عاصفةٌ جليدية تضرب "نيويورك"،
وأنا على الشرفّة
خلف بابٍ يطلّ على هاوية.
لا تفتحيه.
الضوءُ إذ يتسرّب؛ ما هو إلا العاصفة،
أكَلَتْ من المبنى جزءه المطلّ على ساحة الحرية
وتمثالُه جليدٌ ينتقل
إلى أطرافي.
يا لفداحة البياض.
بياضُ الموت تحت الجفون.
جفونُ النيّامِ، تنتفخ.
قال أحدهم، والجليد يكسّر قلبه:
ـ فلتجمعوا الكتبَ.
أفرغوا الرفوفَ ودفئوا عود الثقاب.
أبعدوا اللهيب عن "نيتشه".
أبقوا عليه...
"لقد مات الإله، ونحن الذين قتلناه."*
***
بنتٌ في الفناءِ تبحث عن الخرَز.
هنا كانت الشجرة. أضاعت في الفيءِ، طوقها.
أحصت الرمان إذ أزهرت،
وارتفعت الأغصان كلّما مدّت إليها اليدين.
لمن هذا الباب؟
خذوه وأسندوني بكتاب.
أعيدوا للزهر بساطته ويديّ الصغيرتين.
قريباً سيأتي "زرادشت".
سيخبرني الكثيرَ عن "نيويورك"
و"آرثر شوبنهاور"، سيؤلّف قطعةً موسيقية، يمزقها؛ ويحذّرني النومَ في العراء.
ساعي البريدِ، يحملُ مفاجأةً فظة.
أحتاج أنفاً أرفع وأعلى،
يشمّ الجليدَ عن بعد.
***
لن يغريني الضوءُ، يميل إلى الفضة.
ها هو البحر يدخل المدينة.
سيفقد الكثير فيها.
"هنا تتهرّأ كلّ عاصفةٍ شريفة، ولا يُسمَحُ إلا للعواصف الجافة، بأن تعلن نفسها"*.
لا يعير الباصُ اهتزاز الزجاج ايّ هتمام.
أتظاهر بهدوءٍ،
يبدو واضحاً أنّه مُفتعل.
سأكتفي بالنّظرِ من زاويةٍ، عبثاً أقنعني أنّها تناسبُ هذا التوقيت بالذّات.
يؤلمني أنّك الغيابُ، وأنك لن تروي:
الأميرةَ الصغيرةَ ـ نَسِيَت أن تكبر.
عحوزٌ قي الكوخ،
وفي القنّ دجاجة.
عجوزٌ،
والدّجاجةُ غدتْ ديكاً.
المشي على رؤوس الأصابعِ، أولى بي.
***
مراهقات السويد جميلاتٌ، ولسعة بردٍ، تجعل خدودهنّ أشهى.
صبيّةٌ في الكرسيّ المقابل. تغيب في أنشودةِ "ميتان"، عن الحلزونِ:
ـ ماذا لو كنتُ أصغرَ بضع سنواتٍ،
أو كنتَ أكبرَ بقليل؟
ـ ميتان: فقط لو أنّي أكبرُ بعشرسنواتٍ أُخَر.
ـ يا إلهي!
كيف سأحتمل انصرافه لأنثى غيري؟
ينام الدّبّ الأبيضُِ على رُكبتيه.
***
جدرانُ المدينةِ، ورقٌ مقوّى.
لا تدْعوا إليها، الماء.
من الحماقة ألا أفكر بالعقربِ في هذه الساعة.
عقربٌ يبث سمّاً في الزمنِ.
هذه الساعةُ، تلائم غفوةً قلِقة،
وشاعراً
يقنع الليل بالبقاء.
تلائم سمّاً يسري في النبضِ، وشراييني تتسع للعقارب.
سأجري فيك بلا يدين تقترفان ملاسةً.
بلا عينين تدخلان القضبان،
وبلا أذنين ترتكبان إثم المعرفة.
معرفةَ، أني السمَّ..
تشتهيه قبل النوم.
***
لا تسأل كثيراً،
ولا تثقلني بإجاباتٍ عني.
لو أنّي لم أمتْ
لما تذكّرتَني.
لما تذكّرَتني زهور الحديقةِ،
ولا الشّارعُ الطويل.
لا تنبشوا ما مضى منّي.
ظننتُ أني متّ.
على ظهر حيوانٍ لم يسبق له رؤيتكم،
سأعود.
عليّ ألا أتأخر.
سأوقظ جيراني ليغتسلِوا،
وأوصيهم بألا يفتحوا الحنفياتَ،
أكثر من اللزوم.
هامش:
- "لقد مات الإله، ونحن الذين قتلناه"
- "هنا تتهرّأ كلّ عاصفةٍ شريفة، ولا يُسمَحُ إلا للعواصف الجافة، بأن تعلن نفسها" عبارتان لـ نيتشة.