زهير غانم
(سوريا)

زهير غانمما هو هدف المبدع؟
والإجابة بقدر ما هي بسيطة. فإنها في الوقت نفسه عميقة، متسعة، وشاملة !!
فالمبدع / وبصورة مباشرة وغير مباشرة / يريد في كل النتائج ... ومن خلال محاولاته النيرة الوصول إلي تحقيق معني محدد وخالص، معني يمثل وينظم، ومحلل ومركب.
ومتخيل .. لجملة أفكاره، وفي هذا السياق..يربط موضوعاته في منتج متعدد الصياغات، جدلي الأسباب .. بغية انجاز التصوير النهائي لفكرته، وهو في هذا يعمل علي تأسيس القواعد الرئيسية للتأكد من ضمان توفيقه في تمتين، وتجميل، وتقوية المراحل اللاحقة والتي تشكل (فيما بعد) وحدة تكوينية .. مترابطة، متناسقة، متداخلة. وحدة تبلور (كل ) الفكرة، والفكرة الكل في انسجام جدلي، يتحرك من خلال الاتساق التوازني، والتداخل التجاذبي في كل عنصر من عناصر الموضوع.
المبدع (كفرض ثابت) يتمتع بقدرة فائقة علي تجميع كل المفردات، وهو بالتالي متمكن من صياغة وضعية المفردات بالطريقة، وبالإيحاء، وبالتنبؤ، ووضعها في المكان الصحيح، والتسلسل الصائب، لكي يضمن الوصول إلى مشارف أوسع.. لرؤيته، وخطواته التالية .. التي من المفروض ان تتكامل وتزداد متانة وقوة في الإشعاع الروحي ، والديناميك العملي للدافع الذي شخصه وحدده وأنجزه المبدع، علي أساس عملية توحيد الملامح البنائية للتعبير عن طرق التفسير الإبداعي للإدراك .
والإدراك هو الحد الفاصل .. بين التلقائية المعهودة، وبين التميز الانجازي. الذي يمثل الإحاطة الدائرية لكل أبعادها واتساعاتها وديمومتها المتحولة، علي الرغم من كونها محددة بالافتراض النظري، والقياس الرياضي .. لمعطي ومعني الدائرة ..
إذ قد تشير مسألة الإحاطة (لأي شكل هندسي) إلى مطلق الانغلاق لكن في الدائرة وسواء صغر حجمها أو اكبر، تظل زواياها ودرجاتها ثابتة، ومن هنا تأخذ الدائرة أهميتها كمطلق استعباري للكون لأنها تحمل في ذاتها كل الاتجاهات. وبالتالي تظل علاقة الإنسان بمركز الدائرة محددة في الموقع الذي (هو) فيه، وفي الرؤية التي تؤشر خط العلاقة بين الموقع الإنساني، والموقع الكوني .. في ضمنية الدائرة وليس خارجها اذاً .. فالإحاطة (بدايتها) ترمز إلى صلة المبدع . بالمحيط العام، أي بما يتحسسه، ويدركه، ويتفاعل معه ويؤثر فيه، من عناصر ومفردات ومعان وضغط وسلب وإيجاب وانفعال، وانسياق، وضد، وتوافق .. و ... و... هكذا تتحقق قصدية الشيء أو الأشياء ويدخل المبدع في تفاصيل كينونية، معقدة أو مبسطة تافهة أو قيمة، قوية أو ضعيفة، .. هذه التفاصيل علي مختلف مستوياتها، وأهميتها، تتعدد خيوطها الارتباطية وجود المبدع المدرك والمتخيل، وهو وجود مطلق وحيوي وتكون (في هذه الحالة) مديات التلقي بعيدة في توصيلها وتحليلاتها واستنتاجاتها، خاصة إذا أدرك (المبدع) قيمة الانجاز (الشخصي) من خلال ماهية الفكرة التي تعد بمثابة العمود الفقري رجوعاً أو تقدماً بالا نجاز.
لقد حددنا - سابقاً - علاقة المبدع الإنسان، بالذات الكونية، عندما حللنا صيرورة العلاقة بينهما، وأكدنا علي جانب محدودية العلاقة بين الإنسان والكون ضمن الاتجاه أو الزاوية القائمة بينهما، أي ان المبدع يؤسس رؤيته، وقدرته، وخطته .. بما يطرحه من شخصيات غايتها (أولا وأخيراً) الوصول بالفكرة، التي تمثل غايته بما تحويه من تفاصيل وتسويغ وتفسير.. إلى مستوي الاقتناع والتكامل النسبي، لاعند مركزية النص وحسب بل وجوهرية الفكرة التي يعتمدها النص في خطابه النهجي .. وهي مسألة علي غاية من الخطورة يجب النظر إليها باهتمام بالغ لان النص بدون رصد، أو انتباه، أو إثارة... لن يتمكن من إقامة مدار واضح ومشهود له ولكي يحقق ذلك لابد له من مبادئ ثبوتية : ذات قاعدة متينة تمتد عمقاً في أرضية الحضارة البشرية وإلا فانه سيكون مجرد تكون شبحي، خال، خاو من أي ثقل تعبيري، يفتقد إلى الجسارة الفكرية، والتنوير العقلي، والأهمية الإنسانية ..
وما أكثر الأفكار والمبادئ: والإرشادات التي مرت هكذا.. لمرحلة ما، أو خلال جيل ما ، إلا انها فترت وانخمدت، ولم تترك، أو يبق منها ..سوي استذكارات ... استطيع تسميتها بالهوائية ..
ان موضوع التراكم الفكري، لا صلة له بالتراكم المعرفي وحسب، بل ويعد جذوة التكوين الحقيقي، القوي، الذي تتجمع فيه كل الانصهارات المضاءة .. في حياة التطور البشري ..
وهكذا فالتيارات الاستشراقية لها صلة وطيدة بالمستقبل الإنساني، ولها مكانة بارزة في خارطة الاستنهاض الحيوي (التام) لكوكبنا..
لقد تجاوز الإنسان محنة اللاوجود في اللحظة التي دخل فيها دائرة النهوض ليؤسس وجوده المتقدم.. علي صعيد المشهد العلمي المتصاعد بوتائر عالية.. وبإيقاعات متسلسلة ومتعاقبة، ومتصلة.. وهكذا يتطور كل شيء انجازي - إبداعي - متميز/ في الحياة والإبداع / عموماً ليس الشيء أو أي شيء أتحاشي فقط، بل يعد من ابرز اللافتات المؤثرة في مسالك البشر اليومية، والتصعيد بالأفكار يؤدي إلى إحداث تغييرات ملحوظة وفاعلة في كل الجوانب، وفي كل الاتجاهات باتجاه (من) و (إلى) وهذا لاينطبق علي الأفكار التي يمكن ان نطلق عليها بالكبيرة بل وعلي الأفكار المحدثة كالرسم والمسرح والسينما.. التي تعد جديدة بالقياس إلى غيرها من الأفكار.

من منتخبات (جهة الشعر)