من رماد الذاكرة
على ما يذكر الآباء
إنّ الأرض كانت غيرَ ضيّقة ٍ
وكان الماءُ أعذبَ
والرغيفُ ألذ َّ
والأعشاب ْ
أكثرَ خضرة ً
و" الخيش" و "الجنفاص"
أنعم َ من حرير ِ اليوم ِ
حتى فاتنات الأمس كن ّ أرقَّ
والخيل القديمة ُ لم تكن ْ ترخي اللجامَ لغير فارسها
ولا كان الجبانُ يصولُ في الميدان ِ...
والأغراب ْ
لا يتحكّمون بقوت ذي سغب ٍ
ونبضِ رقاب ْ...
ويقنع ُ بالقليل ِ من القطيع ِ الذئب ُ
لا كذئاب ِ هذا العصر ِ...
أذكر ُ أن ّ أمي حدّثتني عن بيوت ٍ
دونما أبواب ْ
وتُقسم ُ أن ّ جارا ً
قد أضاع شويهة ً يوما ً
فعادت بعد عام ٍ خلفها حَمَل ٌ
يقودهما فتى سأل المدينة َ كلّها
عمّن أضاع شويهة ً يوماً بذات مساءْ ...
على ما يذكر ُ الآباءْ
كان الناسُ
لا يتلفتون إذا مشوا في السوق ِ
أو
خرجوا من المحراب ْ
***
على ما سوف يذكر بعدنا الأبناء ْ
إنّ الأرضَ
أضيق من سرير ِ القبر في بغدادَ
والماء َ الفرات َ له ُ مذاق ُالصّاب ْ
وإنّ الجارَ يخشى جاره ُ
وتخاف من أجفانها الأهداب ْ
***
أذلّني حبي
أذلّني حبي ...
وجرحيَ الممتدُّ من جدائل النخل
إلى أرغفة الشعب ِ...
أذلّني حبي ...
وحينما حاصرني البغاةُ ذات ليلة ٍ
عبرتُ سورَ الوطن ِالمعشوق ِ
زادي قلقي
وكوثري رعبي...
طوّفتُ في حرائق ِ الشرق ِ
وفي حدائق ِ الغرب ِ
وليس من صبح ٍ ومن صحب ِ
إلآ بقايا من رماد الدار ِ
من طين الفراتين على ثوبي...
أذلّني حبي
فتّشتُ في ذاكرة الأيام عن طفولتي
فتشت في كل نفايات حروب القهر ِ عن مدينتي
وعن جواد ٍ خارجَ الرّكب ِ...
فتّشت عن حبيبتي بين سبايا العصر ِ
عن أرومتي
وعن فرات ٍساحر ٍعذب ...ِ
وفجأة ً
رأيت نخلة ً على قارعة ِ الدرب ِ...
هزَزْتها
فانهمرَ الدمع ُ على هدبي...
وحينما هزَزْت ُ جذع َ الأرض ِ ياربي
تساقط العراق في قلبي
***
نــزق وتسألني التي اصطبحتْ
بخمرة وجهها الحَدَقُ
ولي من صبرها الصوفيّ مغتبقُ :
لماذا لا يفوح العود إلآ حين يحترقُ ؟
وليس يشعّ إلآ من سواد مداده الورقُ ؟
أما لظلام ليل ِ مشرّد غسقُ ؟
أم ِالنزق اصطفاك
فأنت مختلفٌ مع البلوى
ومتّفقُ ؟
**
اجل...
لمّا يزلْ بي ذلك النزقُ...
أرى بحراً
فيغويني به الغرقُ ...
ومضماراً فأنطلقُ
ويغريني الطريقُ الصّعبُ
مفتوناًً بما قد خبّأت طُرُقُ
وأجنح للهيب
برغم علمي أنني ورقُ
يُحرّضني على خدر النعاس السّهدُ
والرَهَقُ
ويُقلقني إذا ما مرّ بي في غربتي
صبحٌ ولا قلقُ
وأنّ الليلَ لا همًّ
ولا أرَقُ
فطول إقامةٍ في غير دار أحبّتي
حَمَقُ
***
Yahia.alsamawy@gmail.com
إقرأ أيضاً: