لو كان الشعر رجلا لاختطفته من كل إناث الأرض
لكنت خلعت له الجسد الغاوي وارتديته، واحتجزته في حجرة الأحلام وأطبقت عليه
أحداقي وبكيته
وأسلمت له روحي وقتلته ..لو كان الشعر رجلا لأولمت له عمري ثم التهمته..
" للكلمات وهي بعيدة أرض تجاور كوكبا أعلى
وللكلمات وهي قريبة منفى
أموت لأكتب عنك ..
فكل دمي اشتهاء للقائك ولست أقوى إلا على صداقة الغيّاب والموتى
إني مشتاقة إليك فابتعد قريبا مني كي أراك ستأخذ روحي المهووسة بك معك،
ولكنني سأحبك حيث أستطيعك أكثر سأمنحك دم الشفتين لترد إلي القبلات المذبوحة وأنسل كزفرة من حمإ وحميم وبين دفتي ثغرك اللوزي سأنساب يراعة هاربة من الكلمات
وإني أحبك الآن أستجمع جنوني وقد أزف الرهان الذي لا يفتأ يبارح حتى يعود : الشعر أم الشاعر؟
من يأتي قبل الآخر فيخلقه ؟ ومن يرث الأول فيخلفه ؟
لكأنه تصاهر الكلمات مع روح خفية تعبث بالغياهب وراء الوراء تلتقط ذبذبات مائية مجبولة بقطن السماء
ثم تبعثرها نثارا نديا يتدحرج كالماس في أرض البوح وأحيانا يتصبب مثل كرات الجمر فوق حرير القلب
الشاعر لغة الشعر الأولى وفرشاة بيكاسوية لا تطاوع العقل بل تنشق عنه لينبثق منها، باعتبار أن الكتابة خطر ممتلك باللغة " التي تحرر وتستعبد في آن " كما يقول هولدرلن ..
الكتابة أصفاد مجنحة كهواء أصفر في رئة الحريق يتسارع كتكنيك أوكسجيني من دمع ودممتنقلا بقوة الجنون عبر همس الأثير المختنق في مهب الهشيم
وهو ليس هبة أو منحة طاعونية ولا هو مرض كوني يصاب الآخرون بعدواه، إنه عربدة غيبية في النفس
وقد زكاها الشعر فألهمها فجورها وتقواها..
وبحسب أنسي وحسبي " الشعر التام نسيانه " كيف لا وهو الردى بأم عينه ومن منا يحمل رداه فوق ظهره كأنه ذاكرته الوجودية ؟
ولأنه جفلة الروح المطمئنة فلا بد أنه صحوة الموت الأخيرة وبينهما عشيات هستيرية داكنة كنجر قاتم في صدر الشمس
ألسنا نطأ الجمر ولا نهتدي إلا بالمصابيح المطفأة ؟ كما عند قاسم حداد ؟؟
الموت، العتم، ثم الشعر ... وشائج لكينونة واحدة وخارقة في آن: "الشاعر كان الغريب على الخليج يستحضر آلهة الموت بتعاويذ شعرية رحيمة تنجيه من هزيع
الألم الأخير..
" أريد أن أموت يا إله" صرخة مجوسية تحضر الرماد ضمن قداس قصائدي وغليان مهاتمي في قمريات شمبانية
كأنه دوار شعر ...........
الشعراء ظلال المسيح بصلبان غجرية من نار فكلما تفشت خساسة الحياة كلما غدا
الشعر أكثر نبلا وفروسية كما مثله اللوركي الحزين
إنهم يحصدون انتحارهم ويرتعون في ثكنات الآلهة كأشجار يتقمصها حطاب خريفي..
ولكن هل يكذب الشعراء من صدق أم من عذوبة ؟
وهل كان يعي صاحب القنفذ كيف ترتكب القصيدة ، أو ما هو إكسيرها ؟ أم أنها توبة آثمة لذنب مغدور بالمغفرة ؟
يا أيها الشعر..........ما أكذبك ! وتلك حقيقتك الوحيدة لذاك نصدقك .
إنك حاسة لا تستعار ولا تستبدل حاسة لا يدركها إلا أتباعك المسيرون بك كأنك درب مكفوفة ..
إنك اللعنة الكريمة والجريمة الماغوطية الكاملة بعد كل اعتراف .." مللت النوم كل ليلة وأنا مرتاح الضمير "وووووو
وهل يقر جفن قاتل لما يقتله ضميره ؟ وما ضمير الشعراء إلا شعرهم فهل يرتاح الشعر أبدا ؟
إنه قاموس المستحيل وقد اكتفى شاعر جنوبه بقليله كي يفسره فهل أرحب منه ؟
افتحي يا يد الشعر كتاب الأفق ليتنبأ الأعمى كلما كذب المنجمون
وليتغبش الزمن الضائع من بوصلة الدم فالنشيد زرقاء يمامه الأوحد ..
أسماؤنا إرث يحمله معشر الشعراء منا ولما نموت يوقظنا اسم شاعر لنا دون قصد، هكذا تغلب غسان زقطان على موت الآخرين فعاش مرتين
" سمياني على اسم ميت أيقظته دون قصد " ...
الشعر أم الشاعر ؟ ...
من يسطو على الصوت فيصغي إليه الصدى ؟
والشعراء لا يتبعهم المغوون بهم إنما الغاوون
وهنا يكون اسم الفاعل هو من قام بالفعل فأدى المهمة على الرغم من أن الغواية أجمل تهمة تسدد إلى الشعر
ولان المرء مع من أحب فالأقرب ان يكون مثواي جهنم وشعر المصير
كلما اشتدت وطأة الحقيقة كلما ترجح الافتراض بسطوة التمني غبر ان تركيبة الشعر لا تنتهج
جاهزية المسلمات فليس الشعر عاقرا ولا محموما بالوراءات
وبه يكون وقوع التمني شرطا تابعا لتحققه مسبقا وفيه تكمن ضرورة حصول الحدث كمحفز لبديهية تمنيه
وهنا بالضبط يكمن سره لذا فمن الطبيعي ان يتمنى الشعراء موتهم
كاستئثار بالحياة، أو كمرادف اقل وطأة: يحتكر الشعراء الشعر كملكوت مخلد
أي كأمنية ..
خذ أيها الرب عمري ولا تعد لي من قتلت فلن آبه أبدا..
خذ أبي الى التراب كل طرفة ذكرى لأعفر قسوتي بأشيائه فلن أرق للنسيان ..
خذ دماي الميتة المشتهاة إذ تتساقط كالخرز الساخن من بين أصابعي فلن اقبض على الجمر بعد الآن
خذ عنقود الكرزات الحمر لما توشك على شفتي الذاويتين فانا لا اشتهي القبل
خذ عيون وهجي كلما التمعت فرحة مذبوحة في الصميم فلن يملني حزني السعيد
خذ مني وطني الى صقر وسدد إلي عصا موسى لن أغدو حية تسعى فاني ميتة
إن شئت خذني حيث شئت ولكن دع شعري وشأني ...شأني أنا فقط
وكمن يبحث عن ضحية : أنا قاتلة
وهذا الشقاء الحر حارسي الأمين كلبي الذي يقودني الى الطريق لما يموت الأصدقاء
وتتوه السماء
يا انتم: لماذا تكتبون وتسهرون وتحيون ؟
لم لا نعقد هدنة شعرية كافتنراء ابيض على أكفاننا السوداء ؟
لا نكتب كي لا نقرا، لا نسهر كي لا ننام، لا نحيا كي لا نموت..
هكذا على محك الحياة نستنفر الوصايا ترقبا لقبضة عزرائيلية من دخان
فتسردنا الأشعار سجائر متحشرجة في بحة المطر
أتوقع ان أموت بلندن في يوم ماطر (يوم ماطر في لندن؟ يا لها من نبوءة) ت
موصيا منذ اللحظة أن ادفن بالمفرق قرب أمي...
يرحلون باكرا لذا تسبقهم صكوك أحزانهم... ويرحلون ..
كل موت إذن وأنت بخير أيها الشعر ..
القدس
12-12-2005
إقرأ أيضاً: