1
اختتمت في مدينة فالينسيا الدورة السابعة لمهرجان الشعر العالمي POESIA التي توزعت على مدن فنزويلية. واستقطب المهرجان هذه السنة نحو خمسين شاعراً بعضهم محليون من فنزويلا وآخرون من بلدان تنتمي لأميركا اللاتينية مثل: كولومبيا، بيرو، الأرجنتين، البرازيل، المكسيك، وتشيلي، إضافة إلى شاعر واحد من فرنسا هو ستيفان تشومي، عدا شاعرين عربيين هما طارق الطيب من السودان، وكاتبة السطور من مصر، وكان من المفترض مشاركة الشاعرة رشا عمران من سورية، وتمت بالفعل ترجمة قصائدها الى الأسبانية وبرمجة قراءاتها ضمن المهرجان لولا ارتباطها بمهرجان آخر في لندن.
المهرجان تنظمه كل سنة جامعة كارابوبو في فالينسيا بالاشتراك مع مجلة «شعر» الفنزويلية التي أُسست عام 1971. وضم المهرجان، إلى الأمسيات الشعرية، محاضرات وندوات نقدية ولقاءات حوارية ونقدية عبر جولات في المدن والقرى المجاورة على مدى أسبوع تبادل خلالها الشعراء خبراتهم الكتابية ورؤاهم النقدية خصوصاً في ما يتعلق بقضايا الشعر المعاصر وتقنياته. كان الشعراء صباحاً يجوبون الجامعات والمراكز الثقافية والمكتبات لإلقاء الشعر على طلاب الكليات المختلفة ثم يجيبون عن أسئلتهم حول الشعر والأدب عموماً، وفي المساء يحضرون الأمسية الرئيسية في المسرح الكبير في جريدة «كارابوبينو» التابعة لجامعة كارابوبو، تلك الأمسية التي تناوب الشعراءُ المشاركون على القراءة فيها طوال أيام المهرجان الخمسة وسط حضور كثيف من محبي الشعر والأدباء والصحافيين وقنوات التلفزيون.
في أمسية الافتتاح كرّم أربعة من شعراء أميركا اللاتينية الكبار هم: ليوبولدو كاستيلا (1947) من الأرجنتين، خوسيه إيميللو باتشيو (1939) من المكسيك، إنريكي موخيكا (1945) من فنزويلا، آرميندو تريفيسان (1933) من البرازيل. وكانت لجنة المهرجان انتخبت بعض دواوين الشعراء المشاركين لطباعتها بالإسبانية عن منشورات جامعة كارابوبو. ثم سلمت في حفلة الافتتاح الشعراء النسخة الأولى من دواوينهم محشوة بأوراق الورود الحمراء في طقس شعري فاتن. ومن الشعراء الذين تمت ترجمت دواوينهم وطبعت، إضافة إلى الأربعة المكرمين، الشعراء: طارق الطيب من السودان، ميجيل آنخلو ساباتا من بيرو، ومن فنزويلا لويس ألبرتو كريسبو، آديلهي ريفيرو، رينالدو بيريس شو، فريدي إيمانديز آلفاريز، فرانسيسكو ماتينيز ليخينو، وكارلوس أوزوريو غرانادو.
قرأ الشاعران العربيان قصائدهما بالعربية ثم تلتها قراءة ترجمة القصائد بالإسبانية من أنطولوجيا ضمت كل القصائد التي شاركت في المهرجان بالأسبانية، وحملت الأنطولوجيا عنوان «الشعر».
اختتمت حفلة الافتتاح فرقةٌ اسمها «آمادو لوفيرا»، تعتمد على آلتين موسيقيتين وتريتين هما الـ «آربا»، وغيتار رباعيّ الأوتار يسمونه «كواترو». عزفت الفرقة مقطوعات من تراث أميركا اللاتينية الشعبي. سامبا البرازيل، فالس بيرو، سالسا الكاريبي، ميوزيكا يانيرا الفنزويلية، إضافة إلى تانغو الأرجنتين، ثم مقطوعات تعتمد الإيقاع البطيء الناعم اسمها بوليرو مشهورة في المكسيك ومنشأها الأصلي في كوبا. وفي حفلة الختام قدم الموسيقي الفنزويليّ الشهير فرانسيسكو أوزاباريوس كونشرتوات مقطوعة موسيقية تعتمد على الارتجال الفني المدهش. وكان يحدث الجمهور مُموسقاً كلماته على نحو فطري لافت، وقرأ مقطوعات من الشعر الشعبي قراءة موسيقية متوسلاً العزف على آلة تشبه المندولين.
ومن بين الطقوس الطريفة في المهرجان رسم بورتريهات بالفحم لكل الشعراء المشاركين قام به الفنان الفنزويلي رامون بيليزاريو (1948) وعرضت في غاليري أقيمت على هامش المهرجان. وقامت جامعة كارابوبو بشراء هذه اللوحات لعرضها في معرضها الدائم كنوع من التوثيق للشعراء الذين شاركوا في المهرجان.
الحياة
13/07/2008
2
هنـا فنزويـلا
أي بلاد هذه! أي فطرةٍ وبكارة، وجمال وشراسة أيضا. بلادٌ اختارَت أن تظلَّ أبدا علي طبيعتها الأولي. أعربتُ عن دهشتي من الخضرة التي تُغرِقُ كلَّ شيء فاندهشوا من دهشتي.
كأنهم لا يعرفون أن بلدانا وشعوبا سقطت في الصحاري، فإن منَّتِ السماءُ عليهم بشجرةٍ ذبحوها! درجات لونية تغني في تناغم موسيقي مدهش، من الأصفر وحتي الأخضر الداكن. الحق أن كلَّ شيء هنا يغنّي. في النهار لا تكفُّ الطيورُ التي تسكنُ الشجر الكثيف من ببغاوات وبلابل عن الشدو، وفي الليل حشراتُ الحقل أيضا لا تكف عن الشدو.
مفردة «الشدو» هنا دقيقة. لأن نقيق الضفادع وعرير الصراصير واليعاسيب يتناغمان سويا كأنما أوركسترا موسيقي ساحر. لا أعرف لغة الحشرات لكن شعورا خامرني أن هذا الكونشرتو يسخر من البشر. تلك هي فالينسيا/فنزويلا المدينة الساحرة ذات الطابع الكاريبي الواقعة في شمال أمريكا اللاتينية.
خمسٌ وثلاثون ساعة طيران من أجل هذه البقعة النائية! هل يستحق الشِّعرُ هذا العناء؟ سؤال ما برحني وأنا أتنقّل بين المطارات والطائرات وفقرات ظهري تتفتت وجعا. متي يصل العلماء لمعجزة أن ينتقل الإنسانُ علي شعاع ضوء أو حتي شعاع صوت؟ هذا هو السؤال الثاني. نعم، الشعرُ طبعا يستحق. سيما إن كان بين الجمهور طلبةٌ في عمر الصبا الغضّ جاءوا من أطراف المدينة ليسمعوا الشعر.
عيونُهم تبحث في وجهي عن ملامح شاهدوها في كتب التاريخ ومخطوطات الإيجبتولوجي التي دونت أرقي حضارات الأرض. حضارة مصر الفاتنة. وآذانهم تفتشُّ في صوتي عن أثر الهيروغليفية التي دوّخت البشرية. لم يخبْ كثيرا بحثهم الأول إذْ أخبروني أن ملامحي فرعونية، ففرحتُ. أما بحثهم الثاني فقد عادلَ خيبتَه افتتانُهم بجرْس العربية الموسيقي، فسامحوا جهلي بالهيروغليفية.
أجمل ما أطربني هنا، عدا الشِّعر، حفلةٌ موسيقية قدمتها فرقةٌ اسمها «آمادو لوفيرا». آلة «الهارْب» بصندوقها الخشبي الضخم وأوتارها الطويلة. يسمونها الآربا. اندهشوا حين أخبرتهم أنها اختراعٌ فرعوني. يا الله! هل ترك الفراعينُ شيئا مدهشا لم يبتكروه لهذا الكون؟
علي نغمات الـ آربا وجيتار يسمونه الـ كواترو لأنه رباعي الأوتار، عزفتِ الفرقةُ مقطوعات من تراث أمريكا اللاتينية الشعبي. سامبا البرازيل، فالس بيرو، سالسا الكاريبي، ميوزيكا يانيرا الفنزويلية، إضافة إلي تانجو الأرجنتين، ثم مقطوعات تعتمدُ الإيقاع البطيء الناعم اسمها بوليرو مشهورة في المكسيك ومنشؤها الأصلي في كوبا.
ملامحُ الشعوب التي تطلُّ علي الكاريبي تشبهُنا. بشرتُنا الخمرية تحاكي بشرتهم الخلاسية، وكذا شَعرنُا الأسودُ الجعدُ وبريق العيون وحرارة الروح. يتكلمون الأسبانية طبعا ولا شيء سواها. أما الإنجليزية فمعدومة تقريبا. ولا عجب، فالعدو الأكبر لهذه الشعوب هو أمريكا التي وصفها تشافيز في خطابه عام ٢٠٠٦ بقوله: «الشيطان يسكن البيت».
لكنك ستجد العديد من المفردات العربية في حديثهم. أخبرتني صديقتي اللبنانية منوا البعيني، الباحثةُ في التفاعل اللغوي العربي - الإسباني بجامعة كارابوبو، أن أربعة آلاف كلمة أسبانية تحمل أصلا عربيا!
كما أن الراحل الجميل رجاء النقّاش كان أخبرني أن «تروبا - دور»، وهي الفرقة الغنائية التي تتجول من مدينة إلي أخري في التراث الأسباني، ذات أصل لغوي عربي أيضا هو (طربٌ يدور). كذلك استخدامهم أداة التعريف العربية (ال) كثيرا في معجمهم. فيقولون: السُّكر- الكايرو- الفرعون.
المصري اليوم
٧ يوليو ٢٠٠٨