(سبع قصائد للصيني هوانغ زيانغ)
يعتبر هوانغ زيانغ من أهم الشعراء الصينيين لما بعد الثورة الثقافية. يقال بأن "تمجيده" للشعب ولمصالحه أودى به الى السجن مرات عدة فيما يعتبره البعض شاعراً سياسياً. وقد اختار المنفى في الولايات المتحدة.
ولد زيانغ في مقاطعة هونان عام 1941. بدأ كتابة الشعر في خمسينات القرن العشرين. أسس عام 1978 جمعية "التنوير" التي اعتبرت أول جمعية "أندرغراوند" (سرية). وقد أطلق زيانغ مجلة حملت اسم الجمعية نفسه.
يعيش زيانغ منذ عام 1997 في الولايات المتحدة، وهو مقيم حالياً في بتسبيرغ. نشر العديد من القصائد والمقالات. ديوانه "الخروج من الصين الشيوعية" نُشِر عام 2003، ويُنشِر له في هذا العام، 2008، ديوان "حياة الإنسان مثابة وعد للإيفاء به".
اختير زيانغ كأحد أفراد لجنة التحكيم لجائزة "نوستاد" الدولية الشهيرة. وقد اختار من جهته أديب بلاد التيبت تسيرنغ ووزر كمرشحه لهذه الجائزة.
وعد للإيفاء به في هذه الحياة
سكينة خالصة
مستلقياً والوجه باتجاه السماء
يمسي الجسد
كتاباً مفتوحاً
كل ورقة أقلبها
تغدو يوماً كاملاً
مما هو معلوم ومن المجهول
يوم جديد
يمسُ شغاف القلب
دونما سبب
الكلمات التي رأت النور على الورقة
تجعل الغيضة المشبعة بالضباب
تذرف دمعاً دافقاً
وتتحلق لاستكشاف مغاليق
ما لم يُدوّن من كلمات
يا ليت الريح المراوغة
تغامر بتخمينة ما
حياة المرء أشبه بوعد للإيفاء
وكأني تبعت منتظراً هذا الوعد
على مدى ألف سنة
فوق رأسي وتحته
ثمة خواء خالص
بين أطراف الحشائش والأصابع
ثمة حيّز للعصافير والسحاب
للتدفق، للإنهمار
(2005)
فناء الدار
قرمة شجرة غُرست
في الأحلام لم يتسن لها
رؤية مجسّم عصفور دوري
تزقزق القرمة مثل أصبع متوحد
الثلج يلف شاله الصوفي
حول باحة الدار
فيما دافئة ومقطّرة لحبيبات
الغموض
تمسي حافة السطح حمراء
بلمسة من موقدة الشمس الغاربة
وتفسد ظلال الأشجار
يصفّق ريش حمام الذاكرة ثم يخبو في الزمان
ثمة إبريق نبيذ عمق فارغ
أوراق متساقطة تصدر حفيفاً
وفوق خطوط راحة يد غامضة المعالم
ينطفئ مصباح
(1991)
طرفة عين
عجلة الدراجة الهوائية لم تزل تدور. ذهب
الرجل لتناول قدح!
قد يعود، وقد لا يعود.
بركة دماء فجأة تظهر على إسفلت الشارع. فوق
راحة يد مفتوحة
تسعى ذبابة.
لم تزل عجلة الدراجة تدور.
(1987)
بلدتها العتيقة
في ظلال شجرة التنوب الصنوبرية
تتغضن ملامح الصبية
لتتحول إمرأة عجوز
تلتفت
للنظر الى
أكواز رمان الزمان
تتفتح منغلقة
فوق الصوان الكبير
للزقاق الخاوي
تغدو غشاوة الشمس المنسحبة
فوق حافة السطح
موحشة كما
بقع الشيخوخة
خلفها
تستكين الرياح
وتنبح الكلاب
في أحضان أشعة الشمس الصافية
تشرئب موسيقى الريف
مراوغة غامضة
تحمل إحدى الأشجار أزهار الكآبة
الى ما وراء
نظرة ثابتة
(1987)
الشِعر
قطرة دم
تذوب داخل ظلام
الحبر المتجانس
قطرة حليب
تذوب داخل صفاء
الماء
(2001)
تمثال شعور
يد تديرني
إزميل ومطرقة لا يتوقفان عن صدمي وضربي.
"لا تحاول الاختباء داخل الحجر، إخرج!"
أرتجف. تلتف الأخاديد حولي
الإزميل والمطرقة يزعزعاني.
ينبلج تدريجياً رأس مارد،
وتظهر بعده عينتان ساكنتان،
ثم أنف، شفتان صامتتان لرجل متسامح.
الإزميل والمطرقة استخرجاني من أعماق مقلع أحافير.
أخفض رأسي، وجسدي ساجد.
تنكشف على ظهري كتابات قديمة غامضة لم يستطع
أي جيل فكّ مغاليقها.
كالديدان المتلوية تتسلق مجموعة من الرجال
الأرض اليباب لجبهتي الناتئة.
"من هذا؟"
يسأل صوت وقد أرعبه صمتي اللاذع.
(1982)
ما أعتقده
يقولون
حتى مع استعمال أقوى تلسكوب
لن يتمكنوا من العثور عليّ داخل
ثقب أسود في المجرة
"أيها الشاعر، هل أنت ميت؟
أين مثواك المعمّر من النجوم
المعلقة رأساً على عقب؟
لا
أيشعّ
وسط عريي
هنا بالتحديد
كآبة
ذهبية
جميلة
جلّ ما أفعله هو أنني أغفو
داخل النور المتوهج
للشفاه القرمزية
(ألمسها للمرة الألف
كما تفعل الشمس الجنوبية)
تحت المطر المنتحب برقة
وسط الأمواج المهدهدة
للأذرع الهزازة
غشيني النوم
يقولون ثمة ما هو كائن
خلف النظام الشمسي
فراغ في الفضاء
بل لا نهائية زمانية
لن تتحلل أبداً
أو تنسحق الى شظايا
لا ألجأ الى الكذب أبداً
أعلم أن
من ينادي هو أنا
إنه شيء قلته ذات مرة
للصبية التي أحببت
شيء لن يختفي من أحلامي أبداً
كما أعـ تـ قِد.
(1983)
المستقبل
الاحد 3 آب 2008