1.....حكاية كل يوم
-الى جانب من نقف الآن؟
- لا افهم
- اى الجانبين على صواب الآن،آخونا أم ابن عمنا أم الغريب؟
-لم يعد هناك صواب.. اختلطت الأمور..والكل فقد صوابه..
- نحتاج من يعلم فى ماذا يجرى الآن.. كي ينقشع الضباب عن الصورة.. كل خمسة او ستة يتلاصقون حول طاولة اصغر من عددهم وحجمهم كأنهم يقصدون ذلك، ومعهم مذيع وميكروفون..ومحطة فضائيه..
-ثم..... من هؤلاء حول الطاولة؟
-من؟
- هؤلاء هؤلاء
-لا اعلم
- نحن مع من الآن إذن؟
-مع أولئك الذين يركضون بحثا عن ملجأ..الهاربون من الفقر الى القفر.. المستجيرون من القتل بالموت.. ملح الأرض المسفوح فى الشوارع.. وبين مخلفات القصف.. النائمون على الطوى..والمستيقظون على صوت أمريكا.. والعالقون فى غبار الحياة مثل نجوم منسيه،لا يعرفون متى ينتهي الكابوس ويعودون الى أماكن الطفولة، سالمين من كل شر.
-من كل شر؟
-من كل شر
-كان الحرب طالت كثيرا؟
-كأنهم أرادوا لها ان تطول
- او ربما كأنها لم تبدأ بعد؟
-كأنها.
2...صديقي الذي لا يعرفه احد
انهم لا يكفون عن سؤالي عما حدث، وكيف حدث،ولماذا.
وهل اعرف انا لماذا وكيف وماذا حدث.
جاءتنا الأوامر..فانطلقنا..
يتحسسنا الموت من كل جانب.. ونحن نهوى..فى مختلف الأوضاع حتى ضربنا القاع..
حين رفعنا رؤوسنا ما عرفنا أكانت سماء تلك الدامية التي تظللنا..أم سقف الجحيم.
وفى خبل اللحظة سألني صاحبي هل انتصرنا؟
أجبته متسائلا وجلدي يتساقط..هل بدأت الحرب؟
3...الرحيل
بدا كما لو ان ذلك قد حدث منذ زمن بعيد غابر ، أصبح مجرد تذكره، خليط من الأحلام والذكرى أما الذي حدث فعلا فذلك ما لا يقدر ان يقسم عليه احد، ويكون صادقا تماما .حين وصلنا أخيرا كان الثلج يغطى كل شئ..غطاء مبهر يعمى البصر.يمتد الى ما لانهاية... ولم ننشغل كثيرا بالتفاصيل ..رحنا نتقدم بحذر مشوب بالخوف والترقب...تتثاقل خطواتنا كلما اقتربنا من الهاوية..وكان سعد أول من وصل لأنه أسرعنا..لم يشأ ان ينظر وحده..وحين تقدمت لم أشأ ان انظر ايضا..
اكتمل عددنا ..يلمع البياض على رموشنا..والخوف.ودوى قلوبنا يسمع من مسافات بعيده.. نظر عمنا الذي نسينا ورحنا نناديه بذلك آخر المسافة المتبقية ولم يما نع..ثم نظر سعد..ونظر الي..أما البقية فراحوا ينظرون إلينا غير مصدقين.. .تتساءل نظراتهم الحيرى عن شيء ندرك انه ليس هناك..لكننا نتابع الحيرة..ونستمر فى النظر.
تنحنح سعد وهو يشيح بوجهه:هذا ما هربنا اليه إذن
_تركنا كل شئ من اجله
-وبعنا ما فوقنا ودوننا للوصول اليه
-انه عمل كأي عمل آخر
ردد عمنا وهو يرتجف لأشياء لا تحصى، وراح يتفحص وجوهنا التي غادرتها الحيرة فجأة
وحين انقلبنا،جميعا، على أعقابنا دون كلمه،بدا وجه الدليل أكثر دهشة،وسأل عمنا الى أين نحن ذاهبون
-الى حيث يسفّون التراب،ويجرفون الروث،وهم يضحكون.
-؟؟؟؟؟
-لكنه ترابهم، وروثهم وحدهم.
- والحرب؟
-أية حرب؟
4...التيه
أيها الضائع فى الشوارع الخلفية للمدن الغريبة، ومحطات المترو، الصامت فى مهب الشكوك، والحائر فى موضع اليقين، المبعثر مثل أحلام مغادره،قصيدة المتشاعرين،وجواد المغامرين ،المرفوض مثل عبء، والمرغوب مثل سمكة بلا حراشف،
أقم خيمتك الآن على قمة الجبل..وعندما تؤوب النسور الى موطنها فى الأعالي تسلل تحت جناح الشوق والظلام،وارشق نفسك مثل سهم فى عش من أعشاشها وابدأ الصلاة.
ربما كانت الحياة كريمة معك فينبت لك جناحان
او تورثك النسور بعض شجاعتها...فتبدأ النشيد.
5...العودة
-هل يذهب أولادك الى المدرسة الآن؟ انقطعت أخبارك منذ زمن.
-كغيرهم
-تجدون ما يكفيكم؟
-..وما لا نجده، نتدبر أمره!
-بالطوى أم السرقة؟
- نحن لا نسرق أهلنا
- من إذن؟...سعد..خطئان لا يصنعان صوابا!
- مزحة سمجة يا عمنا...
ضحك سعد فى البدء، ضحكنا بعده،الحزن الشفيف يملأ صدورنا، والأمل، والعوز يرفرف فى سماء غرفته الحميمة وحول قلوبنا، يكاد يصدح بالأنين البارد الصقيل، يشتكى ، لكنه يعلم ان الحال واحد، فيقرر ان يستمر بالضحك، ونحن كذلك.
دخلت امرأته علينا،فى العادة لا تدخل النساء على الرجال، اعتدل سعد فى جلسته ثم هب ليحمل عنها صينية الشاي، ويقبلها أمامنا على رأسها فتركض من الغرفة خجلي يسبقها ضجيج قلبها الذي سمعناه جميعا فى نفس الوقت. ولاحظنا ان سعدا لم يتحرك من مربعه الذي رسمه لنفسه منذ مجيئنا.
-الحرب وما تفعل!! قالها مفسرا ولعه بزوجته الذي تجدد أواخر الأيام،و سلمني صينييه الشاي لأدور بالأكواب على الأصدقاء، ترددت، وأنا انظر فى الخفاء الى ساقه الاصطناعية التي يخبئها تحت ثوبه الابيض، فى الحقيقة ما كنت لأتردد قبل ذلك،فى اى وقت من الأوقات . لكن الحرب، جعلتني أقول وأنا اتشظى: لا..لا نريد ان نشرب الشاي من يديك يا سعد، هيا أرنا ماذا تستطيع ان تفعل بهذه الساق الجديدة!
مايو2006