أن نتحدث بصيغة المؤنث، أن نفتح صدورنا للبوح بجرح لا يحمله غيرنا، أن نقرأ ألمنا، حزننا في عيون الآخر، أن نصيخ السمع لصدى أصواتنا المخنوقة منذ زمن، أن نمزق حجاب الجبن بيننا وبين أنانا المغبونة، أن نلف العالم بشرائط حريرية وننمقه كلاما دافئا لأحبتنا، أن نشرع زوايا الظل/حقائقنا لضوء النهار الكاشف...كل هذا يعني أننا وبمجرد ما نفتح أفواهنا للكلام، يوضع الجسد في قفص الاتهام وتنهال المعاول لتفتيت اللغة بحثا عن الآخر/ الرجل المختبئ وراء الحرف والكلمة، عن لون شِعرنا، هل حقا يشبهنا؟..عن ساعة الخطيئة التي أولدت شعرنا اللقيط..عن شرعية انتمائنا لقبيلة الشعراء..فيكون الانتحال تهمتنا الأولى... ونكون قد استنبتنا من جرحنا جرحا آخر، وأضفنا لحرقة الكتابة حرقة الهوية...
ويتولد لدينا إحساس بعدم الاكتمال يغذي نهمنا للخلق والتجديد والبحث عن رعشة ولادة متجددة، في لحظة الولادة هاته وتدفق اللاوعي تندس بين الحروف حمرة خجولة من عري الكلام وشبقية اللغة، نسلك مسالك خلفية للغة،لنخفي تفاصيل الجسد/ القصيدة خلف غلالة الغموض....ولا يظل أمامنا سوى خيارين: أن نبتلع ألسنتنا، ونغلق درج اللوعة، فيصيبنا المحو. أو نضيف لغضبنا غضبا آخر، نمزق بكارة اللغة نضمخها بعطر الأنوثة البدائية،فتكون النسوية تهمتنا الأخرى...
لهذه المعاول أقول : أفسحوا لنا مجالا أرحب للبوح / للشعر وسيلتنا المهذبة للاحتجاج والغضب، كي لا نضطر لاحتجاج غير لائق...فقد استنزفتنا حياة عقيمة جافة.. دعونا نعيد للحياة شغفها، طراوتها الظليلة، نحن الآن في حاجة أكثر للشعر،لقصائد طافحة بالأناقة الأنثوية، " لكي لا تتفسخ أجسادنا المثخنة بالخيانات والمآسي... " فبوحنا، بقدر ما هو لحظة إشراق وإبداع لغوي، هو لحظة ضعفنا الإنساني..لحظة احتفاء بالذات واحتياجاتها البسيطة، لحظة تباغتنا سكينة ما ويمتلأ القلب بفرح عابر...كفراشات الربيع نبيح ألواننا القزحية لكل من يكتوي بلوعة الإبداع..رغبةٌٌ في اقتسام الحب والفرح تغمر شفاهنا المتعطشة للكلام..لحظة فيض، حين نفيض عن ذواتنا وننسج من قوافينا دفأكم وفرحكم ...
لحظة حزن، حين ينبت الحزن في أعماقنا نبتة صغيرة، تتعرش وتتجدر شيئا فشيئا حتى تصبح شجرة ضخمة ومتجدرة..يسقيها الألم رحيقا مرا يصعد للأنساغ، كلما قطعنا غصنا ونسيناه أو تناسيناه تفنن براعم أخرى بين الضلوع...فلا تنفوا عنا شاعريتنا هويتنا...
أقرأ أيضاً: