ليست المصادفة وحدها من ربطت بين بيت الشعر الذي يتشكل وفق عروض الخليل بن احمد الفراهيدي من صدر وعجز وعدد من التفاعيل المعروفة وبين بيت الشعر الذي يتألف من حجر وقاعات وأبواب وإطار أو منتدى للشعر بأشكاله وأنواعه، فبين بيتي الشعر شبه كبير في الموضوع وليس الاسم فقط، ولكن شتان بين المعنيين والهدفين والنتيجتين، وشتان بين طريقة تقطيع بيت الخليل وبيوت الشعر الحديثة أو المستحدثة وطريقة تصنيع وخلق كل منهما فإذا كان الأول قد أعطي الاسم بعد أن كان دارجا متعارفا عليه فان اكتشاف أو ابتكار الأخير ولد مؤخرا وفي عقد التسعينات من القرن العشرين، وجاء بعد تناثر بيت الشعر الأول واختلاط النثر بالشعر والشعراء بالخطباء، وبعد أن صار الشعر منبوذا ومكروها ومحاربا، الي درجة التهميش ومحاولة الإقصاء علي يد كثير من المثقفين والنقاد والمواطنين والتيارات والمؤسسات التي صارت تحس أن الشعر عبء وبلا قيمة وفائدة وان زحمة الشعراء دليل أزمة ومظهر فناء وموات وقلة أهمية وان ديوان العرب مصطلح عفا عليه الزمن وطواه النسيان والانقراض.
ومن هذا المنطق بدأ بعض الشعراء البحث عن صيغة جديدة للتمسك بأهداب اليتيم والمنبوذ وتأكيد أهمية الشعر وضرورته، فجاءت فكرة تأسيس بيوت الشعر العربية من تونس التي أسست بيتا للشعر عام 1993.
وقد انطلقت فكرة هذا البيت من سؤال مفاده اذا كان الشعر ديوان العرب وخلاصة لغتهم فلماذا لم يشيدوا بيتا له عدا تلك الأبيات التي نحتها الشعراء من أجسادهم بهذا السؤال بدأت فكرة بيت الشعر في تونس منذ عام 1989 وازدادت الفكرة إلحاحا داخل مشهد تؤكد وقائعه أن تونس تعيش نهضة شعرية منفتحة علي الحداثة العالمية والصعوبات التي يلاقيها الشعر والشعراء في النص والحياة، ولتكتسب الفكرة قوة وحضورا تم تعزيز هذا المشروع بالرغبة في أن يكون بيت الشعر في تونس هو الأول من نوعه عربيا.
ومن الأهداف التي تأسس عليها البيت التونسي، أن يكون ذاكرة حية للشعر العربي والإنساني وملتقي جماليا لشعرية الفنون ومكانا لتجسير العلاقات الشعرية مع العالم عبر وسائل الكتابة والإعلام والترجمة والمهرجانات والدوريات المتخصصة وغيرها من السبل، (كلام كبير جدا واقرب الي الشعر منه الي الوظيفة والواقع) كما يعمل بيت الشعر في تونس علي إصدار دورية شعرية فصلية تحمل عنوان بيت الشعر إلي جانب إصدار الأعمال والدواوين الشعرية للشعراء الشباب المتميزين، ونشر كتاب سنوي يتضمن مختارات من الشعر العالمي إلي اللغة العربية وكتاب مماثل يتضمن مختارات من الشعر التونسي والعربي إلي اللغات الأجنبية، (لا نعرف اذا تم تطبيق ذلك أم مجرد طموحات).
أما بيت الشعر العربي التالي فقد تأسس في المغرب عام 1996ولعله أفضل النماذج العربية حثي الآن وقد جاء إعلان تأسيسه من قبل الشعراء أنفسهم محمد بنطلحة، محمد بنيس، صلاح بوسريف، حسن نجمي مصطفي النيسابوري وقد حمل البيان الـتأسيسي ما قوله، إن إنشاءنا بيت الشعر في المغرب، هو استجابة لما يتطلبه الشعر المغربي من مباشرة اللقاء حول الشعر والشعراء: ويهدف البيت الي إحياء أمسيات شعرية للشعراء المغاربة، قراءة الدواوين والتجارب، اشتغال عن المسألة الشعرية، حفريات الشعر المغربي، محترفات القراءة والترجمة والنشر، تواصل مع شعر وشعراء المغرب العربي، استضافة شعراء من كل الأقطار العربية ومن خارج العالم العربي، الشعر والفنون. تلك هي بعض ملامح ما نقصده من بيت الشعر.
أما ميثاقه فقد أكد أن المهمة الأولي لـ بيت الشعر في المغرب هي أن يكون مستوعبا في توجيهه لجميع الأصوات الشعرية التي اختارت حرية ممارستها الشعرية. وهذا يعني أن برنامجه ونشاطاته تتمركز في إعطاء الفرصة لكل من يجعل من الشعر مجاله الحيوي، مهما كان شكل قصيدته، ومهما كانت لغتها.
هكذا، فإن جميع الشعراء المغاربة، المتبنين لهذه المبادئ، هم أصحاب بيت الشعر في المغرب. ولهذا يلتزم جميع الأعضاء بالدفاع عن كرامة الشعر والشعراء وبوضع إمكانياتهم المادية والمعنوية في سبيل أن تصبح هذه المراكمة حقا لا يقبل أي تنازل. ومن ثم فإن الانتماء إلي هذا البيت يعبر، بالضرورة، عن الانسجام الطبيعي مع مبادئ التأسيس القائمة في روحها علي الوفاء لما يقتضيه العمل الجماعي من اختلاف وتسامح، لكي يكون بيت الشعر في المغرب محققا لطموح طال انتظاره وتعددت مصاعبه.
واذا كان بيت الشعر في فلسطين الذي انشئ متأخرا لكنه وضع علي كاهله تأصيل دور الشعر والشعراء الفلسطينيين في مجمل التاريخ الفلسطيني الحديث علي المستويات النضالية والإنسانية والجمالية، وتكريم وإعادة تكريم الشعراء بما يضمن حقوقهم الأدبية والإبداعية، وتعميم الشعر فضاء إبداعيا ونشاطا متميزا ذا أثر حضاري عظيم بوسائل الاتصال المكتوبة والمسموعة والمرئية، طباعة الدواوين الشعرية وإعادة طباعتها حتى تتواصل الأجيال وتتلاحق التجارب الفلسطينية المختلفة وذلك بطبعات فاخرة وأخري شعبية، إقامة الجداريات والنصب التذكارية والمتاحف للشعراء الراحلين لتصبح معالم ثقافية وتربوية وسياحية، تخصيص منح التفرغ الإبداعية في فلسطين والخارج.
منح جوائز خاصة ببيت الشعر للشعراء والنقاد العرب الذين جعلوا من قضية فلسطين موضوعات لهم، توثيق أفلام تسجيلية عن الشعراء الفلسطينيين الراحلين والأحياء وترجمة الأعمال الشعرية الفلسطينية المميزة إلي لغات أجنبية مختلفة حسب اتفاقيات ثقافية مشتركة مع الجهات المعنية والمؤسسات المشابهة، وقد قام بيت الشعر الفلسطيني بطباعة عدد من المجاميع الشعرية ويصدر دوريتين هما الشعراء وأقواس.
أما بيت الشعر في الشارقة فهو مركز ثقافي يعني بقضايا الشعر العربي والارتقاء به في مجالات الكتابة والتوثيق والإعلام والنـــــهوض بها عبر الإنتاج والتبادل العربي والإنساني، افتتح عام 1997. ويحتوي البيت علي عدة قاعات منها قاعة المكتبة والمطالعة وتحتوي علي ما يقارب 7 آلاف عنوان متخصص بتاريخ ودراسات ونقد ومراجع ودواوين الشعر العربي من العصر الجاهلي الي وقتنا الراهن، إضافة الي ركن خاص بأعمال كبار الشعراء العالميين والشــعر المترجم من العربية واليها.
ومن الأهداف التي طرحها بيت الشعر في الشارقة: تأصيل دور الشاعر والشعر في حركة الثقافة العربية في المجتمع، وإيصال الشعر الي أوسع شريحة من قطاعات المجتمع وتوثيق الحركة الشعرية المحلية والخليجية والعربية، والتفاعل مع الحياة الشعرية وطنياً وإقليميا وعربياً وإنسانيا، ودعم الشعراء وحركة الشعر انطلاقاً من دولة الإمارات العربية المتحدة والبحث في جماليات الشعر العربي، والبحث والدراسة في شعر وشعراء الإمارات والخليج والوطن العربي.
من هذا المنطلق فإن مهمة بيوتات الشعر العربي وكما يقول الأديب المغربي محمد المنصور: لن تقف مهمة بيت الشعر عند حدود الاحتفال باليوم الوطني للشعر، أو تنظيم التظاهرات، أو طبع الدواوين أو ترجمتها، أو توزيع الجوائز، أو بث القصائد عبر الطرق السيارة للانترنيت.. وإنما، سيتعين علي هذه المنارة أن تدافع وتعمل علي تأسيس ميثاق وطني لحقوق الشاعر.
وقبل أن يتذكر احد منا بيت الشعر الأردني فإننا ابتعدنا كثيرا لنقترب ولنقيم تجربة هذا البيت ولنسأل أين هو من تجارب الآخرين أين هو من سؤال الشعر والثقافة؟ وما هي أهدافه وأغراضه وبيانه وآفاقه، ومن هم أعضاؤه وكيف يتم تعيين رئيسه ولماذا لا تتبع تجارب البيوتات الديمقراطية الأخرى ولماذا لا يشمل البيت كل الشعراء الأردنيين ولماذا لا توجد له ميزانية ونشاط محدد ودور اكبر من استضافة نفس الشعراء في كل عام، واذا كان بيت الشعر في المغرب قد قام بالعديد من النشاطات الكبيرة فقد اكتفي بيتنا باستضافة بعض شعراء مهرجان جرش والرمثا أو ضيوف عمان دون أن يؤسس استراتيجيا أو رؤيا أو خطة عمل، ولم يقدم علي الصعيد الإبداعي أي جهد يذكر سوي إصدار مجموعتين شعريتين، وقد كان بالامكان أن تقدم أمانة عمان البيت وتخصص ميزانية أو منحة ولكن أن تشرف علي تعيين الرئيس ويصبح جزءا من عمل الأمانة فقد فقد الأفق الشعري الذي أسست بيوت الشعر من اجله.
إننا لا نتورع في القول أن نفس الملاحظات عن بيوت الشعر في فلسطين وتونس والتي صارت اقرب للخط الرسمي السياسي منها الي المدار الشعري وللغاية الشعرية الأدبية التي أسست لأجلها بيوت الشعر كي تطرد العزلة التي تلف هذا اللون الإبداعي الأقدم لا أن تساهم أيضا في التنفير أكثر من وظيفة الشعر وماهيته وأهميته إلا اذا كان المقصود تعليب كل شيء حتى الشعر وحبس الإبداع في قوالب قد تدعونا للقول أن الفراغ أفضل من هذه القيود والعوائق، فالشعر لم يحتمل الحشر حتى في البيت الشعري الرصين ذي الصدر والعجز والتفاعيل، فكيف يقبل التســييس والتزلف والتأطير.
2003/11/25