"ليزا والجسد السماوي" عنوان المجموعة القصصية التي صدرت مؤخرا بالعربية للكاتبة الألمانية زلكِه شويرمان عن دار «قدمس» (نقلها إلى العربية زياد منى). والكاتبة كانت أقامت في بيروت منذ أربع سنوات، ضمن مشروع «رواة المدن» التي أشرفت عليه وزارة الخارجية الألمانية كما معهد غوتة، حيث تبادل كتاب عرب وألمان الاقامات في مدن عربية وألمانية (كانت الكاتبة اللبنانية يومها الروائية نجوى بركات، التي أقامت في مدينة فرانكفورت).
بصدور هذه الترجمة، أحيت شويرمان أمسية ثقافية في معهد غوته ببيروت، مساء الاثنين الماضي، حيث ألقت مقاطع من قصتها «محيط البروق» بالألمانية، بينما قرأتها بالعربية الفنانة برناديت حديب. وقد أدار الندوة أسعد خير الله.
حول ذلك، هذا اللقاء مع الكاتبة الألمانية، الذي مر عبر ترجمة زياد منى.
*بعد أربع سنوات من زيارتك الأولى إلى بيروت، وكان ذلك ضمن مشروع رواة المدن، أولا ماذا قدم لك هذا المشروع على المستويين الشخصي والأدبي، وثانيا ماذا تقدم لك هذه الزيارة اليوم؟ كيف ترينها بعيدا عن المشروع الأول؟
لقد كتبت يومياتي عن بيروت، أما هذه القصص التي تصدر اليوم، فلا علاقة لها لا ببيروت ولا بأي قضية سياسية، بل تتحدث عن شقيقتين. في الرحلة الأولى، التقيت بالعديد من الشخصيات، من بينها العديد من الكاتبات، كذلك ترجمت إلى الألمانية بعض قصائد ناديا تويني. كتبت أيضا عن بيروت الأخرى، غير تلك التي شاهدتها منذ أربع سنوات.
بعيدا عن المادة
*تقصدين اليوميات؟
كلا كتبت بعض القصائد عن هذه المدينة.
*تقولين في يومياتك إن البعض قد انتقدك لأنك لم تتحدثي عن بيروت، وأجبت بأنه ربما لا حق لديك بأن توجهي هذا النقد، هل كنت تهربين من السياسة مثلا؟ هل هو عدم رغبة في الدخول إلى هذه المتاهات؟
ربما يستطيع المرء أن يقول ذلك، بيد أني أتكلم الآن من منطلق الثقافة الألمانية، إذ هناك اليوم العديد من الكتاب الألمان المنتمين إلى عدة أحزاب إذا طلب منهم أن يتحدثوا حاليا عن الانتخابات التي تدور حاليا في منطقة هيسن وأن يوقعوا بيانات ضد «كوخ»، رئيس وزراء تلك الولاية، الذي يحرض على وجود الأجانب. فإن جوابهم انهم ليسوا متعلقين به وهم على استعداد لأن يوقعوا على ذلك، لكنهم غير مستعدين للدخول في سجال علني حوله. نحن نعيش تقاليد أخرى، إذ أن الثقافة الملتزمة قليلة جدا. عادة، عندما تكون هذه الثقافة موجودة، فهي تتعامل مع القضايا السياسية بشكل غير مباشر. لقد تعرفت هنا على أناس وعلى ثقافة أثرت بي كثيرا، جعلتني أهتم بها جدا، مثلما جعلني الوضع العام أهتم به أيضا. لكني لا أريد أن أتحول إلى مادة سياسية.
الالتزام
*يستدرج جوابك العديد من الأسئلة، أولا ماذا تقصدين بأنك بعيدة عن الثقافة الملتزمة، كيف تفهمين معنى الثقافة الملتزمة، وثانيا، تقولين إن الثقافة هنا أثرت بك، بأي معنى كان هذا التأثير؟
أعني بعدم الالتزام بهذه الثقافة الملتزمة بأن لا أكون حزبية. أعتقد أن الثقافة تلتزم دائما بمبادئ وأخلاقيات، لكن على مستوى مختلف. أنا على ثقة كبيرة بالأدب وبأنه قادر على القيام بتغييرات كثيرة. إن ترجمة الكتاب إلى لغات أخرى مثلا تسمح للناس بقراءته وبأن يشاهدوا المداخل التي تأخذها الكتابة. وهذا الأمر هو من الأشياء الجوهرية بالنسبة إليّ. كذلك يعثر المرء عبر القصص على عنف المجتمع وعلى عنف الأشخاص، وهذه أشياء تجعلنا نرى مدى توغل الأدب في المجتمع. هناك موضوع آخر أيضا، وهو العلاقات الجنسية بين الشباب. العنوان الأصلي للكتاب بالألمانية هو «فتيات ثريات» والمقصود به هذه السخرية. حين صدوره اتصل البعض بدار النشر معبرين عن سرورهم بأن هناك كتابا يتحدث عن الفتيات الثريات، وكانت الدار تجيب بأن المقصود بالثراء ليس المال. سمعت خلال إقامتي هنا منذ أربع سنوات بأن الكثير من الكاتبات اللبنانيات لا يتعاملن بطريقة مكشوفة مع القضايا السياسية، حتى اللواتي يكتبن باللغة الفرنسية.
*بالتأكيد إن الكتابة الملتزمة ليست فقط القضايا السياسية، ولكن يمكن للمرء أن يلتزم بالقضايا، كقضية الجنس التي تتحدثين عنها. الذي يقرأ الكتاب، وبخاصة في القصة الأولى، لا بد له أن يلاحظ كم أن الجنس قضية صعبة بمعنى هذه العلاقة الإنسانية التي أصبحت على درجة كبيرة من الصعوبة في الحياة الراهنة.
هذا النمط من العلاقة موجود في كلّ المجتمعات أن ثمة متزوجون على علاقة أخرى كما هناك عامل فارق السن. قرأت هذه القصة في ألمانيا، داخل سجن، على من هم محكوم عليهم بالسجن المؤبد بسبب جرائم قتل، وقد اعترضوا على ذلك، اعترضوا على أن تلاحق فتاة غير متزوجة رجالا متزوجين، وقد فوجئت برفضهم.
الفانتازيا والحقيقة
*إذا كنت ترفضين أن تكوني المادة السياسية، كم تشكلين من مادة هذه القصص التي بين أيدينا؟
مثلا في قصة «محيط البروق» تروي عن عمق المحبة الموجودة بين أناس يعيشون مع بعضهم لفترة طويلة. عشت ذلك بنسبة عشرين بالمئة، وعشرون بالمئة كذب، وستون بالمئة من الفانتازيا.
*هل بهذا المعنى تنحين إلى التخييل الذاتي؟
أعتقد ذلك، لقد كتبت الكثير من الشعر، لأني أهتم كثيرا بالتفاصيل. ومن الأشياء التي تجذبني قضية الوقت المؤجل، هذه الطريقة التي يعمل فيها العقل ضمن وضع معين. أنا أشبه بمنظر مسرحي.
*ما الهدف من كتابة تفاصيل التفاصيل؟
كي يشعر القارئ بالبيئة المحيطة. هذا هو الهدف. كي يدرك المرء لهذه البيئة التي تدور فيها الأحداث.
*بين الشعر والقصة القصيرة هل أنت بحاجة أحيانا إلى أكثر من طريقة تعبير كي تكتبي تتحدثي؟ وما الاختلاف بين الأمرين عندك؟
هناك بعض الاختلافات. كذلك حين كتبت روايتي استعملت الجمل الطويلة جدا. مثلا الجمل التي يستعملها الرجل المتقدم في السن والذي يشعر بالوحدة، يملك لغة مختلفة عن الفتاة التي في الخامسة عشرة. أستخدم كلمات وطريقة كلام مختلفة وهذا ما أحاول أن أثبته دائما في كتابتي وآمل أن يصل ذلك عبر الترجمة.
*هل هو الأسلوب الذي فرض نفسه أم أن الحدث هو من فرض هذه الجملة الطويلة والمركبة؟ هل تريدين من ذلك أن توقفي الزمن، هذا على الأقل ما لاحظته عند قراءتي للمجموعة؟
بالتأكيد كان هدفي أن أوقف الزمن. إن هذه الجمل، في هذه القصص القصيرة، هي التي تشكل الحالة، تشكل الزمن الإنساني الذي تتحدث عنه هذه القصص. أعتقد أن الإنسان ينسى كل الأشياء المحيطة به حين تتكثف الأشياء من حوله بهذه الوتيرة. من هنا يظن القارئ بأن الشخصية تتغير حين تعرف كل هذه الأحداث التي تمر فيها. على سبيل المثال، في قصة «ليزا والجسد السماوي»، وبعد أن مرت المرأة بهذه التجربة التي مرت بها، أصبحت امرأة أكثر قوة وأكثر نضوجا. إذ بعد أن تعرضت لكل هذا الاحتقار، خرجت من هذه التجربة أكثر جرأة وقوة.
*يصدر لك الآن كتاب بالعربية، ماذا يعني لك هذا الأمر؟ هل إن إقامتك الماضية في لبنان جعلتك تتعرفين إلى شيء من الأدب العربي؟
حقا أنا فخورة بصدور هذه الترجمة، ولم أكن أظن أنه سيصدر بالعربية. كذلك أعرف أن العديد من المشكلات التي أطرحها في هذا الكتاب موجودة هنا، كما أن العديد من الكاتبات العربيات عالجن بعض هذه الصدمات التي أتحدث عنه.
المشكلات عينها، لأننا نعيش عصرا موحدا، بمعنى من المعاني.
هناك بالتأكيد ذات المشكلات الوجودية. هناك دائما مشاعر الخجل عينها، المشاكل التي نحاول أن نخفيها دائما، إننا نعيش ذات المعضلات وبعيدا عن القضية الدينية.
*كيف تتوقعين أن يستقبل القراء العرب هذا الكتاب؟
بشكل مبدئي دائما أحس بالقلق من ردة الفعل. لكن عندي ثقة بزياد (منى) بإظهار اللغة والقضية التي أطرحها. وبخاصة هذه البلاد تهتم كثيرا باللغة والشعر. أذكر أني حين كنت اقرأ قصائدي، كان الجميع يهتمون جدا باللغة. صحيح أني قلقة لكني أشعر بالأمل.
*لكنك تقولين في يومياتك إنك تخشين الترجمة؟
كنت أتحدث عن الشعر فقط.
*هل لهذا السبب فضلت أن يكون كتابك الأول، مجموعة قصصية؟
صحيح أني أحب أن تصدر لي ترجمات شعرية، لكني أجد أن القصص تتيح استعمال لغات عديدة بالترجمة.
السفر
23 يناير 2008