(قبل أن تنام
لا تجزم بشيء
فقط تذكر ثدي المرأة التي تحب
ارْتَـدِ باباً ووشاحًا أسود لتراوغ به الليل)
عبد الله الريامي
لا تجمعني مع هذا الشاعر المتأنق بصدى قلاع نسيها البرتغاليون تحت ظل حجر الجبل الأخضر وخواطر فاسكوديكاما سوى رسالة جميلة أتت بمودة مشتركة من الريامي وصديقه الشاعر العماني محمد الحارثي ويوم وصلني خبر اعتقال الريامي أعدت قراءة الرسالة ورممت عواطفها التي نسجت عليها الأيام خيوطا من نسيان تصنعه الحياة وبدأت أستذكر لحظة أخبرني الحارثي بأنه وهو يكتب ألي فأن الريامي معه ينقل تحت أسوار مدائن صور ومسقط وصلالة وظفار وعبري تحيات فتنة الشعر وسبات الكأس وندامة أممية الموسيقى ..
هذا ما جمعني بعبد الله الريامي ..شئ من سندريلا الرسائل ومواقيت قراءة سورة العشق الملفوفة برائحة أسماك القرش العائمة على أسرة الرمل في سواحل زنجبار ومدغشقر وعدن لأتذكر فواصل حلم الرجل الحاسر الرأس المنقاد إلى حداثة تأريخ عشيرته، أولئك الذين أدركوا محنة طغراء الوطن بين أزقة الظل والحجر .
المدفوعون بالسعي إلى خصخصة المكان بحزن التأريخ والقراءات الطلسمية لأبد كان يحوي حتى خواتم الأميرة السومرية شبعاد حيث كان المكان العماني يدعى في لغة سومر (مكان) وكانت السفن الذاهبة من أور لتجلب النحاس من الجبل الأخضر ويسمونه السومريون الجبل اللامع تحمل رؤى الآلهة والخليقة وتعاويذ تمشي على جادات البحر لتصل إلى قلوب متلهفة للرؤى الجميلة بعد أن تتحاشى البوارج وحاملات الطائرات وأسماك القرش..
الآن وقد ألقى العسس القبض على صديقي الريامي ما لذي علي فعله لأرفع الغمة عن روحه الناشطة في مجال الحق وقلبه الذي يقطر شعرا كما تقطر ينابيع الضوء في أرض زحل ؟
طبعا لا أملك في سلطتي سوى هذه الكلمات والتي يقول عنها جيفارا : أنها في ذات اللحظة تصير مدفع بازوكا أو باقة ورد .
ولأننا هنا في العراق نشم رائحة البازوكا مع رائحة الطبيخ وودت أن أحول كلماتي إلى باقة ورد وبها أذهب سيرا على الأقدام إلى مسقط وأجلس منتظرا موكب السلطان وأقدم مظلمتي المكتوبة بالخط المسماري وفيها رغبة الشعر والحب والحرية أن يطلق سراح الأديب العماني عبد الله الريامي .
ينبغي أن ينتبه ولاتنا إلى صناع الحلم على أنهم رؤى لروح الشعب وأنهم فقراء وشعراء وحكماء وليس غير ذلك وينبغي أن ينتبه رئيس العسس على أن زمن الأصفاد ذهب مع أزمنة الأمام يحيى وقواويش القلعة البرتغالية وأن السلطان هو سلطان الرعية روحه من روحها فلا يذهب إلى مخادع الحالمين ليمسك عنق الحمامة وهو الذي بنى بلاده بحكمة أن يلغي عهد أبيه عهد القسر والسيف وموت القلم .
أذن يا جلالة السلطان ..هذا رجل شاعر وحقوقي يتمدد الآن في قبو وزارة الداخلية أو في أحد سجونها ولأنكم رمز عدل السلطنة فروحكم تقرأ مظلوميته وأن تناست وقالت ليأخذ العدل مجراه فهذا يعني أن العدل عندكم هو سكين القصاب . فالريامي لا يملك في قاموسه سوى الرغبة ليتحدث بحرية ويرسم في رؤاه أمل
وأعرف أن العسس لأجل هذا الأمل أخذوه ..
فلا تجعلوا حلم مسقط التي اختيرت هذا العام عاصمة للثقافة يتلاشى في نداءات منظمات حقوق الإنسان وبذلك يضيع حلمها الأزلي بأن تصير وليلها المظفور بعرائش التين بيتا تبني فيه اليونسكو أكواخ شكسبير وأدونيس والسياب والجواهري وقاسم حداد كافافيس وسيف الرحبي ونازك الملائكة ومحمود درويش ونجيب محفوظ ماركيز وكل رهط المدركين حقيقة أن الأدب في خصام دائم مع السيف والأصفاد ومذكرات التوقيف.
لاتجلعوا مسقط تبكي على الحرية في عامها الثقافي الأممي ..لا تجعلوها غابة مجهول يتيه فيها الشعراء لأنهم يبتسموا على طريقتهم الخاصة..أجعلوها جديرة بثقة الحضارة بها وانتم تملكون من الحلم الكثير.
فلقد بنيتم بلادا عامرة فلا تحطموا مسير جيادا نافرة..
وهكذا يبقى الحلم أمنية أن ترى أجفان صديقي عبد الله الريامي نور صباح مسقط وتتألق من جديد أمنيات الشعر لديه وهو يمسك بأنامل الحلم صيرورة التخيل وقد تميزت قصائده بجرأة صورها وميثولوجياتها الغارقة في محيط بناء الصورة وحدة التزامن بين الصنعة والمتعة . مدركا هذا العماني الجميل :
(أن روح الشعر ..هي روح الرمل وروح البحر وروح عناكب القاع التي تعطينا التصور أن محنة الموجة ليس في المها من جرح السفينة بل أنها لا تتلاشى إلا عندما يشتد ضوء الشمس لتصبح غيمة وتبتعد عن البحر) .
تلك روح عبد الله الريامي المسجونة الآن على ذمة التحقيق بسبب كونها روحا ناشطة في مجال حقوق الإنسان وكونها تجيد الكاتبة على لوح القلب وتصوغ لنخيل وجبال وبحار بلدها قصائد هيومورسية تتحدث كما السمفونيات عن أحلاما ونوارس وخيولا تمشي بخبب الحلم على رمال الزمن وهي تأمل بالحياة السعيدة لكل البشر أولئك الذين كان الريامي قد أدرك محنة الخوض في تفاصيل حياتهم في مقدمة قصائده المعنونة
( قصائد في سحر العابرين ) والتي يقول في مقدمتها :
لقد كنت اجمع أخبار القتلى وامشي
تحت المطر دون عناء
لم يحد ثنى أحد عن وباء النسيان
كان الوقت غائرا في القلب
والقلب ومضة ينتهزها محارب عنيد
كانت الأرصفة تعرف قدمي
وهى تستجلي طالع الجهات الأكثر احتمالا
من شمس حاقدة
ومن ذيول الغد المتدلية من الأحداق
لاشيء في جيبي
وفى جيبي كل الروائح العالقة بذيل حصان
كل طلقة تجهل اليد التي تسدد ..