تعرفت على امين صالح للمرة الاولى عندما التقيت بالشاعر البحريني قاسم حداد وقال لي امين صالح جعلني احب السينما وخصوصا افلام بيرجمان وتاركوفسكي ومن يومها تطلعت لمعرفة هذا الرجل. وعند زيارتي للقاهرة التقيت باستاذ بالمعهد العالي للسينما وقال لي نحن ندرس كتاب السينما التدميرية للناقد الأمريكي فوغل وانصحك بقراءته وهو ترجمة امين صالح. ثم كان اللقاء الاول في ابو ظبي خلال مشاركتي بفيلمي الرتاج المبهور في مسابقة افلام من الامارات 2005 وبعدها تعددت لقاءاتي به في مختلف المحافل والمهرجانات العربية والخليجية. هو شخص متواضع يهرب من الاضواء والشهرة والحوارات الصحفية ونجحنا ان نستضيفه في هذا الحوار للغوص بشكل معمق ومختصر في مختلف الاشكاليات وخصوصا ما يمس السينما الخليجية والبحرينية ..تعالوا بنا نبحر مع هذا الرجل الذي تحدث بكل صراحة وبساطة ...فاليكم الحوار.
* أمين صالح ناقد وأكاديمي سينمائي نشر العديد من الكتب.. نود أن نتعرف على هذه الزاوية وندع لكم الحديث عن أهم نتاجاتكم الأكاديمية والنقدية..
* لست ناقدا سينمائيا ولا أكاديمياً. حبي للسينما واهتمامي البالغ بالأفلام وخالقي الأفلام جعلني أكتب في السينما مقالات هي تعريفية أكثر من كونها نقدية، وأترجم الموضوعات التي تثير اهتمامي، خصوصاً تلك التي تفتح آفاقاً جديدة غير مألوفة، أو تشير إلى طرق غير مطروقة.
من الكتب التي ترجمتها: السينما التدميرية للناقد الأمريكي أموس فوغل، وعنوانه الأصلي السينما بوصفها فناً تدميرياً / النحت في الزمن للسينمائي الروسي أندريه تاركوفسكي/ الوجه والظل في التمثيل السينمائي/ حوار مع فلليني (وهو عبارة عن حوار مطول أجراه الناقد الإيطالي جيوفاني جرازيني/ عالم ثيو أنجيلوبولوس.. إضافة إلى الكتابة بالضوء وهو عبارة عن تجميع لمقالات مؤلفة ومترجمة.
وعن المشاريع الجديدة: هناك كتاب عن الألماني فرنر هيرزوغ (وهو عبارة عن حوار مطوّل) وآخر عن عباس كيارستمي (ترجمة وإعداد).
* أنتم متابعون لمسيرة السينما الخليجية منذ مسابقة أفلام من الإمارات، هل ترون تحسناً في الأسلوب والمضمون في أفلام الشباب الخليجي اليوم؟
لا أستطيع الزعم بأني متابع جيد لمسيرة السينما في الخليج (لا أميل إلى مصطلح السينما الخليجية لأنه غير دقيق). لكن من خلال مشاهدة عدد من الأفلام الطويلة والقصيرة، أنتجها سينمائيون في دول الخليج، بإمكان المرء أن يقرر أن هناك محاولات طموحة، وتوجهات جادة لتحقيق أفلام تريد أن تقول أشياء عن واقعها، وأن تعبّر بأدواتها البسيطة وإمكانياتها المحدودة عن هموم معينة أو عن أحلام معينة. أعتقد أن الغالبية من صنّاع الأفلام يعانون من ندرة أو شح الإمكانيات المادية الداعمة لمشاريعهم، إضافة إلى غياب أو ضعف قنوات العرض والتوزيع، وقلة العناصر الفنية المؤهلة.
من جهة أخرى، لا نستطيع أن نقول إن هناك تحسناً على مستوى الأسلوب والتقنية، كما لا نستطيع أن ننكر بأن هناك عددا من الأسماء التي تحاول جاهدة، وبجدية، أن تقدم شيئا مختلفاً، على مختلف الأصعدة، وملفتاً على مستوى التقنية والمضمون. التحسن والتطور لا يتحققان إلا عبر تراكم التجارب وتعدد المحاولات.
* في إحدى الفترات كانت الأفلام التجريبية والحديث عنها في المنتديات وميلاد بعض المحاولات التجريبية لكن سرعان ما اختفت هذه الظاهرة، ما الأسباب من وجهة نظركم وهل من أفلام جيدة ظلت بالذاكرة في هذا الاتجاه؟
لدي تحفظ بشأن مصطلح الأفلام التجريبية ، كما الحال مع مصطلح المسرح التجريبي ، وذلك بسبب غموض المصطلح ومعناه. كل فنان يجرّب أدواته ويشتغل على العناصر والمصادر المتاحة له، محاولاً أن يبتكر شيئاً جديدا ومختلفاً وغير مألوف، وهذا يحدث قبل اكتمال العمل الفني، وبمجرد أن يقدّم العمل للجمهور، لا تعود صفة التجريبية سارية، ونبدأ ـ كجمهور - في تقييم العمل على أساس أنه عمل فني وليس عملاً تجريبيا، فالمحصلة النهائية هي موضع التقييم. إن صفة التجريبية تُطلق على عمل لم يكتمل بعد، عمل لا يزال خاضعاً للبحث والتجريب. بالتالي لا أستطيع أن أقول عن عمل ما بأنه تجريبي والآخر غير تجريبي، فكل الأعمال هي تجريبية، لكن قبل أن تكتمل في صيغة نهائية.
وإذا افترضنا جدلاً بأن هناك أفلاما تجريبية، قائمة على توظيف تقنيات غير مألوفة أو التلاعب البصري أو استنطاق علاقة مغايرة بين الصورة والصوت، وأمور أخرى تفضي إلى وصف الفيلم بالطليعية أو ما شابه، فإنني شخصياً لم أصادف أفلاماً في دول الخليج ترتكز على مثل هذه المظاهر ويمكن اعتبارها تجريبية ، فأغلب الأفلام التي شاهدتها كانت تسعى إلى التواصل مع الجمهور عبر لغة بسيطة، غير مركبة، وبعيدة عن التلاعبات البصرية. هذا ضمن حدود معرفتي.
* هناك نقاد يبالغون أحيانا بوصف بعض الأفلام الخليجية.. أتذكر احدهم كتب عن فيلم قصير واعتبره معجزة خارقة.. وهناك شباب خليجي لا يقبل النقد الموضوعي.. ما تقييمكم لهذه الظاهرة وما نصائحكم للنقاد والشباب السينمائي؟
لست مؤهلاً لإبداء النصح، ولست في موقع الوصي. من المعروف أن لكل حركة مناصرين وأعداء لا تنقصهم الحماسة. قد يبالغ ناقد في تقييمه لفيلم ما، وقد يبالغ السينمائي في الثقة بنفسه، هذه أمور تحدث.. ونحن لا نستطيع أن نعمّم حالة ما على الكل. لا شك أن هناك من يتسم بالغرور والادعاء، لكن هناك أيضا المتواضع والذي يريد أن يستفيد ويتعلم. لا أظن أن هناك موقفاً جماعياً يتخذه الشباب من النقد. من جهة أخرى، لم ألمس اهتماماً حقيقياً من النقاد العرب بتجارب الشباب في مجال الفيلم القصير، هناك اقتراب محدود وخجول من هذا المجال، لعله راجع إلى روح التعالي والاستهانة. على أية حال، أنا على قناعة بأن من بين مختلف تجارب السينمائيين في الخليج سوف يطلع واحد أو اثنان، أو ربما أكثر، من الأسماء التي سوف تفرض نفسها إبداعيا في الساحة السينمائية.. وهذا بحد ذاته مكسب. المهم أن تتاح لهؤلاء الشباب حرية العمل بلا كوابح أو محاذير أو حتى نصائح.
* الخليج العربي بشكل عام يمتلك إمكانيات مادية ويستثمر جزءا منها في دعم الإبداع السينمائي... ما المطلوب بالضبط من الحكومات الخليجية للنهوض بالفن السينمائي بالخليج؟
إذا كان علينا أن نطلب من الحكومات شيئاً لأجل الفن السينمائي فبالتأكيد سوف نطلب الدعم المادي والمعنوي، وتيسير سبل الإنتاج، وتمويل المشاريع السينمائية، لكن لا أحد يضمن أن هذه الحكومات سوف تستجيب أو تكترث.
* كتبتم عن تاركوفسكي وكياروستامي.. فهل تأثرتم بهما في كتاباتكم لعدد من السيناريوهات، ولماذا لم نحس بشكل واضح بهذا التأثر.. هل كان الإخراج غير جيد للسيناريوهات التي كتبتموها؟
الاهتمام بأفلام وكتابات وآراء مخرج معين، لا يعني التأثر المباشر إلى حد المحاكاة. شخصياً أتأثر بالعديد ممن أقرأ لهم أو أشاهد أعمالهم أو أستمع إليها. لست ممن ينكر التأثر، على العكس، أراها حالة صحية وضرورية. في كتابة السيناريو قد لا يبدو هذا التأثر جلياً، لأن الفيلم هو وسط المخرج، قبل كل شيء، والتأثر يبدو واضحاً في الأسلوب، في التقنية، في تحريك الكاميرا وكيفية توظيف الميزانسين، وغير ذلك.
*لكن لماذا تريد من السيناريو الذي أكتبه أن يكون على شاكلة أفلام تاركوفسكي أو كيارستمي؟ لم لا يكون شيئاً آخر؟ وهل إذا لم تجد لمسات تاركوفسكي أو كيارستمي فإن ذلك يعني تقصيراً أو إخفاقاً أو خطأ لا بد من أن يتحمله الكاتب أو المخرج؟
* البعض ينظر للعناصر الجمالية بأنها عناصر تكميلية وأحيانا مزعجة ويتجهون للمباشرة والقصة، والبعض يجهل فعلا ان السينما لغة تعبير شعري وإنساني.. هل هذا ما ينقص السينما العربية أم ان لديكم وجهة نظر اخرى؟
بالطبع ينقص السينما العربية الكثير لكي تتطور وتؤكد حضورها محلياً وعالمياً، سواء على صعيد الفكر والرؤية، أو على الصعيد الجمالي.
كلامك عن أن البعض ينظر إلى العناصر الجمالية بنظرة استخفاف وانزعاج هو أمر غريب، ولا أعتقد أنه يصدر عن شخص فنان يمتلك حساسية فنية عالية، ويدرك أنه يتعامل مع شكل فني له جمالياته الخاصة. في رأيي، لا ينبغي التوقف عند أفراد يجهلون ماهية السينما، ومنحهم أهمية بمناقشة أطروحاتهم البائسة، فالنقاش في مثل هذه الحالة مضيعة للوقت.
* مهرجانات سينمائية خليجية كثيرة بمنطقة الخليج وقليلة أو معدومة تقريبا المؤسسات الأكاديمية.. هل ممكن أن تعوض المهرجانات النقص في المجال الأكاديمي؟
بالتأكيد لا.. كلنا نعلم بأن المهرجانات هي فعالية تهدف إلى إقامة مسابقات، وتسويق الأفلام، مع الاهتمام بتظاهرات معينة وإتاحة الفرصة للسينمائيين بالالتقاء بالجمهور والنقاد والصحافيين. بينما المؤسسات الأكاديمية، من بينها المعاهد السينمائية، تسعى إلى التعليم والتثقيف. بالتالي، لا يمكن للمهرجان أن يعوّض عن النقص الأكاديمي، أو يكون بديلاً لغياب المعهد أو الثقافة السينمائية.
* السينما فن جماعي لكننا نلاحظ في العالم العربي، والخليج بشكل خاص، فنا فرديا أي أن الشخص الذي يمتلك إمكانيات ينتج عملا ويكون هو المخرج والمنتج والكاتب والممثل والمونتير ...ما أسباب وجود مثل هذه الظاهرة من وجهة نظركم وهل من أمل في حدوث تحولات مهمة في المشهد السينمائي الخليجي؟
بالفعل، السينما فن جماعي يعتمد على عناصر فنية مؤهلة في مختلف مجالات العمل السينمائي، لكن في حالة عدم توفر عدد من هذه العناصر الماهرة أو المؤهلة (أتكلم هنا عن السينما في الخليج) فسوف يضطر الفرد أن يقوم بمهمات أخرى إلى جانب الإخراج.. وهذا أمر مشروع ولا يتناقض مع العمل السينمائي: لنتذكر فقط (وأنا هنا لا أعقد مقارنات) أن كيارستمي يكتب وينتج ويخرج ويصور ويمنتج أفلامه، كذلك فعل ستانلي كوبريك وغيرهما. المسألة لا ينبغي تناولها بهذه الحدّة والصرامة والتزمت، فليس شرطاً أو قانوناً أساسياً أن يكتفي المخرج بالإخراج فقط. السينما حقل حر ومرن ومفتوح على مداه، ومن العبث تكبيله بالقوانين والوصايا والشروط وما يلزم وما لا يلزم.
*ما تقييمكم وقراءتكم للمشهد السينمائي البحريني وهل سنرى أفلاما جديدة وتطورا في المهرجانات القادمة؟
في البحرين هناك من خاض تجربة الفيلم الدرامي الطويل منذ سنوات، مثل بسام الذوادي، الذي حقق أول أفلامه الحاجز في 1990، وكان عليه أن ينتظر عشر سنوات حتى ينجز فيلمه الثاني الزائر ثم حكاية بحرينية . ومؤخراً قام المخرج الشاب حسين الحليبي بتحقيق فيلمين طويلين هما أربع بنات (2008) و حنين (2010)، وهو لا يزال يحاول اكتساب الخبرة الفنية.
أما في ما يتعلق بالأفلام القصيرة، فقد ظهرت أسماء واعدة ومبشرة سيكون لها شأن إن ساعدتها الظروف على الاستمرار، مثل محمد جناحي وحسين الرفاعي ومحمد راشد بوعلي وعلي العلي، وآخرين.
ولا أظن أن المجال هنا يتسع لتقديم قراءة أو تقييم للتجربة، نظراً إلى تشعب المشهد، وتفاوت المستويات، وتعدد المشكلات. وأي اختزال أو إيجاز ربما يعطي انطباعا غير دقيق.
الوضع السينمائي في البحرين، في الآونة الأخيرة، يمر بأزمة، الإنتاج تقلص كثيرا بسبب غياب الدعم المادي، والتجارب باتت معدودة وأكثر تواضعاً.. ما الحل؟ هناك حلول لكنها غير قابلة للتنفيذ.. الآن على الأقل.
* أمين صالح، هل ممكن أن يخوض محاولة إخراجية أم أنه يتوقف عند السيناريو؟
رغم ميلي إلى الإخراج، إلا أني قانع ومكتف بمهمتي ككاتب للسيناريو. مهنة الإخراج لا تعود تصلح لمن هم في سني. الإخراج يقتضي حركة ونشاطاً وحيوية وسرعةً وقوة احتمال ومرونة ومساومات، وكلها صفات قد لا تتوفر في شخص مثلي، لذلك أميل إلى الكتابة التي اعتدت عليها وإن كانت تفرض عليك العزلة لبعض الوقت، وضرورة أن تهيئ نفسك لإجراء عدد من التغييرات على نصك والتي يفرضها عليك الآخرون.
* ظهور المرأة والاشتغال على الجسد الأنثوي بالسينما الخليجية ما زال متواضعا بل اقل من ذلك، ما الأسباب من وجهة نظركم؟
* لم أفهم المقصود بالاشتغال على الجسد الأنثوي، هل هو تصوير وضع المرأة من الجانب الحسي، الإيروتيكي.. مثلاً؟
أعتقد أن هناك اهتماماً بقضايا المرأة، اجتماعياً، ضمن العلاقات الأسرية أو في العمل، أو كطاقة روحية، في الأعمال الخليجية . ربما ليس بالكثافة المطلوبة، وذلك بسبب قلة الأعمال من جهة، والمحاذير المفروضة رقابياً من جهة أخرى، حيث لا يتوفر (خصوصاً في السعودية) العنصر النسائي إلا في حالات نادرة.
* المناخ النقدي العربي ملوث ومهنة النقد كما يقول البعض مهنة من لا مهنة له وظهرت ظاهرة السرقات والسطو .. ما تقييمكم لهذه الظاهرة والحلول للخروج من هذه الدائرة؟
لا أميل إلى التعميم، والقول بأن المناخ النقدي ملوث لمجرد أن شخصاً أو اثنين أو أكثر يمارسون الكتابة الصحفية، بتوجهات غير مسؤولة، تحت اسم النقد. أو لمجرد أن شخصاً يعتبر نفسه ناقداً ويستغل وظيفته للاكتساب والارتزاق عن طريق كيل المديح لمن لا يستحق المديح، أو التشهير أو ما شابه ذلك. هناك نقاد يمارسون عملهم بصدق وإخلاص، واعون لدورهم ومحبون للفن الذي يستحوذ على تفكيرهم. وبفضل هؤلاء نستطيع أن نميّز بين الجيد والرديء، بين الجاد والعابث.
وليس صحيحاً أن النقد مهنة من لا مهنة له، فالنقد علم وفكر وسلوك حضاري وضرورة ثقافية وحاجة إنسانية. بين النقد والنتاج الفني تفاعل وجدل وحوار ثري.. وأنا هنا بالطبع أتحدث عن الناقد الحقيقي.
أما عن ظاهرة السرقات والسطو فهي ليست جديدة بل تمارس منذ زمن، وفي مختلف حقول المعرفة. ولا أعرف إن كان النصح أو الفضح ينفع في هذه الحالة، أو إن كانت هناك إجراءات رادعة. لست قاضياً ولا أحب أن أمارس دور القاضي.
* ما هو أفضل مهرجان سينمائي خليجي ولماذا؟
لديّ تحفظ على هذا السؤال، ولا أعتقد أن إجابتي ستكون مفيدة وداعمة لأي جهة.
* كلمة أخيرة تودون توجيهها من خلال هذا المنبر..
أحييك وأشكرك أيها الصديق..
القدس العربي- 2010-10-10