نصائح خالدة للكتابة من آني لاموت

نصائح خالدة للكتابة من آني لاموت
تكمن الكتابة الجيدة في قول الحقيقة. نحن خلائق تحتاج وتريد أن تفهم ما هي عليه.

بقلم: ماريا بوبوفا
ترجمة: وليد الصبحي

يعتبر كتاب Bird by Bird: Some Instructions on Writing and Life من قائمة العشر كتب المفضلة لدي عن الكتابة، اذ يعتبر هذا الكتاب كنزا من المعرفة العملية المتعمقة التي يمكن الرجوع لها في أي وقت لتجدها ترزح تحت صدى أعمق في كل مرة. تضيف آن لاموت لمجموع المعرفة المستسقاة من الكتّاب العظماء فصولاً متساوية تتسم بالشفافية والثقة، وهي في ذلك بقدر ما تعلمنا عن الكتابة تعلمنا عن الإبداع بوجه عام، وفوق هذا كله عن كونك انسان تعيش حياتك بما فيها لأن الكتابة في نهاية المطاف -كما تشير لاموت في مقدمة كتابها- لا أكثر ولا أقل من كونها آلية لجعل الحياة أكثر عقلانية.

من مزايا كونك كاتباً إعطائك العذر لفعل أشياء عديدة ولأن تذهب الى أماكن وتستكشفها. ومن المزايا الاخرى أن الكتابة تحفزك على الاطلاع على الحياة عن كثب، على الحياة بينما هي تخذل وتشرد كل من حولها.

ما يجعل لاموت مقنعة جداً هو أن جميع نصائحها لا تصدر من شخص يتحدث من برج عاجي بل تنبع من نفس صادقة ذات ضعف يجذبك وحكمة حياتية حصلت عليها بشق الأنفس. تحكي لاموت عن سنوات رشدها وكيف أنها واجهت ذات مرة ذلك النوع من مفترق الطرق الذي لا مفر منه حيث يكون امامنا خياران اما أن ننسحب ونعلن انهزامنا ضد تجاربنا المريرة أو نستخدم هذه التجارب كتربة خصبة لبناء شخصياتنا:

“بدأت الكتابة عندما كان عمري سبعة أو ثمانية أعوام، كنت خجولة جداً وغريبة المظهر ومحبة للقراءة فوق كل شيء آخر، وكان وزني حوالي أربعين رطلاً في ذلك الوقت وذات جسم متيبس جداً لدرجة أنني كنت أمشي وأكتافي تصل إلى أذني مثل ريتشارد نيكسون. شاهدت ذات مرة فلم منزلي لحفلة عيد ميلاد قد حضرتها عندما كنت في الصف الأول، كان هنالك صبية وفتيات صغار لطفاء يلعبون معاً كالجراء الصغار، واذ بي فجأة أخترق الشاشة كسرطان البحر. كان يتضح جداً أنني ذلك الشخص الذي سوف يكبر ليصبح قاتلا متسلسلاً أو ذلك الشخص الذي سوف يكبر ليربي العشرات والعشرات من القطط، لكن عوضاً عن ذلك أصبحت ذلك الشخص المَضْحك وذلك بسبب الاولاد -الاولاد الاكبر سناً مني والذين لم أكن حتى أعرفهم- اذ كانوا يتجولون بدراجاتهم حولي متهكمين على هيئتي الغريبة وفي كل مرة كانوا يمرون بجانبي كنت أشعر وكأنهم يطلقون النار علي من سيارات تتحرك مسرعة أمامي. أعتقد لذلك السبب كنت أمشي مثل نيكسون، كنت أحاول أن أصل أذنيّ بكتفيّ لكنها لم لتكن لتصل لذلك الحد. لذلك، كنت في “المَضْحكة” في البداية ولكن بعد ذلك بدأت في الكتابة، على الرغم من أنني كنت لا أكتب عن أشياء مضحكة”.

[…]

” جل ما كنت أريد هو أن أنتمي، أن أرتدي قبعة الانتماء تلك.

كنت ما زلت أزن حوالي أربعين رطلاً عندما كنت في الصف السابع والثامن. وصلت الثانية عشرة من العمر ومازالت المضايقات والسخريات على هيئتي الغريبة مستمرة لطيلة هذا الوقت من حياتي. هذه البلد يصعب فيها أن تبدو مختلفا جداً فهي كما وصفها بول كراسنر: الولايات المتحدة للإعلانات، وكذلك إذا كنت هزيلا جداً أو طويلا جداً أو أسمر أو لافت للنظر أو قصير القامة أو أجعد الشعر أو مشردا أو فقيرا أو قصير البصر سوف يتم اضطهادك، وهذا ما حصل معي”.

إذن، لاموت وجدت ملاذها في الكتب بالبحث عن “نوع ما من النهج المبتكرة أو الروحية أو الجمالية لرؤية العالم وتنظيمه في مخيلتها”. ولتجد ذلك، أصبحت لاموت كاتبة وبدأت تتخيل نشر أعمالها و”لذة رؤية اسمها مطبوعاً على الكتب” باعتباره أعلى شكل من أشكال إثبات الوجود. كانت في انتظار المجد المؤكد الذي يحمله رضا الجمهور عندما نشرت كتابها الأول وتوهمت سراً أن “الأبواق سوف تهتف وكبار النقّاد سوف يعلنون رسمياً أنه ليس هنالك رواية امريكية منذ صدور موبي ديك قد صورت الحياة بما كل ما فيها من تعقيدات مُدَوّخة كما فعلت هذه الرواية”. بطبيعة الحال، لم يتحقق أي من هذه الأمور، ليس مع الكتاب الأول، ولا مع الثاني أو الثالث أو الرابع أو الخامس، ولكن بدلا من ذلك وجدت لاموت نوعا أعمق من الثواب الذي يتمثل في الاحساس “بالجمالية غير المقدرة” والتي صورتها آني ديلارد ببلاغة في رحلة تأملية خالدة في كتاب “حياة الكتابة”. تتفق لاموت مع راي برادبيري في موضوع عدم التقبل والرفض، معبرةً عن رأيها قائلتاً:

” ما زلت أشجع أي شخص يشعر أنه مضطر بأي حال من الأحول للكتابة بأن يقوم بذلك، وأحاول أن أنبه فقط الناس الذين ينوون أن يتم نشر أعمالهم بأن عملية النشر ليست يتلك العملية الشاقة التي تبدو عليها كما هو الحال مع الكتابة. لدى الكتابة الكثير لتعطيه والكثير لتعلمه والكثير من المفاجآت. سيتبين لك أن ذلك الامر الذي يجب عليك أن تجبر نفسك على القيام به -ممارسة الكتابة فعلياً- أنه هو الجزء الأفضل. حيث أنها مثل أن تكتشف أنك في حين ذهابك لحفلة شاي لم يكن مقصدك الكافيين نفسه بل الاحتفال. ويتبين أن المكافاة التي تقدمها الكتابة تتمثل في الممارسة الفعلية لفعل الكتابة.

[…]

أخبر طلابي أن احتمالية أن يتم نشر أعمالكم وجلبها لكم الأمان المالي وراحة البال وحتى السعادة ليست بتلك الاحتمالية الكبيرة. انهيار وهستيريا وجلد ميت وتشنجات ومشاكل مالية هو الذي ممكن أن تجدوه ولكن على الارجح ليس راحة البال. أخبرهم بأن يجب عليهم أن يمارسوا الكتابة على أية حال”.

 نصائح خالدة للكتابة من آني لاموت يكمن مفهوم الكتابة حول تعلم الاهتمام والتواصل مع ما يجري.

ولكن، قد يتساءل المرء، لماذا؟، تجيب لاموت بشكل جميل:

“لا أجد أصدقائي الكتّاب، وهم كثيرون، يتجولون هنا وهناك مبتهجين ويعيشون حياة هادئة مليئة بالارتياح. بل الكثير منهم تكسوه نظرات ملؤها الخوف وسوء المعاملة والدهشة.

لكنني أيضا أقول [لطلابي] أنه في بعض الأحيان عندما يمارس أصدقائي الكتّاب عملهم في الكتابة ينتابهم شعور أفضل وأكثر بأنهم على قيد الحياة مقارنةً بما يشعرون به في أي وقت آخر. وأحيانا عندما يكتبون بشكل جيد فأنهم يشعرون كما لو أنهم يفون بالوعد لشيء ما. يبدو الأمر كما لو أن الكلمات الصحيحة، الكلمات الحقيقية، هي بالفعل بداخلهم، وانهم يريدون فقط مساعدتها على الخروج. الكتابة بهذه الطريقة تشبه إلى حد ما حلب بقرة: الحليب مغذٍ جداً ولذيذ، والبقرة سعيدة للغاية أنك قد قمت بفعل ذلك”.

بالنسبة لـ لاموت، يكمن جوهر الكتابة في شيء بسيط، شيء راسخ في كونك إنسان:

“تكمن الكتابة الجيدة في قول الحقيقة. نحن خلائق تحتاج وتريد أن تفهم ما هي عليه.

[…]

الأمل، كما وصفه تشيستيرون، هو القوة في كونك مبتهج في الظروف التي أعدتنا لنكون فيها يائسين. قد تكون الكتابة مسعى يائس جداً بسبب كونها تدور حول بعض من أكثر احتياجاتنا أهمية: حاجتنا لنكون مرئيين ومسموعين وحاجتنا لفهم حياتنا، ولنستيقظ وننمو وننتمي”.

تقول لاموت: “يكمن في صميم الكتابة القدرة على الإرادة الهادئة والرغبة في تقليص نزعة الانسان للشعور بالهزيمة أمام هول الرحلة التي نشعر بالشلل التام لأخذ أول خطوة فيها”.

تروي لاموت عن هذه الفكاهة الرائعة، والتي على أثرها تم اختيار عنوان الكتاب:

“قبل ثلاثين عام كان أخي الاكبر، والذي كان عمره عشر سنوات في ذلك الوقت، يحاول كتابة تقرير عن الطيور كان من المقرر تسليمه في اليوم التالي والذي كان لديه من الوقت ثلاثة أشهر لإكماله. كنا وقتها خارجين لكوخ عائلتنا في مقاطعة بولينيس وكان أخي جالساً على طاولة المطبخ على وشك أن تدمع عيناه متجمدا من ضخامة المهمة المقبلة محاطاً بالأوراق وأقلام الرصاص وكتب لم يفتحها عن الطيور. حينها اقترب والدي وجلس بجانب أخي واضعاً ذراعه حول كتفه وقال: “طيراً تلو الآخر، خذها طيراً تلو الآخر.”

في نهج الطير تلو الآخر هذا للكتابة ليس هناك مجالاً للكمالية. يقدم نيل غيمان نصيحته المشهورة “السعي للكمال يشبه السعي وراء السراب، فاستمر فقط في المسير”، ويحذّر ديفيد فوستر والاس من أنه “إذا كان إخلاصك للكمالية جدا ًعالي فلن تنجز أي شيء.” وتنبه لاموت من ذلك قائلتاً:

“الكمالية هي صوت الظالم وعدو الشعب. الكمالية سوف تقيد حريتك وتدفعك للجنون لبقية حياتك وهي تمثل عقبة رئيسية تحول بينك وبين كتابة حتى ولو مسودة أولية رديئة.

[…]

إن الكمالية هي نوع وضيع متجمد من أشكال المثاليّة بينما تعتبر الفوضى هي الصديق المخلص للمبدع. إن الأمر الذي ينساه الناس (بالتأكيد عن غير قصد) بطريقة أو بأخرى هو كيف أنه عندما كنا أطفالاً كنا نحتاج نكون فوضويين لنعرف من نحن وما سبب وجودنا -وامتداداً لذلك- وما الذي يتوجب علينا كتابته”.

تتفق لاموت مع سوزان سونتاغ في أن ما يفعله الكاتب في الأساس يتمثل في أنه “يولي اهتماماً لهذا العالم”. وتعطي لاموت شرحاً فاتناً لما يعنيه أن تكون كاتباً كالتالي:

“يكمن مفهوم الكتابة حول تعلم الاهتمام والتواصل مع ما يجري.

[…]

الكاتب هو الشخص الذي يقف بعيداً وحيداً مع احتفاظه بقراره في أخذ بعض الملاحظات. إن مهمتك ككاتب أن تقدم بوضوح وجهة نظرك وخط رؤيتك، وكذلك أن ترى الناس كما هم عليه في الواقع، ولتفعل ذلك لابد عليك أن تبحث عن نفسك في أكثر المعاني الممكنة رقّه ورأفه، عندها سوف يكون بإمكانك أن تدرك وتعرف الآخرين”.

وتذكرنا لاموت بكلمات أي. بي. وايت الخالدة عن المسؤولية الملقاة على عاتق الكاتب في رؤيتها لما يمكن اعتباره أنه من صميم عملك كونك كاتباً قائلةً:

“كي تكونَ كاتباً جيداً لا يتوجب عليك فقط أن تكتب كثيرًا، بل أن تهتم. لا يجب أن يكون لديك فلسفة أخلاقية معقدة، ولكن في اعتقادي أن الكاتب يحاول دوماً أن يكون جزءاً من الحل وأن يفهم القليل عن الحياة وينشر هذا الفهم.”

هذا يعني أن المرء يحتاج أن يكون لديه موقف أخلاقي (أنا نفسي لدي اعتقاد منذ زمن أن دور الكاتب العظيم أو المحرر أو أمين المكتبة أو أي شخص مؤمن على أي من القيم الثقافية هو أن يصوّر للناس ما يستحق الاهتمام به في هذا العالم ولأي سبب.) لاحظ جورج إليوت ذلك متسائلاً: “ما هو الشيء الذي نعيش من أجله إذا لم يكن جعل الحياة أقل صعوبة لبعضنا البعض؟”. وهذا هو نفس المفهوم التي تتبناه لاموت في سياق هذا الموقف الاخلاقي ذو الضرورة الماسة بقولها:

” بينما نعيش حياتنا نبدأ في اكتشاف ما يساعدنا في الحياة وما قد يؤلمنا، وفي هذا نجد شخصياتنا تسيء التصرف مع ذلك بشكل كبير. إنه موضوع أخلاقي .. موقف أخلاقي بداخلك يتسم بالقلق العاطفي. نحن الآن جميعاً في خطر ولدينا شيء جديد من كل شيء لنواجهه، فليس ثمة جدوى من تجميع الجمهور ومطالبتهم بالانتباه إلا إذا كان لديك شيء هام وبنّاء لتقوله. يقول صديقي كاربنتر: لم نعد بحاجة لأحد ما ليقول لنا أن السماء سوف تقع لأنها كذلك ستقع بالفعل. القضية الآن هي كيف نعتني ببعضنا البعض”.

وجدت لاموت في الكتابة ما قد وجده كال ساغان في العلوم، رهبة عميقة، وتقديس عميق، ومصدرا للسمو الروحي:

“كي تكون كاتباً، عليك أن تتعلم أن تكون وقوراً، وإلا لماذا تمارس الكتابة؟ لماذا أنت هنا؟ فكر في الوقار كهيبة، بكونك موجودا في هذا العالم مقبلاً نحوه. فكر في تلك الأوقات عندما كنت تقرأ النثر أو الشعر الذي كُتب بطريقة تتركك مذهولاً من الجمال أو الحكمة التي تحتويه، مذهولاً من لمحة قد أخذتها على روح شخص ما. فجأة كل شيء بدأ يتوافق مع الآخر أو على الأقل كان له معنى ولو للحظة. هذا هو هدفنا ككتاب، أن نساعد الآخرين للوصول لهذا الاحساس من الذهول من رؤية الأشياء من جديد ولكن بشكل جديد، تلك الأشياء التي باستطاعتها أن تأخذنا على حين غرة، تلك الأشياء التي تقتحم عالمنا الخاص الصغير المحدود. عندما يحدث ذلك، كل شيء يصبح أكثر قيمة.

[…]

هناك نشوة في الاهتمام تمكنك من الإقبال على الحياة كإقبال ووردزوورثيان للحياة، حيث ترى جوهر القداسة في كل شيء… “

ترى لاموت بشكل رئيسي في الكتابة ليس عملاً أنانياً من الإشباع الشخصي بل عملاً يتسم بالسخاء والكرم ، وهو ما يدفعنا جميعاً للاستيقاظ صباحاً لنشارك العالم شيئا نحبه ونذهب إلى الفراش ليلاً سعداء أننا قمنا بذلك:

“إذا كنت تعطي بسخاء وبدون قيد، سوف يكون هناك دائما أكثر.. وهذا يعتبر واحدا من أعظم المشاعر المعروفة لدى البشر، شعور كونك مضيف، مضيفاً للناس، أن تكون الشخص الذي يأتون نحوه للطعام والشراب والرفقة. وهذا هو ما يقدمه الكاتب”.

نصائح خالدة للكتابة من آني لاموت هذا هو هدفنا ككتاب، أن نساعد الآخرين للوصول لهذا الاحساس من الذهول من رؤية الأشياء من جديد ولكن بشكل جديد

ويمكن إيجاد هذا الإشباع المتبادل حيث تكمن لذة الأدب:

“تقلل القراءة والكتابة شعورنا بالعزلة فهي تعمق وتوسع إحساسنا بالحياة وهي في ذلك تغذي أرواحنا. فعندما يجعلنا الكتّاب نومئ برؤوسنا معلنين موافقتنا لما يحتويه نثرهم وأشعارهم من صحة ودقة، وحتى عندما يجعلونا نضحك على أنفسنا أو على الحياة فهم في ذلك يرجعون لنا بهجتنا. فنحن بذلك يصفق لنا عند رقصنا مع لا منطقية الحياة، بدلاً من أن تسحقنا مراراً وتكراراً. فالأمر أشبه بكوننا نستمر في الغناء على متن قارب خلال عاصفة شديدة في عرض البحر، فأنت لا تستطيع إيقاف العاصفة الهائجة لكن الغناء يمكنه تغيير قلوب ونفوس الناس الذين هم معاً على متن تلك السفينة”.

Bird by Bird هو بدون شك كتاب لابد من قراءته وإعادة قراءته مرة أخرى بكامله. ومكملاً لهذا الكتاب تستطيع الاطلاع على كتاب The Writing Life للكاتبة Annie Dillard والتي ألهمت Lamott. وأيضاً يمكنك الاطلاع على كتاب Still Writing: The Pleasures and Perils of a Creative Life لكاتبه Dani Shapiro الذي كانت فكرة كتابة مستوحاة من أفكار Lamott.

عن موقع (تكوين)

نيل غيمان: لقد تعلمتُ الكتابة بالكتابة ..
لقد انطلقتُ للعالم وكتبتُ ..

 نيل غيمان الكلمة التي قدّمها نيل غيمان في 17 مايو 2012، في حفل تخرج طلبة الدراسات العليا بجامعة الفنون في فيلاديلفيا.

ترجمة: أحمد بن عايدة

لم أتوقع أبدًا أن أجد نفسي بمثل هذا المكان، أن أسدي نصيحة إلى خريجي التعليم العالي. أنا نفسي لم أتخرّج من أي مؤسسة تعليمية، لم أبدأ حتى في واحدة، لقد هربتُ من المدرسة عندما استطعت، عندما كانت فكرة خوض أربع سنوات أخرى من التعليم الإجباري قبل أن أصبح كاتبًا، خانقة.

لقد انطلقتُ للعالم وكتبتُ، وكلما كتبت أكثر غدوت كاتبًا أفضل. ثم أخذتُ أكتب المزيد. ولم يبدِ أحدٌ انزعاجه من أنني كنتُ أرتجل طوال الوقت. لقد كانوا يقرؤون ويدفعون لي مقابل ذلك وحسب. وأحيانًا من غير مقابل. وفي أغلب الأحيان كانوا يطلبون مني كتابة مواضيع مختلفة لأجلهم. وذلك زرع بداخلي احترامًا وحبًا كبيرًا للتعليم العالي الذي لم أحظَ به. حبٌ واحترام كانا موجودين عند أصدقائي وأقربائي الذين ارتادوا الجامعات، ثم نسوه.

إذا ما تأملت مسيرتي، أرى أنني خضتُ رحلة استثنائية. لستُ واثقًا مما إذا كانت جديرة باعتبارها مهنة، لأن المهنة تقتضي وجود خطة مهنية، ولم يكن هناك خطة على الإطلاق. أقرب شيء إلى الخطة هو قائمة قمت بكتابتها في الخامسة عشر، تحتوي على جميع الأمور التي رغبت بالقيام بها: كتابة رواية للبالغين، قصة أطفال، قصة مصوّرة، كتابة فيلم، تسجيل كتاب صوتي، كتابة حلقة لمسلسل “دكتور هو”.. وما إلى ذلك من أمور. إنها لم تكن مهنة قط. كنتُ أقوم بعمل الأمر التالي في القائمة وحسب.

لذا رغبتُ بإخباركم عن جميع الأمور التي أتمنى لو كنت مدركها منذ البداية، وأمور قليلة أخرى، لو تأملتُ مسيرتي الآن، أظن بأني كنت مدركها. أيضًا أرغب بأن أسدي إليكم أفضل نصيحة تلقيتها وفشلتُ تمامًا في اتّباعها.

أولًا، عندما تبدأ بمهنة في الفن لن تكون لديك أدنى فكرة عما يجب فعله. هذا عظيم. الأشخاص الذين يعرفون ما يجب عليهم فعله يعرفون أيضًا القواعد. وبذلك يعرفون الممكن والمستحيل. أما أنت فلا تعرف ذلك. ويجب عليك ألا تعرف. لقد وُضعت قواعد الممكن والمستحيل من قِبل أشخاص هم أنفسهم لم يجربوا تخطّي حدود الممكن. أما أنت، فبإمكانك ذلك. إذا كنت لا تعرف أنه مستحيل، فسيكون من السهل فعله. وبما أنه لم يسبقك إليه أحد، فلا توجد قوانين تمنع الآخرين من بعدك من فعل ما قمت به مرة أخرى.

ثانيًا، إذا كانت لديك فكرة عما تريد خلقه، ما وُلدت لأجله، فانطلق وافعل ذلك. قد يكون الأمر أصعب مما يبدو عليه. غير أن في نهاية المطاف، قد يكون أسهل مما يمكنك تخيله. فبطبيعة الحال هناك أمور عليك فعلها قبل أن تصل إلى المكان الذي تود أن تكون فيه. أنا أردتُ كتابة القصص والروايات والقصص المصوّرة والأفلام، فأصبحتُ صحفيًا. لأنه يُسمح للصحفيين بطرح الأسئلة، بأن ينطلقوا ببساطة في العالم ويكتشفوا حقيقته. علاوة على ذلك، حتى أقوم بهذه الأمور، احتجتُ أن أكتب، أن أكتب بشكلٍ جيد، وكانوا يدفعون لي مقابل أن أتعلم كيف أكتب باختصار، وبوضوح، وأحيانًا تحت ظروف عسيرة، وخلال وقت محدد.

أحيانًا تكون طريقة فعل ما تتمنى القيام به واضحة. وأحيانًا يكون الأمر أقرب إلى المستحيل أن تتأكد ما إذا كنتَ تفعل الشيء الصحيح، لأنك بحاجة لأن توازن أهدافك وآمالك مع لقمة عيشك وسداد ديونك والحصول على عمل، والرضى بما قسم لك.

إحدى الأمور التي ساعدتني هي تصوّر المكان الذي أردتُ الوصول إليه جبلًا: مؤلف قصص في المقام الأول، مؤلف كتب وقصص مصوّرة جيدة، وأن أعين نفسي من خلال كتابتي. جبلًا بعيدًا، ذلك هو هدفي.

وكنت مدركًا أنني طالما كنت ماضيًا نحو الجبل، سأكون على ما يرام. وإذا كنتُ غير واثقٍ من أمرٍ ما، أتوقف وأفكّر فيما إن كان ذلك الشيء سيأخذني إلى الجبل أو بعيدًا عنه. لقد رفضت وظائف تحرير المجلات، وظائف كانت مناسبة بأجر مناسب. لأني كنت أعلم أنها، بقدر ما كانت مغرية، ستأخذني بعيدًا عن الجبل. ولو جاءت هذه الوظائف بوقت أبكر قليلًا، ربما كنت سأقبلها، فقد كانت أقرب إلى الجبل من حيث كنت في ذلك الوقت.

لفد تعلمتُ الكتابة بالكتابة. كنت أميل إلى فعل أي شيء طالما كان يشعرني بروح المغامرة، وأتوقف حين أشعر بأنه تحوّل إلى جهد، وذلك يعني إني لم أشعر بأن الحياة كانت مجهدة.

ثالثًا، عندما تبدأ مسيرتك، عليك التعامل مع مصاعب الإخفاق. إنك بحاجة لأن تكون غليظ الجلد، عليك أن تتعلّم بأنه ليس كل مشروع سينجو. وحياة العمل الحر؛ حياة الفن، أحيانًا تشبه وضع رسائل في زجاجات على جزيرة نائية، وعقد الأمل على أن يعثر أحدهم على واحدة منها، يفتحها، ويقرأها، ويضع فيها شيء ليجرفها الموج مرة أخرى إليك: تقدير، تفويض، مال، أو حب. وعليك قبول فكرة إنك قد تكون بحاجة إلى إرسال مئات العبوات مقابل عبوة واحدة تعود إليك.

إن مشاكل الإخفاق ليست سوى مشاكل تثبيط عزيمة، مشاكل يأس، مشاكل جوع. تريد الحصول كل شيء وفي الحال، والأمور تتدهور. كتابي الأول – نص صحفي أنجزته لأجل المال، والذي أتاح لي شراء آلة كاتبة إلكترونية من الدفعة المقدمة – كان يجب أن يكون ضمن الكتب الأكثر مبيعًا. كان يجب أن يعود لي بالكثير من المال. لو لم يفلس الناشر مجبرًا في الفترة ما بين نجاح الطبعة الأولى وبين الطبعة الثانية وقبل أن أستلم أي من مستحقاتي المالية. كان ليحقق نجاحات.

مشاكل الفشل صعبة، غير أن مشاكل النجاح قد تكون أصعب، لأنه ليس هناك مَن يحذرك بشأنها.

هززتُ كتفي بلا مبالاة، والآلة الكاتبة ما زالت بحوزتي مع مالٍ كافٍ لدفع الإيجار لبضعة شهور. ثم قررت أن أحاول جاهدًا منع نفسي بالمستقبل من الكتابة لأجل المال، لأنك إذا لم تحصل على المال، فلن يتبقَّ لك شيء. غير أنك إذا قمت بعمل تفخر به، ولم تحصل على المال، سيبقى لديك العمل على الأقل.

إنني أنسى تلك القاعدة من وقتٍ لآخر. فيركلني العالم بقوة ويذكرني متى ما نسيت. لستُ أدري ما إذا كانت مشكلةً أعاني منها لوحدي دون الجميع، لكن في الحقيقة، كل الأشياء التي قمتُ بها من أجل المال لم تكن جديرة بشيء، باستثناء كونها تجربة مرّة. عادةً لا أحصل حتى على المال. والأشياء التي قمتُ بها لأنني كنتُ متحمسًا راغبًا برؤيتها موجودة على الواقع لم تخذلني أبدًا. ولم أندم على الوقت الذي بذلته لأجلها.

مشاكل الفشل صعبة، غير أن مشاكل النجاح قد تكون أصعب، لأنه ليس هناك مَن يحذرك بشأنها.

أول مشكلة من أي نوع من النجاحات، حتى في النجاحات الصغيرة، هي ذلك الإيمان الذي لا يتزعزع بأنك قد نجوت، والآن، في أية لحظة، سيكتشفون أمرك. إنها الأعراض النفسية للمحتال. لقد عمّدتهم زوجتي أماندا باسم شرطة الاحتيال.

لقد كنتُ مقتنعًا بأنه ستكون هناك طرقات على الباب، تعود لرجل يحمل لائحة يقول لي أن كل شيء قد أنتهى، أنهم كشفوا أمري. وأن عليّ الآن العثور على وظيفة حقيقية، وظيفة لا تتضمن خلق أشياء وتدوينها، ولا قراءة الكتب التي أرغب بقراءتها. وهكذا، أرحل بهدوء وأعمل في وظيفة حيث لا يُطلب مني صنع الأشياء مرة أخرى.

إن مشاكل النجاح حقيقية وموجودة. وإذا كنتَ محظوظًا فسوف تخوضها. إنها المرحلة حيث تتوقف عن قول نعم لكل شيء. ذلك لأن الآن جميع العبوات التي رميتها في المحيط تعود إليك، وعليك تعلّم قول كلا.

شاهدتُ أقراني وأصدقائي، ومن هم أكبر سنًا مني، كيف كان بعضهم يائسًا. كيف أنه لم يعد بمقدورهم تصوّر عالم حيث يمكنهم القيام بالأشياء التي طالما رغبوا بفعلها. ذلك لأن عليهم الآن أن يجنوا قدرًا محددًا من المال كل شهر ليحافظوا على مراكزهم. لم يكن باستطاعتهم ممارسة الأمور التي تحمل معنى. الأشياء التي يريدون فعلها حقًا، وهذه مأساة عظيمة بحجم الفشل.

إن أعظم مشاكل النجاح تكمن في أن العالم يتآمر ليمنعك من عمل الشيء الذي تقوم به، لأنك ناجح. رفعتُ رأسي ذات يوم وأدركت أنني أصبحتُ شخصًا يجيب على الرسائل الإلكترونية على نحو مهنيٍّ محترف، شخص هوايته الكتابة. غير أنه بعد ذلك، بدأت أجيب على رسائل أقل، وشعرت بالراحة لكوني أكتب أكثر الآن.

رابعًا، أتمنى أن تقع في الأخطاء. إذا وقعت في الخطأ هذا يعني أنك تفعل شيئًا. والأخطاء ذاتها قد تكون مفيدة. ذات يوم أخطأت في تهجئة اسم كارولاين بحرف، قمتُ بتبديل الحرف الثاني مع الرابع، ثم قلت لنفسي: يبدو كورالاين اسمًا حقيقيًا..

وتذكر، أيّا كانت حرفتك، سواء كنت موسيقيا، مصوّرا فوتوغرافيا، فنانا تجميليا، رساما كاريكاتوريا، كاتبا، راقصا، مصمما، فأنت تملك شيئا لا يضاهى. لديك القدرة على خلق الفن. وبالنسبة لي وللعديد ممن عرفتهم، هذا أمر مجير. إنه المنقذ الأعظم.

إن الحياة شاقة في بعض الأحيان. والأمور تتدهور، في الحياة، والحب، والعمل، والصداقة، والصحة، وفي كل المسارات الأخرى التي تفسد الحياة. وحينما تتعسر الأمور، ما يجب عليك فعله هو خلق الفن الجيد.

إنني أتكّلم على نحو جدّي. يفرُّ زوجكِ هاربًا بصحبة إمرأة سياسية؟ اخلقي الفن الجيد. سُحقت ساقك والتهمتها أفعى ضخمة؟ اخلق الفن الجيد. مكتب الضرائب يتقفى أثرك؟ اخلق الفن الجيد. انفجرت قطّتك؟ اخلق الفن الجيد. شخص من الإنترنت يظن أن ما تفعله غبي أو شرير أو مكرر؟ اخلق الفن الجيد. ستسير الأمور بشكل جيد في أغلب الأحيان، وفي النهاية، سوف يخفف الزمن من الآلام، لكن هذا لا يهم. افعل ما تجيد فعله. اخلق الفن الجيد. ولتخلق الفن الجيّد في الأوقات اليسيرة كذلك.

أتمنى أن تقع في الأخطاء. إذا وقعت في الخطأ هذا يعني أنك تفعل شيئًا

خامسًا، وفيما أنت تفعل ذلك، اخلق فنك أنت. أفعل الأشياء التي وحدك يمكنك فعلها. النزعة في البداية، تتمثل في التقليد. وهذا ليس بالأمر السيء. أغلبنا لا يجد صوته الذاتي إلا بعدما يردد أصوات الآخرين. غير أن الشيء الوحيد الذي تملكه دون الجميع هو أنت. صوتك، عقلك، حكايتك، بصيرتك. لذا اكتب وارسم وابنِ والعب وارقص وعش على نحو غير ممكن لسواك. وفي اللحظة التي تشعرُ، ولو قليلًا، بأنك تسير في الشارع عاريًا، فاضحًا قلبك وعقلك وما هو موجود داخلك بشكل مفرط، كاشفًا الكثير من ذاتك، تلك هي اللحظة التي تكون بدأت بإتقان العمل.

أفضل الأمور التي أنجزتُها بنجاح هي تلك التي نالت مني أقل نصيب من الثقة، القصص التي كنتُ واثقًا من أنها إما ستنجح أو تكون فشلًا من النوع المخجل الذي عادة يتحدث عنه الآخرين إلى نهاية الدهر في تجمعاتهم. هذه خصلة تتشاركها جميع الأعمال الناجحة. عندما أتأمل مسيرتي، أرى كيف كان الناس يشرحون لي حتمية نجاح أعمالي. غير أني عندما كنتُ أقوم بها، لم يخطر لي ذلك على الإطلاق. وحتى الآن، لا يمكنني رؤية ذلك. ومن ثم، أين المتعة في عمل شيء تعلم مسبقًا إنه سينجح؟

وفي أحيان أخرى قمت بأعمال وبالفعل لم تنجح. هناك قصص لم يتم إعادة طباعتها. وأخرى لم تخرج حتى من المنزل. لكني تعلمتُ منها بقدر الذي تعلمته من أعمالي الناجحة.

سادسًا، سوف أسرّ إليكم بأمرٍ خاص بالفنانين المستقلّين. الأمور السرّية دائمًا مفيدة. وهي مفيدة لأي شخص قد يفكّر يومًا بخلق الفن للآخرين، أو بالدخول إلى عالم الأعمال الحرة. لقد اكتشفت ذلك السر في الرسوم المصوّرة، غير أنه يمكن تطبيقه على المجالات الأخرى. وهو الآتي:

يحصل الناس على الوظائف لأنهم، بطريقة ما، يحصلون على الوظائف. أما عن نفسي فإنني فعلت شيئًا يسهل في هذه الأيام اكتشافه، وقد يسبب لي المتاعب. عندما بدأتُ في أيام ما قبل الإنترنت، كانت تبدو من أنها خطة مهنية معقولة: عندما كان المحررون يسألونني عن الذين عملت لديهم من قبل، كذبت. قمت بكتابة قائمة مليئة بمجلات قابلة للتصديق، وتصرّفت كالواثق. فحصلتُ على الوظائف. وبعد ذلك لأحافظ على شرفي، قمت بكتابة نصٍ لكل المجلات التي أدرجتها في تلك القائمة للحصول على الوظيفة، حتى لا أكون قد كذبت فعلًا، وإني ببساطة كنت متخلّف زمنيًا ليس إلا. إنك تحصل على العمل كيفما تحصل على العمل.

ما زال هناك مَن يعمل في المهن الحرة، ولقد بدأ العالم يمتلئ بذلك النوع من المهن. وذلك لأنهم يقومون بأعمال رائعة، ولأن التعامل معهم يسير، ولأنهم يسلّمون أعمالهم في الوقت المحدد. وإنك لست بحاجة إلى تلك الأمور الثلاثة. إن اثنين من الثلاثة يكفي: سوف يتحمّل الناس سماجتك إذا كان عملك رائعًا وتسلّمه في الوقت المحدد. وإنهم سيتسامحون مع تأخّرك إذا كان عملك مذهلًا، وكانوا يستلطفون شخصك. ولا تحتاج أن تكون جيدًا كالآخرين إذا كنت تسّلم عملك في الوقت المحدد ويسرّهم التعامل معك.

عندما وافقت على إلقاء هذه الخطبة، بدأت أفكّر، ما عسى أن تكون أفضل نصيحة قد أسديت لي عبر السنين. ثم أدركت أنها جاءت منذ عشرين عام من ستيفن كينغ. كنت في أوج نجاح قصتي المصوّرة “ناسج الأحلام”. قصةٌ أحبها الجميع. أعجب كينغ بناسج الأحلام وبروايتي التي كتبتها مع تيري براتشيت “البشائر”. وكان قد رأى النجاح الجنوني في الصفوف الطويلة في حفلات التوقيع. وكانت نصيحته لي “هذا عظيم. عليكَ أن تستمع بذلك كله”.

ولم أفعل. لقد تلقيّت أفضل نصيحة وتجاهلتها. بل حتى على العكس، كنت قلقًا. قلقتُ بشأن الموعد القادم، الفكرة التالية، القصة التالية. لم أتوقف عن الكتابة في ذهني أو التفكير بالكتابة خلال الخمسة عشر سنة الماضية. لم أحطّ رحالي وأسرّح النظر حولي لأرى كم كان ذلك ممتعًا. ليتني تلذذت بذلك أكثر. لقد خضت رحلة مذهلة، غير أن هناك محطات قد فوّتها، لأني كنت قلقًا بشأن سير الأمور، بشأن الأمر الذي سوف يجيء بعد ذلك، إلى حد أنني لم أهنّأ بالجزء الذي كنت فيه. لقد كان ذلك أقسى درسٍ تعلّمته. وهو أن تتمدد وتستمتع بالرحلة. فإن الرحلة تأخذك إلى أماكن مدهشة وغير متوقعة.

إلى جميع الخريجين، أتمنى لكم حظًا موفقًا. فإن الحظ مفيد. سوف تدركون أنه كلما عملتم بجهد أكبر، وبحكمةٍ أوسع، كنتم أكثر حظًا. لكن في كل الأحوال، الحظ موجود، وهو يساعدك كثيرًا.

لقد جئنا إلى عالم غير ثابت. إذا كنت في أي من المجالات الفنية، فسوف تلاحظ أن القوالب التي يُخرج بها الفنانون أعمالهم في تغير دائم. لقد تحدثت إلى أعلى من في دور النشر، وفي المكتبات، وفي جميع تلك النطاقات، ولا أحد يعرف شكل العالم بعد سنتين، ناهيك عن السنوات العشر القادمة. قنوات التوزيع التي شيّدها الناس عبر القرن الماضي في تغيير مستمر. طرق بديلة للطباعة، للفنانين التصويريين، للموسيقيين، للمبدعين من كل أنواع البشر.

قد يكون ذلك مرعبًا، وقد يكون كذلك محرّرًا على نحو جبّار. فإن القواعد، التوقعات، طرق عرض عملك، ماذا تفعل بعد ذلك، إن كل ذلك يتدمّر. لقد هجر الحرّاس أبوابهم. صار بمقدورك أن تبدع كيفما شئت لأجل الوصول. اليوتيوب والمتصفح، وأيًا كانت الوسائل التي ستأتي بعد ذلك، تستطيع منحك مشاهدين أكثر مما يمكن للتلفاز أن يمنحك على الإطلاق. إن القواعد القديمة تتهدّم وليس هناك من يعرف شكل القواعد الجديدة. لذا، قم بخلق القواعد الخاصة بك.

سألتني إحداهم منذ فترة ليست ببعيدة: كيف تسجّل كتابًا صوتيًا، وكانت تعتقد بأنه أمر صعب. فاقترحت عليها أن تدّعي أنها شخص يستطيع فعل ذلك. لا تدّعي أنها قادرة على تسجيل كتابٍ صوتي، بل شخصٌ يعرف كيف يسجّل كتابًا صوتيًا. فقامت بتعليق الملاحظة على جدار الأستوديو، وقالت إنها أعانتها كثيرًا.

كن حكيمًا. فإن العالم بحاجة إلى المزيد من الحكمة. وإذا لم تستطع أن تكون حكيمًا، فادّعِ بأنك حكيم، وتصرّف كما ينبغي على الحكيم أن يتصرّف.

والآن، انطلقوا، وحقّقوا أخطاءً مشوّقة، أخطاءً رائعة، أخطاءً عظيمة ومذهلة. دمّروا القواعد. واتركوا العالم أكثر جمالًا قبل أن يأتي موعد المغادرة، حيث لا مفرّ من الرحيل.

20 مارس,2014 - takween

ماري كار: لماذا أكتب؟
أكتب لأحلم، لأتصل بالآخرين، لأوثّق، لأوضّح، لأزور الميْت

 لماذا أكتب؟

ترجمة: ريوف خالد

أكتب لأحلم، لأتصل بالآخرين، لأوثّق، لأوضّح، لأزور الميْت. لديّ نوع من الحاجة الفطرية لترك بصمة في العالم، بالإضافة إلى أنني أحتاج النقود.

أكون قلقة معظم الوقت أثناء الكتابة. توجد تلك اللحظات العظيمة إذ تنسى أين أنت ومتى اعتلت أصابعكُ المفاتيحَ، لا تشعر بشيء لأنك في مكان أخر. لكن هذا نادرًا ما يحدث، غالبًا ما أضرب بيديّ على صدر جثة.

الأوقات المريحة تأتي متقطعة، قد تستمر لخمس دقائق أو خمس ساعات، لكنها، أبدًا، ليست طويلة جدًا. الأوقات الصعبة ليست صعبة كليًا لكنها صعبة إلى حدٍ ما ومن الممكن أن تستمر لأسابيع. أثناء العمل على “مخمورة” قمت بتمزيق ألفي صفحة مكتملة. الصلاة جعلتني أجتاز هذا، وهي ما يجعلني أجتاز كل شيء. عادةً ما أمرض كثيرًا بعد أن أنهي كتابًا. حالما أتمّه وأضعه جانبًا ويرقد جسدي، حين لا يكون هنالك حقن كورتيزول وأدرينالين. إنني أمرض. لدي نظام مناعي متوسط السوء، وعليه فهو لا يساعد.

كل ذلك يعني أن الكتابة تبدو كهبة بالرغم من كونها غير مريحة بالمرة. أشعر باستمرار أنني محظوظة. بالنسبة لأغلب الكتاب، هنالك امتداد من قرابة العشرين سنة أو تزيد حيث لا يستطيعون الكتابة لانشغالهم بسبعة وثمانين شيئًا آخرًا. في الواقع، العام المنصرم لوحده هو العام الذي لم أرعَ فيه ابنًا بالإضافة إلى التدريس. عليّ العديد من المطالب لأقوم بأشياء لعينة أخرى – التجوال وإعطاء المحاضرات- لكنها ليست فظيعة.

إذا لم أستطع الكتابة سأحزن جدًا. أظنني سأقوم بعملٍ ما له علاقة بالبدن. قد أكون معلمة يوغا أو مدربة في صالة رياضية أو معالجة بالمساج. بالطبع لا شيء من هذا سيعالج حاجتي للكتابة، هذا يبرر استمراري في الكتابة.

أكتب مخمورة، أكتب بوعي.

لقد تركت الشرب منذ عشرين سنة. كتبت أول كتابين شعريين وأنا ما أزال أشرب. راجعت الكتاب الثاني في مستشفى المجانين. أدركت أنني سأموت ما لم أتوقف عن الشرب، لا أعرف تمامًا كيف سيكون ذلك، لكنني أدركت أنه لن يكون لطيفًا. لم أكتب أبدًا في الخمسة عشر شهرًا الأولى التي تلت انقطاعي عن الشرب. لم أتمكن من التركيز.

في كل مرة أجلس فيها أشرع في البكاء، عقلي يتعذب كثيرًا ليجد مكانًا يستقر فيه. كان الصراع أن أتوقف عن الشرب بالإضافة إلى العديد من المشاعر التي نشأت وكنت قد تهربت منها. تعرف أن الطريق الوحيد للخلاص منها هو تجاوزها، لكنك لا تمتلك مجموعة المهارات اللازمة لذلك. إنه اختبار بالنار. الأشخاص الذين يتركون الشرب يظهرون إيمانًا أكثر من أي قسيس. نقف على بعد خطوة من جرف يهوي بنا إلى جحيم. ظلام حقيقي.

حين ذهبت إلى مستشفى الأمراض العقلية بعد أن قطعت الشرب، تقدمت كتابتي بقفزة عظيمة، أو على الأقل بدأ الناس يدفعون الكثير في سبيلها. كنت أكثر وضوحًا وقلبي أكثر انفتاحًا، أكثر ادراكًا لنفسي، وأكثر ارتيابًا حول أهدافها الخاصة، أكثر نضجًا.

كان لدي مشرف روحي، الذي كان بدوره قد انقطع عن الشرب، قال لي:’ لقد جربتِ مضادات الاكتئاب، لقد جربتِ العلاج النفسي، لقد جربتِ عقار الهلوسة إل. سي. دي. والكوكايين، سكرتِ حتى النخاع. ماذا لو كان حل كل مشاكلكِ أن تُنمّي ممارسة روحية، وأنتِ لم تجربي قط؟ بعد هذا بست أو سبع سنوات، تحوّلتُ إلى الكاثوليكية. منذ ذلك الوقت، قل اكتئابي بشكل كبير وقلّت أنانيّتي بشكل ملحوظ. صدق أو لا تصدق، كشخص يكتب مذكراته، أي جسارة لأقول هذا، لكنها الحقيقة. انخفض قلقي حول أناي، مما جعلني كاتبةً أفضل.

أكون قلقة معظم الوقت أثناء الكتابة.

خرافة الكاتب الثري الشهير.

قبل أن أصبح أستاذة، أدرتُ حانة. اشتغلت موظفة استقبال. كانت لديّ مهنة تجارية طريفة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية. في بداية انقطاعي عن الشرب، كنت على الاحتياط كمحررة لدى مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” ويدفع لي مُقدّم. بدأت التدريس حين كنت حاملًا بابني الذي يبلغ الآن الخامسة والعشرين.

درَّستُ مقرّرًا في “هارفارد” مقابل خمسة آلاف دولار. درَّست مقررًا في “تافتس” مقابل ثلاثة آلاف دولار. درّست مقررًا في “إيمرسون” مقابل ألف وخمس مائة دولار. طيلة الخمس سنوات التي درّست خلالها في الأقليات الأكاديمية حول بوسطن، لم أستطع العيش بتلك المكاسب. لذلك، استمريت في كتابة مقالات حول التجارة لصالح مجلة “هارفارد بزنس ريفيو”. لم يطوّر هذا العمل من قدراتي الكتابيّة قيد أنملة، لكنه مكّنني من الاستمرار في الأكل، ما مكّنني بدوره من الاستمرار في التنفس.

حتى اللحظة، لا أُعيل نفسي من مهنتي ككاتبة، إنما كأستاذة في الكلية. لم أتمكن من دفع الرهن من إيرادات كتبي. الأسطورة التي تقول بأنك تحصل على الكثير من المال حين تنشر كتابًا، ما لم يكن للكتاب قبول شعبي، غير صحيحة بالمرة.

بدءًا من سنتي الخامسة، قُدّمت دائمًا على أنني كاتبة. ليس لهذا علاقة بالدخل. لقد أخبرت الناس دائمًا بأنني شاعرة إذا ما سألوني ماذا أعمل، وهذا ما استمريت في إخبارهم به حتى الآن.

التحرّر من الجرّافة.

بالنسبة لي، أفضل توقيت هو آخر اليوم، حين تتم الكتابة. تكون قد كتبت ونسيت. كتبت أطول ممّا توقّعت. حين تكون قد أُخذت كثيرًا بالكتابة حتى تأخر الوقت. تحرّر نفسك من الجرّافة.

أُلزم نفسي بالكتابة يوميًا لعدد معيّن من الساعات أو الصفحات. سواء كانت ست ساعات أو صفحة ونصف. إذا كتبت طيلة اليوم ولم أكن قد تقدّمت لأنني مستمرة في الكتابة والحذف، أنتهي إلى التوقف بعد ست ساعات. بعدها، أنهض لألتقي بشخص لن يتحدث معي حول الكتابة. ست ساعات أو صفحة ونصف، أكتفي بما يأتي أولًا.

فيما يتعلق بكتابيّ “مخمورة” وَ “كرز” في النهاية، ازدادت الصفحات إلى ثلاث يوميًا، ما استغرقني وقتًا طويلًا. القدر الذي أُنجزه في يوم يعتمد على أي قدر أنا بائسة. أثناء كتابة “مخمورة”، أعرف أن هذا قد يبدو جنونيًا، كان عليّ أن أقوم بالكتابة مستلقية، لأنني إذا لم أقم بذلك، ينهار ظهري. استطعت التمدّد على سريري، هذا البدعة، وحاسبي المحمول عليه دون أن أشعر بإصابة الإجهاد المتكرر.

لم يكن الاستلقاء وحده ما صعّب الأمور.

كان كتاب “مخمورة” الكتاب الأصعب من بين كل ما كتبت، فأنت تكتب عن طفلك وأبيه وقضايا روحيّة في عالم علماني. سيعتقد الجميع أنك أحمق لأنك أصبحت كاثوليكيًا، تتحدّث عن المسيح دون أن يهتم أحد بهذا. بدا أن العديد من النقّاد أحبّوا هذه الفصول. بالنسبة لي، يُعد هذا انتصارًا. لا أظن أنني بدّلت اعتقاد أحد، كما أن هذا لم يكن هدفي. كان هدفي أن أقدم وصفًا لما تبدو عليه تجربة روحية. لأُعيد خلق تجربة شعوريّة من الهلع حينما لا تألف ذلك.

الرب يعين.

قبل أن أباشر مشروعًا، أصلي للرّب إذا كان هذا ما يريده مني أم لا. لا أحصل على إرشادات مكتوبة، لكنني أحصل على نوع من الإجابة بالموافقة أو الرفض. لست كالقديس بولس يقود الرب يدي، سيكون هذا عظيمًا لكنه لا يحدث لي. أقوم بعملي كما يقوم به أي كاتب، وهذا يعلل شعوري بالقلق والهلع.

في الأيام السابقة، حلي لأغلب المشاكل يتضمن الكحول والأسلحة. لدي نزعات شديدة الأنانية والفساد. أحتاج المساعدة لأتصرف بشكلٍ أفضل ممّا أتصرف عادةً. في لحظةٍ ما، كنت أعمل بجهد على “مخمورة” وكان هذا مؤلمًا جدًا. صلّيت: “ربّاه، هل يُفترض بي أن أقوم بهذا؟ أم أن عليّ أن أبيع شقّتي وأُعيد نقودهم؟”. على نحوٍ واضح تلقيت من الرب نوعًا من الموافقة، أو من داخلي، من يدري؟

فخورة بنفسي لأنني واصلت العمل رغم الصعوبات وأتممته، لدي شعور بالاعتزاز حيال هذا دون أن أعتمد بشكل كليٍّ على النتاج، بل من أجل جلدي على عملية الكتابة. لقد كلفتني الكثير من المثابرة من جانبي لأنتهي من الكتاب. لقد دفعوا لي الكثير من المال، وحصلت حقيقة على مراجعات عظيمة. وليس عليّ أن أقول هذه القصة بعد الآن. لقد انتهيت، وقد كُتبت.

تمر بي أحيانٌ أسأل الرب فيها أن يمنحني الشجاعة لأكتب الحقيقة ولا يهم ما هي. لا يختلف هذا عن مقولة همنغواي:” أريد أن أكتب جملة صادقة واحدة.” ونعم، يقول الناس أنني أخدع نفسي فيما يتعلق بالرب، لا أعيرهم بالًا وينجح هذا.

النشر ليس ما عهدناه.

حاليًا لا أحد يعرف حقًا كيف يبيع كتبًا، الأسلوب كله يتغيّر. ولا أحد يعرف كيف يكسب نقودًا من هذه الصنعة بأي طريقة مضمونة. لهذه الصنعة ذهنية شعبية تتيح لنجمٍ تلفزيوني تافه أن ينشر كتابه التافه ويبيع ثلاث ملايين نسخة بغلاف مقوى، ثم لا تسمع به مجدّدًا. كل الطاقة موجهة إلى تلك الكتب ذات الرواج الشعبي لمردودها الأكثر مباشرة والأقصر فترة.

يقول الناس أنها نهاية الرواية منذ همنغواي، لا آخذ الأمر بجدية. أعتقد أن الناس تقرأ أكثر مما اعتادت أن تقرأ. لديك أشخاص أكثر يقرؤون كتبًا أسوأ، وما زالوا يقرؤون الكتب. حاليًا، أقرأ بواسطة جهاز الآي-باد خاصّتي، وأشتري كتبًا أكثر من السابق. إذا أحببت كتابًا، أبتاعه أيضًا بغلاف جوخ أو غلاف مقوى لأنني أريد دعم متاجر الكتب.

أغلب الكتّاب لا يرغبون بالتنازل عن كلماتهم.

سيُصدم قرائي بمعرفة…

كم من الوقت تستغرقني كتابة هذه الكتب. سأنظر إلى المسودات الأولى لطلابي، لكن لو قال لي أحد الأصدقاء “لقد كتبت ثمانين صفحة.” وسألني أن أقرأها سأقول: “كم عدد المرات التي كتبتها فيها؟” لأنه في الغالب يوجد تقريبًا صفحة ونصف تستحق الحفظ. أغلب الكتّاب لا يرغبون بالتنازل عن كلماتهم. في أي وقت يسألني أي أحد أن أحذف شيئًا أجيبه: “عظيم”. أمر غريب آخر: إذا ما انبثقت إصابة الإجهاد المتكرر فيمكنني أن أوضع خارج نطاق الخدمة. لذلك أكتب بيدي.

أفضل وقت على الإطلاق؟ الآن.

لقد انتهيت من كتابة القصائد الغنائية لألبوم “قريب” للموسيقي رودني كرويل، شاب نشأ في قطاع “غرين بلت” ذاته الذي نشأت فيه. لقد حاول رودني إقناعي لأقوم بهذا لسنوات. وأخيرًا، استسلمت واستمتعنا بالعمل. متحمسة جدًا لهذا.

بالإضافة إلى ذلك، بعت عرضًا تلفزيونيًا يدعى “مخمورة” لشركة هوم بوكس أوفيس. هذه السيدة اتصلت بي وقالت بأنها أرادت كتابة سيناريو. قالت بأنه بإمكاننا كتابته سويّة وكتبناه. كانت تجربة عظيمة، القيام بهذه الأعمال التعاونية ممتع حقًا بالنسبة لي. كتابة الأغاني والبرامج التلفزيونية التجريبية، أي شيء يبدو أسهل بكثير من كتابة الكتب. منها تحصل على نقود أكثر وتبذل طاقة أقل. أنت تحاول أن تكتب أفضل من الأشخاص الذين يكتبون للتلفاز، وهذا سقف منخفض في الحقيقة. كما أنني مبتدئة، لهذا إن فشلت فليكن.

كنت أعمل جاهدة ليجتاز ابني الكلية. لكنه الآن يبلغ الخامسة والعشرين ويمكنه أن يعيل نفسه. لهذا عليّ التدريس لفصل واحد فقط. لم أحصل قط على هذا القدر من الوقت الحر في حياتي. أذهب إلى صالة الرياضة يوميًا. كما لو أن العالم قد أزهر منفتحًا.

حكمة ماري كار للكتاب.

  • الاقتباس الذي علقته على لوحتي أثناء كتابة “مخمورة” لصموئيل بيكيت، إنه مجدٍ بحق: “حاول دائمًا، افشل دائمًا. مهما يكن، حاول مجدّدًا، افشل بشكلٍ أفضل.”
  • أي أحمق يمكنه أن ينشر كتابًا. لكن، إن رغت بكتابة كتاب جيّد، عليك أن ترفع السقف أعلى من سقف السوق. الأمر الذي لن يكون بالغ الصعوبة.
  • أغلب الكتاب العظماء يعانون، وليس لديهم أيّة فكرة إلى أي مدى هم رائعون. غالبًا، الكتاب السيئون واثقون جدًا. كن مستعدًا لتصبح طفلًا، كن ليليوبتيان في عالم غوليفر ، فتاة المضرب في أستاد يانكي للبيسبول. إنها الطريقة الأكثر إثمارًا للكينونة.

16 مارس,2014 - takween

قواعد جوناثان فرانزين العشر للكتابة
ترى عند الجلوس والهدوء أكثر مما ترى عند المطاردة

 فرانزين العشر للكتابة

ترجمة: ميادة خليل

  1. القارئ صديق، ليس عدوًا ولا متفرجًا.
  2. الخيال إن لم يكن رحلة الكاتب الشخصية الى الرعب أو المجهول، فلا يستحق الكتابة إلا من أجل المال.
  3. لا تستخدم أبداً كلمة “ثم” لربط الجمل ببعضها ــ لدينا “و” لهذا الغرض. استبدالها بــ “ثم” كسل أو لهجة صماء لكاتب ليس لديه حل لمشكلة الكثير من الــ “و” على الصفحة.
  4. اكتب من منظور الشخص الثالث ما لم يكون صوت الشخص الأول المميز الحقيقي يفرض نفسه بشكل لا يمكن مقاومته.
  5. عندما تصبح المعلومات مجانية ومتاحة للجميع، تقل بنفس القدر قيمة البحث الطويل للرواية.
  6. أغلب أدب السيرة الذاتية يحتاج ببساطة إلى افتراء محض. لا أحد يكتب قصة سيرة ذاتية أكثر من “التحول”.
  7. ترى عند الجلوس والهدوء أكثر مما ترى عند المطاردة.
  8. أشك بأن أي شخص لديه اتصال بالإنترنت في مكان عمله يكتب بشكل جيد.
  9. الأفعال المشوقة نادراً ما تكون مشوقة جداً.
  10. عليك أن تحب قبل أن تكون قاسياً.

26 فبراير,2014 - ميادة خليل

مخاطر التخطيط: لماذا يتطلب الإبداع القفز نحو المجهول؟

 مخاطر التخطيط

كتبت: ماريا بوبفا
ترجمة : أمينة الحسن
مراجعة: أحمد بن عايدة

“إن مهمة الفنان، وكذلك مصيبته، والمتعة غير المتوقعة، تكمن في المضي نحو الغموض. في جعله يحدّك من كل جانب”.

“اسمح لنفسك أن تحظى بتلك الفرصة المترفة وغير المريحة؛ تغيير وجهة نظرك”.

كان هذا اقتراحي في إحدى الدروس السبعة نتيجة سبعة سنوات في مدونتي (انتقاءات فكرية). في الواقع لا شيء يعيق التطور أكثر من تمسكنا بالمألوف، التشبث الأعمى بالخطط المعدّة سلفًا. وعدم قدرتنا، كما قالها ريلكه، “على معايشة الأسئلة“.

وصف كيتس إرادة المضي نحو المجهول، والعيش مع الغموض، والتصالح مع المبهم، “بالقدرة السلبية”. وقال مجادلُا أن هذا ضروري في العملية الإبداعية.

أما أناييس نِن فاعتقدت أن المجهول يجعل حياتنا مفعمة، وحتى علماء النفس يؤكدون أن الشك مهم للإبداع. وبالرغم من ذلك، لا نزال نتشبث بشدة بمحيطنا الآمن، وبخططنا المعتادة، وبالأمور المعروفة. لماذا؟

تسعى داني شابيرو إلى كسـر هذا النمط في مذكراتها الرائعة (ما زلت أكتب)، والتي قد منحتنا مسبقًا حكمتها حول مباهج ومخاطر الحياة الإبداعية. قالت:

“عندما يسألني الكتّاب الجدد متى ستصبح الكتابة أسهل، أجيبهم أبدًا. لن تصبح أسهل. لا أريد أن أخيفهم ولذا نادرًا ما أجيب بأكثر من ذلك. لكن في الحقيقة، إنها تصبح أكثر صعوبة. إن حياة الكتابة ليست فقط حافلة بالأمور الغامضة المتوقعة بل أيضًا بذلك الوعي أننا دائمًا نبدأ من جديد. وأن كل ما سوف نكتبه سيبدو ناقصًا. ربما نكون قد كتبنا كتابًا واحدًا، أو أكثر من كتاب، فإن كل ما نعرفه، لو كنا نعرف أي شيء على الإطلاق، هو كيف كتبنا الكتاب الذي كتبناه. كل الروايات عبارة عن إخفاقات. الكمال بحد ذاته نقص. كل ما يمكننا أن نسعى لأجله هو أن نخفق بشكل أفضل. وذلك في عدم استسلامنا للخوف من المجهول. وفي مقاومة ذلك السحر في تكرار ما قد نجح في الماضي. أحاول تذكير نفسي بأن مهمة الفنان، وكذلك مصيبته، والمتعة غير المتوقعة، تكمن في المضي نحو الغموض، في جعل الغموض يحدّك من كل جانب. في أن تخرج من رحم المجهول. في كل مرة نصل إلى نهاية عملنا نكون قد أخفقنا، فيما نحن نقفز بذهولٍ وجرأة نحو المجهول”.

تقدّم شابيرو البرهان والضمان في تأمل مهنتها ككاتبة:

“قد يبدو لك هذا كله نتيجة لخطة منفذة بشكل منهجي. أو خطة من أي نوع كان. لكني لم أخطط لأي شيء من هذا. تقريبًا كل شيء حدث في حياتي الكتابية كان نتيجة إبقاء رأسي منخفضًا على المكتب والقيام بالعمل.. وفي كثير من الأحيان أقول لطلابي–خاصة ذوي الصبر النافد–أن العمل الجيد سوف يجد طريقه. عندما يكون العمل جاهزًا، كل الأمور الأخرى ستجري على أكمل وجه”.

داني شابيرو: اسمح لنفسك أن تحظى بتلك الفرصة المترفة وغير المريحة؛ تغيير وجهة نظرك

وتقوم بالتحذير من ذلك الانهماك السائد في بناء قاعدة جماهيرية، لا سيما وقد أصبح مرضًا في عصر وسائل الإعلام الاجتماعية حيث الترويج الذاتي يصبح إدمانًا:

“أراهن بأن كل كاتب عصري تكنُّ له الإعجاب لم يقضِ لحظة واحدة في التفكير في كيفية بناء قاعدة أو وسيلة ليروّج لنفسه”. ففي نهاية المطاف يقوم النجاح على فكرة، مملة لكنها مهمة لدرجة تفوق الحصر، وهي أن العزم، وليس الموهبة، هو سر العبقرية. أردّدُ نصيحة ديبي ميليمان، في مقالها المصوّر المذهل الذي أصبح خطبة للطلبة الخريجين عن الفشل والشجاعة والحياة الإبداعية، “اعمل بأقصى جهد يمكنك بذله، اجعل خيالك متسعًا لا حدود له، لا تقبل الحلول الوسطى. ولا تضيع وقتك”.

وتختتم شابيرو مقالتها بنوع من الحكمة الشاعرية والواقعية:

“إذا كنت تعمل بجد، وتركيز، ومثابرة، ونزاهة، وصدق، وتفاؤل، وشجاعة، على الأقل من ناحيتك الخاصة. فإنك قد تنتج شيئًا جيدًا. وإذا أنتجت شيئًا جيدًا، سوف يساعدك الكتّاب الآخرون. سوف يتّصلون بوكلائهم وبمحرريهم. سيكتبون رسائلًا لمصلحتك. سوف تقوم معلمتك برفعك على أكتافها. سوف تحملك عاليًا حتى تصل. حتى يمكنك أن تحظى بمثل الفرصة التي حظتْ هي بها. صدقني، لا شيء يمكن أن يجعلها أسعد”.

إذا لم تقرأ وتتلذّذ بكتاب (ما زلت أكتب) بعد، فأفعل. فإن السرور سوف يدخل على روحك.

16 فبراير,2014 - takween

تسعة أفكار لصياغة افتتاحية مؤثرة

بقلم: جايكوب م. آبيل
ترجمة: رؤوف علوان

إن الكلمات التي تقرؤونها الآن مؤثرة جدًا لدرجة بإمكانها أن ترسخ في وعينا الثقافي، وأن تحدث انقلابًا في الحضارة الغربية!

كانت تلك افتتاحية صغتها على سبيل المبالغة. لكن، لا يوجد كاتب إلا وتمنّىٰ، لو لمرة واحدة على الأقل، بأن يكتب افتتاحية مؤثرة بقوة: “في البدء، خلق الله السمواتِ والأرضَ”.

بدأتُ بتخصيص ثلاث ساعات كاملة في ورشة الكتابة الإبداعية لموضوع الإفتتاحيات، منذ أدركت أن آخر عهدي بها كان في سنتي الدراسية الثالثة على يد معلمتي المُلهِمة السيدة سبيلمان، التي كانت تصرّ بشدة على أن افتتاحية القصص القصيرة يجب أن تحتوي على “مفاجأة تأسرالقارئ”. ومع سنوات ممارستي الكتابة، أيقنتُ أن كل تجربة أدبية مصير نجاحها أو فشلها مرتبط بالفقرة الافتتاحية، وأن سرّ نجاح قصة ما يكمن في كيفية صياغة افتتاحية مؤثرة.

أوّل قانون مهم لافتتاحية مؤثرة – برأيي المتواضع- أن تختزل هذه الافتتاحية أغلب العناصر التي تقوم عليها القصة: أن تكون لها نبرة متفردة، وجهة نظر خاصة بها، حبكة بسيطة، وبعض التلميح لطبيعة الشخصية / الشخصيات. إذ يجب على الأقل مع نهاية الفقرة الأولى من افتتاحيتك أن يتعرف القارئ على: المكان/ البيئة، وطبيعة الصراع الذي سينشأ لاحقًا، هذا ما لم يكن لديك سبب لإخفاء تلك المعلومات من البداية.

بإمكاننا تخيل فكرة افتتاحية مؤثرة، كحجرٍ نرميه من جبل، ثم كيف وهو في طريقه إلى الأسفل يتقافز للأمام والخلف بسرعة مطّردة، وكيف يتحدد مساره بحسب القوة التي ندفعه بها. بالمثل هي أحداث قصتك، يتحدد مسارها بعد السطور الأولى. لذا فإن القانون الثاني المهم لافتتاحية مؤثرة: إنّ مسار أحداث قصتك يشبه الإنهيار الجليدي كل شيء يتحدد في الثواني الأولى.

إليكَ أيها الكاتب الشغوف تسعة أفكار أخرى تساعدك على صياغة افتتاحية مؤثرة:

  • لا تبدأ قبل الأوان:
    يبدأ الكثير من الكتاب المغمورين قصته قبل أن يبدأ الفعل الحقيقي، كمثال: تستيقظ الشخصية على سيبدو لاحقًا أنه يومٌ ملئ بالأحداث المهمة. بدايةٌ كهذه لا تسمح للقصة أن تتطور بذاتها، إنما هي مجرد تعكس طبيعة المؤلف نفسه وهو يحاول أن يبدأ قصته. بينما من الأفضل أن تبدأ مع بداية الأحداث المهمة تلك. لا بأس إن وجدت أن طقوس استيقاظ إحدى شخصياتك يبدو مهمًا، أو حتى مسليًا، باستطاعتك استعراض تلك الطقوس في فلاش-باك مثلاً، أو تسردها لاحقًا مع تسلسل الأحداث حين تستيقظ شخصيتك بيوم آخر.
  • الخطاطيف الصغيرة تصطاد سمكًا أكثر من الخطاطيف الكبيرة:
    قد يتعلم الكُتّاب في سنوات دراستهم الأولى أنه كلما كانت الإفتتاحية غير مألوفة كلما كان باستطاعتهم الإمساك بالقارئ أكثر. وهذا حقيقي فعلاً، لكن، ما لم يخبروهم به أن افتتاحيات كهذه لديها القدرة أيضًا على أن تخيّب توقعات القارئ، في حال لم تستطع أحداث القصة أن تكون بمستوى تلك التوقعات. ولو استطعتَ ككاتب أن تبدأ قصتك بأكثر اللحظات توترًا، لن يكون أمامكَ سبيل سوى الهبوط بتوتر الأحداث بعد كل هذا الإنفعال عند الافتتاحية. لهذا إن كانت بدايتك غريبة جدا وغير مألوفة ستعاني من أن تكون بمستوى هذه البداية المرتفعة بتوترها طوال القصة. وكما أخبرني أحد اصدقائي في هواية صيد السمك: السر يكمن في أن تستخدم أصغر الخطاطيف لديك، وثم اسحب الصَّنارة في الإتجاه المعاكس بكل قوتك!
  • الافتتاحيات البانورامية، ابدأ بمجال رؤية متسع ثم اتجه للتفاصيل:
    في السينما المعاصرة، تبدأ معظم الأفلام بلقطة مقربة على تفصيلة ما، وثم تبدأ الكاميرا بالتراجع للخلف لتستعرض لنا المنظر ككل. وهذا النوع من الإيحاء السينمائي يحدث حينما تكون اللقطة مقربة جدًا على جزء صغير، فيبدو وكأنه جزء من جسد عارٍ، وعندما تتراجع الكاميرا يتضح لنا أنها مجرد قطعة فاكهة! هذا التأثير السينمائي نادرًا ما ينفع في الأدب. إذ يُفضِّل أغلب القرّاء رؤية المنظر شاملاً بالبداية وثمّ الإنتقال إلى التفاصيل، وهو اسلوب شائع تميزت به الروايات الكلاسكية في القرن التاسع عشر، كما رواية “Middlemarch”.
  • تذكّر أن القارئ لا يقرأ الرواية من النهاية للبداية:
    إحدى أسهل الطرق أن تفتتح القصة بجملة غامضة بعض الشيء، وثم في السطور التالية تزوّد القارئ بأجوبة ومعلومات. رغم أنه من النادر أن نجد قارئًا يتوقف عن القراءة فقط لأنه اصطدم بافتتاحية مبهمة، لكن هذا لا يعني أن تترك افتتاحيتك بلا مفاتيح ومعلومات يستعين بها القارئ. هذا التكنيك له مردود مجزٍ غالبًا. لكن في كل الأحوال، لا تجعل افتتاحيتك مغلقة تمامًا أمام القارئ دون أن تطعّمها ببعض المعلومات التي تيسّر له متابعة القراءة.
  • التساؤل كافتتاحية:
    أن تفتتح قصتك بما يشبه صيغة التساؤل له تأثيره السحري، وبخاصة إن كان الراوي نفسه يشاطر القارئ شعور الحيرة. ممّا سيجعل علاقة الراوي بالقارئ علاقة يوطدها الفضول والتساؤل. وبإمكان هذا التساؤل أن يقود دفة أحداث رواية بأكملها، كما في رواية ديفيد كوبرفيلد حين يتساءل: “سواء اتضح أني من سيكون بطل قصة حياتي، أو أن يتولى شخصٌ آخر هذه المهمة عني، فذلك ما يجب على هذه الصفحات أن توضحه.”
  • الحوار كافتتاحية:
    لا أنصحكَ باستخدام الحوار كافتتاحية دون حذر، ذاك أن افتتاحيات كهذه تجعلك كمن يُلقي القارئ في لجّة الإعصار، وطبعًا بإمكانك أن تفقد القارئ بسهولة حينها. هناك ذلك الأسلوب بأن تفتتح قصتك بجملة حوارية واحدة فقط (وهذا يشبه أن تبدأ بلقطة مقربة انظر النصيحة رقم3 ) وثم تتراجع للخلف لإظهار المزيد قبل المضيّ في سرد الحوارات بين الشخصيات. إن الحوارات الطويلة تعزل أحداث القصة عن القارئ، وهي اسلوب نادرًا ما يُثمر إلا في حالات خاصة، كما في حالة الأدب التجريبي المحض لدى Donald Barthelme وTerry Bisson، حيث الحوار نفسه يصبح سرد القصة، وهي تجارب أدبية يَلقىٰ القارئ فيها عادة صعوبة بالاستمرار في متابعة الأحداث.
  • أعِد النظر في افتتاحيتك:
    قد تتطوّر أحداث قصتك اثناء عملية الكتابة، لدرجة تبدو افتتاحيتك، مهما كانت رائعة، لا تتوافق مع سياق الأحداث. وإعادة النظر بافتتاحيتك هي الطريق الوحيد لمعرفة ذلك. وكما في اختيار العنوان، بمجرد أن تصبح المخطوطة النهائية للقصة جاهزة ومكتملة، ستحتاج غالبًا لافتتاحية غير التي اخترتَها. هذا لا يعني أن افتتاحيتك الرائعة ستذهب مدرج الريح وتُلغىٰ من أساسها وكأنها لم تكن، بل بإمكانك الاحتفاظ بها في “مخزن الافتتاحيات الممكنة” لكتاب قادم.
  • ضع قائمة بكل الافتتاحيات الممكنة:
    كل كاتب مبتدئ عادة يُطلب منه أن يدوّن قائمة بعناوين مقترحة لقصته، فيذهب يعرضها على اصدقائه وعائلته. إني أحثّ تلاميذي دائمًا أن يفعلوا شيئًا مماثلاً لهذا، وإنما بدلاً من العناوين، أطلب منهم تدوين قائمة بكل الافتتاحيات الممكنة. فالجملة الافتتاحية مثلها مثل اختيار عنوان الرواية، تبدو رائعة إلى أن نقارنها بكل الاحتمالات الأخرى الممكنة.
  • اطّلع على أكبر قدر ممكن الافتتاحيات:
    دائمًا أطالب تلاميذي أن يقتنوا سلسلة كتب: “أفضل القصص الأمريكية القصيرة”، وO. Henry Prize stories””. ويخوضوا في افتتاحية كل القصص من الجلدة للجلدة. وكما هو الحال مع أدوات حرفة الكتابة الأخرى، الافتتاحية بحد ذاتها أداة مهمة للكاتب، وأفضل طريقة للتعرف على كل انواع الافتتاحيات الممكنة، هي بالإطّلاع على أعمال الآخرين.


ولا داعي للقول أن افتتاحية رائعة وحدها لا يمكن أن تشفع لقصة سيئة. فالصّحف ودور النشر لن تطبع قصةً استنادًا على افتتاحيتها الرائعة. لأنه في عالم دور النشر تتكدس أمامهم أعداد لا متناهية من المخطوطات الجيدة والسيئة لطبعها. لربما حينها يمكن لافتتاحيتك المؤثرة أن تعلق في ذهن أحد المحررين أكثر مما يعلق عنوان القصة ذاته. ومن يعلم، ربما افتتاحيتك الجيدة التي تختزل أحداث القصة، قد تساعد المحررين المحمومين على اختيار الأفضل من بين الأفضل، فيُشار إلى قصتك بالبنان “إنها تلك التي تبدأ: إن الساعة تشير للثالثة عشر!”. كما افتتح جورج أوريل روايته 1984. إذ حتى لو لم يتذكر المحررون أحداث قصتك، فالافتتاحية ستبقى عالقة في أذهانهم، كمِشجبٍ يتركون عليه قبعاتهم!

أما بالنسبة لي، فأكثر الافتتاحيات المحببة لقلبي تقع في أول سطر من قصة “متجر الجسد” لإليزابيث غريفر، والتي ظهرت في سلسلة “أفضل القصص الأمريكية القصيرة 1991″. وهي تبدأ هكذا:

“جلعتني أمي أفرز المُـقَـلَ (وأصنفها في فئات)!”

والآن، أتحداك أيها القارئ بأن الفضول لا يتآكلك لمعرفة بقية القصة.

—————————————————

الهوامش:

جايكوب م. آبيل Jacob M. Appel : نشر العديد من القصص في مجلات أدبية أمريكية مختلفة. حاصل على البكالوريوس والماجستير من جامعة براون، يدرس حرفة الكتابة الإبداعية في عدة جامعات وكليات أمريكية.

The Best American short Stories: سلسلة أنثولوجيا سنوية تجمع أفضل القصص المعاصرة بوقتها. بدأت منذ 1978.

O. Henry Prize stories : جائزة سنوية مخصصة للقصة القصيرة بدأت منذ 1919. وثم منها تفرعت سلسلة تطبع أفضل القصص المنشورة بالدوريات والصحف، وذلك منذ 2003 ويتم اختيار القصص عبر لجنة مختصة.

Middlemarch : رواية إنكليزية لجورج إليوت، وهو الاسم المستعار الذي تكتب به ماريان إيفانز. تعالج الرواية مواضيع شتى، وفيها شخصيات كثيرة. طبعت سنة 1874.

Donald Barthelme : (1931-1989) مؤلف أمريكي يكتب في أدب ما بعد الحداثة، اشتهر بأسلوبه في كتابة القصة القصيرة جدًا أو الومضة القصصية.

Terry Bisson : مواليد 1942، كاتب أمريكي يكتب في أدب الخيال العلمي، واشتهر في قصصه القصيرة.

نماذج للافتتاحيات:

افتتاحية أليس في بلاد العجائب كمثال للافتتاحيات التي تتضمن توضيح المكان وطبيعة الشخصيات:

بدأ الضجر يتسلل إلى أليس من المكوث جالسة برفقة أختها عند منحدر من دون فعل أي شيء: لمرة أو مرتين ألقت نظرة إلى كتاب كانت أختها منهمكة في قراءته، لكنه كان خاليًا من الصّور والحوارات: ففكّرت أليس “وما الفائدة من كتاب لا صور فيه ولا حوارات؟”. ( عن طبعة المركز الثقافي العربي ترجمة شكير نصر الدين)

وكمثال للافتتاحيات البانورامية افتتاحية “سنة موت ريكاردو ريس” لساراماغو:

“هنا ينتهي البحر ويبدأ البر، تمطر السماء على المدينة الشاحبة، النهر ينقل مياهًا طمية والضفاف مغمورة: تصعد سفينة سوداء عكس التيار القاتم، إنها (الهايلاند بريغاد) التي أتت على الرسو عند رصيف ألكانترا.” (عن طبعة دار المدى ترجمة انطوان حمصي).

الحوار كافتتاحية مثال من رواية “تانغو طوكيو” لـ ريكا يوكوموري:

“مهما فعلتِ إيّاكِ مرافقة مقامر. قد يحظى بربحٍ واحدٍ كبير غير أنه سيبدّد لأجله حياة بأكملها. الحياة مديدة والناس لا يموتون بتلك السهولة. إنّ حياة عادية إنما مديدة، هي ما أدعوه ربحًا حقيقيًا”. هذا ما قالته لي أمي حين بدأت الخروج مع بوغي. (عن طبعة دار كلمة ترجمة شارل شهوان).

لا تبدأ قبل الآوان، كمثال من القصة القصيرة ليلة طيور الكروان لـ غابرييل ماركيز:

“كنا نجلس ثلاثتنا ملتفين حول المائدة حينما وضع أحدهم عملة معدنية في الماكينة، فانبعث نغم الأسطوانة التي كانت تدور طوال الليل مرة أخرى. حدث باقي الأمر بسرعة خاطفة على نحو لم يبق معه مجال أمامنا للتفكير. وقع قبل أن نستطيع تذكر أين كنا، قبل أن نستطيع استعادة شعورنا بالمكان”

(من المجموعة القصصية إيرينديرا البريئة، طبعة المؤسسة العربية للدراسات والنشر ترجمة كامل يوسف حسين).

الافتتاحيات الغامضة، من جحيم دان بروان:

“تجسدت الذكريات ببطء، مثل فقاعات تطفو على سطح بئر مظلمة القرار. امرأة ذات وشاح” (عن طبعة الدار العربية للعلوم ناشرون ترجمة زينة إدريس)

10 فبراير,2014 - takween

آندريه دوبوس الثالث: لا تفكّر، احلم!
الشخصيات تعيش إذا تراجعتُ

 آندريه دوبوس الثالث

ترجمة: ميادة خليل

أندريه دوبوس الثالث لا يحبذ المخطط التفصيلي. في تحذيره لمواجهة أدلجة العمل ــ “لا تفكر، احلم” ــ أصرّ على أن الرواية تعيش عندما تكفّ عن محاولة السيطرة عليها من خلال العمل على إنهاء المخطط بسرعة.

“نحن نولد مع المخيّلة. كل أنسان يمتلك مخيّلة. وأعتقد ــ وهذا نتيجة سنوات من الكتابة اليومية ــ بأن القصة الجيدة وأحلامنا تأتي من نفس المكان. أعتقد بأن الرغبة في أن تنتقل لحلم شخص آخر، هو دافع كوني نشترك فيه جميعاً. هذا هو الخيال. كمدرب للكتابة الإبداعية، لو لم أقل أي شيء لطلابي إلا هذا فقط، لكان كافياً.

بدأتُ معرفة أن الشخصيات تعيش إذا تراجعتُ. وهذا هو الفرق. هناك فرق عميق بين صنع شيء وتخيّله. أنت تصنع شيئا عندما تفكر خارج المشهد، عندما تكون منطقياً بشأنه. أنت تعتقد: “أحتاج هذا ليحدث شيء آخر من الممكن حدوثه.” هناك جانب من السيطرة على المواد التي لا أعتقد بأنها متقنة. لا أعتقد بأنها تؤدي الى عمل مبدع، بصراحة، كتابتها بشكل جميل غير مهم. يمكنك سماع النبرة السيئة في هذا النوع من الكتابة.

كانت هذه مشكلتي الأساسية عندما بدأت في الكتابة: كنت أحاول قول شيء ما. عندما بدأت الكتابة، كنت واعياً لذاتي بشكل عميق. كنت أكتب القصص على أمل أن تقول شيئا موضوعيا، أو تعالج أمرا كنت أتصارع معه فلسفياً. تعلمت، بالنسبة لي على الأقل، أنه طريق الموت. الكتابة من الخارج بدلاً من الداخل.

لكن خلال كتابتي المبكرة، وبالتأكيد قبل أن أبدأ النشر، بدأت أعرف أن الشخصيات تعيش إذا تراجعت. كان هذا مثيراً، ومرعب قليلاً. عندما تسمح لهم أن يفعلوا ما ينوون القيام به، التفكير والشعور بما يفكرون ويشعرون به، أشياء تبدأ بالحدوث من تلقاء نفسها. إنها كيمياء جميلة ورائعة. وفي كل السنوات اللاحقة، كنت أكتب لأحصل على التشويق: لأشعر بأشياء تحدث من تلقاء نفسها.

لهذا تعلمت على مدى السنوات السقوط الحر فيما يحدث. ما حدث بعد ذلك، هو أن تكتب شيئا لا تريد في الحقيقة الكتابة عنه. أشياء تحدث تحت قلمك الرصاص لا تريدها أن تحدث، أو لا تفهمها. لكن هذا يحدث فقط عندما يمتلك العمل قلب ينبض.”

30 يناير,2014 - ميادة خليل

إليزابيث غيلبرت: لا أتصارع مع كتاباتي

 إليزابيث غيلبرت

ترجمة: ميادة خليل

اليزابيث غيلبرت، مؤلفة كتاب “طعام، صلاة، حب” ترفض فكرة أن الفن العظيم متجذر في المعاناة. بالنسبة لها، فإن محافظتها على “الفرح الجامح” ساعدتها على أن ترفض كراهية الذات ــ وتصبح فنانة أكثر إنتاجية ووفاءً.

” يمكن للكتابة أن تكون درامية جداً، مليئة بالكوارث والنكبات، العواطف والمحاولات الفاشلة. أسلوبي ككاتبة أصبح أكثر سلاسة عندما تعلمت أنه عندما لا تسير الأمور بشكل صحيح، فإن هذا يحدث من أجل مراعاة جهدي كفضولية، وليس كمأساوية.

وعليهِ، كيف سنحل هذا اللغز؟ هذا مضحك، اعتقدت أن بإمكاني كتابة هذا الكتاب ولم أتمكن من ذلك، بدلاً من ذلك، شربت زجاجة نبيذ قبل الساعة 11:00 لتخدير نفسي من هذا الرعب. يمكنك أن تسمي هذا ممارسة روحية هذبتُها على مدى السنوات، أنا أعمل بالفعل من أجل ذلك النوع من العلاقة ــ لذا فإن المسألة ليست معركة فوضوية.

لا أتصارع مع كتاباتي وأخرج ومفاصل أصابعي تنزف. لا أتصارع مع مصدر الوحي. لا أجادل. أحاول الهروب من كراهية الذات، والمنافسة، وكل هذه الأشياء التي تميّز وتفسد مهارة الكثير من الكتّاب وحياتهم. أحاول أن أظل جامحة في فرحي.

لدينا هذه الفكرة الألمانية الرومانسية بأنك إن لم تكن في ألم، أو تسبب الألم بواسطة الفن، فأنت لا تعمل بشكل صحيح. دائماً أشكك في هذا.. أعني، استمع الى اللغة التي نستخدمها عندما نتحدث عن العملية الإبداعية: “اقطع وريدك وانزف”، أو” اقتل رغباتك”. أريد البكاء دائماً عندما يتحدث الناس عن مشروع ما ويقولون: “أعتقد بأنك قد كسرت عموده الفقري أخيرا” هل هذه هي العلاقة الحقيقية مع عملك؟ تحاول كسر عموده الفقري؟ لا عجب إذاً من توترك لهذه الدرجة! لقد صنعت من مشروعك ساحة معركة! يجب أن نعرف العالم بشكل كافي حتى ندرك أن أي شيء تحاربه، سيحاربك.”

27 يناير,2014 - ميادة خليل

سترنك & وايت: أحد عشر مبدأ للكتابة
استخدم الإثبات بدلا من النفي

ترجمة: أمينة الحسن

يتحلى إي. بي وايت بميزة نادرة أثارت إعجاب الكبار كما في المقالات المثيرة مثل “هنا في نيويورك ” و ” مرة أخرى إلى البحيرة”، وكذلك القصص المدهشة للصغار كما في ” شارلوت ويب” و”صياح البجع”. وحظي وايت أيضا بالتقدير حينما جلب لنا كتاب أستاذه “عناصر الأسلوب، فن الكتابة الكلاسيكية للنثر، في أي شكل”. وايت في الحقيقة قام بجمع وتنظيم الكتاب المنشور والمطبوع خصيصا (وكان بقلم أحد أساتذته) وهو وليام سترنك الصغير.

عبر هذا الكتاب الشيق، ستجد شيئا من الحكمة لا يقدر بثمن، وفيما يلي نجد أحد عشر مبدأ يمثل عناصر أساسية للكتابة:

  1. اختر شكلا مناسبا للنص وتشبث به.
  2. اجعل الفقرة الواحدة ذات بنية متماسكة.
  3. استخدم صيغة المبني للمعلوم.
  4. استخدم الإثبات بدلا من النفي.
  5. استخدم لغة محددة وواضحة ومحسوسة.
  6. تخلص من العبارات التي لا تحتاجها.
  7. تجنب تسلسل العبارات الفضفاضة أو الطويلة.
  8. عبر عن الأفكار المتقاربة في ذات الأسلوب أو الشكل.
  9. اجعل الكلمات المتشابهة مترابطة.
  10. باختصار، اجعلها ذات زمن واحد.
  11. ضع الجمل التي تؤكد المعاني في النهاية.

المصدر: writingclasses.com
27 يناير,2014 - takween

ثمانون ملمحًا من الصّين حول فن الكتابة

 راقب كل شيء، كن طليقاً دوما، فحدودك واسعة

كتب: أحمد العسّاف

من الجميل الإطلاع على تجارب الأمم الأخرى وخلاصة معارفهم فيما لا ينتقص من حضارتنا أو يناقضها، وقد استفدنا كثيراً من التجارب الأدبية لدول غير متقدمة في أمريكا الجنوبية التي أنجبت كبار الروائيين والكتاب، وحري بنا الإفادة من تجارب فارس والهند وأمم شرق آسيا، خاصة أنها تمثل حضارات ذات جذور تاريخية ممتدة.

وكتاب: فن الكتابة: تعاليم الشعراء الصينيين من جمع توني بارنتستون وتشاو بينغ وترجمة د.عابد إسماعيل، الذي صدرت طبعته الأولى عن دار المدى عام 2004 ويقع في 175 صفحة، يحقق جزءاً من هذا المطلب. وقد رأيت عرض بعض ما فيه من فوائد للكتاب والشعراء وأجريت شيئاً من تغيير الالفاظ وإعادة الصياغة؛ لأنها نصوص شعرية حرص مترجمها على ألا يتخمها بالحواشي والشروح فاتحاً الباب على مصراعيه لنا معشر القراء لنفهم منها مانشاء دون جزم بصواب فهم هذه النصائح التي وصفها المترجم بأنها تصلح دليلاً عملياً وماتعاً للكتاب المبدعين على مر العصور.

يشتمل الكتاب على أربعة نصوص، وسوف أذكر تحت كل نص ما استللته من نصائح للكتاب. النص الأول: فن الكتابة للكاتب لو-جي:

  1. لابد من تجلية تلك الطرق التي تشعل الكلمات بها فتيل المعنى، ومعرفة الكيفية التي تجد فيها نقاط الضعف والقوة طريقاً إلى كتاباتنا.
  2. من أجل أن تثري نفسك: اقرأ الأعمال الكلاسيكية، ثم ضع الكتاب جانبا، ودع كلماتك تنسكب من قلمك.
  3. من الأهمية بمكان الموازنة الأنيقة بين المضمون والأسلوب.
  4. اغلق عينيك، وابحث في كل مكان، وتجاوز حدود الأرض؛ وحينها تتجمهر حولك الأفكار وتشعل الصور صوراً أخرى، لتحصد إبداعاً كان مهملا.
  5. بعض الكلمات تنتمي إلى بعضها، وبعضها الآخر لا يتجانس ففرِّق بينها.
  6. ستجد الكلمات المناسبة حين تكون صافياً وهادئا.
  7. دع الكلمات تتناغم مع المضمون مثلما يتناغم وجهك مع مزاجك.
  8. كل بداية صعبة، لكن لا تجعل شيئاً يفوت على قلمك، وفي النهاية ستسيل الكلمات مع الحبر.
  9. الكتابة متعة، لذا يمتهنها المفكرون؛ فالكاتب يبتكر حياة جديدة في الفراغ، وينقر على الصمت ليصنع صوتا، وتلد كلماته كلمات أخرى، وتثير أفكاره أفكاراً أعمق.
  10. التحكم باللغة يكشف عن مهارات الكاتب، وقمة البراعة حين تؤدي البلاغة إلى فهم المعنى.
  11. الكتابة صراع بين الحضور والغياب.
  12. لكي تغوي العين استخدم أسلوباً مزخرفا، ولتسعد العقل كن دقيقا.
  13. يزهر الخطاب عندما يحلق فيما وراء الكلمات.
  14. كل الأجناس الأدبية تصر على الكاتب أن يعرض رأيه دون استخدام كلمة لا طائل منها.
  15. استخدم إيقاعات مختلفة بتناوب متسق كلوحة ذات ألوان متناغمة.
  16. لأفكارك مجراها الطبيعي، فإن ضلت كلماتك عن هدفها تحولت الكتابة الصافية إلى وحل.
  17. احذر من الجملة التي تناقض ما سبقها أو تنتهك ما يليها.
  18. أحياناً تكون الفكرة جيدة لكن الكلمات تخونها، وقد تكون الكلمات جميلة بلا معنى!
  19. إياك أن تكون كتابتك شبكة مورقة من الأفكار التي تتداخل فتحجب الموضوع.
  20. توقف عن التنقيح إذا عثرت على مبتغاك.
  21. إذا وقعت على عبارة قوية في كتابتك فاجعلها الحصان الذي يعدو بعملك.
  22. إذا فشلت في تجديد فكرتك أو أسلوبك فاحفظ ماء وجهك وتخلى عن عملك ولو كنت تحبه.
  23. لابد أن تضَّمن عملك ما يعطيه الحياة ويجعله جذاباً رشيقا.
  24. الكلمة الجميلة تفسد إذا اقترنت بأخرى قبيحة.
  25. التضحية بالعقل لأجل الغرابة سعي سخيف وفارغ باتجاه الترهات.
  26. اجر التغييرات الضرورية، وعاين عملك بدقة وتأمل.
  27. قد تحمل الكلمات الخفيفة معاني ضخمة.
  28. هذا المعنى لا يمكن القبض عليه حتى بأسمى الكلمات: إنها الموهبة.
  29. استنهض الأعمال العظيمة للمعلمين القدامى.
  30. بالنسبة لومضة الإلهام: ما يأتي لا يمكن إيقافه، وما يرحل لا يمكن كبحه.
  31. عقدة الكاتب أن تسافر الإرادة عندما تكون العواطف الست راكدة ( هي: الحزن، الفرح، الحب، الكره، المتعة، الغضب) وأحياناً تضاف (الرغبة) كعاطفة سابعة.
  32. احفر في روحك، وابحث في نفسك حتى تنتعش وتنتشل الأفكار كالحرير من الشرنقة.
  33. لايمكن حجز الأدب الذي يسافر عبر الفضاء ويجدف عبر السنين للقاء بشر سيأتون، فقد ينقذ حكومات، أو يمنح صوتاً للفضيلة المحتضرة، ويروي القلب، فالكلمة كل يوم تكون جديدة.


النص الثاني: أربعة وعشرون أسلوباً للشعر للكاتب سيكونغ تو:
  1. على الأدباء أن يكملوا ذواتهم داخلياً من أجل أن يحققوا الكمال في كتاباتهم.
  2. امتلك قلباً رقيقا وحساساً حتى للأمور الصغيرة.
  3. إذا استعملت القديم فاجعله جديدا.
  4. بعد سطر واحد جيد توقف! لأن الإسهاب يخرجك عن نطاق الموضوع، فالسطر الجيد يوقفك كنهر عظيم يعترضك وتتردد أصداؤه عميقاً في داخلك.
  5. المرايا القديمة تعكس الصورة إذا صقلت، والمعدن الخام قد يصبح ذهبا.
  6. اجعل أسلوبك رصيناً بنشدان الحقائق.
  7. الروح الثرية للأديب تبتعد عن الزخرفة، فالبساطة أعمق دوما.
  8. ليكون أسلوبك طبيعيا: انحنِ والتقطه من داخلك وليس من جيرانك.
  9. تستطيع التعبير عن جوهر ما حتى دون أن تذكره. 10. راقب كل شيء، كن طليقاً دوما، فحدودك واسعة.
  10. التزم بطبيعتك صادقة وغير ملجمة، فكل ما تلتقطه يجعلك غنياً مادمت صادقا مع نفسك.
  11. حرر طبيعتك من التصنع، وافعل ما يلائم هاجسك، كي تحقق غايتك.
  12. استخدم كلاماً مباشرا، واذهب حيث يقودك مزاجك، فربما تعثر صدفة عى مشاهد لم تكن ضمن خطتك.
  13. بعض الأساليب تبدو واضحة عن بعد، لكنها تتبدل كلما اقتربنا منها.
  14. إذا أردت أن تصف شيئاً فركز، وقلِّب الصور جيدا.
  15. للعزلة العميقة آثار لا آفاق لها.
  16. كل حياة ستنتهي بالموت، لكن بقاء الأشياء منذ القدم مرهون بالجريان، فابحث لعملك عن سر البقاء والخلود ما أمكن.

النص الثالث: لمع من لآلئ الشعراء حررها وي كينغ زهي:

  1. الأديب المتمكن قادر على تقييم تعليقات الآخرين ومدى صوابها.هوانغ شين
  2. لكي يستمر عملك عبر الأجيال يجب أن يكون لك أسلوبك المتميز. سونغ زيجينغ
  3. ستظل تابعاً إذا كنت تستخدم فرجارا لرسم دائرة ومسطرة لرسم مربع. سونغ زيجينغ
  4. جوهر النثر أن تتخلى عن جميع الكليشهات. هان يو
  5. التابو الأول في الكتابة أن تمشي خلف الآخرين، لأنك إذا تبعت أحدهم فسوف تظل دائما في الخلف.هوانغ لوزهي
  6. لا يمكن أن تحصل على نتيجة متقنة دون عمل جاد. لوي
  7. يهبط الإلهام عند الحد الفاصل بين العمل الجاد والكسل.لو جورن
  8. يباغتك الشعر عندما يتضافر المزاج والزمان والمكان. شان غو
  9. قبل أن تكتب امتلك فكرة عامة. شان غو
  10. ابذل قصارى جهدك لكن لا تتردد في التوقف إذا بلغت حداً معينا. خوا يان زهو
  11. عندما يكتب أشخاص مختلفون عن الموضوع نفسه: تتفرد الجواهر فقط.
  12. إذا ظننت أن قصيدتك هي الكلمة الأخيرة في الموضوع فهذا يعني أنك لست شاعرا.
  13. لقب النقاد الصينيون زينغ غو بسيد الكلمة الواحدة لمهارته في استخدام كلمة معبرة بدلاً من عدة كلمات. تاو يو
  14. قد لا يكون العمل رديئاً وإنما مشكلته في الإسهاب. كاي كوان فو
  15. اجعل عملك يوحي بالحركة داخل السكون، ويبتكر السكون داخل الحركة. شينغ كو
  16. أحيانا عليك ألا تذكر كل شيء مباشرة لتدع للناس فرصة في الاستنتاج.
  17. هناك من يسرق الكلمات، وبعضهم يسرق الفكرة، أما الصنف الثالث فيسرق ولا يترك أثرا.
  18. في كل سطر يجب أن تكون هناك كلمة مفصلية لها فعل السحر.
  19. اتقن الأناقة أولاً ثم ابحث عن الأسلوب البسيط، فالبساطة-كما يدرك الأدباء- صعبة. مي ياوشن
  20. يكون العمل جميلاً إذا كان عفوياً وخلا من النحت المفرط. شي لينغ
  21. سر الكتابة يكمن في مزيد من الكتابة ومزيد مزيد من القراءة. سو دونغ
  22. بالمواظبة على الكتابة ستكتشف الأخطاء والعيوب في عملك، ولا تنتظر من الآخربن أن يخبروك عنها. سو دونغ.

النص الرابع: قصص وأقوال مأثورة عن الأدب:

  1. إذا وصفت موضوعاً صعباً فاجعل القارئ يراه. مي ياوشين
  2. يجب أن يهزك عملك بعد أن تفرغ منه وأن يرن داخل أعماقك.مي ياوشين
  3. من البراعة أحياناً أن تجعل المعاني تتجاوز ما تعبر عنه الكلمات.مي ياوشين
  4. ما يختزنه الكاتب في قلبه سيعاني منه القارئ. مي ياوشين
  5. إذا حصرت نفسك بما تراه فقط فلن تحصد سوى كلمات التأنيب. زهاو زهي خين
  6. عندما تكتب نثراً فأنت كمن يطبخ الأرز، وعندما تكتب شعراً فأنت تحول الأرز إلى نبيذ.
  7. قصائد باي جوي واضحة لأنه اعتاد أن يتلو قصائده على مسامع امرأة فلاحة عجوز ويغير أي بيت لا تفهمه! وقد قرأت أن الناشر صروف كان يعرض المقالات الواردة إلى مجلته على ابنته ذات الستة عشر ربيعا، ويُعرِض عن نشر مالم تستوعبه!
  8. إذا استطعت أن تكتب عن مشاهد حقيقية، وأشياء وعواطف حقيقية، فأنت تمتلك الوعي العميق. وانغ أن.

ولاشك لدي أن في تراث الصين حول الكتابة وفنونها أضعاف ماذكر أعلاه، وهذه مهمة أحيلها لمن يتقنون لغة القوم، ويحسنون الترجمة، وينصحون لأمتهم بحسن اختيار ما يترجمونه، وبجودة العمل ذاته.

عن موقع (تكوين)