار من جزائر اللؤلؤ، سحيم، للشهداء.. وأعمال روائية وهي: شقة الحرية، العصفورية، سبعة، هما، سعادة السفير، دنسكو، سلمى، أبوشلاخ البرمائي، وصولا إلى آخر إصداراته في الرواية: الجنية. إلى جانب ذلك كتب الأديب الراحل العديد من القصائد الوطنية والقومية إضافة إلى مقالات فكرية واجتماعية، متصديا بشراسة لتيارات التطرف الديني ومسجلا موقفا شجاعا تجاه وطنه ومجتمعه في كتاب "كي لا تكون فتنة". مختتما مؤلفاته بكتاب ممتع بعنوان: (الوزير المرافق) صدر أخيراً.
التنقل بين ميادين الكتابة الأدبية والفكرية والاجتماعية لم يك سوى انعكاسا لحياة الطفل الذي ولد في هفوف (الأحساء) وانتقل إلى المنامة ليبدأ هناك أول مشوار العلم والتعلم، مسافرا فيما بعد إلى القاهرة، ليدخل الجامعة نهاية الخمسينيات ويخوض تجربة انسانية مؤثرة، كانت مادة غنية لروايته الشهيرة (شقة الحرية). والتي تعكس عوالم وأحلام ونزوات طلاب، تجمعهم شقة، يطلقون عليها شقة الحرية. أما مرحلة الدكتواره فكانت في لندن بعد أن حصل على الماجستير في "العلاقات الدولية" من أمريكا. ليعود إلى أرض الوطن محملا بالأمل والطموحات التي ليس لها حدود، حقق بعضها في المناصب الادارية، غير أنه بلاشك حقق جلها في تجربته الروائية والأدبية، رغم انه لم يتخل عن القصيدة العمودية الكلاسيكية، مفضلا رحابة فن القصة والرواية، ليعبر من خلالهما عن مستويات عالية من البوح السردي. وتعد رواية (شقة الحرية) التي صدرت منتصف التسعينيات، البداية الحديثة والشرارة الفعلية لانطلاق الموجة الروائية الحالية، حسب ما يشير الناقد الدكتور سحمي الهاجري.
غازي القصيبي رحل جسدا، إلا أن حضوره الأدبي والثقافي لن يغيب أبدا، بل سيكون، محطة مهمة، لا يمكن تجاوزها لمن يريد دراسة الأدب السعودي وتحولاته.
* * *
حسن السبع : فقد متعدد
عادة ما يكون الفقد متعدداً والخسارة كبيرة عندما يرحل رجل بقامة الإداري والسياسي والأديب والشاعر والروائي غازي القصيبي! لكن إذا كانت الحياة هي تلك الروابط والصلات التي تشدنا إليها، وإذا كان العدم هو انقطاع تلك الروابط والأسباب فإن الآثار التي تركها الراحل الكبير وراءه ستبقى تقاوم الفناء وتحقق انتصارها على الموت.
كان الراحل الكبير مرتبطاً بقضاياً مجتمعه الثقافية والاجتماعية والسياسية. وكان مجتمعنا، ومازال، بحاجة إلى صوت جريء يحارب الظلمة ويرسم بكلماته دروباً مضيئة. وقد كان غازي القصيبي ذلك الصوت الذي لا بد منه في أجواء تلك المرحلة المبكرة. كان غازي القصيبي إنساناً قبل أن يكون إدارياً وسياسياً وأديباً.
فهو لا يغفل في تواصله مع الآخرين أصغر التفاصيل. بعثت له عندما كان سفيراً لدى بريطانيا ببعض دواويني الشعرية وبصورة من مقال نشرته بالملحق الأدبي لصحيفة “الرياض” حول شخصية واحدة من روايته “سبعة” بعنوان: “شحتة كنعان فلفل”، وبمجموعة من الأبيات الضاحكة. قلت في رسالتي إليه: “رأيت أن أبعث لكم بهذه النصوص الضاحكة كشكل من أشكال التواصل بين روحين تعشقان النكتة و”تقترفان” الشعر جاداً وهازلاً”. لم يمنعه تعدد مسؤولياته وتشعبها من أن يبعث بالأبيات الضاحكة إلى الأستاذ خالد القشطيني ليعلق عليها في زاويته في صحيفة “الشرق الأوسط”. رحل غازي القصيبي ولمّا يزل يمتلك طاقة خلاقة قادرة على العطاء والإبداع. إنه شبيه بذلك الفلاح الذي يقول في نهاية كل يوم عمل: “لم أتعب.. ولكن الشمس قد غربت”!
نعم.. رحل الأديب الكبير غازي القصيبي - رحمه الله- لكنه سيبقى حاضراً ومقيماً في الذاكرة الأدبية التي تقاوم النسيان، وتنتصر على الفناء.
الإثنين, 16 أغسطس 2010
* * *
أحمد الصياد: وداعاً أيها الفارس
كثيرة هي الأعمال الإبداعية المتنوعة التي أمتعنا بها الدكتور غازي عبدالرحمن القصيبي، وكثيرة هي المواقف السياسية المتميزة التي اتخذها، متجاوزاً التزامات الأنظمة وحذلقة الحكومات. كل هذه الأعمال والمواقف لا بد وأن يتطرق اليها بعمق ومعرفة كل من عرف القصيبي وتابع أعماله وإبداعاته من رجالات الفكر والسياسة. اكتفي في هذه الأسطر العاجلة بذكريات من لقائي الأول ثم الأخير بالدكتور غازي القصيبي. فقد كان لقاؤنا الأول عندما ترشح لمنصب مدير عام الـ “يونيسكو” عام 1999. فقد علم أن اليمن كان قد أعلن ترشيحي لهذا المنصب الدولي بموافقة جامعة الدول العربية. ولهذا بادر شخصياً بالاجتماع بي في باريس، وبلباقة الديبلوماسي وبلاغة الشاعر وبراعة المثقف أقنعني بدعم ترشيحه، قبل أن تتمكن المملكة من إقناع اليمن بذلك.
وقد أقدمت على ذلك حباً وتقديراً لفارس الكلمة وصاحب المواقف، الرجل الذي لا يمكن إلا التسليم بحججه وتقدير مواقفه، واحترام مثله وأخلاقه، والتأثر بتواضع شخصه. كل ذلك على الرغم من ادراكي أن هناك عوامل موضوعية، ليس لها دخل بمواقف الشاعر والمثقف والديبلوسي، تقف حائلة دون وصوله لذلك المنصب رغم الوعود الرسمية، وهذا ما أوضحه الكاتب في روايته الخاصة بهذه التجربة اليونيسكوية التي سماها “دنيسكو”. وأتذكر أن نقاشنا عن الـ “يونيسكو” لم يستمر سوى دقائق معدودة، أما بقية النقاش فقد تناول قضية الحركة القرمطية في العراق والبحرين ثم اليمن. وأعتقد جازماً أن القصيبي قد أثار هذه المسألة لعلمه أنني متأثر بعض الشيء بأفكار هذه الحركة. .
الإثنين, 16 أغسطس 2010
* * *
مثقفون أردنيون : رحيل القصيبي خسارة كبيرة للثقافة العربية
عمان ـ الدستور
توفي ، أمس ، الكاتب السعودي غازي القصيبي ، في الرياض ، الذي طالت شهرته معظم الأقطار العربية بسبب شفافيته من جهة ، وجرأته في تناول الأحداث السياسية والاجتماعية من جهة أخرى ، وهي جرأة سببت له مشاكل وإحراجات في بلاده وصلت إلى حد منعه كتبه من التداول ، وكان د. القصيبي من أبرز الأصوات الداعمة للقضية الفلسطينية بشكل خاص ، والقضايا العربية بشكل عام ، وهو المطل على الخبايا والأسرار من خلال عمله وزيرا وسفيرا لسنوات طويلة. ود. القصيبي من المجددين في القصيدة العربية الحديثة ، ومثّـلت كتاباته ، الشعرية والنثرية ، مرجعا للأجيال الأدبية الشابة في السعودية ومثار جدل في عدد من الأقطار العربية.
"الدستور" استطلعت آراء مجموعة من المثقفين الأردنيين وسألتهم عن القصيبي مفكرا ومثقفا ، وأثر رحيله على المشهد الثقافي العربي ، فكانت هذه الرؤى:
ماهر الكيالي:
"أعتذر لأنني سأنقل لك خبراً سيئاً ولكن القصيبي رحل ،"كان هذا صوت الصديق محمد باغميان ، صاحب "كنوز المعرفة" من جدة. ثم تابع: "إنها سنة الحياة الدنيا ورأيت أن تكون أول من أنقل اليهم الخبر لأنك من اصدقائه".
رحم الله (أبا سهيل) ، عرفته منذ ما يزيد عن عشرين عاماً والتقيت به في مبنى السفارة السعودية في لندن أوائل التسعينيات ، وكانت ذكرى اليوم الوطني للسعودية ، ورغم مشاغله الكثيرة في ذلك اليوم فقد أعطاني من وقته الكثير. ثم التقينا قبل سنوات في منزله بالبحرين ، وسلمني مخطوطة كتابه "سعادة السفير" ودار الحديث بيننا عن هموم النشر والكتاب العربي ، وكان دوماً يسألني عن الراحل عبد الرحمن منيف ، وعن الكتاب السعوديين الذين أنشر لهم. في لقائي الأخير معه ، في مكتبه بوزارة العمل بالرياض ، سلمني مخطوطة كتابه "كي لا تكون فتنة".
نشرت له 20 كتاباً ، حادثته هاتفياً قبل شهر ، وكان يمضي فترة نقاهة في البحرين لأطمئنه بأن كتابه الأخير "الوزير المرافق" الذي خص به المؤسسة العربية للدراسات والنشر هو قيد الطبع ، وطلب مني الاهتمام بمراجعته والحرص على صدوره دون أخطاء مطبعية ، وهو الحريص على الدوام بمراجعة كتبه بنفسه وتدقيقها قبل النشر. وعندما أرسل لي المخطوطة أرفق به كعادته صورة للغلاف تجمعه مع هيملوت شميدت المستشار الألماني.
كان القصيبي حراً مستقلاً في آرائه ، وكان يرفض ـ وهو الوزير المتنفذ ـ أن يتدخل مع السلطات الرقابية في فسح كتبه إلى أن قام وزير الإعلام الحالي عبدالعزيز خوجة بالسماح لجميع مؤلفاته بدخول السعودية ، ويقيني لولا هذا الاعتراف المتأخر بفضله وبأهمية فكره في بلده لمات والحسرة تملأ قلبه. رحمك الله يا (أبا سهيل) ، عزاؤنا جميعاً انك تركت للقارئ العربي ذخيرة لا تنضب من الكتب الإبداعية والفكرية والأدبية.
د. محمد القواسمة:
لا شك أن وفاة د. غازي القصيبي تثير الألم ، ويتضاعف هذا الألم عندما نتعرف معاناته بالمرض منذ سنتين ، كما يزداد الألم حدةّ عندما نتذكر حياته الغزيرة بالعمل ، فهو الوزير والسفير والأكاديمي والشاعر والروائي وكاتب المقالة الصحفية ، فلا شك أن فقدانه خسارة كبيرة للوسط الثقافي العربي بشكل عام. وبرحيل القصيبي نفقد فارسا من فرسان القصيدة الكلاسيكية التي تجلّت في دواوينه: "المعركة بلا راية ، الشهداء ، وحديقة الغروب" ، وروائيا له: العصفورية ، وسعادة السفير ، وشفة الحرية ، ولكننا بهذا الصدد نفرح أن المملكة السعودية قبل أسبوعين من وفاته تقريبا أتاحت المجال لكتبه أن تتداول في المكتبات السعودية بعد منعها مدة طويلة.
ليلى الاطرش:
غازي القصيبي من كبار المفكرين والمغيّـرين الاجتماعيين في بلاده التي يسيطر عليها الفكر المحافظ ، وأعتقد أن القصيبي سعى للتغيير ، ليس فقط من خلال أطروحاته ومؤلفاته الفكرية وأشعاره ورواياته التي أحدثت صدى واسعا في الخليج والعالم العربي ، وأذكر هنا رواية "شقة الحرية" ، وإنما من خلال القرارات التي أصدرها عندما أصبح وزيرا ، لاسيما المتعلقة منها بحقوق المرأة والنهوض بواقعها وتمكينها من دور ريادي في المجتمع ، فغازي القصيبي من المثقفين السعوديين الذين يحسب لهم إيمانهم بضرورة التغيير ، ويكفيه أنه تعرض لحملات عديدة ضده لم يكن ليحميه منها سوى قربه من صناع القرار الذين انتهجوا سياسة عقلانية في التغيير والتعاطي مع المفكرين والمثقفين من أمثاله. وقد عرف القصيبي بصداقاته العديدة والعميقة للكثير من الكتاب والمثقفين العرب وفرضه لبعض الأسماء الأدبية على وسائل الإعلام السعودية ، لاسيما تلك التي تصدر في لندن ، ومن تلك الأسماء الروائي السوداني الراحل الطيب صالح ، فقد وقف القصيبي خلف الكثير منهم ، ورعى الترويج لهم إعلاميا وصحفيا.
د. إبراهيم خليل:
هي مفارقة عجيبة التي تمثلت بالسماح بإدخال كتب المفكر والأديب د. غازي القصيبي إلى السعودية قبيل وفاته بأسبوعين فقط ، ويبدو أن متخذي القرار كانوا يتوقعون رحيله الفاجع هذا ، فأرادوا تكريمه بالسماح بتداول مؤلفاته الشعرية والنثرية. ومما يذكر من أمر القصيبي أنه في عام 1970 نشر ديوانا شعريا بعنوان "معركة بلا راية" ، وقد أثار هذا الديوان عددا كبيرا من الوعّاظ المتشددين ، فثاروا عليه ، وتقدموا بشكوى ضده إلى الملك فيصل ، آنذاك ، وطلبوا بتقديمه للمحاكمة ، ومنع الديوان من النشر ، وقد شكل الراحل لجنة للنظر في الديوان ، ضمت: وزير العدل والمعارف ووزير الحج والأوقات ، وطلب منهم دراسة الديوان ومحاكمته ، وانتهت اللجنة إلى أن الديوان يخلو مما يمس الدين والأخلاق ، وقد توالت بعد ذلك إصداراته الشعرية ، ثم كتب عددا من الروايات التي وضعته في المقام الأول من الكتاب السعوديين.
* * *
غازي بن عبد الرحمن القصيبي
(2 مارس 1940 - 15 أغسطس 2010[1])،
إضاءات على السيرة والمسيرة
تعليمه
قضى في الأحساء سنوات عمره الأولى، ثم انتقل بعدها إلى المنامة بالبحرين ليدرس فيها مراحل التعليم. نال ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة ثم تحصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا التي لم يكن يريد الدراسة بها, بل كان يريد دراسة "القانون الدولي" في جامعة أخرى من جامعات أمريكا, وبالفعل, حصل على عدد من القبولات في جامعات عدة, ولكن لمرض أخيه نبيل, اضطر إلى الانقال إلى جواره والدراسة في جنوب كاليفورنيا, وبالتحديد في لوس أنجلوس, ولم يجد التخصص المطلوب فيها, فاضطر إلى دراسة "العلاقات الدولية" أما الدكتوراة ففي العلاقات الدولية من جامعة لندن والتي كانت رسالتها فيها حول اليمن كما أوضح ذلك في كتابه الشهير "حياةٌ في الإدارة".
حياته العملية
المناصب التي تولاها
- أستاذ مساعد في كلية التجارة بجامعة الملك سعود في الرياض 1965 / 1385هـ
- عمل مستشار قانوني في مكاتب استشارية وفي وزارة الدفاع والطيران ووزارة المالية ومعهد الإدارة العامة.
- عميد كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود 1971 / 1391هـ.
- مدير المؤسسة العامة للسكك الحديدية 1973 / 1393 هـ.
- وزير الصناعة والكهرباء 1976 / 1396 هـ.
- وزير الصحة 1982 / 1402هـ
- سفير السعودية لدى البحرين 1984 / 1404 هـ.
- سفير السعودية لدى بريطانيا 1992 / 1412هـ.
- وزير المياه والكهرباء 2003 / 1423هـ.
- وزير العمل 2005 / 1425 هـ.
أدبه ومؤلفاته
القصيبي شاعر له إنتاجات في فن الرواية والقصة، مثل شقة الحرية ودنسكو وأبو شلاخ البرمائي والعصفورية و"سبعة" وسعادة السفير و"لجنيّة. أما في الشعر فلديه دواوين "معركة بلا راية" و"أشعار من جزائر اللؤلؤ" و"للشهداء" و"حديقة الغروب". وله إسهامات صحافية متنوعة أشهرها سلسلة مقالات في عين العاصفة التي نُشرَت في جريدة الشرق الأوسط إبان حرب الخليج الثانية كما أن له مؤلفات أخرى في التنمية والسياسة وغيرها منها التنمية، الأسئلة الكبرى وعن هذا وذاك وباي باي لندن ومقالات أخرى الأسطورة ديانا و100 من أقوالي غير المأثورة وثورة في السنة النبوية وحتى لا تكون فتنة.
ذكره معلمه والأديب الراحل عبد الله بن محمد الطائي ضمن الشعراء المجددين في كتابة (دراسات عن الخليج العربي) قائلا:
"أخط اسم غازي القصيبي، وأشعر أن قلبي يقول ها أنت أمام مدخل مدينة المجددين، وأطلقت عليه عندما أصدر ديوانه أشعاء من جزائر الؤلؤ الدم الجديد، وكان فعلا دما جديدا سمعناه يهتف بالشعر في الستينيات، ولم يقف، بل سار مصعدا، يجدد في أسلوب شعره، وألفاظه ومواضيعه".
يعد كتاب حياة في الإدارة أشهر ما نشر له، وتناول سيرته الوظيفية وتجربته الإدارية حتى تعيينه سفيراً في لندن. وقد وصل عدد مؤلفاته إلى أكثر من ستين مؤلفاً. له أشعار لطيفة ومتنوعة ورواية سلمى
متفرقات
- منح وسام الكويت ذو الوشاح من الطبقة الممتازة 1992
- منح وسام الملك عبد العزيز وعدداً من الأوسمة الرفيعة من دول عربية وعالمية. لديه اهتمامات اجتماعية مثل عضويته في جمعية الأطفال المعوقين السعودية وهو عضو فعال في مجالس وهيئات حكومية كثيرة.
* * *
إتحاد الأدباء في اليمن ينعى الأديبين الكبيرين أحمد السقاف وغازي القصيبي
صنعاء- سبأ نت:
|
مشيعون يحملون جثمان وزير العمل غازي القصيبي لدفنه بمقبرة العود في الرياض أمس |
نعى الإتحاد العام للأدباء وإلكتاب اليمنيين اليوم الشاعرين والأديبين الكبيرين اليمني أحمد السقاف الذي وافته المنية الجمعة الماضية عن عمر ناهز 91 عاما والدكتور غازي القصيبي الذي إنتقل أمس الأحد إلى جوار ربه عن عمر قارب 70 عاما.
وأكدت الأمانة العامة للإتحاد في بيان نعي تلقت وكالة الانباء اليمنية /سبأ/ نسخة منه إن الساحة الثقافية فقدت برحيل أحمد السقاف احدا أهم رجالات الثقافة والشعر والتعليم في اليمن والوطن العربي وعلما من أعلام الشعر في العصر الحديث.
وعدد البيان أبرز الأعمال والمهام اللتي شغلها السقاف في حياته واسهامه في اثراء المشهد الثقافي خلال استقراره بدولة الكويت، منها تأسيسه في العام 1946م ندوة أدبية متنقلة تعقد مساء كل خميس، واصدر مجلة كاظمة عام 1948 م وإنشأ النادي الثقافي القومي عام 1952م وتولي
عدد من المناصب الإدارية كما اصدر خلال مسيرته لأدبية والثقافية (13) كتاباً في الشعر والأدب واللغة.
وفي بيان نعي منفصل أكدت أمانة الإتحاد أن رحيل قامة بحجم الشاعر والأديب العربي الدكتور غازي القصيبي خسارة كبيرة للأدب والثقافة العربية كونه أحد أبرز الشعراء العرب السعوديين خلال الخمسين عاماً الماضية، معتبرة منجزه الإبداعي في الشعر والرواية إضافة حقيقية
للإبداع العربي بشكل عام.
وعبر اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين عن أحر التعازي وصادق المواساة لأسرة الراحل وكافة الأدباء في المملكة العربية السعودية خاصة والوطن العربي بشكل عام.
16 أغسطس 2010
* * *
حزن عربي واسع لرحيل "غازي الكاريزما والكلمات"
نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت ومفتي المملكة يؤم المصلين
الرياض، جدة، القاهرة، المنامة: الوطن
|
جثمان الوزير غازي القصيبي لحظة إدخاله سيارة الإسعاف في طريقه لمقبرة العود أمس |
واصل الموت خطف قيادات ورموز الثقافة والفكر والأدب في الوطن العربي وضم إلى راحلي هذا العام صباح أمس الشاعر السعودي الدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي عن سبعين عاما. حيث فجعت الأوساط الثقافية والاجتماعية بوفاته في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، ونعاه الديوان الملكي في بيان جاء فيه أن الفقيد - رحمه الله- من رجالات الدولة الذين خدموا دينهم ومليكهم وبلادهم بكل تفانٍ وإخلاص، وتقلّد عدة مناصب كان آخرها وزيراً للعمل. فيما تقدم أمير منطقة الرياض بالنيابة الأمير سطام بن عبدالعزيز بعد عصر أمس المصلين على الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي بجامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض. و أم المصلين سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ. واهتمت عديد العواصم العربية بنبأ وفاة القصيبي المولود في الأحساء ( شرق السعودية) عام 1940 م، وعبرت النخب فيها عن حزنها، وتحدثت البحرينية أمل مرزوق عن علاقة القصيبي بالبحرين وكيف نسج علاقات وطيدة هناك.
بينما أكدت نخبة من المصريين أن رحيل القصيبى يعد خسارة فادحة للشعر العربي لأنه مثل ظاهرة متفردة في تجربته ومحليا تساءل الكاتب حمد القاضي مذهولا والعبرة تخنقه (هل مات غازي القصيبي ؟) وتابع غازي لا يموت .. رحل عنا بجسده فقط .. لكنه باق بشعره, بكتبه, بأعماله الوطنية والإنسانية والعربية والعملية.
ومثلت سيرة القصيبي محطات انقلابية متحولة، أسرته من الأحساء، أخواله من مكة ، نشأ وترعرع في البحرين، تكون سياسيا وفكريا في القاهرة، وتشكل أكاديميا في أمريكا. لكنه بالأمس فقط ، وخبر وفاته تتناقله كل وسائط الميديا، استعاد مراقبون أنه واحد من رجالات السعودية المؤثرين في عصره الحديث إن في الساحة الأدبية بانتمائه إلى جيل المؤسسين لقصيدة التفعيلة في السعودية، وباجتراحه التابو في كتابة الرواية من خلال إصداره (شقة الحرية) 1995 التي يكاد يجمع النقاد والمراقبون على أنها كانت فاتحة لمرحلة جديدة في تاريخ الرواية في السعودية. وفي الساحة الإدارية والعملية ظل القصيبي متمتعا بقدر من (الكاريزما) التي ميزت عطاءه في كل المناصب التي تقلدها بدءا من وزارة الصناعة والكهرباء عام 1995 م حتى آخر وزارة تقلدها وهي وزارة العمل. حتى حط رحاله أخيرا في مستشفى الملك فيصل التخصصي وأسلم روحه لبارئها.
2010-08-16
* * *
حركة في مبيعات إصدارات القصيبي في يوم وفاته
إرتفعت مبيعات كتب الأديب السعودي الراحل غازي القصيبي في عدد من المكتبات السعودية فور إعلان نبأ وفاته صباح الأحد الخامس عشر من أغسطس .
الرياض : يأتي ذلك مع بدء المكتبات توفير جميع الإصدارات التي كانت ممنوعة حتى وقت قريب، قبل أن يوجه وزير الإعلام الدكتور عبد العزيز خوجه بفسح جميع إصدارات الوزير الأديب والسماح لها بأخذ أماكنها في رفوف المكتبات السعودية.
وفي جولة سريعة قامت بها إيلاف في عدد من مكتبات الرياض جدة والاتصال هاتفياً بالبعض الآخر للاستفسار حول الإقبال الإصدارات الخاصة بالقصيبي، اتفق كثير من الباعة على أن حركة البيع على كتب القصيبي شهدت ارتفاعا ملحوظات مع ساعات اليوم الأخيرة، في حين قال بعضهم إنهم يتوقعون إقبالاً أكثر مع الأيام المقبلة.
وقال أحمد مؤمن وهو بائع في مكتبة البيان "إن فترة العصر شهدت طلباً ملحوظاً لبعض كتب الدكتور غازي، مضيفاً بأن الحكم لازال مبكراً حتى مرور عدة أيام قبل أن يتأكد تأثير وفاته على حركة مبيعات كتبه".
فيما قال أحد موظفي قسم الكتب العربية بمكتبة جرير " إن الإقبال مثل الأيام العادية ولا توجد حتى الآن أي زيادة في الطلب أو حتى السؤال عن كتبه " . و قال مدير فرع جرير في الرياض " أن الإقبال مازال كالمعتاد ".
كما قال مدير المبيعات في مكتبه الشقري "أ التقييم سيكون بعد مرور ثلاثة أيام ، إذ نتوقع زيادة الإقبال ".
فيما أجمع البقية على أن الأيام القادمة ستشهد إقبال كبير على المكتبات بحث عن روايات وكتب القصيبي .
ويذكر أن الأديب والوزير السعودي له عدد من المؤلفات في الشعر والرويات ، ومن روياته شقة الحرية و العصفورية وسبعة و هما وسعادة السفير ودنسكو وسلمى وأبو شلاخ البرمائي والجنية
وقد أحدث الكثير من كتب القصيبي ضجة أوقات صدورها وكان للرويات النصيب الأكبر من الضجيج والمنع .
وتوفي القصيبي في العاصمة الرياض اثر مرض سرطان المعدة عانى منه طويلاً حتى وافته المنية عن عمر يناهز ٧٠ عاماً.
الأحد 15 أغسطس 2010
* * *
عائلته تتقبل العزاء في منزله في البحرين
يوسف الهزاع من الرياض
وسط الجموع الغفيرة الذين غلب عليهم التنوع في كل شيء، مناصبهم وطبقاتهم، وحتى طريقة ملابسهم في مقبرة العود الشهيرة وسط الرياض، كان الجميع أقرب للذهول من الحزن، وللصدمة من البكاء، في وداع الشاعر و الأديب الكبير وفقيد السعوديين غازي القصيبي.
الرياض : للحظات كان الجميع يتسابقون على كل من له علاقة مباشرة بالدكتور، يريدون أن يرووا ضمأ الأسئلة، كيف رحل حبيبنا دون وداع يليق ودون سنوات أطول لن تضير دورة الكون شيئاً.
وكانت الأنظار مركزة -عدا عن أبنائه- على وليّه الحميم و مدير مكتبه هزاع العاصمي الذي لا يكاد يلتقط أنفاسه و يستقبل العزاء وكأنه شقيقه الأصغر، وحين سأله الصحافيون ماذا حدث، قال إن (أبا يارا) كان حتى لحظاته الأخيرة يشكر الله على ما كتبه له.
وقال العاصمي وهو يسترجع لحظات المرض المتباينة بين القصيبي ومرافقيه في المشوار الأخير، "في أجواء اللحظات الأخيرة كان الخوف يحيط بالمرافقين و الإيمان يتجلى في أنفاس الشاعر المرهف".
ويقول العاصمي أيضاً " كان الراحل مريضاً في الولايات المتحدة الأميركية واتصلت به فتاة سعودية تقول بأن قطار الزواج قد فاتها وأحبت شاباً بريطانياً مسلماً وترغب الزواج به، ولأن الأنظمة والقوانين السعودية صارمة في زواج السعوديات من غير مواطنيهن، طلبت الفتاة منه التدخل لدى وزارة الداخلية السعودية، فغالب القصيبي مرضه وأنهى معاناتها بعد شفاعة لدى وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز، كان أيضاً يكتب رسائل شفاعة من على فراش المرض موجهة للملك عبدالله".
وأضاف مرافقه المخلص "كنا طوال الشهور الثمانية الأخيرة نزداد قلقاً كل ما ازدادت حالته سوءً ".
وغني عن القول أن العاصمي سرد الكثير من طموحات وزير العمل الذي ذهب عن الدنيا وهو يطمح في وظائف للعاطلين ووطن يخدمه أبناءه في كل مناحيه، ونساء لا يتسولن الحاجة عند أبواب الجمعيات الخيرية، والكثير من الخطط المعلنة وغير المعلنة قبل المسمار الأخير .
وعندما يأتي ذكر الجمعيات الخيرية وما يتعلق بها فلا يمكن الإسهاب دون إشارة سريعة تشبه مرور الراحل الكبير في ذاكرة محبيه عندما أعلنت وفاته، فالقصيبي لا تكاد تذكر جمعية خيرية في السعودية دون أن يكون له قدم سبق فيها، ولوحة الشرف في جمعية إنسان حفر عليها اسمه إلى الأبد وهي المشروع الخيري الرائد والمتفرع مؤسسياً على طول البلاد السعودية وعرضها، ومع ذلك فإن ريع كل كتبه وإصداراته تتحول أوراقها إلى ريالات حية في خزائن الجمعيات .
عن روايته الشهيرة (شقة الحرية) قال غازي إن أي محاولة لتشخصيها نوع من العبث، وعن كتابه الأكثر مبيعاً والمعاد طبعه أكثر من عشرين طبعة (حياة في الإدارة) يقول بأنها لا تمثل سيرة ذاتية كاملة على أمل أن يتمكن منها يوماً ما، وظلت غزارة إنتاجه حتى بعيد وفاته دون أن يقول للناس عن نفسه أكثر من أي وقت مضى.
والناس ينتظرون إن كانت قصة (الزهايمر) التي من المقرر إطلاقها الخميس المقبل هي آخر الحبر في قلمه، أم أن جراب الحاوي لازال في وسعه نعي بأثر رجعي، وهذا على المستوى الأدبي، أما على مستوى الإنجاز فقال في كتابه (حياة في الإدارة) "لقد حاولت في كل موقع شغلته أن أخدم مواطني بكل طاقتي. خدمت أبناء هذا الجيل أما أبناء الأجيال القادمة الذين لن يتاح لي شرف رؤيتهم أو خدمتهم فلا أستطيع أن أقدم لهم شيئا سوى قصة هذه الخدمة مصحوبة بكثير من المحبة وكثير كثير من الدعاء".
في محطات القصيبي العملية في السعودية اختلفت النظرات حوله حتى قال أحدهم في نهاية المطاف " إن القصيبي لا يكرهه إلا الشيخين! أما من هما الشيخين فهما شيخ التطرف الديني، والآخر شيخ المال".
في كل النظرات التي استرقت من عرضه أو دافعت عنه طوال تسنمه مناصبه الوزارية الأربعة الصحة و المياه والكهرباء والعمل) أو سفارتيه الاثنتين (البحرين وبريطانيا )، كان الثابت الوحيد هي وطنيته الطاغية، وجرأته في ما يؤمن به ، وذلك بالضبط ما ينطبق على قصيدة رسالة إلى سيف الدولة التي كلفته كرسي وزارة الصحة السعودية في العام ١٩٨٤، أو ما كلفه منصبه سفيراً في بريطانيا حين نشر قصيدة تمتدح الفدائية الفلسطينية آيات الأخرس في العام ٢٠٠٢، وما بينهما خسارات ومطبات كثيرة ثبت فيها، إن كان مع النخب العربية حينما حارب بقلمه مع قوات التحالف ضد جيوش الرئيس العراقي الراحل صدام حسين التي ابتلعت الكويت في أغسطس ١٩٩٠، وألف حينها كتابه الشهير (أزمة الخليج: محاولة للفهم)، أو ما كان مع نخب أخرى حينما ترشح لمنصب رئاسة (اليونسكو) في العام ١٩٩٩ وخسر لصالح الياباني كوشيرو ماتسويرا، وأصدر حينها كتابه (دنسكو).
هل يمكن الحديث عن غازي القصيبي ولا تذكر البحرين؟
مراتع صباه التي ذهب لها من الإحساء يتيم الأم وتلقى تعليمه الأولي فيها، ستشهد العزاء بداية من يوم الاثنين في منزل عائلته، فبعد عزاء قصير تلقاه أبناءه سهيل وفارس ونجاد في جامع الإمام تركي في العاصمة الرياض ثم في مقبرة العود الشهيرة، ضربت الأنباء موعداً في البحرين لتلقي العزاء الأخير.
وللبحرين في نفس القصيبي ما للحبيبة في قلب المتيم، شهدت على ذلك قصيدته إبان ربطها بالسعودية عبر جسر بحري في نهاية العام ١٩٨٦م، وحينها كان أكثر الناس فرحاً وطارت قصيدته ملئ الآفاق ( ضرب من العشق لا درب من الحجر ،،، هذا اللي ساق الواحات للجزر ).
الأحد 15 أغسطس 2010
* * *
الدكتور غازي القصيبي: وجهة نظر معاكسة
إختلف الكثيرون قطعا حول شخصية الدكتور غازي القصيبي ومحطات حياته المتنوعة، وانتاجه الادبي والفكري الغزير، ولكن ما يتفقون عليه هو كونه 'ظاهرة'، او 'بركانا'، يهدأ، ويَغضب ويُغضب، يصالح ويخاصم، يصطدم وينحني، وفوق كل هذا وذاك يتمتع بأعلى درجات الكياسة والادب وخفة الظل، ويحرص على التواصل مع الخصوم والاصدقاء، ويتمسك بالتواضع كعنوان وهوية.
اعترف بأنني لم اكن من اصدقاء الدكتور القصيبي، ولا من المقربين منه، ولم اقابله وجها لوجه الا اثناء مرحلته اللندنية، عندما جاء الى العاصمة البريطانية سفيرا لبلاده، بعد 'مصالحة' مع العاهل السعودي الملك فهد عبد العزيز، اثر قطيعة طالت لسنوات عكستها قصيدته الشهيرة ' رسالة المتنبي الاخيرة الى سيف الدولة'، وانتقد فيها بقسوة بطانة السوء التي باعدت بينهما.
المحطة اللندنية ربما كانت الاغنى والاغزر انتاجا في حياة الدكتور القصيبي، فقد اصدر خلالها اهم كتبه، وخاض اثناءها اهم معاركه واشرسها، وانهى حالة الرتابة التي كانت تعيش في ظلها الدبلوماسية السعودية في لندن، بحيث اصبحت لهذه الدبلوماسية نكهة ادبية وعلمية، وعنوان جديد اسمه الانفتاح على الآخر، والتواصل معه من موقع الاختلاف. وهذه سمة حضارية انقرضت من بعده. فقد اسس مركزا ثقافيا، واستضاف كل شهر ندوة ادبية او علمية، حاضر وشارك فيها نخبة من الادباء، كان من بينهم الاديب السوداني الكبير الراحل الطيب صالح الذي كان يشاطر القصيبي هيامه بالمتنبي. ومن المفارقة ان محاضرته التي القاها عن المتنبي بدعوة من القصيبي، في المركز الاعلامي السعودي، كانت من اهم محاضراته، لما اتسمت به من ثراء بحثي، واستخلاصات جديدة، وفوق كل هذا وذاك خفة ظل فاجأت الكثيرين، وانا واحد منهم.
شهر رمضان المبارك كان إحدى محطات التواصل بين الدكتور القصيبي والمؤسسات الاسلامية والعربية في بريطانيا، وصحيفتنا 'القدس العربي' احداها، رغم الخلاف السياسي الكبير بيننا، خاصة حول 'العراق'. فقد كان يرسل الينا ولآخرين كل عام صندوقين من التمر (متوسط الجودة!) مع مطلع الشهر الفضيل، مرفوقين بصندوقين آخرين من ماء زمزم في عبوات بلاستيكية، ورسالة تهنئة باسمه الشخصي، وعلى ورقه الخاص، وليس ورق السفارة الرسمي.
* * *
الاصول كانت تقتضي الرد، وتقديم الشكر لمرسل هذه الهدية، وكان مضمونه كالتالي 'الدكتور غازي القصيبي الموقر، وصلتني 'جعالتكم' السنوية من التمر وماء زمزم، ونشكركم جزيلا على التفضل بارسالها، وكل عام وانتم بخير بمناسبة مقدم الشهر الفضيل'. وكنت احرص على ان اضع خطين تحت جملة 'جعالتكم من التمر'، حتى لا تقع الرسالة في يد احد المخبرين في السفارة، او خارجها، ويعتقد انها جعالة من المال.
في احدى المرات وصلتنا الهدية كالعادة في موعدها، وكانت عبارة عن صندوقين من 'التمر الخالص' ودون ماء زمزم. فكتبت اليه محتجا، ومطالبا بمعرفة اسباب نقصانها وغياب الماء الزمزمي منها، وتمنيت ان لا يكون النبع الطاهر قد جف. فاتصل بي مهاتفا، طالبا 'الستر' وقال إنه اوقف ارسال الماء لنا وللآخرين، بعد ان راجت بعض الاقوال التي تفيد بأن حكومة بلاده باتت تصدر ماء زمزم وتستفيد من مداخيله، ووعد بأن يعوضنا في العام المقبل بصندوق تمر اضافي!
الدكتور القصيبي كان يحرص على دعوة معظم 'الاعداء' الذين يختلفون مع سياسة بلاده الى حفل السفارة السنوي بالعيد الوطني السعودي، ولم يسبقه الى هذه السّنة الا السفير الراحل ناصر المنقور، وكان رجلا وطنيا عروبيا شهما، وكنت البي الدعوة مضطرا ومحرجا، وانا الذي اكتب مقالات نارية انتقد فيها موقف المملكة من العراق وحصاره في ذلك الوقت. وفي إحدى المرات وبينما كان واقفا على رأس مستقبلي الضيوف، نادى على المصور بأعلى صوته، وطلب منه ان يلتقط صورا عديدة لي وانا اصافحه، وقال مازحا 'ان هذا اثبات على تسليم 'الصك'! بالصوت والصورة وفي حضور شهود عدول!
ولعل الواقعة التي لا أنساها، انه بادر بالاتصال بي مبكرا في صباح احد الايام اللندنية المعتمة الباردة، فسألته عما ايقظه في هذه الساعة المبكرة وهو من محبي السهر وقيام الليل؟ فقال انها 'الرياض' يا صاحبي. فسألت عن 'الخطب الكبير'، فقال إنه ما نشرته صحيفة 'القدس العربي' هذا الصباح، مستفسرا عن مدى دقة ذلك الخبر الذي تصدّر الصفحة الاولى. واردف قائلا ان الصحيفة معروفة لديه بدقتها، ولكن قد تكون جانبت الصواب هذه المرة.
الخبر كان عن اقامة السفير السعودي في امريكا الامير بندر بن سلطان حفل عشاء لمجموعة من رجال الاعمال السعوديين كانوا في زيارة عمل لواشنطن، وقد تحدث الامير بندر بصراحة غير مسبوقة عن حال الشلل التي تعيشها المملكة في ذلك الوقت، حيث كان رأس النظام (الملك فهد) مريضا، ونائبا رئيس الوزراء اي الاميران عبدالله بن عبد العزيز (الملك حاليا)، والنائب الثاني الامير سلطان بن عبد العزيز (والد بندر) متقدمين في السن، والمملكة دولة كبيرة ومؤثرة تحتاج الى نائبين شابين يديران شؤون الدولة، ويتعاطيان مع الملفات الاقليمية والدولية، الى جانب الداخلية، بفاعلية ونشاط، الى جانب انتقادات اخرى لا اريد تكرارها.
الدكتور القصيبي قال ان هناك انزعاجا شديدا من نشر هذا الخبر، لان هناك عرفا 'مقدسا' بين ابناء الاسرة الحاكمة بعدم انتقاد بعضهم البعض في العلن، ولذلك من غير الممكن ان يصدر مثل هذا الكلام عن الامير بندر.
اكدت للدكتور القصيبي ان الخبر صحيح، وان مصدره لا يخطئ مطلقا، فسألني عما اذا كان من الممكن نشر تصحيح او نفي من وزارة الاعلام اذا ما تقرر اصداره (كانت وزارة الاعلام السعودية تسمى بوزارة النفي لان مهمتها الابرز كانت نفي الاخبار الصحافية التي لا تروق للحكومة) ووعدته بنشر التكذيب او التصحيح في المكان نفسه، وعلى صدر الصفحة الاولى، فشعر بالارتياح.
النفي او التصحيح لم يصدرا، وعندما التقيت الدكتور القصيبي في منزل صديق مشترك على دعوة للعشاء، بعد شهرين تقريبا، سألته عن اسباب عدم صدور النفي، قال ان 'الجماعة' تأكدوا ان الخبر كان دقيقا، وقرروا طي هذه الصفحة. وعلمت بعد ذلك ان السلطات السعودية ظلت تبحث وتنقب حتى عرفت مصدر الخبر، ولا اعرف ماذا حدث له، وان كنت متأكدا انه ما زال على قيد الحياة واموره المالية في تحسن متسارع.
* * *
المحطة الاهم في رحلة الدكتور القصيبي اللندنية في نظري كانت عندما كتب قصيدة 'الشهداء'، واشاد فيها بإعجاب شديد بالشهيدة آيات الاخرس، التي فجرت نفسها في سوق في القدس عام 2002 واسفرت عمليتها الاستشهادية تلك عن مقتل ثلاثة من الاسرائيليين على ما اعتقد. فقد ثارت ثائرة اللوبي اليهودي البريطاني ضده، وتعرض لحملة هجوم شرسة في عدد من الصحف البريطانية طالبت بإبعاده عن منصبه بتهمة التحريض على الارهاب.
وقفنا في هذه الصحيفة مع الدكتور القصيبي ودافعنا عنه (وهذا اقل واجب) في برامج تلفزيونية، واذاعية في حينه، ووصفنا الحرب ضده بأنها ابشع انواع الارهاب الفكري والسياسي، علاوة على كونها محاولة لقمع حرية التعبير، ولقتل الرأي الآخر، في بلد يدعي الديمقراطية ويتباهى باحترام الحريات.
كان مؤلما لنا، وربما للدكتور القصيبي ايضا، خضوع الحكومة السعودية لحملات الابتزاز هذه، واقدامها على سحبه من موقعه الذي احبه، و'اختراع' وزارة جديدة له (وزارة المياه) حتى تخفي هذا الخضوع وتبرره، وتصور الامر على انه ترقية. ولعلها كانت تريد تخفيف الضغوط عليها، خاصة ان هذه الحملة تزامنت مع حملات اخرى ضدها بسبب احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) ومشاركة 15 مواطنا سعوديا في الهجمات على مركز التجارة الدولي في نيويورك، والله اعلم.
الرسائل الشخصية لم تنقطع بيني وبين الدكتور القصيبي حتى توليه وزارة العمل، وتضاعف مشاغله واعبائه بعد ان اصبح كبير المستشارين للعاهل السعودي، واقتصرت العلاقة على 'سلامات' متبادلة يحملها اصدقاء، الى ان جاء احدهم ليبلغني ان الدكتور القصيبي سئل ذات مرة من صحافي 'ملقوف' اثناء حضوره مجلسا ضم الكثير من الوزراء الحاليين والسابقين واعضاء مجلس شورى وكتاب ومثقفين، عن الشيء الذي يفتقده بعد مغادرته لندن، فأجاب صحيفة 'القدس العربي'.
لم استغرب هذه الاجابة الجريئة العفوية من شخص مثل الدكتور القصيبي، كما انني لا استغرب مواقف كثيرة اخرى لا يسمح الظرف بذكرها حاليا، فالجعبة مليئة، و'المجالس أمانات'.
رحم الله الدكتور الموسوعة غازي القصيبي.
8/16/2010
* * *
دمعة على غازي القصيبي
أعتذر لأنني سأنقل لك خبراً سيئاً ولكن القصيبي رحل! كان هذا صوت الصديق محمد باغميان صاحب " كنوز المعرفة" من جدة . انها سنة الحياة الدنيا ورأيت أن تكون أول من أنقل اليهم الخبر لأنك من اصدقائه .
رحم الله أبا سهيل فقد كان سيد الرجال. عرفته منذ ما يزيد عن عشرين عاماً والتقيت بالفقيد الكبير في مبنى السفارة السعودية في لندن في اوائل التسعينيات، وكانت ذكرى اليوم الوطني للمملكة، ورغم مشاغله الكثيرة في ذلك اليوم فقد أعطاني من وقته الكثير. ثم التقينا قبل سنوات في منزله في البحرين وسلمني مخطوطة كتابه " سعادة السفير" ودار الحديث بيننا عن هموم النشر والكتاب العربي وكان دوماً يسألني عن الراحل عبد الرحمن منيف وعن الكتاب السعوديين الذين أنشر لهم. في لقائي الأخير معه، في مكتبه في وزارة العمل في الرياض، اصطحبت ولدي عبد الوهاب وسلمني مخطوط كتابه " كي لا تكون فتنة".
نشرت له 20 كتاباً، حادثته هاتفياً قبل شهر وكان يمضي فترة نقاهة في مملكة البحرين لأطمئنه بأن كتابه الأخير " الوزير المرافق" الذي خص به المؤسسة العربية للدراسات والنشر هو قيد الطبع وطلب مني الاهتمام بمراجعته والحرص على صدوره دون أخطاء مطبعية وهو الحريص على الدوام بمراجعة كتبه بنفسه وتدقيقها قبل النشر. وعندما أرسل لي المخطوط أرفق به كعادته صورة للغلاف تجمعه مع هيملوت شميدت المستشار الألماني.
وعندما أرسلت له تصميم الغلاف أبدى رضاه وكان له ملاحظة لغوية بسيطة على كلمة في الغلاف الخلفي للكتاب وأبلغني عن طريق السكرتير بدر الريس ومساعده هزاع العاصمي أن أمضي في طباعة الكتاب. أرسلت له نسخاً فور صدور الكتاب وعلمت أنه أهداها لبعض الوزراء والمقربين من أصدقائه.
كان القصيبي حراً مستقلاً في آرائه وكان يرفض، وهو الوزير المتنفذ، أن يتدخل مع السلطات الرقابية في فسح كتبه إلى أن قام وزير الاعلام الحالي عبدالعزيز خوجة بالسماح لجميع مؤلفاته بدخول السعودية، ويقيني لولا هذا الاعتراف المتأخر بفضله وبأهمية فكره في بلده لمات والحسرة تملأ قلبه. رحمك الله با أبا سهيل، فقد رحلت في هذا الشهر الفضيل وعدت إلى ربك راضياً مرضياً.
عزاؤنا جميعاً انك تركت للقارئ العربي ذخيرة لا تنضب من الكتب الابداعية والفكرية والأدبية.
" ناشر عربي ـ مدير عام المؤسسة العربية للدراسات والنشر
8/16/2010
* * *
أدباء ومثقفون: منجزه كبير وعميق وتصدّى بقلمه لكثير من الأزمات
متابعة: فهد زيدان - جدة /
نايف كريري - جازان محمد ...
يحكي الأديب الدكتور تركي الحمد أن بداية معرفته بالدكتور غازي القصيبي عليه رحمة الله بدأت من أيام الجامعة تقريبًا عام 1971، وذلك كما يقول: “عندما درّسني مادة العلوم السياسية، ومنذ ذلك الوقت بدأت علاقتي مع الدكتور القصيبي، وكان في الحقيقة شعلة من النشاط والتميز في الجامعة، ويشار إليه كمثال للأستاذ الجامعي الواعي”.
ويبيّن الحمد أن القصيبي كان مثقفًا كبيرًا بكل ما تعنيه الكلمة منذ ذلك الوقت، ولم يكن فقط منظرًا للثقافة بل كان أيضًا ممارسًا له في سلوكه وفي حياته، وتعامله مع الآخرين.
ويرى الحمد أن القصيبي الذي تولى العديد من الحقائب الوزارية وكان من أبرزها “الصناعة والصحة والمياه والعمل”، لم يكن بالوزير العادي من خلال ما قدمه من عمل في تلك الوزارات وجهودًا كانت ملموسة في سبيل تحسين هذه الخدمات للمواطن، وحتى المهام التي تولاها كسفير للمملكة في عدد من السفارات كان أيضًا متميزًا فيها من خلال أعماله التي قدمها، ومن الأمور التي نتذكرها جيدًا للراحل القصيبي كتابه “كي لا تكون فتنة” الذي أصدره أيام حرب الخليج، وكان أنموذجًا لمحاربة التعصب ونبذه، وإشاعة التسامح، وكان يبيّن لنا هذا التسامح من صور الدين الإسلامي نفسه، وكانت تلك الفترة مواجهة فكرية على الساحة كان القصيبي على قدرها.
ويختم الحمد بقوله: “القصيبي كان رجل مواقف فلم يكن بالرجل المتعصب لرأيه أو المحارب دونه بل حينما يظهر له رأي صحيح خلاف ما تبناه لا يلبث أن يؤوب إليه وكان يحاول أن ينشر رأيه بكل يسر وسماحة ورحيله خسارة كبيرة للوطن نسأل الله له الرحمة”.
رمزنا وفخر رمزيتنا
الأديب الدكتور عبدالله الغذامي قال: رحم الله الفقيد الدكتور غازي القصيبي وغفر له، هو رمزنا وتاج رؤوسنا وفخر رمزيتنا وفي كل محفل في أي بقعة من الأرض كان اسمه يتوّج حضورنا وعيوننا وأسماعنا، هو سفير ثقافتنا ورمزها الكبير وهو إذا يغيب اليوم؛ لأنه قد ترك فينا إرثًًا ضخمًا من الرمزية الثقافية وسيبقى هذا الموروث معنا ومع الأجيال التي تعقبنا، فمنجزه كبير وعميق ومتنوّع إبداعًا وتأليفًا وترجمة وحضورًا قويًا يمتلك أي مجلس يجلس فيه ويحتوي عيون وأسماع الجالسين بروحه الوثابة وعقله العميق وثقافته المتنوعة وبلغته الجميلة الأخاذة، قد كان سيد الحضور وأي حضور، وهو الآن سيد الذاكرة؛ لأنه باقٍ في ذاكرتنا ونحن ممتنون لتاريخه معنا ومتشبّعون به، ورحيله اليوم في هذا اليوم الكريم والشهر الكريم هو إن شاء الله علامة رضوان من الله الذي اختاره إلى رحمته بعد معاناة لمدة عام كامل كنا نضع أيدينا على قلوبنا كل يوم متوجسين ومنتظرين وها هي النفس المطمئنة تعود إلى بارئها راضية مرضية.. رحمه الله.
التوفيق حليفه
الدكتور سهيل قاضي رئيس النادي الأدبي بمكة المكرمة قال: في هذه العجالة ونحن نشعر بألم يعتصرنا مما سمعنا عن خبر الوفاة قد لا تسعفنا الذاكرة والرجل خدم الوطن في مجالات عدة وكان التوفيق حليفه في كثير مما قاله وله مواقف يشكر عليها واستخدم قلمه في مواقف عديدة وتصدّى بقلمه لمعالجة الكثير من الأزمات السياسية وغيرها، ومن الصعوبة أن نحصر مناقبه في هذه العجالة ويكفينا فخرًا أنه خدم وطنه وبذل الغالي والنفيس في سبيل وطنه وخاتمته دليل على حسن صنيعه وأكرمه الله بوفاته في شهر كريم وهذا جزاء لما قدم وأنا كشخص العلاقة تربطني بالدكتور غازي علاقة محدودة من خلال الزيارات في السفارة السعودية في لندن وكان آخر الخطابات بيني وبينه توصية لكتابة مقدمة لإحدى كاتبات الوطن وهي قصة للأطفال وأرادت ان تكون المقدمة للدكتور غازي وكان كريمًا ومتجاوبًا وأرفق مع الخطاب كلمات تُوضع على ظهر غلاف الكتاب واستفادت منها هذه السيدة الفاضلة بأن يكون هذا الكتاب متوّج من الدكتور غازي ولا يسعنا إلا أن ندعو له.
معركة بلا راية
من جانبه قال الأديب الدكتور عاصم حمدان: عرفت المرحوم غازي القصيبي عن طريق ديوانه الأول الذي صدر عام 1970م (معركة بلا راية) ونقول إن حركة الشعر السعودي الحديث قد تحدّدت كثير من ملامحها مما تضمنه هذا الديوان، ومع تقلّد القصيبي للكثير من المناصب الإدارية إلا أنه لم ينقطع عن الأدب فتراه يصدر بعض الدواوين الشعرية التي تمزج بين الشعر التقليدي الحي والشعر التنفيذي الذي استطاع أن يدون شعره بعيدًا عن سمة الأنا الممقوتة وظهر ذلك في سيرته الشعرية وفي كتابه الآخر (حياتي في الإدارة)، ويعتبر الوزير القصيبي الأكثر قدرة على طرح رؤاه بأسلوب عالٍ ورصين وحتى عندما دخل في حوار مع بعض التيارات الأخرى الفكرية في بلادنا كان نموذجًا للمفكر والمثقف الذي ينتهج أسلوب الحوار الهادئ والمثمر بعيدًا عن الغمز واللمز وقد استشرق الأفق مما يؤدي إليه التشدد والغلو في الدين فكتب كتابه “حتى لا تكون فتنة” في التسعينيات الميلادية فكان المرحوم القصيبي أول من فتح الباب أمام الرواية السعودية في مرحلتها الثانية وكانت المرحلة الأولى يمثلها حامد دمنهوري ومعاصروه والمرحة الثانية بدأها غازي القصيبي وفتح المجال أمام جيل الشباب بفئتيه رجالًا ونساءً ومن أبرز هذه الروايات: “شقة الحرية” و”الجنيه” وقد رأى بعض النقاد أن هذه الروايات وسواها تتضمن شيئًا من سيرة القصيبي نفسه وذلك شيء لا ضير فيه فنجيب محفوظ في ثلاثيته كان يتحدث بضمير الغائب عن شخصه ومع هذا ظل روائيًا عظيمًا وكذلك القصيبي الذي كانت تربطني به علاقة مودة ومحبة وبموته تُطوى صفحة مهمة وزاخرة لكثير من معاني النبل والشهامة والجرأة في الحق والإنجاز للوطن وإضافة ايجابية مميزة لفنون الأدب في بلادنا ولعله مما يحزن أن البعض نال من القصيبي في غيبته وفي حضوره، وأسأل الله لهم الهداية ورحمك الله يا غازي وأسكنك فسيح جناته.
إبداع شعري كان ثورة في حينه
أما الدكتور عبدالعزيز السبيّل فيقول: الفقد جسيم جدًا برحيل هذه القامة الأدبية والإدارية الكبيرة، فالحديث عن الدكتور القصيبي حديث عن الإدارة، عن الإبداع بألوانه، عن التميز، عن الجرأة، عن الحضور الإعلامي المؤثر.. إبداع شعري كان ثورة في حينه من حيث المضمون والصورة.. “معركة بلا راية” تمثّل انعطافة في مسيرة الشعر السعودي، و“شقة الحرية” تمثّل مرحلة تحولًا في الرواية السعودية، وما تلا ذلك من إبداع شعري وروائي يعد الإضافة الأكبر في الرواية السعودية.
ويضيف السبيّل: غازي القصيبي رحمه الله من أوائل من تخطى حدود الجغرافيا ليصل إبداعه إلى العالم العربي أجمع، وإلى لغات متعددة.. عزاؤنا بعد رحيله في هذه الثروة الأدبية والعلمية التي خلفها لنا، التي تحتاج منا إلى وقفات كبيرة وكثيرة لاستخراج كنوزها إلى الأجيال القادمة تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.
مسيرته حافلة بالعديد من الأحداث والإنجازات
الدكتور منصور الحازمي: الدكتور القصيبي كان من الجيل الذي جاء بعدنا، وشرّفنا بزمالته في الجامعة، فقد أتينا إليها في وقت متقارب منذ بداياتها، ولم يكن قد مضى عليها 10 سنوات وقتذاك، وكان هو في كلية التجارة، وكان رائعًا في تعامله مع زملائه، ومع الطلاب، ومع الجميع من داخل الجامعة وخارجها؛ فالكل يشهد بخلقه الحسن وتعامله اللطيف معهم، ومسيرته كانت حافلة بالعديد من الأحداث والإنجازات التي تحققت له، فله العديد من المؤلفات التي تنوعت بين الكثير من الفنون كالرواية والقصة والشعر وتعد كتبه كـ “شقة الحرية” و“أبوشلاخ البرمائي” و“العصفورية” من أشهر الروايات التي حققت نجاحات على المستوى العربي، كما أن للفقيد عددًا من الإسهامات الصحافية المتنوعة التي نشرت في كثير من الصحف والمجلات العربية، فالقصيبي مسيرة حافلة.
شخصية مؤثرة في حياته
الدكتور عبدالوهاب الوهابي: أدعو الله أن يرحمه فقد توفى في أيام فضيلة، ولا شك أنه شخصية مؤثرة في حياته لا سيما في الحقل الأدبي وله حضور واضح منذ الثمانينيات بحضوره الشعري والروائي، وله تجارب أدبية تخضع في النهاية إلى الحكم النقدي، وعلى المستوى الشخصي والإداري فقد خدم القصيبي المجتمع والبلد في أكثر من عمل عبر أكثر من وزارة تولاها، فنسأل الله أن يرحمه.
سيفتقده وطنه ومواطنيه
الدكتور محمد آل زلفة قال: وفاة الدكتور غازي القصيبي كانت علينا كالصاعقة.. سوف يفقده وطنه ومواطنيه.. سيفقده الأدب والإدارة.. إنه رجل الدولة والقدوة الجميلة، الذي خدم وطنه بكل ما أوتى من علم، فقد كانت لديه الرغبة الصادقة والخالصة لخدمة الوطن والمواطن. القصيبي لم يمت لأنه ترك من الآثار ما تجعله حيًا في قلوب محبيه.. إنه من أبرز الشخصيات العربية في العقود الماضية، كما أن له باعا في كل مجال، فهو الشاعر الذي لا يشق له الغبار، والروائي والإداري الناجح، لقد كان مخلصا في كل مجال تولاه
* * *
محمد سلماوي: المثقف الرحب
غازي القصيبي مثقف عربي كبير تتخطى أهميته محيط الأدب والشعر إلى الثقافة الرحبة. كنت أعرفه معرفة شخصية وأحترمه احتراماً كبيراً؛ لأنه أضاف مسحة تنويرية واضحة على وجه الثقافة العربية بخاصة في ما يتعلق بالسعودية، فكان رمزاً للتنوير والانفتاح على الثقافات العالمية من موقعه المتجذر في الأدب والثقافة العربية.
كان ذلك يجعله عرضة لهجوم من جانب العقول المنغلقة في الوطن العربي وخارجه؛ لأن من يقف موقف الحق، عادة ما، يتحالف عليه أصحاب النفوس الضيقة والرؤى الملتوية. عانى القصيبي هجوم تيارات تريد الانحراف بالدين الإسلامي إلى ما هو ليس منه، وعانى كذلك من المتعصبين ضد الثقافة العربية خلال ترشحه لمنصب مدير عام الـ “يونيسكو”.
سيظل يذكر للقصيبي محاولته الفوز بهذا المنصب الرفيع رغم عدم تأكده من نجاحها، وسنظل نذكر له مواقفه المتقدمة جداً في مجال الثقافة والحياة العامة وإنجازه الأدبي والشعري المتميز.
الإثنين, 16 أغسطس 2010
* * *
متخصصة في سيرته: فتح ديوانيته للمثقفين ودمعت عيناه بعد مغادرة المنامة
علاقة المرحوم غازي القصيبي بالبحرين أكبر من علاقة مواطن سعودي يزور بلده الجار مملكة البحرين، إذ نسج علاقات وطيدة مع مختلف مكونات المجتمع البحريني خلال فترة إقامة عائلته بالبحرين.
تقول أمل المرزوق الكاتبة المتخصصة في شؤون الراحل إن تاريخ عائلة القصيبي في البحرين ممتد لسنين طويلة.
وتوضح: "جد غازي القصيبي كان يعمل وكيلا لأعمال ملوك السعودية بالبحرين، وبعد استقلال البحرين من الحماية البريطانية في سبعينات القرن الفائت عُيِّن والد غازي في منصب وكيل أعمال الملك السعودي بالبحرين بشكل فخري، وفي فترة لاحقة عُيِّن الراحل سفيرا للرياض بالمنامة، مواصلة لمتانة العلاقة التي تربط بين العائلة والبلدين وما بنته من جسور قوية في توطيد الأخوة التاريخية".
وتشير المرزوق إلى أن عائلة القصيبي استثمرت في البحرين لما وجدتها من بيئة خصبة للإبداع وقادرة على قيادة دفة التنوير والثقافة.
وأضافت: عائلة القصيبي تولت بناء "سينما القصيبي". وستشرع وزارة الثقافة البحرينية في الفترة المقبلة على ترميم وتجديد هذه السينما باعتبارها تمثل حقبة تاريخية مهمة في مسيرة التنوير البحرينية.
وأشارت المرزوق إلى أن القصيبي فتح بيته ديوانية للشعراء والأدباء والمثقفين في البحرين، وذلك قبل أن تبصر أسرة وأدباء البحرين النور.
ولفتت إلى أن ديوانية القصيبي شكلت محطة مهمة لتجمع حاملي شعلة الثقافة والتنوير والأدب، إذ كان يلتقي المثقفون بضيافة غازي لإلقاء الشعر والقصة وتبادل الآراء الثقافية في مختلف المواضيع التي شغلت الساحة الثقافية في تلك الفترة.
وتقول المرزوق إن من أقرب أصدقاء غازي من البحرين الشاعر البحريني المعروف عبدالرحمن رفيع والوزير المرحوم يوسف الشيراوي.
وتسرد قصة لمدى ودية وقوة ومتانة علاقة الراحل القصيبي مع القيادة السياسية في البحرين، إذ عندما جرى تعيينه سفيرا للرياض بالمنامة، وشرع في تقديم أوراق عتماده الرسمية لأمير البحرين الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، دعا الأمير الراحل السفير القصيبي لوليمة عشاء أميرية، لكن الراحل القصيبي رد على طلب الأمير بروحة المرحة وحس الدعابة التي تميز بها بأنه قبيل تقديمه أوراق اعتماده سفيرا لبلاده بالبحرين كان في رحلة صيد بحرية واصطاد سمكا وفيرا ويعتزم تحضيره لأكله، شاكرا الأمير الراحل على دعوته الكريمة لمائدته الأميرية.
وتنقل المرزوق أن القصيبي قال للأمير: "قبل لا نجيك طال عمرك دشينا البحر وصدنا سمج. والحين بنروح نطبخه وناكله وما نبي عشا رسمي!". وأذن الأمير للراحل القصيبي بالمغادرة دون أن يلبد ذلك العلاقات وذلك لقوة العلاقة التي تربط بين العائلتين والقيادتين في البلدين.
وتشير المرزوق إلى أن القصيبي أبلغها في لقائها بمنزله في منطقة الجسرة بالبحرين أن عينيه لم تدمعا قط إلا يوم غادر البحرين من بعد تعيينه سفيرا للرياض في لندن.
وكشفت المرزوق عن أن القصيبي كان يسكن معظم وقته في بيته بالبحرين. وكان بيتا كبيرا في العاصمة المنامة ولكنه تركه ليستقر في بيته الحالي في منطقة الجسرة، وهو البيت الذي قضى فيه فترة النقاهة قبل أن يستعيد الله أمانته
2010-08-16
* * *
رجال أعمال واقتصاديون: القصيبي رجل تغيير.. إنجازاته تشهد على تاريخه في الصناعة
الراشد: وفاته خسارة للوطن وإسهاماته شاهدة للعصر
نعى رجال الاعمال والمسؤولون الاقتصاديون وزير العمل الدكتور غازي القصيبي الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى، واعتبروا وفاته خسارة للمجتمع الاقتصادي وللوطن بشكل عام، وبخاصة أنه تنقل في عدة مناصب قيادية عليا وتمكن في إدارتها ومنجزاتها وإسهاماته المتميزة في هذا الجانب. ووصف رئيس مجلس إدارة غرفة الشرقية عبدالرحمن بن راشد الراشد وفاة القصيبي بأنها خسارة للوطن بجميع قطاعاته، اذ كان يرحمه الله مساهما فاعلا في معظم قطاعات التنمية وأسهم إسهامات جليلة. وكان حاضرا في كل المهمات التي توكل إليه منذ أن كان اكاديميًا وحتى اضطلاعه بأولى مهامه المؤثرة كرئيس لجهاز الخطوط الحديدية آنذاك، ثم إسهاماته في القطاع الصناعي ودوره في بناء المدن الصناعية في الجبيل وينبع حين كان وزيرا للصناعة والكهرباء، ثم وزيرا للصحة ووزيرا للعمل في آخر مهامه، غير الفترة التي قضاها سفيرا لخادم الحرمين الشريفين في كل من المنامة ولندن. وأضاف الراشد أن الفقيد الراحل كان من الرجالات التي تفخر بهم الوطن، وكان مثالا للعطاء بلا حدود، فقد قضى عمره كله في خدمة هذا الوطن، من خلال العديد من المواقع، ومضى نقي السريرة، ولا نملك بفقده إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون. وأشار الر اشد إلى ان قطاع الاعمال كان على علاقة حميمة مع الفقيد الراحل، خصوصا في فترات عمله في وزارة الصناعة والكهرباء، إذ كانت لمساته في هذا القطاع ماثلة، وتتحدث عن نفسها، ولعل ابرزها دوره في إنشاء الشركة السعودية للصناعات الاساسية (سابك) وما استتبع ذلك من إنجاز عدد من المشاريع الصناعية المصاحبة، حيث كان الفقيد أحد الرجال الواقفين خلف ذلك الانجاز الذي لا نفتأ نفخر، وتفخر به ارجاء هذه البلاد الكريمة.
* * *
الزامل: القصيبي شخصية مؤثرة في حياة الوطن
وأكد رجل الاعمال المعروف حمد الزامل أن المتتبع لحياة ومسيرة الدكتور غازي القصيبي يدرك أنه شخصية لها من الخبرة والدراية والحكمة لما مر به المغفور رحمه الله من مناصب تقلدها بداية من عمله كاستاذ في جامعة الملك سعود مرورا بمناصب عديدة إلى توليه عددا من المقاعد الوزارية وعمله كسفير لخادم الحرمين الشريفين، مشيرا إلى أن هذه المسيرة اكسبت المرحوم تواجدا في جميع المجالات لما له من علاقات كبيرة، إضافة إلى تأثيره في جميع المناصب التي تولاها. وقال الزامل: ان تمتع القصيبي بثقة ولاة الامر جميعهم امر من الصعب التمتع به وهذا ما اهله لتوليه 4 وزارات مختلفة على احقاب مختلفة من تولي ولاة الامر للحكم.
واشار الزامل في نهاية حديثه إلى أن اللقاءات التي جمعته بالوزير القصيبي عديدة وبعضها لا زال راسخا في ذاكرته لما كان يتمتع به من قوة حضور اضافة الى دماثته خلقه ونظرته الحكيمة.
* * *
الجبر: القصيبي رحل بعد جهاد في خدمة الوطن
ودعا عبداللطيف الجبر رئيس مجلس ادارة البنك العربي الوطني للمرحوم بأن يتقبله الله في جناته، مشيرا إلى أن المرحوم الدكتور القصيبي له من الاعمال الخيرية إضافة إلى جهاده في خدمة وطنه من مواقع وجهات عديدة لما كان يتمتع به من ثقة المسؤولين وولاة الامر حفظهم الله.
وأكد الجبر أن وفاته خسارة للعمل الحكومي لما كان يمثله رحمه الله من حسن المتابعة والتطوير اضافة الى الخبرة الكبيرة التي كان يتمتع بها.وقال ان مسيرة الراحل غازي القصيبي مسيرة انجازات اضافة الى ما يتمتع به رحمه الله من شخصية وصفها الكثير بالشخصية الرائعة المؤثرة في جميع المجالات والمسؤوليات التي تولاها سواء على المستوى السياسي أو الوزاري أو حتى الادبي.
* * *
القحطاني: حضوره القوي زاد من رصيده الانساني
وقال خالد القحطاني عضو غرفة الشرقية: إن رحيل الدكتور غازي القصيبي قضاء وقدر ولا شك أن رحيله هو خسارة لجميع المستويات لما كان يمثله رحمه الله من ثقل في المسؤوليات كافة، التي تولاها في مسيرته العملية الزاخرة بالانجازات. وقال: في كل لقاء كان يؤكد يرحمه الله على الاهتمام بسعودة الوظائف في القطاع الخاص وغرس العمل المهني والاداري لدى الشباب السعودي. وأشار القحطاني إلى أن تولي القصيبي لعدد من المناصب الهامة ومناصب لها حساسية ومؤثرة واستطاع بقدرته على الاسهام في تقدم وتطوير القطاعات والوزارات التي يتولاها يرحمه الله، مما جعله من العناصر الهامة في الاسهام في التنمية في مسيرة الدولة. واختتم القحطاني أن تواضع القصيبي وحضوره القوي على جميع الاصعدة السياسية والوزارية أسهم في زيادة رصيده من الحب والتقدير لدى الجميع تجاه شخصية القصيبي يرحمه الله.
* * *
* * *
رجال أعمال واقتصاديون: القصيبي رجل تغيير.. إنجازاته تشهد على تاريخه في الصناعة
عبدالمحسن بالطيور - الدمام
الراشد: وفاته خسارة للوطن وإسهاماته شاهدة للعصر
نعى رجال الاعمال والمسؤولون الاقتصاديون وزير العمل الدكتور غازي القصيبي الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى، واعتبروا وفاته خسارة للمجتمع الاقتصادي وللوطن بشكل عام، وبخاصة أنه تنقل في عدة مناصب قيادية عليا وتمكن في إدارتها ومنجزاتها وإسهاماته المتميزة في هذا الجانب. ووصف رئيس مجلس إدارة غرفة الشرقية عبدالرحمن بن راشد الراشد وفاة القصيبي بأنها خسارة للوطن بجميع قطاعاته، اذ كان يرحمه الله مساهما فاعلا في معظم قطاعات التنمية وأسهم إسهامات جليلة. وكان حاضرا في كل المهمات التي توكل إليه منذ أن كان اكاديميًا وحتى اضطلاعه بأولى مهامه المؤثرة كرئيس لجهاز الخطوط الحديدية آنذاك، ثم إسهاماته في القطاع الصناعي ودوره في بناء المدن الصناعية في الجبيل وينبع حين كان وزيرا للصناعة والكهرباء، ثم وزيرا للصحة ووزيرا للعمل في آخر مهامه، غير الفترة التي قضاها سفيرا لخادم الحرمين الشريفين في كل من المنامة ولندن. وأضاف الراشد أن الفقيد الراحل كان من الرجالات التي تفخر بهم الوطن، وكان مثالا للعطاء بلا حدود، فقد قضى عمره كله في خدمة هذا الوطن، من خلال العديد من المواقع، ومضى نقي السريرة، ولا نملك بفقده إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون. وأشار الر اشد إلى ان قطاع الاعمال كان على علاقة حميمة مع الفقيد الراحل، خصوصا في فترات عمله في وزارة الصناعة والكهرباء، إذ كانت لمساته في هذا القطاع ماثلة، وتتحدث عن نفسها، ولعل ابرزها دوره في إنشاء الشركة السعودية للصناعات الاساسية (سابك) وما استتبع ذلك من إنجاز عدد من المشاريع الصناعية المصاحبة، حيث كان الفقيد أحد الرجال الواقفين خلف ذلك الانجاز الذي لا نفتأ نفخر، وتفخر به ارجاء هذه البلاد الكريمة.
* * *
الزامل: القصيبي شخصية مؤثرة في حياة الوطن
وأكد رجل الاعمال المعروف حمد الزامل أن المتتبع لحياة ومسيرة الدكتور غازي القصيبي يدرك أنه شخصية لها من الخبرة والدراية والحكمة لما مر به المغفور رحمه الله من مناصب تقلدها بداية من عمله كاستاذ في جامعة الملك سعود مرورا بمناصب عديدة إلى توليه عددا من المقاعد الوزارية وعمله كسفير لخادم الحرمين الشريفين، مشيرا إلى أن هذه المسيرة اكسبت المرحوم تواجدا في جميع المجالات لما له من علاقات كبيرة، إضافة إلى تأثيره في جميع المناصب التي تولاها. وقال الزامل: ان تمتع القصيبي بثقة ولاة الامر جميعهم امر من الصعب التمتع به وهذا ما اهله لتوليه 4 وزارات مختلفة على احقاب مختلفة من تولي ولاة الامر للحكم.
واشار الزامل في نهاية حديثه إلى أن اللقاءات التي جمعته بالوزير القصيبي عديدة وبعضها لا زال راسخا في ذاكرته لما كان يتمتع به من قوة حضور اضافة الى دماثته خلقه ونظرته الحكيمة.
* * *
الجبر: القصيبي رحل بعد جهاد في خدمة الوطن
ودعا عبداللطيف الجبر رئيس مجلس ادارة البنك العربي الوطني للمرحوم بأن يتقبله الله في جناته، مشيرا إلى أن المرحوم الدكتور القصيبي له من الاعمال الخيرية إضافة إلى جهاده في خدمة وطنه من مواقع وجهات عديدة لما كان يتمتع به من ثقة المسؤولين وولاة الامر حفظهم الله.
وأكد الجبر أن وفاته خسارة للعمل الحكومي لما كان يمثله رحمه الله من حسن المتابعة والتطوير اضافة الى الخبرة الكبيرة التي كان يتمتع بها.وقال ان مسيرة الراحل غازي القصيبي مسيرة انجازات اضافة الى ما يتمتع به رحمه الله من شخصية وصفها الكثير بالشخصية الرائعة المؤثرة في جميع المجالات والمسؤوليات التي تولاها سواء على المستوى السياسي أو الوزاري أو حتى الادبي.
* * *
القحطاني: حضوره القوي زاد من رصيده الانساني
وقال خالد القحطاني عضو غرفة الشرقية: إن رحيل الدكتور غازي القصيبي قضاء وقدر ولا شك أن رحيله هو خسارة لجميع المستويات لما كان يمثله رحمه الله من ثقل في المسؤوليات كافة، التي تولاها في مسيرته العملية الزاخرة بالانجازات. وقال: في كل لقاء كان يؤكد يرحمه الله على الاهتمام بسعودة الوظائف في القطاع الخاص وغرس العمل المهني والاداري لدى الشباب السعودي. وأشار القحطاني إلى أن تولي القصيبي لعدد من المناصب الهامة ومناصب لها حساسية ومؤثرة واستطاع بقدرته على الاسهام في تقدم وتطوير القطاعات والوزارات التي يتولاها يرحمه الله، مما جعله من العناصر الهامة في الاسهام في التنمية في مسيرة الدولة. واختتم القحطاني أن تواضع القصيبي وحضوره القوي على جميع الاصعدة السياسية والوزارية أسهم في زيادة رصيده من الحب والتقدير لدى الجميع تجاه شخصية القصيبي يرحمه الله.
* * *
القصيبي.. في عيون مثقفين سعوديين
ياسر باعامر-جدة
رصد مثقفون سعوديون إسهامات الأديب والشاعر ووزير العمل السعودي غازي القصيبي (70 عاما) الذي غيبه الموت صباح الأحد بعد معاناة مع المرض، معتبرين غيابه خسارة فادحة للأدب والثقافة العربية.
رفيق دربه في الشأن الثقافي وعضو مجلس الشورى حمد بن عبد الله القاضي، تحدث إلى الجزيرة نت بعد عودته من مراسم دفن الفقيد عصر الأحد، قائلا "يعتبر الدكتور القصيبي رحمه الله، من رواد الثقافة المحلية والعربية، ولم تنحصر عطاءاته الثقافية في جانب واحد".
وأضاف القاضي -الذي يعمل أيضا أمينا عاما لمجلس أمناء مؤسسة الجاسر الثقافية الخيرية- "لقد خسرت الأمة العربية عموما قامة ثقافية كبيرة يصعب تعويضها، كتب الشعر، فاعتبر من رموز الحالة الشعرية العربية، وكتب في النقد العربي، وأضحى من كبار نقاد الأدب العربي، وكتب مؤخرا في الرواية فلقيت رواياته إقبالاً كبيرا".
ووفقًا للقاضي فإن القصيبي برع في كتابة السيرة الذاتية والمذكرات، ففاق كبار كتاب المذكرات، حيث كتب "حياتي في الإدارة"، و"سيرتي الشعرية". ووصف القاضي الراحل القصيبي بأنه "إنسان بكل معنى الكلمة".
ويتذكر القاضي مكالمة القصيبي الهاتفية له إبان رحلته العلاجية إلى الولايات المتحدة، وكيف أنه كان "يشعر بدنو الأجل، فكتب قصيدة: حديقة الغروب، التي يقول فيها: ويا بلادًا نذرت العمر.. زَهرتَه *** لعزّها!.. دُمتِ!.. إني حان إبحاري".
نتاج أدبي وثقافي
من جانبه يشير الصحفي والناقد الثقافي نايف كريري إلى أن "الساحة الثقافية والأدبية والعملية افتقدت واحدا من الأسماء البارزة التي كان لها تأثير واضح عليها من خلال ما قدمه من نتاج ثقافي وأدبي، ومسيرة عملية في عدد من المناصب الوزارية والمهام الحكومية في الدولة".
ويقول كريري في تعليق للجزيرة نت، إن نتاج الدكتور القصيبي يتوزع بين الفكر والثقافة والشعر والرواية، وله عدد من المؤلفات في فن الرواية والقصة، مثل "شقة الحرية" و"أبو شلاخ البرمائي" "العصفورية" و"سلمى".
وفي الشعر لديه دواوين عدة منها "معركة بلا راية" و"أشعار من جزائر اللؤلؤ" و"للشهداء" و"حديقة الغروب"، وله إسهامات صحفية متنوعة أشهرها سلسلة مقالات "في عين العاصفة" التي نُشرَت في جريدة الشرق الأوسط إبّان حرب الخليج الثانية.
ويستطرد "كما أن له مؤلفات أخرى في التنمية والسياسة وغيرها منها "التنمية.. الأسئلة الكبرى"، و"عن هذا وذاك"، و"باي باي لندن" و"الأسطورة ديانا"، و"أقوالي غير المأثورة"، و"ثورة في السنة النبوية"، و"حتى لا تكون فتنة"،
و"أميركا والسعودية.. حملة إعلامية أم مواجهة سياسية؟!". غير أن أشهرها كتاب "حياتي في الإدارة". وقد أحدثت معظم هذه المؤلفات ضجة كبرى حال طبعها، وكثير منها مُنع من التداول في السعودية لاسيما الروايات.
الصراع مع الإسلاميين
وينتقل الصحفي كريري إلى مفردة من مفردات الصراع في حياة الدكتور القصيبي فيقول "الإسهام الفكري والثقافي للرجل لم يكن بمعزل عن الصراع الدائر وقتذاك بين أقطاب التيار الحداثي والتيار الديني في السعودية، فكان مصنفا على تيار الحداثة من قبل الإسلاميين".
ويضيف أنه مع إصداره لديوانه الشعري الثالث "معركة بلا راية" عام 1970، قامت المعركة بينه وبين عدد من قادة التيار الديني في ذلك الوقت كان من أشهرهم ناصر العمر وسلمان العودة وعائض القرني.
ويتابع أن هذا الديوان كان حديث الخاصة والعامة، وهو ما وضع القصيبي منذ ذلك الوقت في خانة "مظلمة"، وازدادت إظلاما بعد حرب الخليج الثانية 1991، وهي مرحلة يشبهها الكاتب شتيوي الغيثي بأنها "صراع بين خطابين: حداثي وصحوي".
وأوضح كريري أنه نتيجة لكل ما دار من نزاعات فكرية وثقافية بين القصيبي ومجموعة من الصحويين في أواسط التسعينيات، فقد أصدر حينها كتابًا بعنوان "حتى لا تكون فتنة" وهو بمثابة رسالة لنبذ التعصب، وإشاعة التسامح بين أفراد المجتمع والبعد عن الآراء المسبقة والجاهزة.
ويمضي قائلا إن الكتاب احتوى على أربع رسائل موجهة إلى أقطاب التيار السلفي, وقد نفدت الطبعة الأولى من الكتاب، رغم أنه كان بيعه ممنوعا، وبعد أربعة أشهر صدرت الطبعة الثانية في لندن، وقد قدم فيها القصيبي قراءة نقدية للخطاب "الصحوي" السياسي وذلك من خلال تتبع محاضرات ودروس قيادات الصحوة التي تم إلقاؤها في ظل أحداث أزمة الخليج على شكل أشرطة كاسيت كانت توزع منها مئات الآلاف.
ويتابع قائلا إنه في الجهة المقابلة صدر كتاب حمل عنوان "العلمانية في العراء- القصيبي شاعر الأمس، وواعظ اليوم" عن دار الكتاب تضمّن ثلاث رسائل لثلاث شخصيات من التيار السلفي هم وليد الطويرقي والدكتور محمد سعيد القحطاني والدكتور سعيد بن مبارك آل زعير.
وعن كتاب "أميركا والسعودية.. حملة إعلامية أم مواجهة سياسية؟!" للراحل القصيبي، يقول كريري "في رأيي يعد هذا الكتاب من أهم كتب الراحل وفيه رؤية واضحة ومقارنة صريحة بين الإعلام العربي والإعلام الغربي، وهو يرى من خلاله أن السبب الأول في الهجوم الأميركي على السعودية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 كان محركه الأول الإعلام الأميركي".
وكان وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجة قد أصدر مؤخرا قرارا برفع الحظر المفروض في المملكة السعودية على مؤلفات القصيبي.
لكن في جولة سريعة قام بها مراسل الجزيرة نت شملت عددا من المكتبات الثقافية في مدينة جدة، لم يعثر على معظم هذه المؤلفات وفي مقدمتها "شقة الحرية" و"العصفورية".
* * *
فقيد الوطن.. قبل لحظات من الموت
خالد المطوع - الرياض
كانت لحظات عصيبة، وموقف مؤلم، هي تلك التي دلف بها الطبيب المعالج لغرفة الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي. عقارب الساعة تشير إلى التاسعة وأربعين دقيقة من صباح الأمس الأحد، ولم يدر بخلد غازي القصيبي الإنسان وهو يستشعر لحظات الموت أن دخوله لمستشفى الملك فيصل التخصصي بعد تعرّضه لوعكة جديدة أرغمته الدخول إلى المستشفى هي المرة الأخيرة له.. يقول أحد الأطباء المعالجين للقصيبي إنه رجل مؤمن بالقضاء والقدر، وكان لطيفًا جدًّا في تعاملاته. ولقد كانت الأيام الأخيرة لوزير العمل الدكتور غازي القصيبي بعد عودته من رحلة العلاج في الولايات المتحدة الأمريكية مليئة بالتفاؤل من نجاح العملية، ولم يترك قلمه وأوراقه التي يدون فيها بعضًا من خواطره إلى أن دقت الساعة العاشرة صباحًا، وكانت لحظات عصيبة على الجميع، حين أعلن الطوارئ في جناح الدكتور القصيبي الذي وافته المنية تلك اللحظات، ولم يعد من الممكن عمل شيء.. مات غازي القصيبي.. هكذا قالت الممرضة، وهكذا عم الخبر خلال دقائق في أروقة المستشفى، ويضيف أحد الأطباء المعالجين للقصيبي إن وفاة الدكتور غازي جاءت في وقت كانت التحاليل الطبية له تؤكد استقرارًا بسيطًا في حالته الصحية، ولكنه القدر الذي لا يمهل أحدًا..
“المدينة” تجوّلت في أروقة مستشفى التخصصي بالرياض، ولكن الجميع كان منهمكًا بعمله، فحالات الوفاة هي أمر طبيعي اعتاد عليه العاملون بالمستشفى، ولكن غرفة الدكتور أفرغت بعد أن تم نقل جثمانه إلى الثلاجة استعدادًا لنقله إلى مغسلة الموتى لغسله وتكفينه، ومن ثم الصلاة عليه.
* * *
إلى روح غازي
كان الدكتور غازي القصيبي رحمه الله مثالًا حياً على النزاهة والإنجاز وعدم التأثر سلبا بالمناصب التي تسنمها رغم كثرتها. رجل حباه الله حضورا طاغيا وذكاء متقدا.
تحترمه لحبه لوطنه وتفانيه في خدمته وتحترمه لحزمه ورؤيته الثاقبة.
وتحترمه لترحيبه بالنقد.
تحترمه لثقافته الواسعة الدينية والدنيوية. وسوف أعرض في مقال لاحق للناحية الروحانية من خلال مقابلاتي معه.
رجل سبق زمانه بكثير إذ يعود الفضل بعد الله له في إطلاق العملاق سابك، وأهم من الشركة كانت رؤيته في استراتيجية التنمية البشرية في سابك حيث بعث آلاف الطلبة من حملة المتوسطة والثانوية للولايات المتحدة للتدريب في مجال صناعة البتروكيماويات، واستطاع بسواعد وطنية شابة أن يحقق المعجزة. كما يشهد على ذلك كتابه "حتى لاتكون فتنة".
الرجال من أمثال الدكتور غازي لايتكررون إلا في كل قرن مرة أو مرتين.
قد تأتي كتابة التأبين في الغالب من باب المجاملة أو العلاقة الخاصة أما في حالة الدكتور غازي القصيبي فإنها تصبح من المهام الوطنية التي يشعر معها من يكتبها أنه يسطر في ديوان الوطن أسطراً يستحقها ابن الوطن.
نسأل الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر الكريم أن يقبله في الصالحين وأن يُدخله فسيح جنانه وأن يكون لسان حاله كلسان حال من قال الله تعالى عنه "ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين"
وإلى لقاء مع الدكتور غازي رحمه الله عن الإيمان كتبته قبل سفره إلى أمريكا ولم أرغب بنشره إلا بعد وفاته.
إقرأ أيضاً:-
يتبع ...