يتحدى ويصوغ أحلامه بالصورة

(الكاتب البحريني متسائلاً عن طريقة تنفيذ أفلام في مناخ غير سينمائي)

أحمد زين
(السعودية)

(«ظلال الصمت»: الفيلم السعودي الأول)
(«ظلال الصمت»: الفيلم السعودي الأول)

تكثر وتتوالى المحاولات السينمائية التي راح ينجزها عدد ليس قليلاً من الشبان السعوديين، مقتحمة المهرجانات المتخصصة والمسابقات سواء في السعودية أو الخليج فتثير أكثر من سؤال حول فنياتها، اقترابها أو ابتعادها من فن السينما، هويتها، أسبابها، وأخيراً الإشكالات التي تواجهها.
صاحبت هذه التجارب متابعة نقدية واهتمام صحافي لافت، أحياناً يفوق كثيراً الإمكانات التي تقدمها هذه المحاولات، فأخذت الصحف تخصص صفحات بكاملها لهذه الظاهرة، وأفردت مجلات أدبية متخصصة تصدرها أندية أدبية، ملفات تضم شهادات وقراءات لهؤلاء الشبان، وواحدة من هذه المجلات أرفقت بأحد أعدادها «سي دي» يتضمن عدداً من الأفلام.

فجأة بدا المشهد في السعودية سينمائياً، مسابقات تأخذ أسماء عدة من مهرجان للعروض المرئية إلى مسابقة للأفلام السعودية، وأكثر من كتاب صدر في وقت متقارب حول هذه المحاولات إنه في اختصار احتفاء غير مسبوق، لكن المضمون واحد، أفلام بعيدة من السينما في معناها العميق في رأي غالبية المتابعين، لكنها تحث الخطى في التعبير عن نفسها، وتؤكد هاجس أصحابها في اقتحام هذا المجال، العصي لكن الفاتن في الوقت نفسه. ولعل اللافت أن تتوالى هذه التجارب في مناخ يمكن وصفه بالعدائي تجاه السينما، فلا دور سينما، ولا اهتمام رسمياً بهذا الفن. ومع ذلك هناك ما يمكن وصفه بـ «الطفرة» السينمائية، تتزامن مع الموجة الروائية التي يكتبها شبان أيضاً.
قبل نحو شهر نظم نادي الدمام الأدبي، بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون مسابقة للأفلام السعودية ولا تزال أصداؤها حاضرة، خصوصاً أن المسابقة حظيت برعاية رسمية من وزير الثقافة والإعلام السعودي إياد مدني، ومثلت حدثاً سينمائياً لقي تغطية صحافية جيدة، إذ عرض فيها نحو 30 فيلماً، وكرم فيها المخرج السعودي عبدالله المحيسن.

الكاتب البحريني أمين صالح، المعروف عنه الاهتمام بالسينما، نقداً وترجمة، ترأس لجنة التحكيم في هذه المسابقة، ولم يخف دهشته من عدد التجارب المشاركة، إذ يقول: «لقد سبق أن شاهدت عدداً من الأفلام السعودية في مسابقات خليجية، لكن في هذه المرّة كان حضورها مكثفاً، وقد فوجئت حقاً بالعدد الكبير من الأفلام المشاركة، سواء داخل أو خارجها. وتساءلت: من أين نبعت هذه الأفلام، وكيف يمكن لها أن تطلع في مناخ غير سينمائي، يفتقد حتى صالات العرض، بل يتخذ موقفاً معادياً من السينما باعتبارها وكراً للرذيلة والمفاسد؟».
لكن ذلك لم يمنع مترجم كتاب «السينما التدميرية» وهو يشاهد تلك الأفلام، من الشعور بالسعادة، «على رغم أخطائهم وشوائبهم، كنت أشعر بسعادة غامرة: هنا جيل شجاع يعرف كيف يتحدى، وكيف يجسّد أو يصوغ أحلامه بالصورة والصوت والضوء».

ويعزو صالح هذه الكثافة في إنجاز الفيلم تلو الفيلم من شبان، لا يملكون سوى الرغبة والإصرار... وكاميرا رقمية، إلى أن هؤلاء «يتمتعون بروح عالية من الشغف بالفن السينمائي من جهة، وتحدي الواقع الرافض لهم من جهة أخرى. وهم يعلمون جيداً أن أمامهم طريقاً طويلاً وشاقاً من النضال في سبيل فرض أنفسهم (وأفلامهم)، وإثبات حضورهم في الساحة الثقافية، وانتزاع اعتراف الآخرين بهم»، مشيراً إلى أنه لولا عشقهم للسينما وشغفهم بالتعبير عن ذواتهم وأفكارهم وأحلامهم من خلال السينما، «لما تجشموا كل هذا العناء في مخالفة المعايير السائدة، وبذل المال والجهد والوقت في تحقيق أفلام لا تجد لها قنوات للعرض والانتشار. هؤلاء الشبان، بأفلامهم القصيرة، الدرامية والوثائقية، يجاهرون بحقهم في التعبير، وفي العيش بحسب ما تمليه قناعاتهم لا كما يريده أو يفرضه الآخرون، الذين يحاولون القول إن السينما رجس».

محاولات وتجارب

عند الحديث حول هذه التجارب السينمائية، التي ينتجها مخرجون شبان، لا يميل صالح إلى إدراجها ضمن ما يسمى بـ «صناعة سينمائية» فهذه، في رأيه، تتطلب توافر آليات للإنتاج المنتظم إلى جانب وجود استوديوات بكل ما تحتويه من أجهزة وفنيين وتقنيين، إضافة إلى المعامل وشبكات التوزيع وما شابه، ويفضل الحديث عنها بصفتها «محاولات أو تجارب فردية تُنتج هنا أو هناك، بمجهودات غالباً ما تكون ذاتية وبتكاليف بسيطة». لكنه ينفي عن هذه المحالات صفة السذاجة أو البدائية، «إنما أردت أن أوضح الفروقات بين وسط تتوافر فيه الصناعة، بالمفهوم الدقيق، ووسط يحتاج إلى الكثير، أولها توافر المنتج والمموّل».

ويقول صالح إن المهرجانات «لا تخلق سينما، إنما تسهم في التعريف بالفيلم وتسليط الضوء عليه وانتشاره. الإنتاج السينمائي يحتاج إلى ممولين وعناصر فنية وقنوات توزيع».

ويؤكد أمين صالح من خلال متابعاته الحثيثة لما يحصل على صعيد السينما في الخليج، أن هناك «توجّها جاداً، نشطاً، مكثفاً، لدى مجموعات سينمائية في دول الخليج لتحقيق أفلام قصيرة، وطويلة أيضاً. عندما نلاحظ حجم المشاركات من النتاجات المحلية في مهرجانات أبوظبي ودبي والسعودية نكتشف أننا أمام ظاهرة جديدة، أمام حركة سينمائية ستفرض حضورها عربياً وربما عالمياً.. وليس في قولي مبالغة أو حماسة ساذجة. علينا فقط أن ننتظر قليلاً».
يعمل هؤلاء الشباب في شكل منفرد، وبجهود ذاتية، فلا توجد جهة رسمية عرف عنها دعم هذا النشاط في مجال السينما، ومن هنا يرى البعض ضرورة توافر الدعم، خصوصاً من الحكومة.

يلح أمين صالح على أنه في غياب القطاع الخاص «الذي لا يكترث بالسينما، ولا يعتبرها مجالاً صالحاً للاستثمار، يكون للدعم الحكومي أهمية قصوى، خصوصاً إذا أدركت الحكومات أهمية السينما - كفعالية ثقافية - وضرورة دعمها. من دون هذا الدعم الحكومي، ستتعرض المحاولات والجهود السينمائية إلى التعثّر والتعطّل، وستواجه العديد من العراقيل والصعوبات».
ويذهب مترجم كتاب «النحت في الزمن» للمخرج الروسي أندريه تاركوفسكي، إلى بدايات السينما في الخليج، التي انطلقت قبل عقود عدة، غير أنها لم تتواصل، ليذكر أن غياب التمويل، أثر كثيراً في استمراريتها، وأربك مسار تطورها «الفيلم ليس كالكتاب أو اللوحة. هو يحتاج إلى أموال تغطي شتى التكاليف الضرورية في عملية الإنتاج، التي هي باهظة، وليس بمقدور الفنان أن يحصل عليها، لا من القطاع الخاص ولا الحكومات التي تنظر إلى السينما بارتياب أو بصفتها مجالاً لا ضرورة له، ويمكن الاستغناء عنه». ومن أسباب عدم استمرار السينما في الخليج هي ندرة العناصر الفنية المؤهلة سينمائياً «فالمخرج المتحمس لتحقيق فيلمه، على نفقته الخاصة، يحتاج إلى مصور وفنيّ صوت ومونتاج، وغير ذلك من العناصر، لذلك يضطر إلى التعاقد مع فنانين عرب أو أجانب، الأمر الذي يعني زيادة التكاليف.

«أيضاً غياب النص السينمائي بسبب عدم وجود مناخ سينمائي يستقطب الكتّاب ويشجّعهم على تأليف سيناريوات، لذلك نجد أن معظم كتّاب الدراما يتجهون إلى المسرح أو التلفزيون».

أبجديات

يسود انطباع عام لدى متابعي هذه الموجة، إذا جاز التعبير، حول افتقاد الكثير من هؤلاء الشبان لأبجديات الفن السينمائي، فلا ثقافة عميقة حول هذا الفن، ولا متابعة جادة لما ينتج من أفلام مهمة في العالم، والقول بطغيان ثقافة التلفزيون والأداء المسرحي على هذه التجارب، كما عبر عدد من أعضاء لجان التحكيم، الذين شاركوا في مسابقات ومهرجانات نظمت خلال الفترة الماضية، مثل خالد ربيع، الذي أصدر كتابين حول السينما في السعودية، ويخلص هؤلاء إلى أنه في غياب الأكاديميات والمعاهد المتخصصة، الكاميرا الرقمية لا يمكن أن تصنع سينمائياً جيداً.

غير أن أمين صالح يبدو متفائلاً جداً بـوجـود شبان لديـهم الإلمام الثقافي والوعي بتقنيات السينما «ولديهم متابعة ملفتة لمختلف نتاجات السينما العالمية... صحيح أن هناك عدداً منهم يفتقرون إلى المعرفة والوعي، لكن هذا ممكن اكتسابه عبر التجربة والاحتكاك والمتابعة والدراسة إذا كانت ممكنة من خلال حصولهم على منح دراسية أو بعثات لحضور دورات في السينما، أو من خلال إقامة ورش فنية متخصصة».

على صعيد المواضيع والأفكار التي يقاربها شبان السينما في الخليج، تبدو القناعة ضئيلة حول اقتحام هؤلاء لقضايا مسكوت عنها، ومحذورة معالجتها، وإذا ما حصل ذلك، فإنه سيكون السبب في عزل مثل هذه التجارب، ولن تتاح لها فرصة المشاركة والانتشار عبر المهرجانات، وبالتالي يتساوى السينمائي مع الكاتب، الذي عانى ولا يزال عندما يسعى إلى الكتابة عن مواضيع شائكة.
يقول أمين صالح: «السينمائي يعيش الواقع الذي يعيشه الكاتب والفنان، بالتالي هو عرضة للمحاذير ذاتها، ولمختلف أشكال الرقابة الرسمية والاجتماعية. لكنه أيضاً، مثل الكاتب أو الرسام، يستطيع أن يحتال على الرقابة ويتجاوز أو يراوغ مع المحظورات بطرائقه الخاصة، بصوره المجازية واستعاراته ورموزه».

الحياة
25/07/2008