طه عدنان / المغرب
عادل صيّاد / الجزائر

طه عدنان -عادل صيّادلنا في كلّ مُنغَلقٍ دروبُ
               وكلّ محاسنٍ فينا عيوبُ
أقمنا في قصائدنا طويلاً
               نصلّي، لمْ تُبارحنا الذنوبُ
وحين تُدير مجلسَنا القوافي
               مُفاعَلتُن مُفاعَلتُن نتوبُ
فماذا لو كتبنا هل سيُطفي
               شموساً أشرقت فينا غروبُ
أنرقص في الجزائر أم سنحكي
               عن الأيام واللُّقيا طُيوبُ
تمنَّعتِ القصيدة يوم صرنا
               على خببٍ بجنّتها نذوبُ

في غابة "ابن عكنون"

نراود القصيدة
عن سرّها
نُلقِّنها الكلمات الجديدة
مدَّ الخطى
في أقاصي الكلام
والسباحةَ في لُجَج
المفردات العنيدة
نعلّمها أن تعُزّ عن الفهم
عن وشوشات الظنون
لم تكن بيننا حين جئنا
إنما
حينما طرقَتْ بغتةً
شطَّ أرواحنا
رمينا شباك القوافي
عليها
ففزَّت
لتبقى هُلاماً يصوغ المُحال
هنالك
في فَلَك الاحتمال
تدور
يحاصرها الوقت
والصمت
والنزلاء
لا سكنٌ بيننا
تأوي إليه
ولا طللٌ تبكي عليه
يُباغتها الليل
وأضغاث الشجون

في غابة "ابن عكنون"
شعاعٌ من ليلى
يُنير ليلتنا
حتى أول الصبح
وحين الشمس تطلّ
نخلد للنوم
دون جفون
وبوزيد يحرس يقْظتنا
بهمّة جبّارٍ
وخفّة شاعر

نثرُ الجزائرِ
شعرٌ
وشعرٌ
حديث الجزائر
مقامُ الجزائر
عمرٌ
من البوح
والحرفُ ثائر

في غابة "ابن عكنون"
قُطعانُ الخنازير الصديقة
تعبر مجلسنا الهادر
في سكون
تلقي علينا السلام
دون اكتراث
فنشهر آلة التصوير
في وجهها البرّي
نمطرها بوابل الضوء
نجري خلف ألفتها
ليُجيرها من ضوءنا
الليل الوفيّ

في غابة "ابن عكنون"
كلما اجتمعنا
على سهرٍ مُسكرٍ
بالقصائد
خرَّب "الموبايل" نشوتنا
فكنّا كالسكارى
وما نحنُ
نشرب نخب القصيدة
بين رنينٍ
وآخر
ونلعن شجرة التكنولوجيا
تثمر شاشات
في حجم حبّة زيتون
يلهو بها الأكابر
مثل صغار البدو
فنحنو
على ضعفهم
ونلعن في الجهر
آل "بلوتوت"
وسطوتهم على العالمين
وحين مِن أحلامهم
ندنو
يحاصرنا الرنين
فنرنو
إلى ضوئنا الداخليّ
ونحن نغني على مفرق الغيب
أغنيةً للجزائر

نثر الجزائر
شعرٌ
وشعرٌ
حديث الجزائر
مقام الجزائر
عمرٌ
من البوح
والحرف ثائر

عشر ليال
من رفقة البحر
عشر ليال
ما بين مدّ وجزر
عشر ليال من الشعر
عشر ليال
وليلى تغني
شجون العراق الحزينة
عشر ليال هنا
في ضواحي المدينة
والقصيدة
كلما اقتربت من سرائرنا
ودنت
دفنت سرّها في دم الصمت
نأت
فانتشلنا الروحَ مبتلةً
من لُجج الوقت
حفظنا جذوة الشعر
من كذِب القول
هرَبنا إلى مرفأ البوح
على أحرفٍ
في انتظار السفينة

ولما رسونا
على شاطئ "تيبازة"
كنّا خفافاً من الشعر
وكان الوليّ الطّاهر
المتوحّد في "لازه"
الأشعرَ فينا
بالقصيد الذي من تذلّل
وملام
هناك في مقامه الزّكي
كان يرقب انكسار الوقت
على صخر الحطام
مثل ملاح أبيّ
أحاطت به الريح
من كلّ غمام
فأبحر في الغواية
والرواية
والمقام
وأوعز للموج
أن لا تُخاطر

نثر الجزائر
شعرٌ
وشعرٌ
حديث الجزائر
مقام الجزائر
عمرٌ
من البوح
والحرف ثائر

ألا أيّنا المُدَّعون
نُهدر الكثير من الوقت
في البحث
عن نورس الضوء
يتقاذفنا موج "غوغل" المتلاطم
فننتهي على شطّ "ياهو"
لنقرأ شعر العرب
هناك على موقع منتخب
نتصفح تاريخ القوافي
ونجوب عيون الكلام
مذ معلقة امرئ القيس
حتى جدارية درويش
نقتفي أثر المتنبي
فيباغتنا طرفة
وفي طرفة عين
ترانا على قبر رامبو نتيه
كما قد تتيه القوافي
بعيداً عن الشعر
والأغنيات
نتوسل ماء الحياة
لنغسل آثامنا
ونطالب بالمغفرة
نهزّ إلينا
بجذع القصيد
ونُهرِّب سراً
سجوفَ النشيد
تحت جنح الضياء
أما آن للشعر
أن يهرّب بعض الغمام
وبعض الهواء
أما آن للقلب أن يشمّر
عن نبضه
فتدقّ طبول الهوى
والبهاء

هنا بمقامنا الأدبي
في غابة "ابن عكنون"
كدنا نُعيد المساء إلى صحوه
قبل أن تُذوّبنا المُدن المقمرة
حيث البنات يَجُبن القلوبَ
وحيث النساء نساء
هنا بلمَّتنا الآسرة
كنّا بعيدين عن هيكل الرقم
قريبين منا
وفي خلوتنا المزهرة
نُراود الصبح
عن نوره
نُراود الليل
عن سرّه
ونهمس في أذن الياسمين
هنا في الجزائر
عمّ القصيد
هنا في الجزائر
عمّ النشيد
وعمّ الغناء
هنا في الجزائر
كان الهواءُ
هوىً
والسناءُ
سناء.

الجزائر / أوت 2007

كُتب هذا النص خلال الإقامة الأدبية التي شهدتها الجزائر العاصمة من 15 إلى 25 أوت 2007 في إطار الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007