منى سكرية
(لبنان)

إسكندر حبش

إسكندر حبش من الأسماء المبدعة في عالم الشعر والكتابة والترجمة، التي حفرت بحبر من الأسلوب النقدي عددا من الكتب، أبعدته كمواطن أولا ومثقف ثانيا عن «متاريس الطوائف وحضن العشائر»... في أحد مقاهي شارع الحمراء في بيروت كان لقاء «أوان» مع حبش الذي افصح بالكثير من المواقف بعيدا عن عنوان كتابه «لا أمل لي بهذا الصمت»..

نطرح بداية السؤال الاستفهامي حول معنى عنوان كتابك الشعري الاخير «لا أمل لي بهذا الصمت» والسؤال: هل هو نوع من رغبة الاحتجاج وعلى طريقتك على هذا الصمت وبصمت؟ أم هو نوع من الانسحاب من هذا العالم الذي يدور حولك وفيه من عناوين القيم الانسانية المفتقدة حيث لا يجب؟

هذا الكتاب هو اعادة اصدار المجموعات الاولى التي كتبتها، والتي أعتقد أنها لم توزع وتقرأ كما يجب. هنا عرض عليّ الصديق الشاعر خالد المعالي صاحب منشورات «دار الجمل» ان يعيد طباعة المجموعات، فوافقت وفرحت. اما عنوان الكتاب فهو جملة مأخوذة من كتاب شعر عنوانه «لا امل لي بهذا الصمت».

لا اعرف الى أي مدى يحمل الشعر احتجاجاً وصراخاً وقدرة على ايصال الصوت. وفي الوقت نفسه نخطئ أحيانا كثيرة عندما ندعي ان الكتابة قادرة على فعل اي شيء. لذلك قد يكون هذا الصمت لأننا نعيش في صمت كبير. للأسف، كثير من الامور تجعلنا نشعر اننا على خلاف مع هذا العالم المحيط بنا. نعم هناك نوع من القطيعة مع هذا الذي يحيط بنا وفي كل شيء، من السياسة الى الثقافة التي صار لنا عليها ملاحظات كثيرة.

مشهد الثقافة اللبنانية والعربية

هل من صورة تعطيها عن المشهد الثقافي السائد في الساحة اللبنانية اليوم؟ وتاليا الثقافة العربية؟

أنا أتابع الثقافة العربية وأوضاعها ولكن لا أعرف ما اذا كان يحق لي التوسع في اعطاء ملاحظاتي عليها، لذلك لنبقَ في اطار الشأن الثقافي في لبنان. في لبنان هناك مشكلة جدية يختزلها سؤال: ما معنى الثقافة اللبنانية؟ أنا لا أُريد ان اقول ثقافات في لبنان، ولكن هناك تنوع، وافكار ومشاريع كثيرة، ولكن هذه المشاريع لا أدري الى أين يمكن ان تؤثر.. بمعنى ان الثقافة كانت دائما تتأثر بالعامل السياسي في لبنان، ولبنان اليوم مقسوم بطريقة مرعبة، والمشكلة الاكبر ان الاحزاب والطوائف هي من يريد ان يفرض ثقافة معينة، ولا أعتقد ان حكم الاحزاب والطوائف المتهافتة يمكن ان يعمل ثقافة فعلية. يمكننا القول ان لبنان أثرى يوماً ما الثقافة العربية، ولكن اعتقد ان دور لبنان اليوم محدود. لاحظي أن التأثيرات اللبنانية في الخارج هي نتاج سلبيات السياسة وليس الثقافة الحقيقية. ثم ان المثقفين هنا دخلوا في شراذم السياسة والانقسام، وبتنا في حالة تسمى ثقافة سوق. ففي الوقت الذي نرى أن برامج المنوعات التلفزيونية «تضرب» شعبياً، نلاحظ تراجع مبيعات الكتب، والبرامج الثقافية، وغياب المسرح والسينما، والاغاني الجدية.. لماذا نكذب على انفسنا «لاحظوا المطربين والمطربات نموذجا»..

يبدون احيانا وكأنهم عارضو ازياء؟

وأحياناً اكثر بلا ازياء.. هناك مشكلة حقيقية شئنا أم ابينا. لا ثقافة تولد من فراغ، وهي تحتاج الى مجتمع حقيقي يحتضنها. وفي لبنان لا يوجد مجتمع حقيقي.

مجلة شعر بعد 50 عاماً

عندما يقال إنه في مرحلة حمسينيات القرن الماضي لعبت وعلى سبيل المثال مجلة «شعر» وصاحبها يوسف الخال دوراً ثقافياً مؤثراً في الحياة الثقافية العربية وأحدثت تحولا، الى جانب محطات مختلفة من التأثير المتبادل مع المحيط العربي.. هل لا يوجد اليوم حراك ثقافي محلي لكي يترك بصماته.. هل لا يوجد في لبنان مثل هذه التأثيرات اليوم؟

إن اهمية مجلة «شعر» وبعد مرور خمسين عاماً على صدورها، وعلى الرغم من ملاحظاتنا عليها، تبقى أنها اتت في لحظة تاريخية، من تجديد، الى أحلام قومية، الى حركات تحرر تؤمن بالتغيير. من هنا لعبت دورها، اما اليوم، فهناك كثير من المقترحات ولكن الى أي مدى هي قادرة على لعب دور في المجتمع، هذا المجتمع الذي لا يعير الثقافة اي اهتمام. ان المشكلة الحقيقية في رأيي هي مشكلة اجتماعية ومجتمعية.. هناك كتّاب وطروحات، ولكن هناك مشكلة في التواصل مع العالم.. الثقافة هذه الايام تبدو وكأنها مذهب او طائفة، فلا تواصل مع الآخرين، اذ يكتفي المثقفون بقراءة بعضهم البعض، وبلقاءات من دون تاثير او فاعلية. نكذب ونضحك بعضنا على بعضنا اذا ادعينا ان في إمكان الثقافة ان تلعب دوراً في العالم العربي، في وقت يجهد الناس في التفتيش عن لقمة عيشهم لا عن شراء كتاب.

تشعر بالقلق؟

الثقافة لا تعمل «ببلاش»، ولكي نواكبها علينا دفع بدل التكلفة. علينا الا ننسى أن أسعار الكتب مرتفعة جدا.

عودة المثقف إلى العشيرة

نلاحظ أمرا آخر، يتعلق بعمل الكتاّب والشعراء في اعمال اخرى كالصحافة اليومية او في التعليم لتأمين ضرورات المعيشة، وقد يقضي هذا على الجانب الابداعي لهذا الكاتب والشاعر، اضافة ايضا الى دخول معايير تفرضها ضرورات سياسة صاحب العمل بما يتناقض مع تطلعات هذا المثقف التغييرية.. من هنا نلحظ غلبة الكتابة السياسية على الثقافية وبالتالي غياب الدور الحقيقي؟

المشكلة الكبرى عندنا اننا لم نصل الى مجتمع مدني، اذ ان «أتخن» مثقف واكثرهم علمانية يستدير في لحظة ما ويعود الى طائفته وعشيرته. لم نقدر بعد على ان ننجب المثقف المحايد، لأن صوت الطوائف أعلى. الرسالة الثقافية يجب ان تكون بعيدة عن الانشقاق السياسي. ما نراه هو «تمترس» للمثقفين وراء السياسيين، في حين يجب ان يحصل العكس، ان يحصل نوع من إعادة التفكير، لا ان ننجر وراء الشعارات والخطابات.

نحن والغرب

إلى جانب أنك شاعر وكاتب صحافي، فانت ممن يذهبون بترجماتهم الى حيث ابداع المثقفين في الغرب. أي الاطلاع على الآخر. فهل المشهد هناك مختلف عما هو عليه هنا؟ هل يمكننا القول ان المثقف في الغرب لديه القدرة على خلق تيار مؤثر، وان يصل الى مكان ما؟

دعيني اقول ان الغرب ليس الجنة. ليس علينا ان نوافق على كل ما يأتينا منه من كتابات. ولكن ما يزال للمثقف في الغرب تأثير. يحصل نقاش جدي هناك، والمجتمع يقبل هذه النقاشات، في حين أن أي نقاش هنا يدخلنا في متاهة» التخوينات» المتبادلة.

لأننا نحن من نكون عملاء لهم بصفتهم المستعمر وليس العكس!!!
لدى الغرب سياق تاريخي، ولديه القدرة على الحفاظ على فكرة التنوع، ولكن للغرب مشاكل ايضاً، ونقاشاتهم لهم وليست لنا.. نحن طورنا الأدب في العالم العربي ولكن لم نطور بعد المجتمع. المجتمع عندنا بعيد جداً عن النص الادبي. هناك هوة واسعة بين المثقف وبين القارئ.. ان حركة الحداثة لم تطور المجتمع وكان هذا خطأ كبيرا، لذلك يبدو النقاش الثقافي وكأنه بلا معنى، أو في مكان آخر، مع الاشارة الى بعض التأثيرات في بعض الأمكنة.

محاولة لتوسيع الأفق

عندما «تبحر» ناحية النصوص الثقافية الصادرة في الغرب، هل يساعدك ذلك على الهروب من تساؤلاتك عما يحيط بك، أم إنك تنقلها من زاوية استمرار التواصل الثقافي؟

لقد بدأت بنقل الصورة لما يحدث من تطورات ثقافية هناك، ولكن «اللعبة» أخذتني بعيداً، وصارت جزءاً من تكويني. قد تكون هروباً من الواقع، بمعنى أنه لا جلَد لي على النقاشات التي تحصل هنا وتدفع بهذا وذاك الى الاصطفاف وراء طائفته.. من هنا بدأت بالتعاطي مع النص الصادر في الغرب، ثم أدخلت النقد على النص المنقول لأنني لستُ معجباً دائما بما يصدر هناك. كانت محاولة لتوسيع آفاقي.

في كتابك الصادر حديثا بعنوان «حكاية الحكايات» وهو قراءة في روايات أجنبية، لماذا ركزت على أسماء كتّاب غير معروفين، هل لإدانة فكرة البطل السائدة عندنا؟

الى حد كبير أنا معك في هذه الفكرة. عندي رغبة دائمة في التفتيش عن أسماء غير معروفة. في الغرب هناك أسماء تدهش بما كتبته ونحن نجهلها.. ولكن وبتواضع شديد أقول إنني بتسليطي الضوء على أسماء روائيين أجانب غير معروفة عندنا استطعت ابرازها في حياتنا الثقافية من خلال ترجمة دور النشر هنا لهذه الإصدرات. هذا يجعلني أشعر انني قمت بعمل جميل ومفرح لي.

أي إسكندر حبش تريد أن تكون: الشاعر، المترجم، الكاتب الصحافي اليومي...

حلم حياتي أن أترك المدينة إلى مكان ما بعيد أقضي فيه وقتي بالقراءة بنهم، وبكتابة ما يخطر لي، لا ما تفرضه ضرورات العمل اليومي... أحلم بالابتعاد عن العجقة، وعن الثقافة التي أشعر أنها بلا معنى.. «لشو» كل هذا النقاش؟!

أوان- 5 يوليو 2009


أقرأ أيضاً: