حسين حبش
(سوريا/ألمانيا)

شيرازمجلة شيراز، تصدر باللغة العربية من طهران، وهي مجلة رصينة، تختص بترجمة عيون الأدب الفارسي إلى العربية. مكتوب على غلافها: نافذة على الاأدب الايراني، وهي بحق كذلك.. يرأس تحريرها الكاتب والمترجم المعروف موسى بيدج، الذي كرس خمسة وعشرين عاماً من حياته لمد جسور الحوار بين ضفتي الابداعات الأدبية الفارسية والعربية وخاصة في مجال الترجمة الشعرية. وتضم هيئة تحريرها، لجنة مؤلفة من كلاً من: جمال كاظم، حيدر نجف، سمير أرشدي، صادق خورشا. أما مديرها الفني هو الاستاذ باسم الرسام  الذي يزينها بخطوطه ورسوماته الرائعة. ويقوم بتنضيد حروفها حسام روناسي.
هذا تعريف أولي بمجلة شيراز وبطاقم عملها. أما الآن سأقف عند عددين من أعدادها، هما العدد السادس والثامن صيف وشتاء2007، لأوضح للقراء مدى أهمية هذه المجلة الأنيقة شكلا ومضموناً، وما تبذله من جهود كبيرة لتعريف قراء العربية على الكنوز الغنية الأدب الايراني.

ففي العدد السادس، يكتب رئيس التحرير إفتتاحية غنية عن التواصل الثقافي، معنوناً إياها بالتواصل الأدبي الطريق الأبدي، فيكتب " يمكن القول أنه لا توجد وسيلة فعالة وناجعة كالإبداع الأدبي والثقافي يمكنها بناء الأرضية للحوار والتواصل بين الأمم والحضارات واللغات البعيدة والقريبة. فعملية خلق الأدب الإنساني تمهد الطريق لإيجاد حالة التآلف والتقارب بين القلوب والمشاعر دون حاجة لأي وساطات. فالعلاقات الأدبية والابداعية الانسانية والتي تستند إلى ينابيع الحس الجمالي العميق، لا الغرائز والأغراض الضيقة، والتي تنهض عبر الشوق والمعرفة للإطلاع على الآخر لا على أساس عرقي أو طائفي.. إلخ. هذه العلاقات تبقى خالدة وشامخة على مر الدهور." بهذا النقاء يكتب الاستاذ موسى بيدج عن التواصل الثقافي والحضاري السمح، ويمد جسور الثقافة إلى الآخر بكل محبة وإحترام.

شيرازبعد الافتتاحية تبدأ المجلة بحوار مع الدكتور آذرتاش آذرنوش، يتحدث فيه عن علاقته بالثقافة العربية وإهتمامه بها وإطلاعه الواسع عليها. حيث أنه درس الأدب العربي لمدة سنتين في بغداد ثم سافر إلى فرنسا وحصل على الدكتوارة في الأدب العربي. فيتحدث في الحوار عن إهتماماته بالثقافة العربية وتواصله معها وتأثير هذه الثقافة من خلال لغتها على الآداب الايرانية...
أما في باب، دراسات، فيعرب الاستاذ حيدر نجف القسم الثالث من مقالة طويلة للباحث والقاص د. يعقوب آجند عن القصة الايرانية وتطوراتها. حيث يركز في هذا القسم على القصة الايرانية في الستينات وما طرأ عليها من تغييرات وتطورات. أما باب الشعر فتبدأ المجلة بالشاعر الخالد سهراب سبهري بتعريف قصير عنه، وترجمة أربعة من قصائده وهي على التوالي: في رحلة الجانب الآخر و إلى نهاية الشقائق ونداء الابتداء وسورة الرؤية. حيث قام بترجمتها الاستاذ مو سى بيدج ترجمة في غاية الجمال. ثم يقوم  هو أيضاً، أي موسى، بترجمة مجموعة من القصائد للشاعر محمود مشرف آزاد تهراني، وبتعريف مقتضب به. ويترجم أيضاً لكل من الشعراء: شهرازاد بهشتي وصابر إمامي ومحمد كاظم علي بور وحميد رضا شكار سري. مقدماً نماذج شعرية من قصائدهم، مع تعريف مقتضب بكل واحد منهم.
أما باب القصص، فيبدأ بقصة قصيرة لعلي أصغر شيرزادي بعنوان (المغولي في المطر) بتعريب ماجدة علي ذو الفقار. أما القصة الثانية فهي لزويا بيرزاد بعنوان (فردة وفردة) تعربها أيضاً ماجدة علي ذو الفقار. ويعرب حيدر نجف قصة لأحمد غلامي بعنوان (بلا عنوان... حالياً). ويعرب موسى بيدج (صور فورية) لجيستا يثربي. ويقوم المترجم ضياء الجبوري بترجمة قصة لحميد رضا شاه آبادي بعنوان (عصير الكرز) وبهذه القصة تختم المجلة باب قصص. وفي الأبواب الأخيرة من المجلة يكتب جمال كاظم عن بعض النشاطات الثقافية والأدبية في العاصمة طهران. كما يكتب سمير أرشدي عن الأدب لكونه مرآة التاريخ. هذا بالاضافة إلى إصدارات جديدة ونشاطات أخرى، إلى أن نصل إلى الصفحة الأخيرة من المجلة، حيث نجد زاوية جميلة باسم زيارة تضمنت قصيدة بعنوان شيراز للشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين، وبهذه الزيارة تختتم المجلة صفحاتها.

أما العدد الثامن، فلا بد لي أن أقف عنده بإهتمام، لكونه عدداً خاصاً بالشعر
يفتتح رئيس التحرير المجلة، بسؤال القصيدة، حيث يكتب: يسألونك عن القصيدة. سؤال يطرح نفسه من الصباح إلى المساء، وفي رحلة الصيف والشتاء: إلى أين وصل بنا الشعر؟ ويحاول قدر الامكان الإجابة عن هذا التساؤل الشيق والكبير.
يبدأ العدد بالشاعر محمد حسين شهريار المولود في عام 1904 في مدينة تبريز والمتوفي فيها عام 1988 بترجمة لقصيدة من قصائده، يترجمها فرزدق الأسدي وهي بعنوان (ويلاه... أماه!). حيث يقول في مقطع من مقاطعها: إنها لم تمت، إني أسمع صوتها/ لا زالت تناقش الأطفال/ ـ إخرسي يا ناهيد!/ ـ ابتعد يا بيجن!/ تدير ملعقتها ـ دون صوت ـ/ صانعة الطعام لمريضها.
أما الشاعر الثاني الذي تناولته المجلة فهو الشاعر الكبير نيما يوشيج، فيكتب عنه عبد الرضا رضائي نيا مقالة بعنوان على خطى نيما يوشيج، يقوم بترجمتها المترجم حيدر نجف مع قصيدة له بعنوان (يا بني آدم...!). حيث يقول في أول القصيدة: أنتم، يا من تمرحون هناك عند الساحل/ في الماء..شخص يلفظ أنفاسه الأخيرة/ بيده وبكل جوارحه يتصدى، من أجل النجاة...
ويكون الشاعر الثالث الذي تتناوله المجلة فهو الشاعر الكبير أحمد شاملو الذي أحدث رجة كبيرة في الشعر الفارسي، فيكتب موسى بيدج مقالة عنه مع تقديم بيبلوغرافيا عن أهم أعماله، مع ترجمة للعديد من قصائده، وهي على التوالي: (الطبيعة الصامتة) و (رثاء) وهذه القصيدة مهداة إلى فروخ فرخزاد فيقول فيها: باحثاً عنكِ/ أبكي/ على عتبة الجبال/ على بوابة البحار والأعشاب./ باحثاً عنك/ أبكي/ في معبر الرياح/ في تقاطع الفصول/ في أضلاع مكسورة لنافذة/ صنعت للسماء الغائمة/ إطاراً عتيقاً./ في إنتظار صورتك/ إلى متى/ وكم ستنطوي أوراق/ هذا الدفتر الخالي. أما الشاعر الرابع فهو الشاعر مهدي اخوان ثالث، ويقوم باسم الرسام بترجمة قصيدة له بعنوان الهندباء. أما الشاعر الذي يليه في الترتيب فهو الشاعر الخالد سهراب سبهري، فيترجم له جمال كاظم قصيدته (عنوان). أما الشاعرة العظيمة فروخ فرخزاد فيترجم لها موسى بيدج، فتقول في إحدى قصائدها: الطائر كان طائراً/ كان الطائر محلقاً/ فوق إشارات المرور/ وعلى إرتفاع الغفلة/ يجرب اللحظات الزرقاء بجنون./ الطائر/ آه/ كان طائراً/ فقط. كما ويكتب سمير أرشدي عن بروين.. سيدة الشعر الفارسي مع ترجمة لمقاطع من قصائدها. ويكتب الدكتور عباس العباسي الطائي من الجامعة الاسلامية الحرة في طهران دراسة مقارنة بعنوان الشتاء في الآداب العالمية متناولاً كلاً من الشاعر الإنكليزي سوينبرن والشاعر الايراني مهدي إخوان ثالث والشاعرة العراقية نازك الملائكة. كما تضمن العدد، قصائد لرضا صفريان بترجمة باسم الرسام، فيقول صفريان في قصيدة له بعنوان (حادث): في الحلم التقيت فتاةً كالحلم/ قلت: ما اسمك؟/ قالت: حرية/ قضيت يقظتي كلها في البحث عنها. ويعود رئيس التحرير فيترجم قصائداً لكل من محمد رضا عبد الملكيان ومحمد رضا تركي حيث يقول هذا الأخير في قصيدة بعنوان (طير ـ بحر ـ سماء): الطير يتم معناه بالطيران/ والعنقاء تحليقة عالية/ تعبر خلال اللهيب. ويترجم باسم الرسام العديد من قصائد هادي سعيد كياسري. كما يترجم موسى بيدج مرة أخرى، بعض المقاطع للشاعرة آفاق هاني، وقصائد لمرتضى نور بخش.
بعد كل هذه الترجمات المهمة والأنيقة، والتي تعطي رؤية شبه بانورامية عن الشعر الفارسي الحديث. نصل إلى نهاية العدد، حيث يستعرض سمير أرشدي مدرس اللغة الفارسة في جامع الكويت حقيبة الكويت الثقافية. كما ويستعرض جمال كاظم، حافظ الشيرازي إلى العربية ... شعراً، من إعداد وترجمة عمر محمد شبلي. وتضمن العدد شيرازيات لوجيه عباس وللشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين. وبعدها نصل إلى مقالة مهمة للدكتور كاظم حاج إبراهيمي يستعرض فيها الأعياد الإيرانية في الشعر العربي وخاصة عيد النوروز وعيد المهرجان وعيد السذق... أما قبل انتهاء المجلة فيصادفنا باب إصدارات جديدة، تضمن هذا الباب ترجمة قصائد لأدونيس ومحمود درويش إلى الفارسية. وتختتم المجلة كعادتها بزيارة وقصيدة، وكانت قصيدة هذه الزيارة لعبد العزيز جمعة المعاون الفني للأمين العام لمؤسسة البابطين.وفي ختام هذه القراءة، لا يسعني إلا القول: أن مجلة شيراز جديرة بالمتابعة والاهتمام والقراءة الجادة، وهي بمثابة مفتاح صغير وجميل للولوج إلى الآداب الإيرانية والتعرف عليها.


إقرأ أيضاً:-

أقرأ أيضاً: