عبده وازن
(لبنان)

مشهد 1

عبده وازنالماء في الأكواب
الخمرة في الكؤوس
الخبز ينتظر بريق الأيدي.
الشموع تشتعل برهبة
النجوم تلتمع في سماء الزجاج.
في ذلك الليل
لم يُسمع
وقع خطى
ولا صرير باب!
في ذلك الليل
لم تهبّ نسمة
ولا عبر طيفٌ
او وشاح!

مشهد 2

لا هواء يحرّك الأزهار
على الشرفة.
لا صوت يرتفع
من الغرفة المقفرة.
النافذة ما برحت مفتوحة
منذ ليالٍ.
المصباح يلهث النور
شاحباً كالوداع.
لا ضوضاء تهب
من عتمة الخارج.
لا برق
يشق سماء الأرق.
الصمت الثقيل
يخفي
في ثناياه شعلة المجهول.


رذاذ السماء

لا تجزع أمام عتبة الليل! النسيم ما برج يهبّ مضمّخاً
بالزرقة والسماء المنجّمة ما زالت ساهرة!
شجرة الحلم أشدّ حنواً من الغمام الذي يعمر الحقول.
إن رقدت تحت أغصانها يخطفك بريق نجمة، ويلتمع في عينيك سراب القمر! حينذاك تبصر نهراً يصعد من وادي الشمس، تبصر جياداً تحلّق بأجنحة من زجاج، ملائكة من عنبر، تبصر سلاحف وقبّرات، غيمةً من يمام. تبصر أريج التراب يتهادى كالموج، وعلى السفوح أضواء الصبح تنحدر ببطء.
لا تجزع أمام عتبة الليل!
إحلم فقط. حين تحلم تنفتح البوابة ووراءها تلوح القلعة والرابية.
وراءها تلوح شمس اليقظة، هاوية الضوء والظلال.


سهاد

عيناك المفتوحتان
اغسلهما بزبد السماء
ولتضء الكآبة سراج قلبك
ليسطع الندم ملء جوارحك!
ستبقى وحيداً هنا
وحيداً هناك
وحيداً حين لا عتبة تجتازها حين لا حجر تلقي عليه وأسك
حائراً
كمن يقف
على حافة الأرق
مكتدراً كملاك في صورة.
مملكة النوم تجتازها بلا جناحين
الخواء من حولك يصخب بالأطياف
الشعاع الذي احرق وجهك
يلتمتع في بئر الغفلة.
عيناك المفتوحتان
اغسلهما برحيق الضوء
كي تبصر جيداً ما يعبرهما
من أشرعة لا مراكب لها
من صور بلا وجوه
من أشجار هجرت حدائقها
من غيوم تلمع بالزمرد.
وحيداً ستبقى هنا
حين لا نافذة تنظر منها
حين لا شرفة تقطف وردها.
وحيداً ستبقى هناك
حين لا مرآة تبصر فيها وجهك
حين لا باب يفضي الى باحة الأمس.
عيناك المفتوحتان
تجمّد حولهما ملح الأرق.
السحاب الحائر
ينتشر على سفوح اليقظة
أغصان السأم
تحلّق تحت شمس الليل.


سفوح

جرس الضوء
يرن في بئر الغيبوبة!
عيناك تفتحهما
ولكن لتبصر
نجمة هاربة!
الخواء الذي ينتشر
من حولك
يملأك
عطرا وضوضاء!
النسيم الذي يهب
يفتح أمامك
كتاب الصور!
العتمة التي تنهمر
على وجهك
لطيفة كرذاذ الرغبة.
الضبابة التي تتهادى
في وهدة الروح
تحملك الى سفوح أخرى.

 

جمر المجهول

(ل ملاك رهيب)
(ريلكه

كغيمة من بنفسج
يتهادى ملاك الأيقونة
في سمائنا.
تلزمنا نظرة أخرى
لنأسر شعاع عينيه
ونلمس بخور حيرته.
إذا انكسرت قربانته بين أصابعنا
يلوح لنا جمر المجهول
حجر الشوق
يزهر في قلوبنا.
كغيمة من بنفسج
يظللنا الملاك العابر
تحت ناره نستكين
أيدينا مرفوعة كصرخة
قلوبنا ساهرة
في منتصف وحشتها.

 

قوس قزح


عندما أغمض عيني
ينبثق قوس قزح
تحت القوس تندلع نافذة
أمام النافذة ترتفع شجرة.
عيناي حين اغمضهما
اطل على بئر تسكنها الملائكة
وأعمق قليلا
أبصر منارة الليل
ونهرا يصعد صوب الغيوم.
زرقة السماء تدفق كالنهر
النار تهب كنسمة
الحجر البنفسجي
يصغي الى همس الهواء.
عندما أغمض عيني
أبصر الوجه زنبقة
والدمعة ظلا
واليدين حقل سنابل.
تخونني عيناي عندما اغمضهما
كأنني أقف على حافة الغسق
كأنني اطل على بحيرة من صدف وأشواك:
الماء عاد الى رحم الأرض
والشمس تسيل على التخوم.
الأزرق يدلهمّ كسراج الوداع
الأحمر يغشى سماء النافذة
البنفسجي يهطل كثلج الصيف.
عندما أغمض عينيّ
ينكسر زجاج العالم
مرآة النهار تقع في سُباتها
وفي آخر المنظر
ينبثق منظر آخر.