من بهجة ملوية سامراء إلى دمعة أور يطوي الشعر مسافاته على طرق البنفسج ..ويتذكر لحظة قدمك الشاعر جواد الحطاب بلغته الساحرة : أطوار بهجت شاعرة وتحلم بطريقة بنفسجية وكان في تقديمها إلي يقصد ديوانها الشعري الأول التي بدت فيه مهارة التدخل والملاحظة من جواد بين جمل الشعر المتحمس بفتنة فتاة تريد أن ترى الحياة عن طريق القصيدة .
كان ذلك في واحدة من مرابد تسعينيات البطاقة التموينية التي لازالت تمد بطوننا وأحلامنا بموسيقى الخبز المحسوب بالكيلوات.
كان الديوان نحيفا كقامتها الشهيدة، ورقهُ أصفر وذابل كقدرها المقتول بالرصاص القاسي ولكن عنوانه يشع بهاجس لجمال غريب سينتهي يوما ما على حافة التراب في طريق زراعي.
(( غوايات البنفسج )) عنوان يطفو عليه شوق سومري وموسيقى عود عباسي أطلقهُ زرياب بين عينيها وغادر منفيا وهاربا من حسد موهبته إلى الأندلس ولو كان يعلم إن أطوار تموت بهذه الطريقة الميثولوجية لصحبها معه ولبقي البنفسج طريا في أواني نافذة بيت أهلها في منطقة الداودي ولما حزنت صحافة العراق والعالم وتذكرها السيد توني بلير بخير قبل أن يتذكر شكسبير والليدي ديانا وفرجينا ولف .
موتها أعادني للبحث عن ديوانها في أروقة غبار المكتبة ، وحين وجدته شدني فيه إهدائها السريع والمرتبك بسبب إن أكثر من واحد كان يقف وينتظر دوره في الإهداء وكان الإهداء يقول(من الشعر إلى القصة تطل قصائدي وأرجو أن تقراها بشكل جيد )
ولأنني لم اكتشف إن صاحبة الديوان ستذهب يوما ما بذلك الرومانس الذي علق على أهدابها أعواد الشوفان والثقاب والبارود . قرأته على عجل وعلقت عليه ( إنها بريئة وطيبة وتحتاج إلى الكثير من مفاتيح البيانو لتتعلم الموسيقى جيدا ورغم هذا وجدت في الغوايات شيئا من مشروع إن شاعرة متحمسة وقوية ستولد لتلتحق بجيد ثوب نازك الملائكة ولميعة عباس عمارة وأخريات ..
الآن صاحبة (( غوايات البنفسج ترقد في سماء البنفسج ))..
لقد قتلت بطريقة درامية . تشبه مشاهد الأكشن . قتلت لأنها نطقت في جملتها الأخيرة في تقريها الذي بثته من شاشة الفضائية العربية شيئا عن وحدة العراق وذوبان نسيجه في رداء ابيض واحد تصلي به كل المذاهب والطوائف وهذا أمر يكاد يكون جناية عند البعض حين يرى بنفسجة تطل عبر الشاشات المرئية وعلى جيدها معلقة خارطة العراقية من ذهب خالص اكتسبته من كدها ويتمها وافتخارها بوطنية أن يتحد في جسدها رؤى اكبر طائفتين في العراق ، فهي من أب سني وأمٍ شيعية . لهذا كان عليها أن تموت بشكل درامي نُفذ مشهدهُ بسرعةٍ حتى من دونِ لمساتٍ أخيرة .
الآنَ فقط علي أن أعيدَ بشكلٍ جيد قراءة كتابها(( غوايات البنفسج )) . وحتما سأتعلم منه ماكان مخفيا لدي أو إنني تجاهلته بفضاضة وتعمد وعلي أن أقدم لصاحبة الوجه السامرائي اعتذارا عراقيا عن كل أولئك الذين شعروا إن موت أطوار بهجت إنما هو موت لأنوثة الشعر وأطوار الغناء العراقي الهادئ وهو يتشكل في فضاءات أحلامنا أسرابا من البط والنجوم والسمك ليطير بعينيها إلى سماوات الأرض كلها يتحدث عن موت شاعرة وفي نفس الوقت مراسلة صحفية..
أور السومرية 26 شباط 2006