هل ماتت السوريالية؟ ستكون الإجابة نعم إذا كنت ممن يبحث عن السوريالية في محركات البحث: غوغل، ياهو وغيرهما. بل حتى في موسوعة علمية عالمية تمتاز بالضخامة والدقة مثل ويكيبيديا فإن الحال لا تختلف كثيراً. ‘’مذهب فني لاقى رواجاً بين العامين 1924 و1929 وكان آخر معارضهم في باريس العام .’’1947 هذا ما يقوله محرك البحث في ويكيبيديا، ولكن ما يقوله القاص أمين صالح، الذي يعكف على تحضير كتاب عن الحركة السوريالية، هو شيء آخر تماماً.
وعلى العكس من الانطباع العام السائد عن تاريخ السوريالية، يجادل صالح بأن السوريالية لم تنتهِ لغاية اليوم، ويمكن العثور عليها بسهولة في أعمال الشعراء والفنانين التشكيليين وعند المشتغلين بالمسرح وفي بلاتوهات السينما.
لكن حذارِ هنا، فالمسألة كما يرى، غير خاضعة للحدود الصارمة أو للرؤى التصنيفية الرتيبة، إنما هي موجودة بشكل لا واعٍ في كثير من الأعمال الفنية والإبداعية التي نشاهدها اليوم، عالمياً أو حتى محلياً وعربياً. وهو ما دعاه - عند سؤاله - ألاّ يتورط هو الآخر ويدخل في أي تصنيف إجرائي للأسماء الإبداعية التي عرضناها عليه، مكتفياً بالقول ‘’السوريالية كل شيء الآن.. ولا شيء’’.
منذ سنوات وأمين صالح يعكف على تتبع الأثر السوريالي. والمسألة بالنسبة إليه شخصية تماماً. مصادر كثيرة مرت عليه، عربية وأجنبية - إنجليزية تحديداً - فضلاً عن تلك المقالات والأقصوصات التي كان يراكمها من خلال مداومته على قراءة الصحف والدوريات الثقافية أو عبر الإبحار في شبكة الإنترنت. شيء واحد لم يجده: فكرة واضحة.
وحسب ما قال في حديث له مع ‘’الوقت’’ إنه اكتشف في غضون القراءة أن ‘’هناك خلطاً جلياً بين السوريالية ومدارس فكرية أخرى’’، مستدركاً ‘’حتى الكتب الموجودة لا يمكن أن تشبع فضول القارئ، فهي تركز على جوانب معينة وتغفل جوانب أخرى’’.
فكّر قليلاً، وبعد أن استجمع حصيلة السنوات لديه، صرخ متسائلاً: ‘’لم لا يكون هناك كتاب عن السوريالية؟’’. وهكذا بدأ العمل.
حتى يوم أمس (الأربعاء) - وقت الحديث معه - أنجز صالح أربعة فصول من الكتاب، فيما البقية تأتي تباعاً. ومثل أي منقب في تاريخ الفكر، ابتدأ كتابه بطرح السؤال الآتي ‘’ما هي السوريالية؟’’. قد يبدو السؤال بسيطاً للوهلة.
فبالرجوع إلى المصدر السابق، أي موسوعة ويكيبيديا، يمكن أن نجد التعريف الآتي ‘’آلية نفسية خالصة، يمكن من خلالها التعبير عن واقع اشتغال الفكر إما شفوياً أو كتابياً أو بأية طريقة أخرى’’. لكن صالح لا يتفق مع ذلك، ويرى أن المسألة أعمق بكثير.
فإذاً، ما هي السوريالية؟. بدلاً من الحديث عن ماهية السوريالية، يتوجه صالح إلى تتبع تعريفاتها عند آبائها أنفسهم، أو الأسلاف، حسب ما يسميهم. ويقول هنا ‘’ما اكتشفته أنه لا يوجد هناك تعريف. السوريالية داخلة في كل تفاصيل حياتنا، وهي يمكن أن تكون كل شيء ولا شيء في الوقت نفسه’’، على حد تعبيره.
ومن التعريفات، ينطلق صالح إلى وضع فصل آخر هو بمثابة خطاطة عن الأسلاف - بذور السوريالية. أولئك الذين عبروا عن أنفسهم بطريقة سوريالية، ولكن قبل إعلان المانفيستو السوريالي: بودلير، رامبو، الرمزيون وغيرهم.
ومن الأسلاف إلى فصل آخر ثالث يتقصى فيه مصادر السوريالية: الواقع، المخيلة، الحلم بأنواعه، الحرب، الوعي والحب. إلى أن يصل إلى عناصرها، وذلك مدار الحديث في الفصل الرابع: الدعابة، الرغبة، الجمال، والعجيب الخلاب.
وطبعاً الأمر ليس مقرراً له أن يتوقف عند هذه المحطة، فما تزال هناك الكثير من الموضوعات التي ينتوي صالح التوقف عندها: التقنيات السوريالية، موقفها من السياسة.. إلخ، غير أن ما يخافه هو ‘’أنه لم يتبقَ هناك الكثير من العمر’’، على ما عبر. لكن ما سبب حماسه إلى السوريالية؟. عليك أولاً أن تبحث عن النقطة العمياء الكامنة في السوريالية والتي تجعل منها سحراً لا يموت. يقول صالح ‘’لم أكن لأغامر بالكتابة عن السوريالية لو كنت أعتقد أنها انتهت’’، مضيفاً ‘’السبب في أن السوريالية لم تنته، هو أنها لم ترتبط بحركة معينة’’.
يتابع موضحاً ‘’التكعيبية انتهت لأنها ارتبطت بالتشكيل. ومثلها الدادئية ارتبطت بالأشياء التي احتجّت عليها، وحين زالت هذه الأشياء زالت معها. لكن السوريالية ليست كذلك’’، وفق تعبيره.
ويقول صالح ‘’لم تضع السوريالية قيوداً على منتسبيها، صحيح أنهم كانوا حازمين في أمور - مثل استغلال المذهب السوريالي من أجل الشهرة أو المال، وهم طردوا دالي لهذا السبب - لكن عموماً، لم تكن هناك شروط توضع على المنتسبين لها’’، مضيفاً ‘’هذا السبب في أن السوريالية لاتزال قائمة إلى اليوم وفي كل شيء’’.
ورداً على سؤال، علق ‘’لا أستطيع أن أقول إن فلاناً سوريالي وهذا لا، السوريالية مرنة إلى حد أنها قادرة على أن تمتص كل شيء، وهي موجودة في كل عمل فني’’.
وأضاف ‘’هناك نصوص كثيرة أصحابها لا يعون أنهم سورياليون، الأمر نفسه تجده في الفن التشكيلي وفي المسرح والسينما’’، مستدركاً ‘’ليس مهماً أن يقال عن شاعر معين إنه شاعر سوريالي أو رمزي أو تكعيبي، لكنك حين تقرأه تجد أن كل هذه الأشياء موجودة في شعره’’، بحسب تعبيره.
ولفت صالح إلى أنه ‘’على رغم أن السوريالية كانت وماتزال حركة ثورية على كل شيء، إلا أنها ظلت وفية إلى جوهر اللغة’’، مشدداً على أنه ‘’لم يتم المس ببناء اللغة ولا بطبيعة تشكيلها، بل كان هناك التزام صارم عند السورياليين بها، وهو ما يفند وجهة النظر التي تذهب إلى أن السوريالية نوعٌ من الفوضى’’.
وماذا بعد؟. ربما علينا أن ننتظر إلى حين صدور الكتاب. ولكن متى ذلك؟. هذا هو السؤال الوحيد الذي لم يجب عليه أمين صالح. يشار إلى أنه سبق وأن صدرت كتب أخرى للمؤلف، وهي تتنوع في الاهتمامات ما بين الشعر والسرد والمسرح والسينما والترجمة، كما أن له كثيراً من الأعمال التلفزيونية في مجال الدراما والمنوعات، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يتوجه فيها إلى التأليف عن اتجاه فني وفكري معين. ومن أعماله السابقة ‘’هنا الوردة، هنا نرقص’’ الصادر العام ,1973 و’’الفراشات’’ ,1977 و’’أغنية ألف صاد الأولى’’ ,1982 و’’الصيد الملكي’’ ,1982 و’’ترنيمة للحجرة الكونية’’ ,1994 و’’السينما التدميرية’’ وهو عبارة عن ترجمة لكتاب أموس فوغل، و’’الطرائد’’ ,1983 و’’ندماء المرفأ، ندماء الريح’’ ,1987 و’’العناصر’’ ,1989 و’’الجواشن’’ وهو نص مشترك مع قاسم حداد ,1989 وأخيراً ‘’المنازل التي أبحرت أيضاً’’ الصادر العام الماضي .2006
الوقت
8 فبراير 2007
إقرأ أيضاً: