حاوره: عارف جابو

حسين حبش

حسين حبش شاعر أراد ومنذ البداية أن يكون متفرداً، يعزف ألحان قصائده كما يريد هو لا كما يضع الآخرون نوتات الشعر. إنه يريد دائماً أن يحطَّ على الغصن الذي يعجبه ليغرد أشعاره على هواه. اختار في البداية الغرق في الورد مقتنصاً الشعري من الركام كما قال عنه سليم بركات حينذاك. والذي قرأ حسين حبش كل أشعاره المنشورة ومعظم رواياته فأحبها وتأثر بها، وأعجب بتجربته الشعرية، لكنه لم يصبح أسير تلك التجرية ولم يصبح مريداً له ولم يتكور تحت العباءة السليمية. لكنه في الوقت ذاته لم يتنكر لسليم الذي يعتبره معلِّماً وعلماً بارزاً في عالم الشعر والرواية. أراد شكر سليم والاحتفال بتجربته على طريقته الخاصة، فأصدر مؤخراً مجموعة شعرية جديدة بل الأصح نشر قصيدة طويلة في كتاب سماه: "ضلالات إلى سليم بركات" ولنتعرف على ضلالات حسين حبش ونسبر أغوارها وبماذا يريد أن يشي بضلالاته تلك، كان لنا معه الحوار التالي:

حسين حبش صدرت لك مؤخراً مجموعة شعرية جديدة، بل الأصح قصيدة طويلة في كتاب بعنوان: "ضلالات إلى سليم بركات"، ما هو سبب هذا الاختيار ونشر قصيدة واحدة فقط في كتاب؟

في زمن يسير فيه كل شيء نحو الاختصار والسرعة والتسطيح والسماجة والابتذال ربما. أردت أن أقدِّم نصاً مغايراً، طويلاً، ملتوياً وصعباً لا يمكن للقارئ الولوج إلى طبقاته وتفكيك بنياته بسهولة، إلا إذا كان متسلحاً بثقافة شعرية وأدبية معينة، وكان متحرراً من القيود الذهنية والعقلية والموضوعية، مدركاً معنى الخيال والضلال وتبعات الجنون والجنوح والمفارقات الشعرية الكبرى. بمعنى آخر هو نص نخبوي بامتياز لوعورته وتشعباته الكثيرة. نص أردت من خلاله السباحة ضد التيار وكسر رزانة الكلمات ودفعها نحو الهاوية أو نحو أفاق مجهولة وعصية مهما كانت العواقب والنتائج التي ستترتب على ذلك. أما خيار نشره في كتاب، يمكنني القول أنه كان نصاً مكتفياً بذاته، لذلك فرض نفسه ليكون لوحده بين دفتي كتاب، وكان له ما أراد.

ما الذي أردت قوله من خلال هذه القصيدة أو النص الطويل كما تسميه، خاصة أن اهتمامك باللغة واختيار الكلمات وبناء الجملة وعنايتك الفائقة بذلك بارزة في النص؟

حسين حبش

ربما أردت أن أقول جزءاً من حقيقتي الضالة، وأن أمتحن من خلالها خيالي حين يرفرف في خيال الكلمات. وربما أردت أيضاً أن أخرج الكلمات الواهنة من العناية المركزة إلى الحرية الفائقة، لكي تلعب وتمرح وتغوص وتكتشف وتقول ضلالها وفتنها بمنتهى الخيلاء والحرية...

هل يمكن القول أن طيف سليم بركات كان يرافقك حين كنت تشتغل على هذا النص، القصيدة؟

بل بالعكس كان سليم بركات غائباً تماماً. كنت في ذلك الوقت غارقاً حتى أذني في القراءة الكثيفة والمتعبة. بدءاً من رسالة الغفران للمعري ومروراً بكتاب الإمتاع والمؤانسة وليس إنتهاء بأغلب مجموعات طاغور الشعرية والنثرية، والأعمال الكاملة لجبران خليل جبران وديوان ملاي جزيزي بالكردية وبضع كتب أخرى بالكردية والعربية والألمانية. بعد غوصي الجدي والعميق في بطون هذه الكتب الصعبة والممتعة في نفس الوقت. وبعد مدة طويلة من التأمل والتوقف شبه التام عن الكتابة، رأيتني أنتزع من حصيلة ذلك التأمل وتلك القراءات، ضلالاتي هذه.

حسناً لماذا هذه الضلالات إلى سليم بركات؟

أولاً أن تجربة سليم بركات الشعرية والروائية من أهم التجارب في الأدب العربي، وهي تجربة فذة وعميقة وكبيرة جداً، تستحق كل الشكر والاحترام والتقدير. وكلنا يعلم مدى الغبن والاجحاف والتجاهل التي تتعرض لها هذه التجربة الطليعية والرائدة. هذا الأمر الغريب يستدعي بعض التساؤلات المشروعة والمقلقة في نفس الوقت. أين الالتفاتة الحقيقية إلى هذه التجربة؟ أين حصتها من النقد؟ أين اسم سليم في الأنطولوجيات الشعرية التي تصدر كل يوم تقريباً؟ أين الدعوات التي توجه إليه لحضور المهرجانات العربية التي تقام بمناسبة ومن دون مناسبة؟ أين الجوائز التي منحوها له وهو أكبر من أي جائزة كانت؟ أين أين أين؟؟؟ إذن هناك تجاهل مقصود ونابع عن عدم قبول وامحاء لكل وجود غير عربي في الثقافة العربية وعدم الاعتراف به رغم ما يقدمه هذا الآخر من خدمات جليلة وفريدة للثقافة العربية بمنحها حياة جديدة ونادرة لا تقدر بثمن. أكاد القول أن العرب في الحب أشد الناس بخلاً في العالم تجاه الآخر. ألم يقل أدونيس في إحدى حواراته القريبة ما يلي: "ثمة ظاهرة عند العرب إزاء الآخر. الآخر ليس موجوداً، وهذا ما يثبته تاريخنا، إلا في حالتين إما أن يعرب داخل المجتمع، أو نسيطر عليه، أو نهيمن عليه كآخر كافر". انتهى كلام أدونيس. ألا ينطبق هذا الكلام على الوضع الثقافي والأدبي أيضاً؟ ألا يوجد تجاهل ونفي ونبذ الآخر من قلب الثقافة العربية لكون هذا الآخر ليس عربياً ولم يخلقه الله كذلك؟ أليس اتهام الآخر بتخريب اللغة العربية والاعتداء على قدسيتها، فقط لكون هذا الآخر يكتب بها ويغنيها؟... أما ضلالاتي هذه جاءت كتحية، مجرد تحية لأقول له من خلالها: شكراً لك أيها الساحر والمعلم الكبير، ما زلنا نحبك بعمق.

حسين حبش

أنا قرأت القصيدة، ولكني استمتعت بها ليس كقصيدة، وإنما كنص طويل مفتوح مختلف عن أشعارك السابقة، ويمكن تأويله بصور مختلفة متعددة، هل توافقني على هذه القراءة؟

أشكرك جزيل الشكر، هذا إطراء كبير للكتاب ربما لا يستحقه. لكن بالتأكيد أنت تستحق على ذلك كل الشكر والتقدير.

هذا إصدارك الرابع بالعربية، وأنت تكتب بالكردية أيضاً قصائد جميلة ونشرت الكثير منها، ما الذي يمنعك من إصدار مجموعة بالكردية إلى الآن؟

ربما هو الكسل الذي طال، لكن قد تكون هناك مفاجأة قريبة.

حضرت المهرجان العالمي للشعر في كولومبيا مؤخراً، هل لك أن تحدثنا عنه قليلاً وماذا عن مشاركتك وقراءاتك خلال أيام المهرجان، كيف كانت؟ هل للشعر جمهور في كولومبيا حتى يتم تنظيم مثل هذا المهرجان الكبير سنوياً ودعوة الشعراء من مختلف دول وقارات العالم؟

يعتبر مهرجان الشعر العالمي في مديين ـ كولومبيا مهرجاناً ضخماً وكبيراً وناجحاً بكل المقاييس، سواء من حيث التنظيم والدعوات والحضور الجماهيري الغفير للقراءات والأمسيات التي تقام كانت يومياً خلال أيام المهرجان. إذا قلت لك أن عشاق الشعر بالآلاف في هذا البلد الفقير ربما لن تصدق ذلك. ففي يوم افتتاح المهرجان مثلاً حضر حشد يقارب العشرة آلاف شخص إلى مكان الافتتاح، ورغم الطقس السيء وهطول الأمطار الغزيرة أبت الناس إلا أن تستمع إلى الشعر ولم يغادر أحداً المكان. وفي الأيام التالية كانت المدينة كلها ترقص على إيقاع الشعر، فالناس كانت تلاحق الشعراء من مكان إلى آخر ومن أمسية إلى أخرى. يستمعون إليهم بكل جوارحهم. يطلبون تواقيعهم ويأخذونهم بالأعناق في نهاية كل أمسية. ويبكون إذا كانت القصائد ذات حزن وشجن. بإختصار كانوا يحتفون بالشعراء، وكأنهم آخر ملائكة الله على وجه الأرض. أما عن مشاركتي وقراءاتي، قدمت ثماني قراءات، قرأت خلالها في المسارح وقاعات الموسيقى والمكتبات والجامعات والأمكنة المفتوحة وملاعب الرياضة أيضاً... كانت قراءات مميزة وجميلة وممتعة حقاً.

إصدارات حسين حبش:

  • ضلالات إلى سليم بركات / نص طويل: 2009
  • أعلى من الشهوة وألذ من خاصرة غزال: 2007
  • هاربون عبر نهر إفروس: 2004
  • غرق في الورد: 2002